انتهت الدورة ال33 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بمميزاتها وعيوبها ويجب علينا التوقف الآن لالتقاط الأنفاس وإعادة تقييم التجربة. إذ لم يعد من المقبول بذل جهود مضنية لاستضافة نجوم عالميين مهما كانت قيمتهم بدلا من الجهود اللازمة لتطوير صناعة السينما في مصر ومواجهة أزمتها. ومن المدهش أن نقيم المهرجان وليس لدينا أفلام جاهزة للمشاركة بمسابقته الدولية ويتم تقديم فيلم في اللحظة الأخيرة لحفظ ماء الوجه. وهي العشوائية التي كانت ستحرم الفنان فتحي عبد الوهاب من الحصول علي جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "عصافير النيل إخراج مجدي أحمد علي مناصفة مع الفنان الهندي سوبرات دوتا عن فيلم"مادهولال لا يزال يسير" إخراج جاي تاتك، والتي تكاد تكون الجائزة المصرية الوحيدة بينما حصل فيلم "هليوبوليس" إخراج أحمد عبد الله والمشارك في المسابقة العربية بالمهرجان علي شهادة تقدير. مهرجان للنخبة كما أنه ليس من المعقول أن يمر المهرجان بعد كل تلك السنوات مرور الكرام دون أن يشعر به رجل الشارع. حيث يتقوقع المهرجان علي نفسه وينحصر جمهوره في مجموعة صغيرة من الإعلاميين والمثقفين ويغيب عنه الجمهور. فنفتقد صورة المهرجان منذ سنوات وبالتحديد في مرحلة إدارة الراحل الكبير سعد الدين وهبة حيث كان المهرجان تظاهرة فنية يحضرها المثقفون جنبا إلي جنب مع الجماهير الغفيرة المتعطشة لرؤية الإنتاج السينمائي من كل أنحاء العالم. فكنت تسير في وسط البلد لتجد مطبوعة المهرجان التي تحمل مواعيد العروض ومعلومات عنها تباع علي الأرصفة مع الجرائد اليومية. وتدهشك أعداد الجماهير التي تقف أمام السينمات في انتظار العروض وهي الصورة التي لم نعد نشاهدها اليوم مطلقا. إذ يقتصر رواد المهرجان علي النخبة والمهتمين وتكاد القاعات تخلو تماما من المشاهدين وكأن تلك النخبة أيضا تقاطع المهرجان. وبنظرة بسيطة نجد نسبة المشاهدين لم تتعد 10% فقط من دور العرض سواء المخصصة للصحفيين أو للجماهير. وبدلا من تنقيح فكرة "قصة ولا مناظر" التي سادت في سنوات سابقة فقدنا الجمهور تماما. والمدهش أيضا غياب الفنانين وصناع الأفلام وعدم اهتمامهم بحضور العروض أو متابعة فعاليات المهرجان إلا في حالات نادرة كالعروض المصرية لمجاملة بعضهم البعض. وكأن المهرجان لا يمثل سوي مناسبة لارتداء أفخر الثياب ولقاء الزملاء. ندوات ناجحة وحتي لا تكون إقامة المهرجان مجرد تقليد سينمائي سنوي علينا الاستفادة من فعاليات المهرجان لتطوير السينما المصرية والمساهمة في حل مشكلاتها. فقد أسفرت ندوة "السينما الهندية ضيف شرف المهرجان" عن دعوة للإنتاج المشترك ومنح لدراسة السينما بالهند. كما دعت إلي عودة الفيلم الهندي إلي دور العرض المصرية، مما يتطلب متابعة نتائج هذه العودة التي ستبدأ بفيلم "اسمي خان" لنجم الهند الأول شهرو خان وتدعيمها في حالة نجاحها. وقد سأل بعض الصحفيين بعد انتهاء الندوة عن توصيات مكتوبة في محاولة للبحث عن مدي تطبيقها فيما بعد إلا أن إدارة المهرجان لم تسع لذلك مما يؤكد افتقاد الجدية والرغبة الحقيقية في التغيير والتطور. كما دعت ندوة "الأفلام السينمائية في مواجهة مشاكل القارة الأفريقية" إلي الإنتاج المشترك وأشارت علي أهمية عرض أفلام دول المغرب العربي بالمحطات الفضائية حتي يتعود ا الجمهور المصري والعربي علي رؤيتها فيتخطي عائق اللغة ويمكنه التواصل معها، وهي سينما راقية وذات مستوي فني رفيع. وأشارت الندوة أيضا إلي بزوغ نيجيريا ك"نوليوود" أو هوليوود جديدة في الإنتاج السينمائي بفضل جهودها الكبيرة في إنتاج الديجيتال والتي تغلبت من خلالها علي الأزمة المالية وارتفاع تكاليف الإنتاج. وهي الخبرات والتجارب التي لابد لنا من الاستفادة منها كخطوة لحل أزمة الإنتاج لدينا. وقد قررت الندوة إصدار بيان يدعو للإنتاج العربي الأفريقي المشترك وحثت الحضور للتوقيع عليه. كما لفتت مدير الندوة المخرجة فيردوز بولبوليا من جنوب أفريقيا نظر الحضور لأثر ندوة العام السابق علي إنتاج الأفلام في أفريقيا من خلال عرض جزء من فيلمين وتقديم نبذة عنهما. ولأن أثرالندوة إيجابي فقد قرر المهرجان أن تكون ندوة الأفلام الأفريقية أحد فعالياته الثابتة كل عام. مما يدعونا أيضا لبذل الجهد لنري نتائج المهرجان حية ملموسة علي واقعنا السينمائي. سوء التنظيم وعلي الجانب الآخر تعرضت العديد من الفعاليات والأنشطة والندوات للإلغاء ولاحظنا حالة من سوء التنظيم. ففوجئنا مثلا بتغير موعد عرض الفيلم المغربي "فينيك إليام" أكثر من مرة وهو الفيلم العربي الوحيد المشارك في المسابقة الدولية إلي جانب الفيلم المصري.. وفي الندوة التي أقيمت بعد عرض الفيلم سأل أحد الحضور مخرج الفيلم عن سبب تأجيل عرض الفيلم فاستنكرت مديرة الندوة السؤال وقالت إنه سؤال يجب أن يوجه لإدارة المهرجان لأن الموضوع صغير ولا داعي لأن تدور حوله شائعات. ولأن الأمر متعلق كما أشار المخرج ادريس اشويكة بتأخر شحن الفيلم بسبب إجازات الجمارك في مصر والمغرب، كانت الصراحة والشفافية أسلوباً أجدر أن تتبعه الإدارة بدلا من اتهام الصحافة بإطلاق الشائعات. لكن العذر أيضا غير مقبول فالمهرجانات العالمية لا تحدث بها أخطاء مماثلة. ولسوء حظ الفيلم المغربي أيضا، وهو فيلم رائع لم يحصل للأسف علي أية جوائز، كانت النبذة المكتوبة عنه بكتالوج المهرجان، وأيضا ب "بانوراما" وهي الإصدار اليومي للمهرجان، تخص فيلم سابق للمخرج هو "لعبة الحب" وليس الفيلم المشارك. أي بدلا من تدارك الخطأ ب"بانوراما" تم التأكيد عليه ليقف شاهدا علي الإهمال واللامبالاة. إلا أنه من جانب آخر تجدر الإشارة إلي أهمية كتاب "أضواء علي السينما الهندية" لد. أحمد شوقي عبد الفتاح كمرجع مهم عن هذه السينما الكبيرة موثق بالإحصائيات والصور والذي أصدره المهرجان هذا العام إلي جانب كتاب التكريمات والكتالوج و"بانوراما" وهي الإصدار اليومي للمهرجان وبها العديد من المقالات النقدية القيمة والمتابعات لبعض الندوات والفعاليات إلا أنها لا تخلو من بعض الأخطاء كما سبقت الإشارة. وفي واقعة طريفة تعكس سوء التنظيم رغم الجهد المبذول، ذهبت للمركز الصحفي بالأوبرا للسؤال عن ضيوف الندوات من أجل إجراء حوارات معهم للجريدة. ورغم أن إدارة المهرجان أكدت لي أن الضيوف العرب يمكن معرفتهم من خلال المركز الصحفي إلا أنني لم أجد بالمركز ضالتي بل طلبوا مني التوجه مرة أخري للإدارة. وبالصدفة عرف أحد الشباب المسئولين عن هذا الجزء فلحق بي قبل أن أغادر المكان وأعطاني ورقة الندوات والضيوف. فهل من الصعب أن تقسم المهام المتعددة بوضوح فيجد الصحفي أو غيره ما يبحث عنه بسهولة بدلا من ضياع الوقت والجهد؟!