عديدة هي الكتب التي توثق لآثار الإسكندرية وتاريخها.. إلا أن هذا الكتاب المصور الجديد يتتبع آثار الإسكندرية عبر تاريخها وكأن المؤلفة الدكتورة يسرية عبد العزيز، تطوف بنا في جولة سياحية ثقافية لآثار الإسكندرية منذ العصر اليوناني والروماني وحتي العصر الحديث. مما يجعل منه مرجعاً علمياً مبسطاً وشاملاً جامعاً، وأيضاً كتاباً لا يعرف الملل طريق قارئه. فقد صدر حديثا عن المجلس الأعلي للآثار كتاب "دليل الإسكندرية التاريخي والأثري" لمؤلفته د. يسرية عبد العزيز حسني .. وتأتي مقدمة الكتاب الواقع في 178 صفحة وخرج في طبعة فاخرة، للدكتور زاهي حواس، لتؤكد علي جمال وعراقة مدينة الإسكندرية التي مازالت تلعب دوراً في الحياة الثقافية ليس في مصر فقط بل في المنطقة كلها. وأضاء حواس علي دور مكتبة الإسكندرية سواء قديماً أو حديثاً في الحياة الثقافية ، حيث كانت منبراً ثقافياً مهماً سعي إليه الكثير من العلماء والفلاسفة. وظلت الإسكندرية عاصمة مصر في العصر اليوناني، وزاد رونقها في عصر بطليموس الأول والثاني، وحتي معركة أكتيوم البحرية عام 31ق.م والتي انتصر فيها أوكتافيوس علي كليوباترا آخر ملوك البطالمة. واستطاع بعدها أن يضم مصر للدولة الرومانية، حيث فقدت الإسكندرية في تلك الفترة مركزها كعاصمة مستقلة وانحصرت أهميتها في كونها مقراً لإرسال القمح للإمبراطورية الرومانية. وقلبت المقدمة صفحات من تاريخ الإسكندرية عبر الحقبة المسيحية، حيث تصدرت كنيستها الدور القيادي في المجامع الكونية والقرارات الدينية. وأيضاً عبر فترة الولاية الإسلامية؛ فمع دخول عمرو بن العاص مصر انتقلت العاصمة إلي الفسطاط ولم تعد يوماً إلي الإسكندرية. وعلي الرغم من ذلك اهتم الولاة المسلمون بالإسكندرية لكونها أحد أهم مدن البحر المتوسط في تلك الفترة. تتناول المؤلفة في الفصل الأول الإسكندرية عبر العصر اليوناني والروماني، لافتة إلي أن مجتمع الإسكندرية كان خليطاً من الأجناس وضم العنصر الإغريقي والمقدوني واليهود والفرس والمصريين، وتطرقت إلي آثار تلك الفترة التي كانت فيها الإسكندرية عاصمة لمصر، وأهمها الآثار الغارقة ومنشآت الميناء والمنارة والتي تنحصر في منطقة الميناء الكبير والحي الملكي وموقعها الميناء الشرقي الحالي، وقد غرق هذا الميناء وهبط في قاع خليج الميناء نتيجة تعرض الساحل الشمالي الشرقي لأفريقيا لهبوط أثر تأثيرا خطيرا علي الميناء وأفقده منشآته التي أصبحت تحت مستوي البحر لكنها هبطت في نفس موقعها ، هذه المنشآت التي يمكن رؤيتها بالغطس في قاع الميناء تتكون من: ميناء داخلي داخل رأس لوخياس"السلسلة"، وشبه جزيرة عليها بقايا أعمدة وتيجان جرانيت أحمر في تجمعات بأحجام مختلفة وكثيرة كذلك مسلة وتماثيل أبو الهول وأبواب وأعتاب أبواب من الجرانيت الأحمر. ويعتقد حسب سترابون أن علي شبه الجزيرة كان يوجد معبد "بوسيدون" إله البحار اليوناني، والقصر الذي بناه أنطونيو ليعتزل فيه ويسمي " التيمونيوم". وهناك ميناء آخر إلي جوار شبه الجزيرة ويحتمل أنه يحتوي علي الأسطول الذي أشعل فيه قيصر النيران. هناك أيضاً جزيرة أنتيرودس التي تغطي أرضيتها الأحجار الجيرية ووجدت بها التكوينات الخشبية والأوتاد في صفوف من خشب الصنوبر والحلقات ويرجع تاريخهم إلي عام حوالي 400 ق.م، وقطع الرخام الأبيض عليها حروف يونانية والأعمدة الحمراء الجرانيتية والدعامات والألواح الخشبية والعوارض الرأسية والعرضية، لقد كان علي أحد أذرع الجزيرة مبني مهما يؤرخ للقرن الثالث أو الثاني ق.م، إن الجزيرة يعتقد بشدة أنها انتيرودس ويعتقد بوجود مبني ديني حيث وجدت تماثيل أبو الهول وتمثال الكاهن الذي يحمل آنية كانوبية. هذا إلي جانب خط الساحل الذي تحدد والذي غطي جزء كبير منه الكورنيش الحالي، وميناء ثالث كبير وهو ميناء تجاري به أرصفة ووجدت به بقايا أخشاب ومراسي سفن وأعمدة وقد يكون عليه معابد مهمة وقصور حيث أن المؤرخ بليني ذكر أن هذه المنطقة كانت توجد مسلتان في ساحة معبد قيصرون قرب الميناء. وإلي الغرب قليلاً نلاحظ وجود أحواض الترسانة التي تمتد أرصفتها إلي الهبتاستاديوم، وقد خرجت من موقع الميناء الشرقي قطع أثرية كثيرة معروضة في المتحف البحري والمتحف القومي ومتحف مكتبة الإسكندرية. كما يتناول الفصل الأول معابد الإسكندرية: السيرابيوم، والرأس السوداء، كذلك تضمن جبانات الإسكندرية وأسوارها وقلاعها ومتاحفها. وركز هذا الفصل أيضاً علي موقع أبو قير، الموقع الأثري شرق الإسكندرية، الذي جابت شهرتها الآفاق خلال العصر اليوناني الروماني وكانت تقع علي مصب الفرع الكانوبي لنهر النيل. وتؤكد المؤلفة أن اكتشاف الآثار الغارقة بموقع أبو قير يعد من أكبر الاكتشافات التي حظيت بها الإسكندرية في العصر الحديث. ويتناول الفصل الثاني اليهود في الإسكندرية ، والذي جاءوا إليها من فلسطين حينما كانت جزءاً من مملكة البطالمة، كان منهم قسماً انخرط في المجتمع السكندري وتسموا بأسماء يونانية وكان أغلبهم من الطبقة الأرستقراطية في الإسكندرية هذا إلي جانب معرفتهم أيضاً باللغة الآرامية والعبرية، أما القسم الثاني فكان متشدداً وكان إحساسهم بوثنية الفكر اليوناني قد قوي فيم التمسك بدينهم بدرجة كبيرة. وتشير المؤلفة إلي أن اليهود في الإسكندرية البطلمية تمتعوا بحرية كاملة فكان لهم رئيس خاص بهم فضلاً عن مجلس للشيوخ ومحاكم خاصة تطبق قوانينهم، وكانت الإسكندرية مسرحاً لإضرابات دائمة وأحياناً عنيفة بين اليهود والسكندريين أو اليونانيين. و يستعرض الفصل الثاني الآثار اليهودية في الإسكندرية والتي تتمثل في المعبد اليهودي بشارع النبي دانيال مع شرح مفصل لمحتوياته . ثم يأخذنا الفصل الثاني إلي الإسكندرية وآثارها في العصر البيزنطي والكنائس المسيحية فيها، ومنها: منطقة أبو مينا" دير مارمينا" الواقعة علي بعد 65 كم غرب الاسكندرية، وكنيسة الأنبا ثاؤفيليس، وكنيسة سانت كاترين، وهي من أكبر الكنائس بمصر، والكنيسة المرقسية، حيث تؤكد الوثائق أن الديانة المسيحية قد جاءت إلي مصر مع القديس مرقص أحد تلاميذ السيد المسيح عليه السلام، وقد بني كنيسة معروفة باسمه في الإسكندرية. فيما خصص الدليل الفصل الثالث عن الإسكندرية في العصور الإسلامية، حيث أعيد بناء أسوار المدينة في العصر الإسلامي وذلك بحسب المصادر التاريخية في عهد أحمد بن طولون، والتي أحاطت المناطق المأهولة بالسكان، وأقيمت بها عدة مساجد، وتدريجياً أصبحت العاصمة الثانية ، واستقر بها الكثير من العرب واهتم ولاة الإسكندرية بتحصينها فأقاموا أبراجاً عالية سميت بالنواطير وظيفتها الإنذار. أما في العهد الفاطمي فأصبحت الإسكندرية أكبر ميناء للدولة الفاطمية، وازدهرت وعمرت بالأبنية الرائعة من مساجد ومدارس، وتحصينات حربية، ودور للصناعة. وأبرز آثار تلك الحقبة : جامع العطارين. ووجه صلاح الدين الأيوبي عناية خاصة للإسكندرية فأمر بترميم أسوارها وقلعتها كما أمر بإعادة بناء دار الصناعة وبناء السفن. كما كان الظاهر بيبرس أول من اهتم بالإسكندرية من سلاطين المماليك، حيث زارها أربع مرات وأمر بإزالة الرواسب الرملية التي أوشكت أن تطمر بعض أجزاء من ترعة الإسكندرية، وعمق الترعة بالحفر حتي زال كل ما كان يعوق سير المياه. وأوضح هذا الفصل أهم الآثار الإسلامية بالإسكندرية، من بينها: مسجد الطرطوشي، وأبو عبد الله الشاطبي، وأبو القاسم القباري، وأبو علي، والنبي دانيال، وقلعة البرج، وقايتباي. وأولت المؤلفة اهتماماً بصهاريج الإسكندرية في العصر الإسلامي، والتي انتشرت فيها ومنها: صهريج الباب الأخضر، وابن بطوطة، ودار إسماعيل، والنباهنة. ويختتم الكتاب بتاريخ وآثار الإسكندرية منذ الفتح العثماني وحتي العصر الحديث، حيث ركز الفصل الرابع علي ما شيد فيها من مساجد وقصور تعود إلي القرن السادس عشر وحتي القرن العشرين، لعل أهمها: مسجد جوربجي ( وشهرته شوربجي)، وجامع تربانة، ومسجد العطارين، ومسجد أبو العباس المرسي، وسيدي بشر، والبوصيري، ومسجد علي بك جنينة، مسجد أنجه هانم، وهي حرم سعادة والي مصر " محمد سعيد باشا، وهي صاحبة وقف مشهور هي أبعادية دمنهور ويصرف من ريع هذا الوقف علي المسجد. ويضاف لهذه الآثار، قصر رأس التين وقصر المنتزه، ومحكمة الحقانية، وطابية كوسا باشا والتي يطلق عليها "طابية السبع"، الطابية الحمرا ، وطابية النحاسين، وطاحونة المنتزة، وطاحونة المندرة، ومتحف المجوهرات، ومسرح سيد درويش " دار أوبرا الإسكندرية"، منطقة كوم الناضورة، وحمام علي بك المصري.