يعترض البعض أساسا علي مصطلح المسلسل الديني ويرون أنه غير مصنف أساسا في الدراما فيعتبرون أن ما ندرجه تحت مسماها ينتمي فعليا إلي الدراما التاريخية. ولكننا كما اعتدنا أن نفتعل أشياء غير موجودة أصلا فتتواجد بالفعل مثل الظاهرة التليفزيونية العكاشية، فإننا ننفرد كذلك بقدرتنا علي تجاهل أشياء موجودة بالفعل كأن لم تكن. فالمسلسلات التي اعتاد التليفزيون المصري أن يقدمها في الماضي خاصة في الشهر الكريم تحت مسمي الدراما الدينية كانت أعمالا في الغالب تتناول سير الشخصيات الدينية والمواقف والأحداث التاريخية المتصلة بالدعوة للإسلام أو انتشاره أو غزواته. وكانت هذه الأعمال بالفعل تستند في الغالب إلي مرجعية دينية وليست تاريخية. وكانت الجهة التي تجيز هذه الأعمال وتبيح عرضها بالأساس هي الأزهر وهي جهة دينية. وبعد كل هذا يعترض البعض علي وصفها بالدينية. علي أي حال إنهاء لهذا الجدل قرر المسلسل الديني أن يختفي ويتلاشي وكأنه في طريقه للانقراض. وربما ظن البعض أنه سوف يعود بقوة في ظل انتخاب رئيس جمهورية ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين. اللجوء للقضاء ولكن الحقيقة أنه ربما يشهد المسلسل الديني مزيدا من الغياب والتراجع في ظل حكم وحكومات تنتمي للتيارات الدينية. توقعت هذا منذ لقائي الأول بالقيادي الإخواني أحمد أبو بركة في برنامج بقناة نايل سينما حيث كشف لنا عن أن الاحتكام للقضاء سوف يكون الوسيلة للفصل في الأعمال الفنية عموما.. مما يعني مزيدا من الحجر عليها والتعويق لها، فضلا عن المخاطر التي تهدد رءوس الأموال التي ستنفق عليها. وتأكدت من ذلك أيضا حين التقيت هذا الأسبوع في قناة التحرير بالشيخ السلفي يوسف البدري الذي كشف لنا بوضوح عن رفض شريحة كبيرة من السلفيين لظهور أي من الصحابة علي الشاشة بل وعدم اقتناعهم بجدوي أو مشروعية التمثيل من الأساس أيا كانت أغراضه. لكن في مواجهة هذا الخطاب المتشدد يوجد خطاب ديني آخر أكثر تسامحا، فعميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، الأستاذة الدكتور عائشة المناعي لا تجد حرجا في تمثيل شخصيات الصحابة «من وجهة نظري لا توجد مشكلة في تمثيل شخصيات الصحابة، لأنهم ليسوا برسل ولا أنبياء، لكن المشكلة في تجسيد الأنبياء، وهذا هو المرفوض تماما شرعا، وأتصور أنه مرفوض نفسيا أيضا للمسلم، لأن الأنبياء مقدسون، أما الصحابة فلا إشكال في ذلك إذا ظهروا بصورة حسنة دون المساس بشخصية الصحابي، بألا تكون هناك أخطاء ولا هفوات، ومن وجهة نظري إذا ظهر الصحابي علي الشاشة بصورة حسنة فلا بأس، بمن فيهم الخلفاء الراشدون فكلهم صحابة، المهم أن يعطي العمل الصورة الحسنة للصحابي الجليل». ولكن الحقيقة أن انكماش المسلسل الديني في عمل أو اثنين علي الأكثر في خريطة رمضان لهذا العام والتي تضم أكثر من خمسين مسلسلا من كل صنف ولون هي مسألة أصبحت عادية جدا. والمأساة أنه لم يعد يشغل أحد أهمية هذا النوع ولا خطورة غيابه رغم اتساع أسواقه بامتداد العالم الإسلامي. وكأننا قررنا نهائيا ترك الساحة العربية والإسلامية خالية ليصول ويجول فيها الأتراك والإيرانيون. التليفزيون الإذاعي بداية لابد أن نتذكر أن فناء أي نوع يرتبط أساسا بتخلفه وعدم قدرته علي مواكبة العصر ومواجهة الجديد. والمأساة أن المسلسل الديني منذ نشأته لم يواكب حتي فكرة التليفزيون ذاتها فمعظم الأعمال تعتمد علي الحوار اعتمادا يكاد يكون كليا وتتواري قيمة وأهمية الصورة إلي أدني الحدود. أما الدراما ذاتها فتعود إلي عصور الجاهلية الدرامية التي ينقسم فيها البشر إلي كفار أشرار أغبياء غلاظ الصوت شديدي القبح والدمامة. وعلي الجانب الآخر أخيار مؤمنون أقرب للملائكة، وجوههم بشوشة ونظراتهم حالمة وأصواتهم دافئة ورقيقة. وتأتي المشاهد التي يضطر فيها السيناريو إلي إظهار شخصية ممنوعة من الأنبياء أو آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام أو الخلفاء الراشدين أو العشرة المبشرين بالجنة أو الصحابة وقائمة لا تنتهي فإننا بالطبع لا نراهم ونستعيض عن وجودهم بوسائل بصرية أو سمعية شديدة البدائية. اليوم بالطبع أصبح من المستحيل علي المشاهد أيا كان مستوي ثقافته أو درجة وعيه أن يقبل علي مشاهدة أعمال مثل هذه، وهو يري في المسلسلات الإيرانية تحديدا الشخصيات الدينية متجسدة أمامه أيا كانت مكانتها، بما فيها الأنبياء شخصيا، وهي تتفاعل مع الشخصيات الأخري كما يجب أن تكون الدراما وكما ينبغي أن تعبر الصورة. المدرسة المباركية وعلاوة علي هذا فإن هذه ليست فقط هي العناصر التي تميز هذه الدراما الوافدة. بل إن مسلسلات سوريا الشقيقة التاريخية والدينية أمكنها أن تسحب البساط من الدراما المصرية بفضل جمال الصورة وإبهار الديكورات ودقة الإكسسوارات والثراء بوجه عام في مختلف مفردات الكادر السينمائي. والحقيقة أن حال الصورة في المسلسل المصري الديني وصل إلي مستوي غير مسبوق من التردي بعد أن كان قد وصل في الثمانينات إلي ذروة في مستوي الإنتاج والصورة وكل العناصر والمؤثرات خاصة في مسلسل محمد رسول الله. ولكن الحقيقة أن إهمال المسلسل الديني يرجع بالأساس في رأيي إلي الاستسهال في التسويق بالتعامل مع أسواق ثابتة بعينها وفي الاعتماد علي عائد الإعلانات في الداخل. والحقيقة أن سياسة الاستسهال كانت تنتمي تماما إلي عهد الاستهبال والفهلوة المباركي. فالتسويق لم يكن يعني سوي البيع للمحطات التقليدية التي تتقدم للشراء ولم يخطر علي بال أحد فكرة توسيع الأسواق واستغلال منتج المسلسل الديني الذي كان نادرا في العالم ومتميزا نسبيا في مصر. أما مسألة الإعلان والتمويل فكانت أقرب إلي وسائل التبرك والتقرب والتعبير عن الخضوع من رجال الأعمال لكبار المسئولين في الدولة والإعلام وأبنائهم من منتجي الدراما. لم تكن لدي من كنا نطلق عليهم رجال الأعمال أي وسائل علمية لقياس الرأي أو البحث عن شعبية النجم أو عن النوع الدرامي الأكثر جذبا للجماهير. كانوا في الغالب يدفعون أموال الإعلانات مجبرين لتسهيل أمورهم وتخليص مصالحهم واتقاء لشر النظام ليس بغرض الدعاية لمنتجاتهم. الشيخ الأزهري الشهير جمال قطب أعلن في لقاء تليفزيوني أنه لا مانع من ظهور العشرة المبشرين بالجنة في الدراما بشرط السيناريو الجيد! وطالب الشيخ جمال مجمع البحوث الإسلامية بتشجيع الدراما الدينية التي تتحدث عن الصحابة والعشرة المبشرين وتجسيدهم والسماح بعرض مسرحية «الحسين» للشرقاوي لكي يستفيد شبابنا ويتعرف علي تاريخ دينه. وربما تشير كلمات الشيخ جمال إلي أهمية مستوي العمل واعتباره عامل الفصل في الإجازة أو الرفض. فإذا كان العمل جيدا ويعبر عن الإسلام والشخصيات الدينية بأسلوب لائق فما المانع من العرض. وربما تنقلنا هذه الجزئية إلي قضية لجان الدراما واختيار الأعمال. والحقيقة أن كلمة لجان أصبحت سيئة السمعة في بلدنا لكونها تسفر غالبا عن نتيجتين لا ثالث لهما إما لجان خانعة ومأجورة وإما لجان ذات رأي وقيمة لكن لا يعمل بآرائها أحد. فهل من المستحيل تشكيل لجان مناسبة لهذه الموضوعات الحساسة تحديدا؟ إنتاج فقير أما المنتجون لهذا النوع فكانوا يحققونه بأقل ميزانية ممكنة لتحقيق أكبر ربح ممكن وتجنبا أيضا للإنفاق علي مشروع غير مأمون قد ترفضه الرقابة بعد التصوير أوتوقف عرضه أو تصديره وقد تحجم بعض المحطات عن شرائه لأسباب تتعلق برؤية فقهاء بلدانها أو توجهات المذاهب المسيطرة بها. والحقيقة أن مسلسل متولي الشعراوي علي وجه التحديد كان من أكثر الأعمال التي تسببت في أن يتحول المسلسل الديني من شريحة الأعمال المكلفة إنتاجيا لما يتطلبه من ملابس وديكورات إلي شريحة المسلسل الفقير جدا. فقد تميز هذا المسلسل بالفقر الإنتاجي الشديد وعلي الرغم من هذا حقق نجاحا كبيرا. ونظرا لضيق الأفق الإنتاجي تم تعميم نموذج الشعراوي وازدادت الصورة في هذه النوعية فقرا علي فقر. والفقر الإنتاجي إذا كان يظهر علي الصورة بشكل واضح إلا أنه ينعكس علي الفكر بشكل أوضح. فعليك أن تتصور أن مثل هذا النوع من الأعمال بكل ما يتطلبه من جهد ومشقة وحرص في الكتابة ..و بكل ما يعتمد عليه من مراجع وبكل ما يفرضه من مصاعب ومواقف حساسة تستلزم حلولا وابتكارات درامية إلا أنه ورغم كل هذا ينطبق عليه بكل تأكيد سياسات التقشف والتخفيض. وإذا كانت الكتابة عموما من أرخص الأشياء في بلادنا فإن الكتابة للأعمال الدينية تتطلب في رأيي قدرا من التميز. والدراما الدينية بكل ما بها من طبيعة جادة وتوجيهية تستلزم نصوصا بها أعلي قدر من الجاذبية والتشويق حتي لا تتحول إلي مادة جافة ومنفرة. وهي أمور تجاوزتها تماما مسلسلات الدراما التركية والإيرانية التي استطاعت أن تجذب المشاهد إليها بمختلف الحيل الدرامية والتليفزيونية. علي أي حال لا أعتقد أن الموقف المتشدد من قبل المؤسسات الدينية تجاه هذه الأعمال سيظل ثابتا، فالواقع يفرض شروطه. وما رفضناه بالأمس قبلناه اليوم. وأكبر دليل علي هذا فيلم الرسالة الذي منع من العرض في مصر سنة 1980 لرفض الأزهر، لكنه أصبح متاحا ومنذ سنوات للعرض علي شاشاتنا المصرية والعربية. وهو أمر لا يمكن إجازته بدون موافقة نفس المؤسسة. لكن إلي متي سوف نظل متأخرين عن الركب ومتي سوف يسترد المسلسل الديني المصري هيبته ومكانته وأسواقه؟ د. وليد سيفالمسلسل الديني.. الدراما الغائبة في رمضان يعترض البعض أساسا علي مصطلح المسلسل الديني ويرون أنه غير مصنف أساسا في الدراما فيعتبرون أن ما ندرجه تحت مسماها ينتمي فعليا إلي الدراما التاريخية. ولكننا كما اعتدنا أن نفتعل أشياء غير موجودة أصلا فتتواجد بالفعل مثل الظاهرة التليفزيونية العكاشية، فإننا ننفرد كذلك بقدرتنا علي تجاهل أشياء موجودة بالفعل كأن لم تكن. فالمسلسلات التي اعتاد التليفزيون المصري أن يقدمها في الماضي خاصة في الشهر الكريم تحت مسمي الدراما الدينية كانت أعمالا في الغالب تتناول سير الشخصيات الدينية والمواقف والأحداث التاريخية المتصلة بالدعوة للإسلام أو انتشاره أو غزواته. وكانت هذه الأعمال بالفعل تستند في الغالب إلي مرجعية دينية وليست تاريخية. وكانت الجهة التي تجيز هذه الأعمال وتبيح عرضها بالأساس هي الأزهر وهي جهة دينية. وبعد كل هذا يعترض البعض علي وصفها بالدينية. علي أي حال إنهاء لهذا الجدل قرر المسلسل الديني أن يختفي ويتلاشي وكأنه في طريقه للانقراض. وربما ظن البعض أنه سوف يعود بقوة في ظل انتخاب رئيس جمهورية ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين. اللجوء للقضاء ولكن الحقيقة أنه ربما يشهد المسلسل الديني مزيدا من الغياب والتراجع في ظل حكم وحكومات تنتمي للتيارات الدينية. توقعت هذا منذ لقائي الأول بالقيادي الإخواني أحمد أبو بركة في برنامج بقناة نايل سينما حيث كشف لنا عن أن الاحتكام للقضاء سوف يكون الوسيلة للفصل في الأعمال الفنية عموما.. مما يعني مزيدا من الحجر عليها والتعويق لها، فضلا عن المخاطر التي تهدد رءوس الأموال التي ستنفق عليها. وتأكدت من ذلك أيضا حين التقيت هذا الأسبوع في قناة التحرير بالشيخ السلفي يوسف البدري الذي كشف لنا بوضوح عن رفض شريحة كبيرة من السلفيين لظهور أي من الصحابة علي الشاشة بل وعدم اقتناعهم بجدوي أو مشروعية التمثيل من الأساس أيا كانت أغراضه. لكن في مواجهة هذا الخطاب المتشدد يوجد خطاب ديني آخر أكثر تسامحا، فعميدة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، الأستاذة الدكتور عائشة المناعي لا تجد حرجا في تمثيل شخصيات الصحابة «من وجهة نظري لا توجد مشكلة في تمثيل شخصيات الصحابة، لأنهم ليسوا برسل ولا أنبياء، لكن المشكلة في تجسيد الأنبياء، وهذا هو المرفوض تماما شرعا، وأتصور أنه مرفوض نفسيا أيضا للمسلم، لأن الأنبياء مقدسون، أما الصحابة فلا إشكال في ذلك إذا ظهروا بصورة حسنة دون المساس بشخصية الصحابي، بألا تكون هناك أخطاء ولا هفوات، ومن وجهة نظري إذا ظهر الصحابي علي الشاشة بصورة حسنة فلا بأس، بمن فيهم الخلفاء الراشدون فكلهم صحابة، المهم أن يعطي العمل الصورة الحسنة للصحابي الجليل». ولكن الحقيقة أن انكماش المسلسل الديني في عمل أو اثنين علي الأكثر في خريطة رمضان لهذا العام والتي تضم أكثر من خمسين مسلسلا من كل صنف ولون هي مسألة أصبحت عادية جدا. والمأساة أنه لم يعد يشغل أحد أهمية هذا النوع ولا خطورة غيابه رغم اتساع أسواقه بامتداد العالم الإسلامي. وكأننا قررنا نهائيا ترك الساحة العربية والإسلامية خالية ليصول ويجول فيها الأتراك والإيرانيون. التليفزيون الإذاعي بداية لابد أن نتذكر أن فناء أي نوع يرتبط أساسا بتخلفه وعدم قدرته علي مواكبة العصر ومواجهة الجديد. والمأساة أن المسلسل الديني منذ نشأته لم يواكب حتي فكرة التليفزيون ذاتها فمعظم الأعمال تعتمد علي الحوار اعتمادا يكاد يكون كليا وتتواري قيمة وأهمية الصورة إلي أدني الحدود. أما الدراما ذاتها فتعود إلي عصور الجاهلية الدرامية التي ينقسم فيها البشر إلي كفار أشرار أغبياء غلاظ الصوت شديدي القبح والدمامة. وعلي الجانب الآخر أخيار مؤمنون أقرب للملائكة، وجوههم بشوشة ونظراتهم حالمة وأصواتهم دافئة ورقيقة. وتأتي المشاهد التي يضطر فيها السيناريو إلي إظهار شخصية ممنوعة من الأنبياء أو آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام أو الخلفاء الراشدين أو العشرة المبشرين بالجنة أو الصحابة وقائمة لا تنتهي فإننا بالطبع لا نراهم ونستعيض عن وجودهم بوسائل بصرية أو سمعية شديدة البدائية. اليوم بالطبع أصبح من المستحيل علي المشاهد أيا كان مستوي ثقافته أو درجة وعيه أن يقبل علي مشاهدة أعمال مثل هذه، وهو يري في المسلسلات الإيرانية تحديدا الشخصيات الدينية متجسدة أمامه أيا كانت مكانتها، بما فيها الأنبياء شخصيا، وهي تتفاعل مع الشخصيات الأخري كما يجب أن تكون الدراما وكما ينبغي أن تعبر الصورة. المدرسة المباركية وعلاوة علي هذا فإن هذه ليست فقط هي العناصر التي تميز هذه الدراما الوافدة. بل إن مسلسلات سوريا الشقيقة التاريخية والدينية أمكنها أن تسحب البساط من الدراما المصرية بفضل جمال الصورة وإبهار الديكورات ودقة الإكسسوارات والثراء بوجه عام في مختلف مفردات الكادر السينمائي. والحقيقة أن حال الصورة في المسلسل المصري الديني وصل إلي مستوي غير مسبوق من التردي بعد أن كان قد وصل في الثمانينات إلي ذروة في مستوي الإنتاج والصورة وكل العناصر والمؤثرات خاصة في مسلسل محمد رسول الله. ولكن الحقيقة أن إهمال المسلسل الديني يرجع بالأساس في رأيي إلي الاستسهال في التسويق بالتعامل مع أسواق ثابتة بعينها وفي الاعتماد علي عائد الإعلانات في الداخل. والحقيقة أن سياسة الاستسهال كانت تنتمي تماما إلي عهد الاستهبال والفهلوة المباركي. فالتسويق لم يكن يعني سوي البيع للمحطات التقليدية التي تتقدم للشراء ولم يخطر علي بال أحد فكرة توسيع الأسواق واستغلال منتج المسلسل الديني الذي كان نادرا في العالم ومتميزا نسبيا في مصر. أما مسألة الإعلان والتمويل فكانت أقرب إلي وسائل التبرك والتقرب والتعبير عن الخضوع من رجال الأعمال لكبار المسئولين في الدولة والإعلام وأبنائهم من منتجي الدراما. لم تكن لدي من كنا نطلق عليهم رجال الأعمال أي وسائل علمية لقياس الرأي أو البحث عن شعبية النجم أو عن النوع الدرامي الأكثر جذبا للجماهير. كانوا في الغالب يدفعون أموال الإعلانات مجبرين لتسهيل أمورهم وتخليص مصالحهم واتقاء لشر النظام ليس بغرض الدعاية لمنتجاتهم. الشيخ الأزهري الشهير جمال قطب أعلن في لقاء تليفزيوني أنه لا مانع من ظهور العشرة المبشرين بالجنة في الدراما بشرط السيناريو الجيد! وطالب الشيخ جمال مجمع البحوث الإسلامية بتشجيع الدراما الدينية التي تتحدث عن الصحابة والعشرة المبشرين وتجسيدهم والسماح بعرض مسرحية «الحسين» للشرقاوي لكي يستفيد شبابنا ويتعرف علي تاريخ دينه. وربما تشير كلمات الشيخ جمال إلي أهمية مستوي العمل واعتباره عامل الفصل في الإجازة أو الرفض. فإذا كان العمل جيدا ويعبر عن الإسلام والشخصيات الدينية بأسلوب لائق فما المانع من العرض. وربما تنقلنا هذه الجزئية إلي قضية لجان الدراما واختيار الأعمال. والحقيقة أن كلمة لجان أصبحت سيئة السمعة في بلدنا لكونها تسفر غالبا عن نتيجتين لا ثالث لهما إما لجان خانعة ومأجورة وإما لجان ذات رأي وقيمة لكن لا يعمل بآرائها أحد. فهل من المستحيل تشكيل لجان مناسبة لهذه الموضوعات الحساسة تحديدا؟ إنتاج فقير أما المنتجون لهذا النوع فكانوا يحققونه بأقل ميزانية ممكنة لتحقيق أكبر ربح ممكن وتجنبا أيضا للإنفاق علي مشروع غير مأمون قد ترفضه الرقابة بعد التصوير أوتوقف عرضه أو تصديره وقد تحجم بعض المحطات عن شرائه لأسباب تتعلق برؤية فقهاء بلدانها أو توجهات المذاهب المسيطرة بها. والحقيقة أن مسلسل متولي الشعراوي علي وجه التحديد كان من أكثر الأعمال التي تسببت في أن يتحول المسلسل الديني من شريحة الأعمال المكلفة إنتاجيا لما يتطلبه من ملابس وديكورات إلي شريحة المسلسل الفقير جدا. فقد تميز هذا المسلسل بالفقر الإنتاجي الشديد وعلي الرغم من هذا حقق نجاحا كبيرا. ونظرا لضيق الأفق الإنتاجي تم تعميم نموذج الشعراوي وازدادت الصورة في هذه النوعية فقرا علي فقر. والفقر الإنتاجي إذا كان يظهر علي الصورة بشكل واضح إلا أنه ينعكس علي الفكر بشكل أوضح. فعليك أن تتصور أن مثل هذا النوع من الأعمال بكل ما يتطلبه من جهد ومشقة وحرص في الكتابة ..و بكل ما يعتمد عليه من مراجع وبكل ما يفرضه من مصاعب ومواقف حساسة تستلزم حلولا وابتكارات درامية إلا أنه ورغم كل هذا ينطبق عليه بكل تأكيد سياسات التقشف والتخفيض. وإذا كانت الكتابة عموما من أرخص الأشياء في بلادنا فإن الكتابة للأعمال الدينية تتطلب في رأيي قدرا من التميز. والدراما الدينية بكل ما بها من طبيعة جادة وتوجيهية تستلزم نصوصا بها أعلي قدر من الجاذبية والتشويق حتي لا تتحول إلي مادة جافة ومنفرة. وهي أمور تجاوزتها تماما مسلسلات الدراما التركية والإيرانية التي استطاعت أن تجذب المشاهد إليها بمختلف الحيل الدرامية والتليفزيونية. علي أي حال لا أعتقد أن الموقف المتشدد من قبل المؤسسات الدينية تجاه هذه الأعمال سيظل ثابتا، فالواقع يفرض شروطه. وما رفضناه بالأمس قبلناه اليوم. وأكبر دليل علي هذا فيلم الرسالة الذي منع من العرض في مصر سنة 1980 لرفض الأزهر، لكنه أصبح متاحا ومنذ سنوات للعرض علي شاشاتنا المصرية والعربية. وهو أمر لا يمكن إجازته بدون موافقة نفس المؤسسة. لكن إلي متي سوف نظل متأخرين عن الركب ومتي سوف يسترد المسلسل الديني المصري هيبته ومكانته وأسواقه؟