قد يتعجب أبناؤنا حين يعلمون اننا جيل الآباء كنا مولعين بنوعية من الافلام يمكن تصنيفها مع بعض التجاوز الي الكوميديا الجنسية، كانت تغرق دور العرض أيام صبانا وشبابنا.. هي بالتأكيد ليست بورنو او جنس صريح ولكنها اقرب الي (البلو كوميدي) أو الافلام المليئة بالمشاهد المثيرة جنسيا والمثيرة للضحك ايضا. كنا نطارد فيلماً اسمه «الاستاذ ايوب» لمحمد سلمان وبطولة محمد عوض اينما وجد وكان يحكي قصة شاب عبيط تكتشف النساء ان له قدرات جنسية خارقة فيعاني من مطاردة واغواء الحسناوات طوال الفيلم.. هو يعاني بينما نستمتع نحن .. كان هناك أيضا افلام مصرية كثيرة علي هذه الشاكلة مثل «أرض العجايب» و«أعظم طفل في العالم» بل ومن البلو الصريح غير الكوميدي علي الإطلاق مثل قطط شارع الحمراء وسيدة الأقمار السوداء وذئاب لا تأكل لحم البشر وكان معظمها مصورا في لبنان. تذكرت هذه النوعية من الأفلام وأنا أشاهد فيلم بابا للمخرج علي إدريس والكاتبة زينب عزيز بطولة أحمد السقا ودرة . ربما يتعجب من شاهدوا الفيلم من رأيي هذا لأن الفيلم يكاد يخلو من أي مشاهد عارية أو مثيرة بالمعني المألوف. ولكن الحقيقة أن خلو الفيلم من هذه المشاهد لا يمنع انتماءه لهذا اللون موضوعيا كما أن غياب هذه المناظر في رأيي هو من أهم عيوبه، ليس حرصا مني علي مشاهد عارية لا سمح الله. لكن لأن موضوع الفيلم الأساسي هو موضوع جنسي محض. صورة مغطاة فمن الاختراعات المبتكرة في السينما المصرية تقديم موضوعات جنسية عارية ولكن من خلال معالجات متحفظة وصورة مغطاة إذا جاز التعبير. والمأساة في رأيي أن في السينما لابد أن يقترن الشكل بالمضمون وأن تكون الصورة معبرة عن روح الفكرة. ولكي تتضح الأمور لحضراتكم أكثر هيا بنا ننتقل إلي أحداث الفيلم. الحكاية باختصار حول زوجين يعجزان عن تحقيق أي لقاءات حميمة من فرط انشغال الزوج فلا يجدان مفرا من اللجوء إلي الإنجاب عن طريق الأنابيب. وفي هذا السبيل يضطر الأب للتعرض إلي مثيرات جنسية حتي يتمكن من توفير السائل المطلوب. عزيزي القارئ قد تعتقد أنني أروي لك الفيلم بأسلوب منفر حتي تكرهه كحيلة خبيثة من ناقد شرير يسعي لتسخيف الأفلام وتعقيد المشاهد الراضي بقسمته ونصيبه. ومادمت تعتقد أن هذا الاختصار مخل بقصة الفيلم، فدعني أروي لك مزيدا من التفاصيل. باب النجار الكاتبة زينب عزيز المتمكنة من اللون الكوميدي والمتخصصة فيه عبر العديد من الأعمال الناجحة تبدأ فيلمها بسرد تقليدي ممل لقصة الحب بين البطل والبطلة بداية من تعارفهما حتي زواجهما. والمشاهد تتوالي دون أن تضيف أي معلومات مفيدة أو مواقف ترسم جوانب مضيئة للشخصيات أو تمهد للأحداث، هذا إذا استثنينا مشهدا في غاية السخف يقوم فيه البطل بتوليد امرأة في أثناء حفل زفاف بعد أن يطير إليها من باب الأكشن إرضاء لهوايته كنجم يعتقد أن الحركات البهلوانية هي سبيله الوحيد للنجاح. المهم أننا نعرف من هذا المشهد أن البطل طبيب توليد كما أنه سيتعرف خلاله علي البطلة. وربما تري المؤلفة أن البداية بموقف كهذا فيها إرهاصة بأزمة الفيلم الرئيسية حول الإنجاب. هذه هي المفارقة التي يتصور صناع الفيلم ان الكوميديا ستتفجر من خلالها. لك أن تتخيل أن رجلاً شاباً متزوجاً حديثا بأنثي جميلة لا يجد أي وقت يا ولداه للانفراد بها وتلبية نداء الطبيعة نتيجة لانشغاله بتوليد الآخرين. ولك أن تتصور أيضا أن تتوقف كل احتياجات زوجة في ريعان شبابها من زوجها عند حدود رغبتها في الإنجاب منه ولو بالتلقيح الصناعي. هذا هو اللامنطق الغريب المعوج الذي تنبني عليه معظم أحداث الفيلم. ولكن السيناريو المشتت ضعيف النفس لا يجد مفرا لاستكمال مدة العرض سوي باللجوء إلي حكاية أخري عن رحلة للبطل إلي لبنان يلتقي خلالها بعشيقة سابقة - نيكول سابا- يقضي معها ليلة وتتركه مع وحيدها واهمة إياه بأنه ابنه. كارت بوستال الرحلة أيضا فرصة للانتقال بالكاميرا إلي أماكن جديدة وإضفاء طابع سياحي علي الفيلم واطلاع المشاهد علي أماكن جديدة لم تألفها العين. وهي مسألة ليست مرفوضة وهي أحد أهداف السينما التجارية التي لا نرفضها ولكن بشرط أن تكون جزءا من الدراما وليست دخيلة عليها أو خارجة عنها. المهم أنك لست في حاجة لمعرفة المزيد عن خطوط هذا الفيلم وأحداثه سوي اسكتشات متفرقة علي طريقة ساعة لقلبك في تنويعات علي قصص التلقيح الصناعي وإغراء الزوجات في غرف النوم من أجل هدف الإنجاب الأسمي أو عبر هذا الرجل الخليجي الخارق الذي يتمكن من ملء العديد من برطمانات السائل المنوي بهدف الإضحاك طبعا أو عبر مساعدة إحدي الممرضات للزوج حتي يتمكن من الحصول علي العينة من خلال إغواء يفترض أنه كوميدي أو من خلال استخدام الصور العارية من جهاز اللاب توب وغيرها من وسائل الإثارة السخيفة. في الحقيقة لا أعرف كيف كتبت زينب عزيز سيناريو بهذا المستوي ولا كيف تحول حوارها الساخن المكثف الذي اشتهرت به إلي هذه الثرثرة والتكرار.. ولا كيف فكر علي إدريس في كل مشهد ليجد الحماس ليضع الرؤية البصرية والتصورات السينمائية لإبراز أي معان من أي نوع. ولا كيف أفلت الإيقاع هكذا من الجميع عبر الأداء التمثيلي الفاتر وبناء المشهد المترهل وغياب الحدث الدرامي أو الموقف القوي أو الفعل الدافع والمحرك لأي شيء. الحقيقة أن قدرة علي إدريس علي الإبداع أو حتي الاجتهاد في هذا الفيلم تجمدت وتوقفت إجباريا عند أدني الحدود. ولكنه راح يتابع بكاميرته النجم في استسلام وراح يستخدم أساليب تقليدية وقديمة في الفوتومونتاج ويعيد كادرات بعينها سبق أن شاهدناها مرارا حتي مل النظر منها. نظيفة ولكن بالتأكيد لا يمكن وصف فيلم بابا بالابتذال ولكنه في الحقيقة ينتمي إلي سينما نظيفة الشكل مبتذلة الموضوع , فيلم لا يصلح بأي حال لموسم عيد ولا لأي موسم ..فيلم لا يصلح للأطفال ولا لشريحة عمرية في أي سن .. فيلم ربما لا يستمتع بمشاهدته سوي بطله الذي قاد الأحداث والمشاهد إلي النتائج التي يحبها وواصل بها استكمال البوم المهن والملابس والحركات التي ظهر بها في افلامه السابقة. وقام بتجنيد الجميع لتحقيق رؤيته اللافنية واللادرامية والتي لا تهدف إلا لترسيخ صورته كنجم أوحد، عله نسي أنه لم ينجح إلا في ظل بطولة جماعية في فيلم الجزيرة الذي شاركه فيه العملاق محمود يس والمتمكن خالد الصاوي والموهوب محمود عبد المغني والصاعد آسر ياسين في سيناريو قوي ومحكم وتحت قيادة المايسترو شريف عرفة. ولكن نجوم السينما ينسون أن الفن عمل جماعي وأن الحرص علي النجومية هو السبيل إلي ضياعها بل هو السبيل إلي ضياع قيمة العمل الجماعي ذاتها التي غابت عنا في كل شيء وليس السينما وحدها. في ظل هذا الاستسهال والاستخفاف يصبح من السهل الاعتماد علي النهايات التقليدية التي يتصالح فيها الجميع وتنحل العقد المفتعلة أصلا بمحض الصدفة طبعا، فبناء علي نصيحة حماها تسافر فريدة لمصالحة زوجها وتأتي أم الطفل لتكشف حقيقة كذبتها بزعم أبوة حازم للطفل مبررة إياها بحاجتها للسفر وترك ابنها مع رجل تثق في رجولته طبعا بكل تأكيد كعشيق سابق لها. وسيتقبل الزوج الأمر بروح رياضية وكذلك الزوجة الطيبة. هل تنتهي الأحداث عند هذا الحد؟.. لا بالطبع لا فالمزيد من السعادة في انتظار البطل والبطلة اللذان سينجبان بشكل طبيعي توأمان. وهكذا في فيلم بابا عكس الأستاذ أيوب يسعد الأبطال من البداية للنهاية . يتجولون في بلاد الله ويمارسون كل الألعاب والمغامرات وينجبون في النهاية بينما يتصاعد شقاء الجمهور من مشهد لآخر مع تصاعد الكذب والتلفيق. سر السقوط أتصور أن أحمد السقا التقي بعلي ادريس وزينب عزيز في يوم ما وتبادلا إبداء الإعجاب وأكد لهما السيد النجم أنه يحب الكوميديا التي يقدماها ويريد أن يصنع شيئا من هذا القبيل . وربما تم اقتراح مشروع أو اثنين علي النجم السوبر حتي توصلوا الي التركيبة التي ترضي سيادته وهي في الغالب تعتمد علي تيمات ومشاهد من أفلام أمريكية متنوعة لتصبح المسألة سهلة علي الثلاثي. فالمؤلفة لن تجهد نفسها في البحث عن فكرة أو شخصيات أو أحداث ولكنها ستختار ما يروقها من هذا الفيلم أو ذاك وتجري بعض التعديلات المناسبة ثم تجري عليه عملية ترقيع بمشهد من هنا وخط من هناك وشخصية من هناليك.. أما المخرج فسوف يجد التقطيعات الجاهزة والزوايا المحددة لمشاهده الأساسية. أما السيد النجم فلن يصيبه الاعياء من املاء افكار او جمل حوار يتعب في تأليفها فالفيلم شبه جاهز والكاتبة محترفة والمواقف تروق له وقد يضيف عليها مقترحات للتحسين والتجميل من منظوره. في السبعينات والثمانينات كانت هناك افلام أمريكية وعالمية تملأ الأسواق لنجمات الإثارة جينا لولو بريجيدا وكلوديا كاردينالي وبريجيت باردو.. وكان مهرجان القاهرة يطل علينا بأفلام كلها مناظر.. أذكر أن الشباب كان يصيح في الشوارع "جوليانو القبيح في حفلة منتصف الليل" ويتردد الصياح من ناصية إلي أخري فتنطلق جحافل من المراهقين الأشاوس تجاه دار العرض انتظارا لفيلم إثارة جنسية من الطراز الأول في مظاهرات لم نكن نري لها مثيلا. ولم نكن نتخيل أن يأتي من ظهر أمثالنا من المكبوتين الضائعين الهائمين وراء أفلام الإثارة شباب ثورة التحرير العظيم .. شباب اليوم أفضل من الأمس بكل تأكيد ولكن تجار الفن الرديء هم من يريدون أن يعودوا بهم وبنا إلي ما هو أبعد من الأمس.. يسقط يسقط حكم النجوم علي السينما المصرية.