الأديبة الكاتبة الأردنية سميحة خريس تطل علي غابة الأدب المتشابكة بشجاعة لازمتها أكثر من ربع قرن، منذ أصدرت مجموعتها «مع الارض» عام 1979 مرورا برواية «رحلتي» عام 1980 م ورواية «المد» عام 1990 ورواية «شجرة الفهود، تقاسيم الحياة ج 1» عام 1995 والمجموعة القصصية «اوركسترا» عام 1996 ورواية «شجرة الفهود، تقاسيم العشق ج2» عام 1997 ورواية «خشخاش» عام 1998 ورواية «القرمية» عام 2001 ورواية «الضحي» عام 2001 و انتهاء برواية «دفاتر الطوفان» ورواية «الصحن» . ورواية«نارا» عام 2006، ورواية "يحيي" مؤخرا ، محققة عددا من الجوائز المهمة، لكن العمل أبقي دوما من الجائزة، التقتها " القاهرة" أثناء مشاركتها بمؤتمر الأقصر بمصر : لديك عشق للسفر، كيف يبدو المكان لك كروائية؟ وكيف يتشكل المكان في إبداعك وفي حياتك؟ البعض ينظر إلي مجمل رواياتي باستثناء «الصحن» و«خشخاش» و«المد» علي أنها روايات المكان الأردني، وأنا كنت قد عشت أكثر من نصف عمري خارج هذا المكان وكما هو معروف، فقد تجولت في طفولتي بين الأردن وقطر والسودان ومصر وغيرها من الدول العربية، ولكل مكان روح تدهشني وتسيطر علي فؤادي، أذكر أني حين وصلت أرض الامارات عام 1979، وكانت المرة الأولي، كنت قد انتهيت من توزيع فؤادي شرائح علي المدائن التي زرتها وأحببتها، لم أكن أعي أن قلباً جديداً ينبت بين أضلعي، وأتذكر أني سرت مطولاً علي الكورنيش الذي كان بكراً، رمل يعانق ماءً، ضربت الأمواج الشاطئ، ، وبكامل إرادتي وعقلي ألقيت بنفسي في صخب الماء وتعمدت بموج أبوظبي، أعود لحديثي عن الكتابة، في " رواية دفاتر الطوفان " كنت قد عشت سنوات وأنا أشعر أن مدينة عمان، مغفلة من النص لأدبي، مغفلة من الانتماء والولاء لها، وظل هذا الهاجس معذبا لي، حتي عثرت علي دفتر قديم، فسعيت ل "أنسنة" الأشياء به، وصدرت الرواية، لأني كنت مشتاقة للكتابة عن عمّان . هل كان كتاب "علي جناح الطير" مواصلة لعشق المكان ؟ نعم، الكتاب صدر وقمت بتوقيعه في "أبو ظبي" وأروي به ذكريات من عمان والسلط وأربد إضافة إلي استعادة لذكري مدن عربية عرضت فيها ملامح من مسيرتها الإبداعية كما في دمشق والرقة والسويداء وبيروت والقاهرة والإسكندرية وتونس وطرابلس وسويسرا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا . هل عملك في الصحافة أثر علي إبداعك الأدبي كما أو كيفا؟ هذا أمر نسبي بالنسبة للأدباء، شخصيا حاولت أن تكون الصحافة بئرا أستلهم منها الجانب المعلوماتي، بينما سعيت للحفاظ علي "أدبية الأسلوب " في الرواية والقصة . لكن لدينا تجربة كبري لمدرسة مهمة يتزعمها إحسان عبد القدوس مدرسة الأدب الصحفي؟ إحسان خسر بلا شك بسبب عمله اليومي بالصحافة، نحن تربينا علي قراءة إحسان في شبابنا، ولا يزال له قيمته في مكانه وفي زمانه، لكنه أصابته الصحافة برذاذها، وأضرته، فأعطته الصحافة عبارة بسيطة مباشرة فقيرة قليلا من الفن. لكن ألا يكفي لإحسان دوره في تقريب فن الرواية والقصة للناس؟ في الحقيقة ان هذا الدور لعبته الدراما، الأفلام والمسلسلات أكثر من الكتاب الورقي، ورغم أنه كان مقروءا من خلال " روز اليوسف " فقد أجل هذا الجيل العمل بدأب علي النص الفني . مركزية الأدب في عالمنا العربي، ثم اتساع الهامش حتي صار مركزا، كيف تنظرين للدول التي كانت تستهلك أدبا ثم صارت تنتجه؟ المركزية والهوامش منطقيا يفرضها التراكم التاريخي والثقافي، وأيضا السكاني، كثافة عددية وتعليمية، بقية الدول لحقت بمصر وسوريا ولبنان، بعدما صار بها الزخم المكاني والفكري، فتطورت من قارئ إلي مقروء، وتحولت إلي كيان جدير بالتقدير . لكن لماذا تبرز بالوطن العربي ظاهرة الاسم الأوحد، فالسودان الطيب صالح، وتونس الشابي، الأردن عرار، واليمن البردوني.. إلخ؟ في الماضي لم يكن للإعلام دور، ربما كانت الجودة والتميز، إذن فجودة المنتج الثقافي ذاته كانت وراء ظهور أسماء بعينها، هذا في حالات مثل عرار والشابي والطيب صالح .. وهل تظنين لو أقام الطيب صالح بالسودان، هل كان سيحتل هذه المكانة؟ هذا أمر له علاقة بالشئون الثقافية، أكثر من علاقتها بالإعلام، الآن الوضع اختلف: صار لدينا مكينات إعلامية قادرة علي الترويج لشخص وقتل آخر إبداعيا، وصارت هناك أسباب للشهرة ليس من بينها دائما الكفاءة والجودة والتميز. من العام إلي الخاص: رغم وجود مجموعات قصصية مثل «مع الأرض، أوركسترا» فهناك ميل واضح للرواية .. هل أخذتك فكرة زمن الرواية؟ أنا أكتب الرواية لأنها تناسبني، تناسب توجهي الفني، نفسي، إحساسي، القصة - رغم أني أكتبها - فهي لا تشبعني كما تشبعني الرواية . معني ذلك أن الرواية بها روح أنثوية؟ نعم بها روح أنثوية، لكن ليس هذا سبب اختياري لها، فأحيانا أكتب بروح ذكورية جدا، ولكني أميل للرواية لأنها حرفتي، أنا لست شاعرة، لست قاصة رغم كتاباتي القصصية، أستطيع فيها التجلي . هل تبرق الرواية توليدا لضغوط فكرية، أم لحادث واقعي أم لقراءات أم لذلك كله معا؟ أدخل النص بعبارة تشبه نداء "افتح يا سمسم"، فاتحة الكلام عناويني، تلك التي تصافح القارئ وهو يمسك برواية مطبوعة لي، وكل عمل له سببه وظروفه، التي تختلف من عمل إلي عمل، أحيانا يكون الأمر تراكميا، وأحيانا تبرق فكرة الرواية كالشهاب. مثل ماذا ؟ مثل روايتي المعنونة ب "يحيي" الرواية وصلت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد بن سلطان هذا العام بعد تصفية أكثر من 550 عملا "المحرر" هذه الرواية بزغت حين كنت بمؤتمر بالجامعة الأردنية، وسمعت حكاية مكونة من أربعة أسطر، التفت لحظتها لجليسي وقلت له: هذه روايتي القادمة . صحيح أنها كلفتني عامين اثنين من العمل عليها، حتي صارت الأربعة سطور أكثر من أربعمائة صفحة، لكن الفكرة ذاتها تبدأ في لحظة كشهاب منطلق. هل أنت مشغولة بهموم الكتابة النسوية؟ بداية اعتقد أن الكتابة أنثي من حيث هي خصب وتخليق وتمرد وتحليق، إلا أنها وبسبب ظروفها التاريخية أنثي تستخدم آليات ذكورية، فعندما حظيت النساء بالتعليم صار لزاماً عليهن تغيير صيغة الخطاب الشفاهي الشعبي إلي ما يتوافق مع المكتوب كعلم وتراث يستحق التداول والخلود، وسأقول بجرأة أن التعليم استلب من المرأة عفويتها في البدايات، المشكلة في الكتابة النسوية أنها أثارت حفيظة الكثير من النساء، فهذا التعبير - الأدب النسوي - تعبير نقدي غربي، ولا يقصد به تقسيم الرجل والمرأة، وبهذا فلدينا أدب نسوي يكتبه رجل، مثلما كتب نزار وإحسان، فكل لمسة رقيقة رشيقة في الكتابة تصبح أدبا نسويا حتي لو كتبه رجل، والعكس بالعكس، وأنا ضد التقسيم إلا لغاية نقدية . أخيرا .. تصورك للربيع العربي وتأثيره علي الأدب ؟ دعني أقول بصراحة، إنه في السنوات الأخيرة بتنا ككتّاب كثيري الأسف والتأسي علي واقعنا، وانحسر حلمنا بالتغيير إذ لم يكن بين أيدينا شواهد علي احتمال مثل هذا التغيير، عن نفسي أعترف أني لم أشعر بذبابات الزلزال القادم، وإن كنت من فئة الذين يرددون أن لا شيء يستمر علي حاله ولا بد أن تطلع شمسنا يوماً، ولكني استبعدت هذا اليوم، ولم أراهن علي أني سأراه في جيلي أو جيل أبنائي، حتي حين زرت مصر قبل أعوام ثلاثة في مؤتمر الرواية هذه حتمية لتغير وجه الحياة التي صارت كالمستنقع الراكد، لكني كنت فاقدة الأمل، لكنه جاء، ولذا أتوقع أن تحدث فوضي لأننا غير مدربين علي الأمر، أما بالنسبة لتأثير ذلك علي الأدب، فالوقت مبكر، ومن يفكر في الكتابة السريعة المباشرة فهو حر.