رئيس جامعة المنصورة يتفقد أعمال تجديد المدرجات بكلية الحقوق    إهداء درع معلومات الوزراء إلى رئيس جامعة القاهرة    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    خالد صبري: إقبال كبير على سوق العقارات المصري    انطلاق فعاليات الجلسة الرابعة «الثورة العقارية في مصر.. الواقع والمستقبل»    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    رئيس الرقابة المالية: الانتهاء من المتطلبات التشريعية لإصدار قانون التأمين الموحد    عاجل| أحد مرافقي الرئيس الإيراني: الآمال كبيرة في انتهاء الحادث دون خسائر بالأرواح    وزير الدفاع البريطاني: الحكومة البريطانية قلقة بشأن المسيرات المؤيدة للفلسطينيين    مشاهدة مباراة آرسنال وإيفرتون في جولة الحسم بالدوري الإنجليزي| مباشر    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    عاجل.. براءة متهم من قتل سيد وزة ب "أحداث عنف عابدين"    تسلق السور.. حبس عاطل شرع في سرقة جهاز تكييف من مستشفى في الجيزة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    مصطفى قمر يتألق بأغانيه في حفل زفاف نجلة سامح يسري.. صور    «يا ترى إيه الأغنية القادمة».. محمد رمضان يشوق جمهوره لأغنيته الجديدة    قومية قنا تقدم "المريد" ضمن عروض الموسم المسرحي بجنوب الصعيد    طلاب مدرسة التربية الفكرية بالشرقية في زيارة لمتحف تل بسطا    جوائز مهرجان لبنان السينمائي.. فوز فيلم "الفا بات" بجائزة أفضل فيلم روائي    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    الجبالى مازحا: "الأغلبية سقفت لنفسها كما فعلت المعارض وهذا توازن"    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    وزير الصحة: تقديم القطاع الخاص للخدمات الصحية لا يحمل المواطن أعباء جديدة    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية مجانا في قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    "علشان متبقاش بطيخة قرعة".. عوض تاج الدين يكشف أهمية الفحوصات النفسية قبل الزواج    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    3 وزراء يشاركون فى مراجعة منتصف المدة لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ    موعد انعقاد لجنة قيد الصحفيين تحت التمرين    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد حليم بركات يكتب: معالم في طريق البرادعي
نشر في المشهد يوم 13 - 05 - 2015

يلا هيلا وهيلا وهيلا، مع بعض تهون الشيلة، هيلا هيلا يا بحر الأوطان، المركب محتاج قبطان، والقبطان اسمه برادعي، وبرادعي يعني التغيير، والتغيير بالحرية، والحرية ماهيش منحة، قوم بقى من نومك واصحي، نعدل مع بعض الشيلة.
معالم في طريق البرادعي
1-
"أنا لم أنه حديثي"
هكذا جاء رد السيد "مصطفى البرادعي" نقيب المحامين في الخمسينات والستينات والسبعينات، عندما قاطعه "محمد أنور السادات" في مؤتمر للتحضير للميثاق عام 1961 وكان السادات سكرتيرا للجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية "لجنة المائة" وكان يرأس الجلسة وعندما وقف "مصطفى البرادعي" على المنبر تحدث عن أهمية حرية الصحافة وتعددية الأحزاب.. حيث كان دائماً ما يدافع عن الحرية ضد قمع دولة عبد الناصر.
أنجب "مصطفى البرادعي" خمسة أبناء: "محمد" أكبرهم، ثم "طارق" ثم "منى" ثم "علي" ثم "ليلى" وجميعهم حاصلون على أعلى الدرجات العلمية سواء في القانون، الاقتصاد، التعليم أو الإدارة.
تربى على الشهامة والمروءة، فهو صاحب مبدأ "الإنسان موقف" حيث كان المجتمع وقتها يتميز بالتعددية والتسامح الاجتماعي والديني، وكان مقياس العمل قبل 23 يوليو 1952هو عمل الإنسان وليس ماله، وكان من يطلق عليهم النخبة يفتخر المجتمع بهم فعلا، من كتاب وأدباء وفنانون وعلماء في الاجتماع والسياسة وفي جميع المجالات، وكانت النخبة لا تقل عن النخبة الأوروبية.
كان "مصطفى البرادعي" مثلاً أعلى لإبنه الأكبر "محمد" الذي أصبح فيما بعد خير خلف لخير سلف.
2-
"ما أريده هو إقامة دولة العدل وليس شيئاً غيره.. هل هذا كثير!؟"
ولد الدكتور "محمد البرادعي" في 17 يونيو 1942 بمدينة كفر الزيات التابعة لمحافظة الغربية.. تخرج من كلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1962 بدرجة ليسانس الحقوق، وتزوج من الدكتورة "عايدة الكاشف" وأنجبا ابنتهما "ليلي" محامية وابنهما "مصطفى" مدير استوديو في محطة تليفزيون خاصة، ويعيشان في لندن.
بدأ الدكتور "محمد البرادعي" حياته العملية عام 1964 موظفا في قسم إدارة الهيئات بوزارة الخارجية حيث مثَّل مصر في بعثتها الدائمة لدي الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف.. واستقال البرادعي من منصبه بوزارة الخارجية المصرية إعتراضا على بعض بنود اتفاقية "كامب ديفيد"، وكان قد سافر إلى الولايات المتحدة للدراسة، ونال شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيويورك وعاد إلى مصر عام 1974 حيث عمل مساعدا لوزير الخارجية "إسماعيل فهمي" ثم مسئولا عن برنامج القانون الدولي في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث سنة 1980 كما كان أستاذا زائرا للقانون الدولي في مدرسة قانون جامعة نيويورك.
رغم هذا يخرج علينا إعلامي لا يعرف الفرق بين السفارة والقنصلية يقول أن البرادعي عاد إلى مصر في 2009 باحثاً عن منصب في حكومة «أحمد نظيف» وعندما رفض النظام بدأ في معارضته.
اكتسب خلال عمله كأستاذ وموظف كبير في الأمم المتحدة خبرة بأعمال وصيرورات المنظمات الدولية خاصة في مجال حفظ السلام والتنمية الدولية، وحاضَرَ في مجال القانون الدولي والمنظمات الدولية والحد من التسلح والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وألَّف مقالات وكتبا في تلك الموضوعات، وهو عضو في منظمات مهنية عدة منها اتحاد القانون الدولي والجماعة الأمريكية للقانون الدولي.. التحق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1984 حيث شغل مناصب رفيعة منها المستشار القانوني للوكالة، ثم في سنة 1993 صار مديرًا عامًا مساعدًا للعلاقات الخارجية، حتي عُيِّن رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 1997 ذلك بعد أن حصل على 33 صوتًا من إجمالي 34 صوتًا في اقتراع سري للهيئة التنفيذية للوكالة، وأعيد اختياره رئيسا لفترة ثانية في 2001 ولمرة ثالثة في 2005.
الرجل الذي قد أثار مع بدايات 2003 تساؤلات حول دوافع ورُشد الإدارة الأمريكية في دعواها للحرب على العراق بدعوى حيازتها لأسلحة دمار شامل، إذ كان قد ترأس هو و"هانز بلكس" فرق مفتشي الأمم المتحدة في العراق، وصرح في بيانه أمام مجلس الأمن في في 27 يناير 2003 قُبَيل غزو الولايات المتحدة العراق "إن فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعثر حتي الآن على أي أنشطة نووية مشبوهة في العراق" ووصف البرادعي يوم غزو العراق بأنه "أبأس يوم في حياته"
يأتي هؤلاء المرتزفة على السلطة يرددون تخرصات منذ عودته إلى مصر وحتى الأن بأنه هو سبب دمار العراق!
وبعد أن حصل على قلادة النيل بعد حصوله عام 2005 على جائزة نوبل للسلام اعترافاً بالجهود المبذولة من جانبهما لاحتواء انتشار الأسلحة النووية.. جاء اليوم الذي ترفع فيه دعوى لسحبها منه، حيث يرى هؤلاء أنه لا يجب أن يتساوى مع "عدلي منصور" اخر الحاصلين عليها!
3-
"التغيير سيحدث أقرب مما تتخيل شريطة أن يلتف الناس حول إرادتهم فلم يعد هناك مجال للبطل المُخلص وحده، هذه هي طريقتي في العمل ولن أتنازل عنها وسأنجح في هذا قريباً بإذن الله"
بهذه العبارات هز "محمد البرادعي" عرش مصر قبل أن يعود إليها في عام 2010.. وكأنما وضع قنبلة في حجر النظام وتركهم يتأملون لحظة إنفجارها، وحاولوا أن يستعدوا لتلك اللحظة من خلال تشويه سمعة الرجل وتهديده قبل أن يعود.. إلا أنه أصر على العودة وعاد.
"الرجل السبعيني" عاد وحده ذات مرة مثلما كان وحده يسافر ويعود.. لكن تلك المرة كانت لها طابع أخر، فكان حوله مجال من الشباب يتسعون كل يوم على إيقاع الأمل، والأمل وحده الذى أعاد البرادعي إلى مصر.
عاد ليجد المشهد الغريب عن مصر وقتها في صالة الوصول، الشباب في إنتظاره، والأمل في حقيبة سفرة الممتلئة بالضمير.
عاد البرادعي ليخوض المعركة على طريقته والجماهير الرمزية التى استقبلته كانت من بينها نوعية أخرى من "رجل الشارع"، لكنها على العكس كانت تريد "الدكتور" بديلا لمبارك، بين الذين لا يرون بديلا لمبارك والذين يبحثون عن بديل "أى بديل" للرئيس، كان يتجلى الفارق الذى يمثله دخول البرادعى ملعب الصراع السياسى فى بلد مثل مصر، وفى لحظة "كانت وقتها" انتقالية تصيب الجميع بالانفعال.
رجل الشارع كان يبحث عن الأقدار، تربى على الإدمان.. الحكام بالنسبة إليه هم أصحاب البلد وملاكه.. هو ضيف أو موظف فى جيوشهم.. الحاكم نصف إله، ولا حول ولا قوة للمجتمع إلا بما يمنحه هو من أدوار ووظائف وهبات وعطايا.. عودته كانت قبلة حياة لمستقبل كاد يشبه الماضى القريب .. تقويم صناعة التغيير ارتبط باسمه وبظهوره الذى صار معه ما كان أملا ممكناً وما كان مستحيلاً واقعياً.. مضى البرادعي فى هذه المساحة كومضة برق أضاءت حولها فانكشف أمامنا واقعا ربما كنا نراه من بعيد دون أن ندرك تفاصيله، أشياء تشبه السياسة لكنها ليست سياسة، وأحزاب تشبه الأحزاب لكنها ليست أحزاب، ومعارضة تشبه المعارضة لكنها ليست معارضة، وحراك يشبه الحراك لكنه ليس حراكا.
إستطاع «النجم الساطع» أن يغير وجهة نظر المصريين في مصر .. فبعد أن كانت تنظر لها كالأم العجوز التي لا حول لها ولا قوة تجاه أبنائها أصبح النظر إليها كطفلة صغيرة يبحث لها أهلها عن مستقبل مشرق يقف الدكتاتور حائلاً بينها وبينه .. ومن هنا كان التأثير الأقوى للبرادعي على مصر.. فما أصر عليه إستطاع أن يحققه في الوقت الذي أراده.
4-
"أريد أن أشارك مع مليون مصري في الشارع"
هذه العبارة التي قالها كانت الشرط الأساسي في تحقيق الحلم الذي لم يراه سوى البرادعي، وكان بالنسبة للمصريين بما فيهم الشباب هو الخيال بعينه.. كيف نرى مليون متظاهراً في الشارع بعد أن كنا نشعر بالقوة عندما يمتلأ سلم نقابة الصحفيين بعشرات المتظاهرين؟ .. إستطاع هو أن يجعل الخيال واقعاً وحلمه أصبح حقيقة في 25 يناير التي هي صنيعته وكان الأحق بقياداتها.. إلا أنه سقط في فخ الإبتزاز الذي جعله آثر على نفسه آخذاً خطوتين إلى الخلف، شغل المجلس العسكري الخطوة الأولى والإخوان الخطوة الثانية، ولم يكن الإبتزاز الذي تعرض له هو السبب الرئيسي في تراجعه.. بل السبب الذي أحزنه وجعله يقلق على الثورة جاء بسبب تسلل الشباب من حوله رويداً رويداً حتى وقف وحيداً يحاول الحفاظ على مكتسبات الثورة وتوظيفها في بناء مستقبلها، وهو ما جعل أصحاب المصالح الثورية والمنافقين والأفاقين والكذابين وعملاء الأمن والمخابرات يلتفون حوله.. لأن الشباب ذهب ليجمع فتات ظنوا أنها غنائم، فأصبحوا مقيمين في استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي يتناوبون على البرامج، كما أغرتهم السلطة فجلسوا على موائدها في الحوارات الوطنية التي أبتدعت في الأساس لامتصاص حماسهم ثم ركلهم خارج المشهد بعد أن تركوا الثورة فريسة سهله في فم الإخوان المسلمين والمجلس العسكري.. وكانت للأطماع مفعول السحر في تفرق الشباب وتفتيت أوصال الثورة، حيث كل مجموعة منهم رأت في أنفسها الأحقية في حكم مصر بعد الثورة فأخذوا يتحاربوا ويتنابذوا بالألقاب فيما بينهم، وكل مجموعة اختارت لها مرشح للرئاسة يلتفون حوله متناسيين أن هناك مرشحاً أساسياً يحمل لواء الثورة منذ بدايتها وكانوا مرشحيهم يلتفون حوله قبل الثورة بأشهر قليلة.. في الصورة الشهيرة.
عندما أدرك الدكتور "محمد البرادعي" أنه دخل في لعبة إنتخابات مشبوهة.. أعلن خروجه من لعبة الرئاسة .. إحتراماً لمبادئ لم تكن متاحة عند كثيراً من الساسة.. الخروج من اللعبة لم يكن بحسابات سياسية ولكنه بروح "غاندى" الراغبة فى معاندة المزاج السياسى المبني على الكراهية ورفض خوض الإنتخابات بقوانين هشة، وهو ما يمثل ضربة مزدوجة لكل من اعتبر البرادعى رمز الليبرالية فى مواجهة رموز سلفية وإخوانية، أو من تعامل على أنه "زعيم سياسى" يمكنه أن يخوض حربا فى بيئة سياسية غير صالحة.
حاول البرادعي أن يعلن للشباب بانسحابه أجراس الخطر على الثورة.. إلا أنهم أصروا في المضي قدماً تجاه أطماعهم منها دون أن يلتفتوا إليه، حتى أصابتهم خيبة الأمل في لعبة الإنتخابات الرئاسية التي وصلت بهم إلى الإختيار بين "الشفيق" و"المرسي".. ولأنه محمد البرادعي لم يتخلى عنهم ولم يعاقبهم على جريمتهم هذه.. وقرر أن يجمع شتاتهم مرة أخرى في كيان سياسي يعملون معه من خلاله.. فأنشأ "حزب الدستور" وبدأ من جديد في طريقة لاستعادة ثورتهم المنهوبة.. إلا أن "محمد مرسي" وجماعته قدموا للثورة الهدية في استعادتها على طبق من ذهب.. عندما أصدر الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 وهو ما جعل البرادعي يجمع المعارضة مرة أخرى في كيان «جبهة الإنقاذ» التي أسسها ضد جماعة الإخوان.
5-
"العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المبنية على قبول الآخر خيارنا الوحيد.. أدعو الله أن نفهم أن العنف لا يضمد الجراح بل يفتح جروحًا جديدة.. وأزف الوقت لإنهاء الاستقطاب البائس الذي نعيشه بأسلوب عقلاني، وأن نتحلى بروح التسامح، لنبدأ في البناء بسواعد كل مصري ومصرية"
لم يكن أمام الشباب في 30 يونيو سوى تفويض الرجل الذي كان صاحب فكرة الثورة التي استطاع أن يستعيدها مرة أخرى ممن سرقوها ليقود الموجة الثانية لها وليس أحداً سواه .. فهوى الذي يحترمه المعارضين يخشوه الإخوان ويهابوه الفلول الذين لم يستطيعوا أن يقفزوا في وجوده .. فهوا ليس من هؤلاء الخائنين لشعوبهم ولا من أولئك المتفاوضين على مبادئهم .. فاستطاع أن يضع خارطة الطريق التي يريد أن ينقذ بها ما تبقى من ثورة 25 يناير ويضع المسار الصحيح نحو تحول ديمقراطي حقيقي .. فكان هدفه الأسمى هو عقد مصالحة وطنية مع الجميع.. فلول وإخوان ممن لم يتورطوا في الدماء والفساد عن طريق العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية التي طالب بها مراراً منذ "25 يناير"، ثم إستحدث بعد 30 يونيو وزارة للعدالة الإنتقالية لتنفذ المشروع المتميز للمصالحة الوطنية من دون التعدي على القانون ، لإيمانه بأن الدولة لن تستقيم إلى عندما تنتهي العداءات التي إستطاع مرسي وإخوانه في عام واحد أن يجعلها هي السمة الوحيدة لهذا البلد.
وجود "محمد البرادعي" هو كان الضمان الوحيد لأن تكون التوجهات العامة لنظام ما بعد "30 يونيو" أن يبيدوا كل خطايا الأنظمة العفنة السابقة من دون إقصاء أو إنتقام سواء من النظام الإخواني السابق أو النظام المباركي الأسبق .. مستعيناً بالكفاءات والعقلاء في هذا البلد حتى "وإن كانوا خصوماً سياسيين لهم بشكل حضاري" وفي تثبيت مباديء وقوانين وممارسات حكم يقوم على أسس ديمقراطية تكون العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية هي الأساس التي يضمن بناء دولة قوية متماسكة يستحيل هدمها ببساطة .. فالبرادعي يرى كما يرى شباب الثورة .. أن العواطف والمشاعر في مصر مختلطة، فهناك الكثير من التعاطف مع الرئيس المعزول "محمد مرسي" وأيضا المزيد من الغضب عليه، ولكن نحاول تعلم قبول وجهات النظر المختلفة، وهذا هو السبيل لتحقيق الاستقرار، وما يجب علينا الآن التأكيد علي وقف العنف ونبذه من جميع الأطراف .. وأن ضرورة الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين ومحاولة إقناعهم بأن "محمد مرسي" فشل في إدارة البلاد لا يعني أننا سنقصي جماعة الإخوان من المشهد السياسي، ولكن ينبغي الاستمرار لتكون جزءا من العملية الديمقراطية وأن تشارك في صياغة الدستور وكذلك الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
لكن كل هذا ذهب مع الريح بسبب العنف الذي حدث في فض اعتصامي رابعة والنهضة.. والعنف المقابل من أنصار الجماعة.
6-
"كذب ومحاولات تشويه منذ يناير 2010 من جانب أذناب مأجورة في محاولات يائسة لاستمرار الاستبداد: انتمائي، عقيدتي، عملي وعلاقاتي كمسئول دولي، حياتي الشخصية.. إليهم جميعا أقول: المجاهرة بالحق من أجل الحرية والكرامة والقيم الانسانية ستستمر ما بقى في العمر بقية والثورة ستنتصر.. وحملة فاشية ممنهجة من مصادر سيادية واعلام مستقل ضد الاصرار علي إعلاء قيمة الحياة الانسانية وحتمية التوافق الوطني. العنف لا يولد الا العنف"
لم تفارق حملات التشويه الممنهجة الدكتور "محمد البرادعي" حتى وهو في منصب نائب رئيس الجمهورية وكانت وسائل الإعلام الحكومية لم تكف عن نشر أكاذيب في حق الرجل والأسباب كانت واضحة لمن يريد أن يفهم.. فالسبب الأول هو محاولة مستمرة لإطفاء أنوار 25 يناير عن 30 يونيو، والسبب الأخر هو رغبة واضحة من أجهزة الدولة في ألا يشارك "السيسي" أحداً في نجوميته التي إكتسبها بعد ما حدث في 30 يونيو بسبب البرادعي، حيث كان يريد السيسي إستفتاء على بقاء مرسي، لكن البرادعي رفض وأصر على عزله مباشرة… لكن الرجل رحل عن السلطة بإرادته التي إعتبرها الكثيرين "خيانة" للوطن وتخلي عن المسؤولية في لحظة يحتاج الوطن لتكاتف كل مخلص ومحب، لكن دلائل الإخلاص والحب عند البرادعي وقليلون لا يجب أن تكون على حساب أرواح أزهقت ودماء سالت حتى وإن كانوا خارجين على القانون، فكل من أجرم يكون عقابه قدر جرمه لا عن طريق قتل جماعي ممنهج مع سبق الإصرار والترصد من أجهزة الدولة.
7-
"كما تعلمون فقد كنت أري أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعي وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلي التوافق الوطني، ولكن الأمور سارت إلي ما سارت إليه.. ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن – في رأيي – تجنبه.. ولقد أصبح من الصعب علي أن أستمر في حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشي عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطني خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها.. وللأسف فإن المستفيدين مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفًا وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله"
مقتطف من نص إستقالة الدكتور "محمد البرادعي" نائب رئيس الجمهورية السابق في 14 أغسطس الماضي جراء عملية فض إعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة والعنف المفرط.
بعد أن قطع صاحب "نوبل" للسلام أشواطاً طويلة وإتفاقات كبيرة مع أطراف الصراع بعد 30 يونيو سواء الدولة وأجهزتها من ناحية وجماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامية من ناحية أخرى في فك الإلتباس القائم والعودة إلى نقطة يتلاقى فيها الجميع بعد خمسة وأربعين يوماً من العمل الشاق.. كي تعترف الجماعة بما حدث في 30 يونيو وفي المقابل تلتزم الدولة بحق الجماعة في المشاركة في العملية السياسية بالطرق المشروعة مع جميع أطياف الشعب المصري والإفراج عمن لم يتورطون في الدماء من معتقليها في السجون.. إلا أن الدولة وأجهزتها خدعت الجميع وقررت ضرب المصالحة في مقتل بانتهاجها العنف المفرط في فض الإعتصامات، وكأنها تنتقم.. مما أجبر صاحب الضميراليقظ والمدافع الأول عن الإنسانية الخروج نهائياً من المشهد العبثي والعدواني.. كي يحافظ على أغلى ما يملك وهي المبادئ والضمير الحي.
استقالة البرادعي كانت إعتراف منه بأن السلطة الحاكمة بعد 30 يونيو لا يعنيها المجتمع وتوحده وتقدمه.. قدر ما يعنيها وتستهويها فكرة الإنتقام التيار الذي كان يحكمه، واستطاعت عن طريق أجهزتها الأمنية والإعلامية أن تنقل هذه الأفكار إلى المجتمع الذي أصبحت فكرة الإنتقام عنده مسبقة على فكرة التسامح التي تبنى عليها المجتمعات.. فالمجتمع لن يستقيم قوامه إلا في بيئة فاضلة تملؤها المودة و التراحم و الاحترام.
ورغم ذلك.. يتهمه الحمقى من الجماعة بأنه شريك في العنف ومسؤول عن الدماء التي سالت!
في النهاية ترك البرادعي المنصب وسافر لكن كلمة "الخيانة" لم تتركه، وهذا ما تكشفت أسبابه بعدها.. بداية من رفض الدولة لوجوده رئيساً للوزراء بعد 30 يونيو وألصقوها في رفض حزب النور.. لكن الحقيقة باتت واضحة بأن "السيسي" دبر وخطط جيداً منذ اليوم الأول بعد 3 يوليو في توجيه الدولة تجاهه وتهييئها لأن يكون رئيسها وهذا لم يكن ليحدث والبرادعي رئيساً للوزراء.. لأن وقتها لم يكن ليستطع "عبد الفتاح السيسي" أن يحكم من خلفه، وكان قد وضع "السيسي" في حجمه الطبيعي بكونه وزير دفاع لا أكثر، كما لم يكن يستطيع أحد فض اعتصام أو إرجاء مصالحة إلا من خلال البرادعي حيث وقتها كان سيكون المسؤول الأول عن إتخاذ القرارات في مصر خاصة وأن "عدلي منصور" كان قد جاء فقط لتسيير الأعمال.. ولهذا لا يمكن أن يكون البرادعي فوق "السيسي" الذي كان الحاكم الفعلي منذ 3 يوليو.. واستطاع بالترغيب والترهيب في أن ينال مراده من الدولة والشعب بأن يصبح رئيس جمهورية مصر العربية.
إذا كان الدكتور "محمد البرادعي" كان قد تولى منصب رئيس الوزراء بعد 30 يونيو.. هل كان من الممكن أن سيترشح "عبد الفتاح السيسي" للرئاسة ؟
8-
"‏من البوب للشباب في ذكرى ميلاده الماضي: حبكم يغمرني تواضعاً ويزيدني إصراراً.. كنتم ومازلتم الحلم والأمل.. العقل مرشدنا والضمير بوصلتنا.. معا سنغير مادام في العمر بقية".
الشباب الذي يطير سعادة عندما يحول موقف البرادعي المستحيل الى شيء عادي، تتحول نقاشات مواقع التواصل الإجتماعي الى تراتيل فتنة، ويبدو الرجل العجوز بالقوة الساحرة المنطلقة من نقاء الضمير.. رسول ثورة لا يمكن تفاديها لحظة غضب الأنظمة عليه .. فهو حالة فريدة من رجال السياسة لا تتحمل توافقات مصر في عصر قام كله على تقديس المتوسط.. الوسط له قيمة وتقدير.. والنجاح للمتوسط والأقل كفاءة.. لا إبداعات خارقة، ولا خروج عن حدود يرسمها متوسط الفكر.. وللأسف لم تفرز الفترة السيئة الماضية شخصيات جديدة تكون جديرة بحق عن قيادة الموجة الثانية من الثورة التي فشلت موجتها الأولى في تحقيق باقي أهدافها بسبب إنعدام القيادة ولا يوجد هناك سبب أخر لفشلها سوى هذا.
الأحداث التي تمر بها مصر سوف تظل مشتعلة وسوف تظل تتحكم فينا لفترة ليست بالقليلة.. طالما لا يتحكم في مقاليد هذا البلد رجل رشيد يستطيع أن يرى الحق ويقود المصريين لإتباعة.
ترك البرادعي مصر تواجه خيارات شعبها بعد أن بدا له أنها راضية وسعيدة بتلك الخيارات وجعل كل مواطن يتحمل مسؤوليته تجاه خياراته كي يعرف الفرق بين الخطيئة والخطأ والصواب والأصوب.. ويعرف الشعب ويدرك من كان يريد عرَض مصر ومن ارتدى قناعاً يريد من خلفه عرَض نفسه.. ورغم هذا فهو يتابع بدقة ما يحدث في مصر وكأنما عاد إلى ما قبل يناير 2011 وينتظر اللحظة التي تحتاج إليها مصر مجهوداته ومشوراته وسيعود مهرولاً إليها.. لكنه يعلم أن تلك اللحظة ربما تتأخر بعض الوقت.. أو كما قال لي مؤخراً:
" قناعتي تامة بأن الثورة ستنجح ولو بعد حين علي أيدي الشباب الذي يعرف الفرق بين الحق والباطل، شريطة أن يوحدوا صفوفهم وينكروا ذاتهم وهو الأمر الذي سيأخذ بعض الوقت"
اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل
البرادعى
البرادعى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.