لم تأت نتائج المهرجان القومي السينمائي التابع لوزارة الثقافة بأية مفاجأة خاصة .. إذ أكدت ما كان متوقعا منذ البداية وما تهامس به الكثيرون قبل إعلان الجوائز بأيام. وأنا لست من رأي هؤلاء الذين يطلقون علي جوائز هذا المهرجان صفة «جوائز علي أبو شادي» بحجة أن الناقد السينمائي الكبير الذي يتولي رئاسة هذا المهرجان علي علم كامل باتجاهات وأذواق جميع العاملين في هذا المجال، لذلك فإن اختياره لأعضاء لجنة التحكيم يخضع دائما لرؤيته المسبقة إلي حيث يجب أن تذهب هذه الجوائز، لأنه يعرف مسبقا بحكم خبرته الاتجاه الذي سيسير عليه التصويت حسب خبرته ومعرفته باتجاهات وذوق المحكمين. هذا الأمر يتنافي تماما هذا العام مع وجود شخصية سينمائية مهمة ومعروفة بحياديتها والتمسك بآرائها وقوة الدفاع عنها كالأستاذ توفيق صالح الذي تولي رئاسة اللجنة هذا العام. ورغم هذا كله جاءت النتائج متوافقة تماما مع التوقعات، ففاز «واحد صفر» بأغلب الجوائز المهمة.. إلي جانب الجائزة المالية الكبري التي تمنح لأحسن فيلم .. وهكذا تضيف هذه الجائزة القومية الكبيرة رصيدا جديدا لهذا الفيلم المصري الجيد.. الذي حقق حتي الآن انتصارات كثيرة في مهرجانات عديدة نال خلالها جوائز كبري لم ينلها أي فيلم مصري قبله. وفوز هذا الفيلم يعني انتصار موجة الشباب المتمثل في المخرجة «كاملة أبوذكري» «جائزة الإخراج» و«مريم نعوم» «جائزة السيناريو». كما يعني فوز كل من خالد الصاوي ودنيا سمير غانم بجوائز التمثيل الكبري انتصار الموجة الشبابية علي الأسماء الكبيرة الراسخة التي كانت تنافسها في هذه المسابقة. وإذ كانت سوسن بدر وهي المخضرمة الوحيدة التي تلألأ اسمها في الجوائز والتي تستحق حقا هذا التكريم .. نظرا للطبيعة المعقدة والحساسة للدور الذي لعبته باقتدار. فإن فوز «عمرو واكد» عن فيلم «إبراهيم الأبيض» يؤكد أيضا نزاهة اللجنة في أحكامها لأن هذا الممثل الشاب قد استطاع في هذا الفيلم أن يؤكد بصمته تجاه أسماء نجوم كبار وقفوا إلي جانبه. ولم يفت عن لجنة التحكيم اعطاء تكريم خاص ل«نيللي كريم» عن دورها الذي قامت به في «واحد صفر» والذي يشكل خروجا كبيرا عن كل ما اعتادت هذه الفنانة الشابة الموهوبة تقديمه خلال مشوارها الفني القصير. إذن اللجنة انحازت إلي سينما الشباب بشكل مطلق وهذا ليس بالأمر الغريب عن توفيق صالح الذي وقف دائما مع السينما الشابة مشجعا ومرشدا وموجها . ويؤكد هذا الانحياز الجوائز المهمة التي حصدها الفيلم الثاني في المسابقة وهو «الفرح» لأنني اعتبره بشكل ما فيلما شابا اعتمد علي مواهب شابة وعلي روح شابة وفطرة شابة في اتجاهات السينما المصرية المعاصرة. وجائزتا التمثيل اللتان اعطيتا لكل من خالد الصاوي ودنيا سمير غانم جائزتان مستحقتان تماما. كذلك جائزة أحسن إخراج أول التي اعطيت ل«محمود كامل» عن «أدرنيالين» أكدت تأرجح اللجنة بين مفهوم الفيلم الشاب التجاري والفيلم الشاب الطليعي. وهي إذ كانت قد أعطت في دورتها السابقة جوائزها لأفلام طليعية كبصرة وعين شمس فإنها هذا العام قد اختارت فيلما شابا له طابع تجاري «أدرنيالين» مفضلة إياه عن فيلم يلتمع كالجوهر النادر هو «هليوبوليس» رغم أن هذا الآخر كان يحتاج إلي دعم معنوي ومادي يستحقه. غياب يسري نصرالله عن الجوائز أمر محير.. ففيلمه الآخر كان خطوة مختلفة عن خطواته السابقة وفيه اتجاه نحو قبول جماهيري واسع. فهل حجب الجوائز عنه هو نوع من التحذير تقدمه اللجنة للمخرج المتفوق تنصحه فيه بشكل غير مباشر بالعودة إلي قواعده القديمة التي أرست شهرته ودعمتها وأن تبعده عن هذا الاتجاه الجديد رغم جماهيريته .. اعتمادا علي أن الزيت والماء لا يجتمعان .. بمعني أن عالم وحيد حامد مختلف جذريا وفنيا تماما عن عالم يسري نصرالله. خروج شريف عرفة وهو الشهاب الأكثر نورا بين مخرجي هذه الأيام .. بجائزة تكريمية يطرح أيضا سؤالا عويصا. هل السبب هو اختيار «عرفة» لموضوع شائك لم تتفق الآراء حوله رغم التكنيك البارع والمتفوق الذي ابداه له خلاله .. والذي يجعله أكثر مخرجي مصر الحاليين براعة سينمائية وتفوقا تكنيكيا. هل هو إنذار غير مباشر توجهه اللجنة إلي كبير مخرجيها اليوم بأن يحسن اختيار مواضيعه ويدرس تماما نوعية توجهها، وألا يترك ذلك جانبا معطيا اهتمامه كله لإبراز طاقاته المتميزة فنيا بعيدا عن الموضوع الحار الملتهب الذي يعالجه. أفكار كثيرة وتوجهات ذات دلالة وتركيز خاص عن إبداع الشباب ومحاولة كسر «التابوهات» التقليدية .. وإطار النجوميات الزائف . ربما كان هذا هو في مجمل الأمر حصيلة هذا المهرجان القومي الذي يحاول عبثا إعطاء جرعة الحياة لجسد السينما المصرية المحتضر.