يرى الديمقراطيون في الكونغرس الأميركي أن مسألة تقسيم العراق بموجب خريطة قديمة جديدة، كان قد كشف عنها منتصف تسعينيات القرن الماضي، الى ثلاثة اقليم سنية وشيعية وكردية، إنقاذا لواشنطن من مأزقها في العراق، فبالتزامن مع حملة شنها الديمقراطيون في الكونغرس لدعم تقسيم العراق، تقدمت لجنة الخارجية بالكونغرس بمشروع قانون ينصّ على التعامل مع الأكراد والسنة في العراق باعتبارهما كيانين مستقلين، وتصاعدت أصوات المسؤولين الأميركيين لتدافع عن خيار التقسيم. وقال "تيم كاين" السيناتور الديمقراطي إن "تقسيم العراق على أسس طائفية قد يكون البديل الواقعي الوحيد"، وصرح "جون فريدريكس شو" السناتور عن ولاية فرجينيا، بأن "هذا هو النهج الذي يحظى بدعم قوي، وقد تحدّث عنه نائب الرئيس جو بايدن منذ سنوات"، ثم أضاف "أقول لكم إن لدي قلقا من هذا الموضوع أنه لا يمكن حكم العراق وهو موحد لذلك لا بد من تقسيمه، لكن ما يقلقني حقا هو تعزيز مكانة إيران لأنه في حال حصول ذلك سوف يكون هناك كيان شيعي يخضع بشكل كبير لسيطرة إيران"، موضحا أنه "ستكون هناك منطقة كردية، والأكراد حلفاؤنا بشكل كبير، ونحن نعمل على نحو وثيق جدا مع الأكراد، ولكن سينتهي بنا الأمر إلى المنطقة السنية حيث لا يوجد الكثير من الموارد النفطية في هذه المنطقة وأعتقد أن المتطرفين السنة سوف يسيطرون عليها بسهولة، وهكذا، سينتهي الأمر بمعركة بين الأكراد والسنة والشيعة". ومنذ أيام طالب عضو لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي "جو مانشين" بلاده والمجتمع الدولي باحتضان فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول منفصلة من أجل إخماد العنف الطائفي المندلع في البلاد، قائلا "الجميع سخر في البداية من هذه الفكرة، ولكن خلاصة القول إننا جرّبنا كل شيء آخر دون جدوى، أن تقسيم البلاد بين الشيعة والسنة والأكراد قد يكون الخيار الأفضل". أما السيناتور الديمقراطي "تولسي كابارد " فقال "على أرض الواقع، توجد ثلاثة أقاليم مختلفة في العراق، وأكدت مرارا على إدارة أوباما، أن يغير سياسته الداعمة لبغداد، وأوضحت له أن الحكومة الاتحادية تؤجج الصراعات المذهبية". وفي نهاية مايو الماضي نشرت شبكة "CNN" الأميركية تقريرا مصوّرا بعنوان "سيناريو تقسيم العراق.. توزيع مناطق السيطرة والثروة والسكان" جاء فيه أنه "يعتقد العديد من الخبراء أن العراق سيقسم إلى ثلاثة مكونات رئيسية: أولا الأكراد، ويشكلون 17%من الشعب العراقي، والعرب السنة ونسبتهم 20%، والشيعة يشكلون60%"، وجاء توزيع الأراضي العراقية وفق تقرير الشبكة الأميركية كالآتي: * منح الأكراد المناطق الواقعة في الشمال الشرقي الغني بالنفط. * السنة سيحصلون على الجزء الأوسط من العراق من الحدود مع الأردنوسوريا امتدادا إلى بغداد. * الشيعة سيحصلون على الجزء الجنوبي من البلاد. وتعود فكرة تقسيم العراق إلى القرن العشرين في ادبيات المفكر الأميركي المتخصص في الشرق الأوسط "برنار لويس" لكن لم يتطوّر الحديث عن هذه الخطة إلا بعد أن أحياها نائب الرئيس الأميركي "جو بايدن" في العام 2006، عبر تقديمه لخطة تقترح تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم: سنّية وشيعية وكردية، مع الإبقاء على العاصمة بغداد، وكان بايدن حينها عضوا في مجلس الشيوخ، ثم أعاد طرحها سنة 2013، إثر توليه منصب نائب الرئيس الأميركي، واليوم يكثر الحديث عن طرح بايدن كأحد الحلول الواقعية، خاصة مع تقديم واشنطن مساعداتها المالية مباشرة إلى الأكراد والعشائر السنية باعتبارهما طرفين مستقلين وبعيدا عن حكومة بغداد المحسوبة على إيران الشيعية. وفي العام 2007 نشر معهد بروكينغز دراسة للباحثين "إدوارد جوزيف" و"مايكل أوهانلون" بعنوان "دواعي التقسيم الناعم للعراق لثلاث مناطق: جنوبية، وسطى، شمالية، وأكدا في الدراسة أن نعومة التقسيم تتطلب حرب طائفية في العراق. وفي العام 2009 توقع "ريتشارد هاس" في كتابه "حرب الضرورة أم حرب الاختيار" تفكك العراق إلى ثلاث دويلات مع هيمنة إيرانية مباشرة على محافظات الجنوب، وانفصال منطقة كردستان، شمال العراق، بعد إعلان استقلالها، أما الشمال الغربي، فيبقى من حصة المتشددين السنة الطامحين إلى إنشاء دولة سنية في محافظات غربي العراق، بما فيها الموصل الممتدة إلى مدن شرق سوريا.
أما الباحث "رهاب نوفل" فأشار في العام 2015 عبر كتابه "مشروع مقاومة تقسيم العراق وتفتيته" إلى أن "الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق عام 2003، لم يكن هدفه العراق، ولكن العراق تشكل كميدان مباشر للقفز على الهدف الأبعد وهو كل الوطن العربي"، وضمن نوفل وثائق جاء في احداها أنه "يمكن تقسيم العراق إلى ثلاث مقاطعات إقليمية كما حدث في سوريا أثناء الحكم العثماني"، كما ذكر تقرير ل"غراهام فولر" الرئيس السابق لقسم البحوث والتخطيط في المخابرات الامريكية المركزية 1992، وصادر عن "مؤسسة راند" الأميركية القريبة من مركز صنع القرار السياسي "يدعو إلى ضروره قلب الحكم في العراق، بحيث يصبح الحكم شيعيا ويتحول السنّة إلى أقلية". وبينما ترسم المعارك في العراق ملامح الأقاليم الثلاثة بطريقة جغرافية ومذهبية ونفطية، قالت وكالة "سبوتينكط الروسية أن هناك أدلّة ملموسة عن دخول مشروع تغيير العراق ديمغرافيا وتهيئته للتقسيم حيّز التنفيذ" وذلك بمحاولة ضمّ ناحيتي الرحالية والنخيب من محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية، لمحافظة كربلاء ذات الطابع الديني المقدس لدى الشيعة من خلال ممارسات التطهير العرقي التي شملت كذلك قضاء "تلعفر" أكبر أقضية العراق شمالا، التابع لمحافظة نينوى التي يسيطر عليها تنظيم داعش وأفرغها من أقلياتها العائد تاريخ دياناتها إلى ما قبل ظهور الإسلام، كالمسيحية والإيزيدية. كما طهرّت عرقيا القرى المحيطة بناحية "آمرلي" في قضاء "الطوز خورماتور" المتنازع عليها دستوريا بين "حكومة المركز" وإقليم كردستان وهي ذات الغالبية التركمانية الشيعية التي قاومت تنظيم داعش لشهور، ويفرغ سهل نينوى شمال العراق من أقلياته على يد تنظيم داعش، بالكامل بعد تخيير المسيحيين، إما اعتناق الإسلام وإما دفع جزية أو تقديم رقابهم للنحر أو ترك الأرض، والإيزيديون الذين لم يحظوا بأي خيار ينقذ رجالهم من الإعدام الميداني ونساءهم من السبي والتحول لجواري لعناصر التنظيم، الذي يتاجر بالمئات منهن في أسواق الرقيق. ويؤكد الخبير الأمني العراقي "هشام الهاشمي" للوكالة الروسية أن "ما يحدث هو تغيير ديموغرافي بهدوء وبعلم الكبار وصناع القرار وهيئة الأمم بذلك"، أما الباحث السياسي الكردي "كفاح محمود" فقال إن "الشعب الكردي قاب قوسين أو أدنى من التقسيم، ولو أجرى الإقليم استفتاء الانفصال، سيوافق أكثر من 90% من الأكراد على الاستقلال عن المركز". وبالرغم من تعالى الأصوات لخيار تقسيم العراق كأحد السيناريوهات المفضلة لدى تيار واسع من السياسيين والإستراتيجيين الأميركيين، وأيضا أقلية سياسية في العراق على غرار الأحزاب الكردية والحزب الإسلامي العراقي، الجناح العراقي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي يؤيّد فكرة انشاء إقليم سنّي، يبقى أن مشروع التقسيم الأميركي ناقصا لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن في العراق مكوّنات وهويات أخرى غير السنة والشيعة والأكراد؛ فهناك المسيحيون والإيزيديون والتركمان وغيرهم، كما أن جزءا كبيرا من المحافظاتالعراقية متداخلة طائفيا، كالتواجد السنّي في البصرة والوجود الشيعي في صلاح الدين، ناهيك عن مشكلة توزيع النفط والثروات الطبيعية، فعلى سبيل المثال جزء كبير من الثورة النفطية ستكون تحت يد الأكراد، وفرض التقسيم مع التغافل عن هذه المعطيات سيكون طعنا جديدا في جسد العراق الواهن، ولن يجلب السلام للمنطقة التي قال عنها المحلل السياسي العراقي "حسين درويش العادلي" أنها "غير مستعدة حاليا لهضم خارطة سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وما تنتجه من تحولات بنيوية هائلة تهدد مصالحها".