9 أيام متصلة، إجازة عيد الأضحى 2024    ضخ 275 ألف طن سلع غذائية بالمجمعات الاستهلاكية بمناسبة عيد الأضحى    رئيس الشيوخ يهنئ الشعب بعيد الأضحى ويرفع الجلسة لأجل غير مسمى    كامل الوزير يعلن خطة الوزارة في تنفيذ 4 محاور تنموية بأسوان    البورصة المصرية تربح 16.4 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    صوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 382 ألف طن منذ بدء الموسم    «حلول تواكب التطورات».. رئيس بنك القاهرة: نستهدف تقديم خدمات مصرفية بقدرات عالمية    مقتل 55 على الأقل في اشتباك بين عشيرتين بالصومال    حزب السياسي الألماني اليميني المتطرف كراه يمنعه من شغل مقعد في البرلمان الأوروبي    الجيش الروسي يحرر بلدة في دونيتسك    القيمة التسويقية لمنتخب تركيا قبل انطلاق يورو 2024    شبانة: كولر غير مقتنع بيوسف أيمن والمعارين ويصر على كوناتي    مصر تحصد 4 ميداليات في بطولة العالم للمواي تاي باليونان    تعليم الوادي الجديد: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    بعد واقعة صفع احد المعجبين.. شروط حضور حفل عمرو دياب في دبي    إليسا: يجب أن تتوقف كل أشكال العنف في فلسطين والسودان    إعلان حالة التأهب القصوى بمستشفيات الدقهلية خلال امتحانات الثانوية العامة    حياة كريمة ببنى سويف.. الكشف وتوفير العلاج ل1739 حالة في قافلة سدمنت الجبل    وزيرة الهجرة تبحث مع الرئيس التنفيذي للغرفة الألمانية العربية للتجارة والصناعة سبل التعاون المشترك    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    تشكيل الحكومة الجديد.. رحيل وزير شؤون مجلس النواب    8 شهداء فى قصف إسرائيلى استهدف منزلا جنوب شرق خان يونس    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    أسترازينيكا مصر ومشاركة فعالة في المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي Africa Health Excon بنسخته الثالثة    تمهيدا لقصفها.. رسالة نصية تطلب من أهالي بلدة البازورية اللبنانية إخلاء منازلهم    اليوم.. "ثقافة الشيوخ" تفتح ملف إحياء متحف فن الزجاج والنحت بالجيزة    تحمي من أمراض مزمنة- 9 فواكه صيفية قليلة السكر    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    فنانون حجزوا مقاعدهم في دراما رمضان 2025.. أحمد مكي يبتعد عن الكوميديا    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    أبو الوفا: اقتربنا من إنهاء أزمة مستحقات فيتوريا    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    لمواليد «برج الجدي».. اعرف حظك هذا الأسبوع    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يشيد بإسهامات ندوة الحج العملية لخدمة ضيوف الرحمن    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    بعد قليل، الحكم في طعن شيرى هانم وابنتها زمردة على حكم سجنهما 5 سنوات    الأركان المشتركة الكورية الجنوبية: جيشنا لديه القدرة على الرد على أي استفزاز كوري شمالي    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    نتائج أولية: حزب الشعب يتصدر انتخابات البرلمان الأوروبى بحصوله على 181 مقعدا    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسماعيل صدقي يعود.. ويصادر ثلاث صحف وفدية
نشر في القاهرة يوم 19 - 06 - 2012

في يوم واحد.. بسبب نشر أنباء المظاهرات لم تعش وزارة «محمود فهمي النقراشي» الأولي سوي أقل من عام (24فبراير 2945 - 15 فبراير 1946)، وتشكلت من الوزراء أنفسهم الذين كانت تتشكل منهم حكومة سلفة، وينتمون إلي الأحزاب نفسها التي كانت يتشكل منها مجلس النواب فضمت، أربعة من السعديين، وأربعة من الأحرار الدستوريين وأربعة من حزب الكتلة الوفدية المستقلة ووزيراً واحداً من الحزب الوطني هو رئيسه «حافظ رمضان». وبعد شهور قليلة من تشكيلها - وفي 8 مايو 1945 - انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وترددت الحكومة في انهاء الأحكام العرفية والغاء الرقابة علي الصحف إذ كانت الحرب مع اليابان لاتزال قائمة ولجأ حزب الوفد الذي كانت صحفه أكثر الصحف المتضررة من الرقابة إلي الحيلة نفسها التي لجأ إليها في عام 1940 في عهد حكومة «علي ماهر» فقدم «محمد حنفي الشريف» عضو مجلس النواب، استجوابا إلي الحكومة، حول سوء استغلال الحكومة للرقابة علي الصحف في منع الأداء من النشر، وحتي لا يسرف الغائب في تقديم نماذج مما تحذفه الرقابة علي الصحف من أمور لا صلة له بالمجهود الحربي للحلفاء، خاصة أن ميادين القتال الفعلية كانت قد أصبحت في الشرق الأقصي، بعيدا عن مصر اضطرت الحكومة إلي إلغاء الرقابة علي الصحف قبل ساعات قليلة من الموعد المحدد لمناقشة الاستجواب في 9 يونية 1945، فتنازل النائب عن استجوابه (د.سليمان صالح - المرجع السابق ص 107). وما كادت الرقابة علي الصحف ترفع حتي انهالت صحف المعارضة - وخاصة الوفدية منها - علي الحكومة بسيل من الانتقادات، بسبب ترددها في الإعلان عن موقفها من معاهدة 1936، التي كشف تطبيقها خلال سنوات الحرب عن الآثار الضارة التي الحقتها باستقلال مصر، واتخذت هذه الصحف من تصريحات «النقراشي» المراوغة حول موقف حكومة من القضية الوطنية، ومنها قوله بأنه ينتظر الوقت المناسب لتحقيق الأماني القومية وأنه قد «اتخذ خطوة في سبيل تحقيقها» وسيلة للسخرية منه ومن حكومته، واصفه إياه ب«رجل الوقت المناسب» وحكومته بأنها «حكومة أبو خطوة» (طارق البشري/ الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952 القاهرة دار الكاتب العربي 1972/ص23- ود.يونان لبيب رزق/ تاريخ الوزارات المصرية/ الأهرام 1975 - ص473) وما كاد الموسم السياسي يبدأ مع خريف 1945، حتي طرحه تناقضات سنوات الحرب السياسية والاجتماعية نفسها علي الساحة. فقد عادت القضية الوطنية لتحتل مكان الصدارة بعد انتهاء الحرب وقدمت حكومة «النقراشي» مذكرة إلي الحكومة البريطانية تطلب فيها الدخول في مفاوضات معها لإعادة النظر في معاهدة 1936، ولم تنشر المذكرة إلا في 26 يناير 1946 مع الرد البريطاني عليها، فأثار الاثنان غضب الطلاب، إذ اعتبروا المذكرة المصرية هزيلة لأنها طالبت بإعادة النظر في المعاهدة علي أساس «استمرار التحالف» بينها وبين بريطانيا»، واعتبروا الرد البريطاني وقحا، لأنه نص علي أن «المبادئ الأساسية التي قامت عليها معاهدة 1936 سليمة في جوهرها» وأكد «أن سياسة الحكومة البريطانية هي أن تدعم التعاون الوثيق الذي حققته مصر ومجموعة الأمم البريطانية أثناء الحرب ليقوم هذا التعاون علي أساس المشاركة الحرة الكاملة بين ندين للدفاع عن مصالحها». ونشط حزب الوفد - الذي كانت وزارته قد أقيلت بشكل مهين في 8 أكتوبر 1944 - واستخدم تنظيماته الطلابية المنتشرة في الجامعات والمدارس الثانوية في الدعوة للاضراب والتظاهر احتجاجا علي مذكرة الحكومة ، وعلي الرد البريطاني. ودعت اللجنة التنفيذية العليا لطلبة الجامعة والمعاهد العليا جموع الطلاب إلي عقد مؤتمرات في معاهدهم لمناقشة الحالة الحاضرة، وانتهي المؤتمر - الذي عقد لهذا الغرض في جامعة فؤاد الأول، في يوم 9 فبراير 1946 - بخروج عدة آلاف من طلابها في مظاهرة ضخمة في طريقهم إلي القصر الملكي، بميدان عابدين، وهم يهتفون «لا مفاوضة إلا بعد الجلاء»، وعندما وصلوا إلي «كوبري عباس» -وهو الجسر الوحيد علي النيل الذي كان يربط الجيزة بالقاهرة آنذاك -، وجدوه مفتوحا، وهي حيلة كانت الحكومة المختلفة تلجأ إليها للحيلولة بين الطلبة وبين الوصول إلي قلب العاصمة، مما يساعد عادة في اتساع حجم التظاهر. وفي مواجهة ذلك نزل بعض الطلبة إلي النهر في القوارب ، ونجحوا في إعادة إغلاق الكوبري ، وما كادت المظاهرة تصل إلي نهايته ، حتي حوصرت بين قوات الشرطة علي ضفتيه وانهالت عليهم بالعصي الغليظة بقسوة اضطرت بعضهم للقفز إلي النهر واسفر التصادم عن إصابة نحو 48 من الطلبة اصابات بالغة، وهي الحادثة التي دخلت التاريخ باسم «مذبحة كوبري عباس». وفي اليوم التالي تكررت المظاهرات في القاهرة والإسكندرية والزقازيق والمنصورة وأسيوط، وتصدت لها قوات الشرطة بعنف مبالغ فيه، واسفرت عن مقتل سبعة من المتظاهرين، ثلاثة منهم في الإسكندرية، وثلاثة في الزقازيق وواحد في المنصورة، وتصاعد الموقف فاستقال وزراء «حزب الكتلة الوفدية» - وفي مقدمتهم رئيسه «مكرم عبيد» بسبب تراكم الخلافات بينه وبين «النقراشي» وبرروا استقالتهم بالاحتجاج علي سياسة الشدة التي اتبعتها الحكومة مع الطلبة وانتهز القصر الفرصة لكي يغسل يده من المسئولية عن سلوك الحكومة تجاه الاحتجاجات الشعبية ، ويتظاهر بأنه لم يكن يشجعها، فطلب الملك من «النقراشي» أن يستقيل، فقدم الاستقالة في 15 فبراير 1946 . واستقر رأي الملك علي إسناد الوزارة إلي سياسي مستقل هو «إسماعيل صدقي» (1875-1950) الذي قاد ديكتاتورية بداية الثلاثينات بين عامي 1930 و 1933، فالغي دستور 1923 ليحل محله دستور 1930 علي أمل أن ينجح في السيطرة علي الاضطرابات المتصاعدة التي اختلط فيها ما هو سياسي ووطني بما هو اجتماعي. وكانت التناقضات الاجتماعية التي اسفرت عنها سنوات الحرب قد تصاعدت في سلسلة من الاضرابات العمالية والاحتجاجات الجماهيرية، إذ انخفض الدخل الحقيقي للفرد عما كان عليه قبل الحرب بنسبة 15% وأدي التضخم إلي ارتفاع في نفقات المعيشة اثقل كاهل الطبقات الشعبية ، ووجد مئات الألوف ممن دخلوا سوق العمل، ليلتحقوا بأعمال تتعلق بالمجهود الحربي لجيوش الحلفاء، أنفسهم بلا عمل، بعد أن استغنت عنهم الجهات التي استخدمتهم، وسادت موجة من السخط الاجتماعي، ساهمت المنظمات اليسارية التي تشكلت منذ بداية الأربعينات في تنظيمها وتسييسها وتحويلها إلي حركة جماهيرية تطالب بحقوقها. بدأت هذه المنظمات تتكون في صورة حلقات ماركسية صغيرة، سعي لتشكيلها فريق من الأجانب المقيمين في مصر، نجحوا في اجتذاب بعض المثقفين المصريين إلي أفكارهم لتتبلور هذه الحلقات خلال عام 1943، في ثلاث منظمات هي «الحركة المصرية للتحرر الوطني» - حمتو- ومنظمة «ايسكرا» و«حركة تحرير الشعب» اعتمدت في ترويج أفكارها علي إصدار الصحف والمجلات وتأسيس المنظمات الثقافية وتنشيط الدعوة لتأسيس المنظمات النقابية. وهكذا وبعد اسبوعين علي انتهاء الحرب العالمية في أوروبا، وقبل ثلاثة أسابيع من انهاء الرقابة علي الصحف، صدر - في 16 مايو 1945- العدد الأول من مجلة «الفجر الجديد» التي تكشف - فيما بعد - أنها كانت لسان حال مجموعة ماركسية رابعة عرفت بعد ذلك باسم «طليعة العمال» وكان آخر اسم حملته هو «حزب العمال والفلاحين الشيوعي المصري» وبعد أربعة شهور أعلنت المجموعة نفسها عن تشكيل جناح عمالي لها، باسم «لجنة العمال للتحرير القومي - الهيئة السياسية للطبقة العاملة» التي اتخذت منبرا لها صحيفة اسبوعية باسم «الضمير» بينما اتخذت «الحركة المصرية للتحرر الوطني» من مجلتي «أم درمان» و«الطليعة» صحفا لها تبشر بآرائها علي صفحاتها وكانت هذه المنظمات الماركسية قد اتخذت من بعض صحف «حزب الوفد» ومن بينها يومية «الوفد المصري» - التي كان يرأس تحريرها آنذاك «د. محمد مندور» و«رابطة الشباب» - منابر تنشر من خلالها بياناتها ووجهات نظرها التي كانت تقترب آنذاك من موقف «الوفد» وخاصة ما يتعلق منها بانتقاده العنيف لسياسة حكومات الأقلية السياسية تجاه القضية الوطنية. وعلي الرغم من التباينات الفرعية بين رؤي هذه المجموعات الماركسية حول بعض القضايا التنظيمية الخاصة بها، فقد كانت تعبر في مجموعها، عن تيار جديد في الحركة السياسية، يجمع بين مطالب التحرر من الاستعمار الأجنبي والاستعمار الاقتصادي والتحرر من الظلم الاجتماعي. وكان من بين تجليات حركة هذه المنظمات الماركسية ، نجاحها في تشكيل تحالف يضم الطلاب الوفديين والماركسيين في الجامعات، أسفر عن تشكيل «اللجان الوطنية للطلبة» في الكليات والمعاهد ، ثم تشكيل «اللجنة التنفيذية العليا» للطلبة من ممثلين لهذه اللجان، وكانت هذه اللجنة هي التي دعت الطلبة إلي عقد مؤتمرات عامة يوم 9 فبراير 1946 في كلياتهم طالبت بعدم الدخول في المفاوضات إلا علي أساس تسليم بريطانيا قبل بدئها بالجلاء ونشطت هذه المنظمات في تشكيل «لجان وطنية للعمال» في المصانع، اسفرت عن انشاء لجنة عامة لها هي «اللجنة الوطنية للعمال بشبرا الخيمة» وأسفرت ثم جرت بين مندوبين عن اللجنتين، عن الاتفاق علي تشكيل «اللجنة الوطنية للعمال والطلبة» التي دعت لأن يكون يوم الخميس 21 فبراير 1946، يوم الجلاء الذي تتعطل فيه المرافق العامة ووسائل النقل والمحلات العامة والتجارية ومعاهد العلم والمصانع في جميع أنحاء القطر إعلانا عن احتشاد الأمة حول مطلب الجلاء عن وداي النيل. فواكبت الدعوة التي اطلقتها «اللجنة الوطنية للطلبة والعمال» مع تشكيل حكومة «إسماعي صدقي» الذي رأي أن يتبع سياسة جديدة مع التحركات الطلابية وألا يقع في الخطأ الذي وقع فيه هو نفسه في وزارته الأول عام 1930، فأعلن أمام مجلس النواب، أن «صدقي» اليوم غير «صدقي» الأمس، والذي وقع فيه هو نفسه في وزارته الأولي عام 1930 ، فأعلن أمام مجلس النواب أن «صدقي» اليوم غير «صدقي» الأمس والذي وقع فيه «النقراشي» حين اتبع سياسة العنف في التعامل مع تظاهراتهم ، فأطاح ذلك بحكومته فأدلي بحديث لجريدة «الأهرام» نشرته في 18 فبراير 1946، أكد فيه أن طلبة العلم محل عطفه الكبير، باعتبارهم رجال الأمة ومستقبلها، وأنه اختار خمسة من وزرائه من الجامعيين ، وعبر عن أمله في «ألا تتكرر الحوادث التي وقعت في نهاية عهد الوزارة السابقة، خاصة أن أماني الطلبة ورغباتهم التي كانوا يهتفون بها لا تختلف في شيء عما تنادي به الأمة جمعاء وتمني علي الطلبة أن يكونوا بمنأي عن دعاة التحريض». وتطبيقا لهذه السياسة أعلن «صدقي» ترحيب حكومته بالدعوة لأن يكون يوم 21 فبراير 1946 يوما للجلاء بل وشارك بنفسه في المظاهرات وطاف عدة ميادين وشوارع وخطب في جموع المتظاهرين مؤيدا مطالبهم، وداعيا للحفاظ علي النظام. ولكن المظاهرات التي بدأت منظمة وشاركت فيها حشود ضخمة من المواطنين انطلقت من أماكن مختلفة في العاصمة ثم تجمعت كلها في ميدان الأوبرا، حيث عقد مؤتمر وطني عام قرر مقاطعة المفاوضات وأساليب المساومة والتمسك بالجلاء عن وادي النيل ، وإلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتي 1889 الخاصتين بالسودان وعرض قضية مصر علي مجلس الأمن، ثم اتجه قسم منها إلي ميدان عابدين حيث كان مقررا من قبل واتجه القسم الآخر إلي ميدان الإسماعيلية - التحرير - الآن ، حيث كانت توجد ثكنات الجيش البريطاني حين ظهرت فجأة سيارتان عسكريتان بريطانيتان اخترقتا الجموع فألقي المتظاهرون الحجارة علي الثكنات ، ورد جنود الاحتلال بإطلاق المدافع الرشاشة فاتجهت المظاهرات إلي العنف الذي شمل بعض المحال الأجنبية ومعسكرا للجنود الأفارقة ومخزنا لأدوية جيش الاحتلال، ونادي الطيران الإنجليزي ، وخمس سيارات للقوات الهندية وانتشرت المظاهرات في العاصمة وفي «الإسكندرية» و«الإسماعيلية» و«الزقازيق» و«المنصورة» و«دكرنس» و«المحلة الكبري» و«طنطا» و«كفر الشيخ» و«منيا القمح» و«زفتي» و«المنزلة» و«السنبلاوين» واسفرت الصدامات عن مقتل 23 وإصابة 121 جريحا. وفي مساء اليوم نفسه وفي «اعقاب اجتماع عاجل لمجلس الوزراء ناقش الموقف، استدعي «صدقي» المسئولين عن تحرير الصحف وطلب إليهم ألا يخوضوا في تفاصيل ما حدث، لأن بعض هذه التفاصيل لم يتسن للحكومة جمعها بعد، وأنه سيذيع بيانا بما تم التوصل إليه من معلومات حتي الآن في الليلة نفسها، وعليهم أن يلتزموا به إلي أن يتم التوصل إلي بقية المعلومات، وتصدر بها بيانات رسمية. وبعد نصف ساعة،
أذاع «صدقي» بيانا استعرض فيه الحوادث المؤلمة وأعلن في ختامه «منع المظاهرات منعا تاما، حفاظا علي أرواح الأبرياء، ومحافظة علي القضية الوطنية الكبري» وهدد بأن الحكومة «ستستعمل كل ما لديها معه من وسائل للضرب علي أيدي العابثين الذين يلعبون بالنار». ومن بين صحف حزب الوفد، كانت صحيفة «الوفد المصري» - وهي يومية وفدية كان يرأس تحريرها د. محمد مندور المعروف باتجاهاته اليسارية -هي أولي الصحف التي اعتبرتها الحكومة لسان حال «العابثين الذين يلعبون بالنار» فصادرتها في اليوم التالي - 22 فبراير 1946 - لأنها كما قال رئيس الوزراء «إسماعيل صدقي» فيما بعد أمام مجلس الشيوخ وصفت ما حدث في اليوم السابق بأنه « ثورة لن تخمد مادام في الشعب المصري دم يجري أو عرق ينبض»، وقالت «بأن الإنجليز أعلنوها حربا دامية» ، وادعت أن الذين اصيبوا برصاص جنودهم هم «ألوف مؤلفة» وهي كلها - كما أضاف رئيس الوزراء - «أخبار كاذبة كافية لقيام الفتنة في البلاد وتكدير السلم العام فيها وأنها تخالف المادة 188 من قانون العقوبات التي تجرم نشر الأخبار الكاذبة». وبعد ثلاثة أيام - وفي 25 فبراير 1946 - صوردت جريدة «الوفد المصري» للمرة الثانية لأنها نشرت بيانا أصدره «أحمد حسين» رئيس حزب مصر الفتاة بمناسبة المصادمات التي حدثت بين الطلبة المتظاهرين في مدينة دمياط، ورجال الأمن ، اعتبره رئيس الوزراء «دعوة إلي عدم الانقياد للقوانين واللوائح» وتحريضا للطلبة علي الإضراب ، وللجند علي الخروج عن الطاعة والتحول عن أداء واجباتهم العسكرية، علي نحو من شأنه تكدير السلم العام، وهو - كما اشار صدقي باشا في بيانه أمام مجلس الشيوخ - ما يحرمه قانون العقوبات بالمواد 175،176،177 . ومع أن النيابة العامة استدعت رؤساء تحرير الصحف في أول مارس 1946 وابلغتهم بصدور قرارها بحظر نشر أية أخبار عن اضرابات ومظاهرات الطلبة طبقا للمرسوم الخاص يحفظ النظام في معاهد التعليم، إلا أن جريدة «الوفد المصري» عادت هي نفسها في 9 مارس 1946، فنشرت عدة احتجاجات سياسية ، صدرت عن طلبة الأزهر، وعن بعض طلبة كليتي الهندسة والحقوق، ونداء لأعضاء اللجنة التنفيذية العليا للطلبة يدعو طلاب الكليات والمدارس إلا إلي احتجاج اعتبره «صدقي باشا» ايحاء بالدعوة لاستئناف التظاهر، ووسيلة لإحداث القلاقل، فأمر بمصادرة العدد وهو ما حدث أيضا مع «جريدة المصري» - كبري صحف الوفد اليومية - التي صودرت في اليوم نفسه وللسبب نفسه، لأنها نشرت بيان اللجنة التنفيذية العليا للشباب، الذي يدعو لإعلان احتجاج سياسي في جميع الكليات والمدارس في اليوم التالي، ولأن اتحاد الأزهريين قد نشر فيها احتجاجا سياسيا، تشجيعا لطلبة الكليات والمعاهد الأزهرية ، بارتكاب مخالفات لأحكام المرسوم بقانون رقم 101 لسنة 1945 الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم.. وفي اليوم نفسه صودرت كذلك ثالثة الصحف الوفدية، وهي جريدة «البلاغ» - اليومية المسائية - لمخالفتها لقرار حظر نشر عن أخبار التحقيق في حوادث الإسكندرية التي وقعت في 5 مارس 1946 . ولأن صحف «الوفد» كانت تتعرض منذ أن اقيلت حكومته في 8 أكتوبر 1944، لملاحقات قضائية عديدة ، تتمثل في إقامة الدعاوي المباشرة ضدها، وفي التحقيق مع رؤساء تحريرها أمام النيابة العامة، قد اعتبرت قيادة الوفد بمصادرة ثلاث من صحفه الكبري في يوم واحد دليلاً علي أن هناك خطة لمصادرة هذه الصحف «مصادرة منظمة» تسيء استخدام القانون، وتفرض علي الصحف نوعا من الرقابة الإدارية المسبقة والمحظورة بنص الدستور في غير حالة إعلان الأحكام العرفية، استنادا، لأن الإدارة تتولي مصادرة الصحف وهي في المطبعة، سواء بعد اتمام الطبع أو جزء منه أو قبل دوران المطبعة»، واستنادا إلي هذا المنطق، قدم «محمد صبري أبو علم باشا» - سكرتير عام حزب الوفد آنذاك وممثله في مجلس الشيوخ - استجوابا لرئيس الوزراء «إسماعيل صدقي باشا» نوقش في جلسة 11 مارس 1946 وبناه زعيم المعارضة الوفدية ، علي ملاحظة خلاصتها أن الصحف الوفدية - وهي صحف المعارضة الرئيسية وربما الوحيدة في تلك الفترة - قد أصبحت تصادر «مصادرة منظمة» . وطبقا لما نقله «صبري أبو علم» عن رؤساء تحرير الصحف الوفدية ، فقد علم منهم أنها - بعد 22 فبراير 1946 - «لم تعد تحرر كما أراد أصحابها ومحرروها ولكنها تحرر وتعرض علي مندوبين من وزارة الداخلية بيدهم وحدهم أمر السماح لها بالصدور أو مصادرتها إن طبعت أو منع طبعها». وفي روايته لواقعة مصادرة وإحراق 16500 نسخة من الطبعة الأولي من عدد جريدة «المصري» الذي صدر في 9 مارس 1946 ، قال «محمود أبو الفتح» صاحبها وعضو المجلس في مداخلة أدلي بها في الجلسة: في الساعة الرابعة من صباح يوم السبت 9 مارس الحالي .. دق جرس التليفون في منزلي ، واخبرني مدير مطبعة جريدة «المصري» أن رجال البوليس طلبوا العدد المطبوع من الجريدة ، وبعد أن اطلعوا عليه أخبروه أنهم سيصادرونه فطلبت أن اتصل برئيس القوة، فعلا تكلمت معه فأحالني إلي رئيسه حضرة «إسماعيل بك فخري» سألته فقال إنها تعليمات صادرة فسألته عن السبب فقال إنه البيان المنشور في الصفحة الرابعة، مع أننا كنا قد أدخلنا علي أصل البيان الذي تلقيناه تعديلات كثيرة، منها عدم ذكر الطلبة اكتفاء بأن قلنا إنهم شبان، وكذلك حذفنا منه كل ما يفهم منه الإضراب أو يشير من قريب أو من بعيد إلي أن الحركة حركة طلبة.. وبذلك أصبح البيان - بعد التعديلات - عبارة عن احتجاج علي تصرفات الحكومة، كما تناول موقف الوفد وموقف الحكومة من المفاوضات. أمام هذا عرضت علي حضرته أن تغير هذه الصفحة فقبل، بقيت الصفحة الرابعة، ولم يكن من المستطاع تغييرها لضيق الوقت حيث كانت الساعة الرابعة والنصف صباحا، فعرضت علي حضرته أن نزيل البيان المشكو منه، وهو بيان الأزهريين ، فقال إن مكانه يصبح «علي بياض» وهذا ما لا يصح أن يكون عند ذلك عرضت عليه أن يطمس، فلا يقرأ، وبذلك يظهر وكأنه عيب في الطباعة، فوافق علي هذا. بعد ذلك اتصل بي مدير المطبعة تليفونيا، وقال لي إن القوة تريد حرق 16500 نسخة من الجريدة ، فطلبت منه أن يراجعهم في هذا وأن يظهر لهم ما في حرق هذه النسخ من الخطر علي دار المطبعة والأماكن المجاورة لها، خصوصا وقد سبق أن شبت النار في هذه الجهة مرارا، ولكن القوة تمسكت بحرق هذا العدد، وحرق فعلا بدار المطبعة، ثم صدر العدد بالشكل الذي رآه به من قرأه في 9 مارس سنة 1946 . من الناحية السياسية ربط «صبري أبو علم» في شرحه لاستجوابه بين حملة المصادرات والمراقبات التي تتعرض لها الصحف الوفدية، وبين الاستعداد للمفاوضات البريطانية المصرية، التي صدر في اليوم نفسه مرسوم ملكي بتشكيل الوفد الذي يمثل مصر فيها إذ كان «حزب الوفد» قد رفض المشاركة في وفد المفاوضات، لعدم اعترافه بشرعية الانتخابات التي جاء بالأئتلاف البرلماني الذي يساند الحكومة القائمة .. وعبر زعيم المعارضة الوفدية عن دهشته لأن مصر قد تفاوضت في الماضي كثيرا ولم يكن من الاجراءات التي نادي بها المفاوضون المصريون قبل الدخول في المفاوضات أن يصنعوا له جوا أساسه منع الصحف المعارضة من أن تصل إلي قرائها، وكتم الآراء في مهدها وخنق حرية الصحافة، ثم إن العالم كله - كما أضاف - مشغول في مفاوضات متعددة ولم نسمع أن دولة من الدول رأت أن من أسباب نجاح المفاوضات أن تتكتم الأمر علي الشعب، وأن تفرض الرقابة علي الصحف وأن تحتل دور الصحف برجال البوليس ، وأن تحتل المطابع من فوقها ومن تحتها ويقف رجال البوليس علي أبوابها. وفي تساؤل استنكاري قال «أبو علم» أيكون من المصادفات المحضة أن تعود هذه الرقابة التي رفعت علي الصحف منذ ستة شهور بصورة عرفية شديدة تضرب علي مصر وعلي صحف المعارضة ، في اليوم الذي شكل فيه وفد المفاوضات؟ وهل لهذه الخطوة الجريئة ضد أكبر الحريات المصرية صلة بما نودي به في انجلترا من الشكوي من الصحف المصرية لأنها تسمم جو المفاوضات؟ فهل تكون هذه الرقابة المنعية ، وهذه المصادرة المنظمة استجابة لدعوة الحكومة البريطانية لتكميم الصحف الوفدية المعارضة في الوقت الذي أصبحت فيه علي عتبة المفاوضات لتقرير مصيرها؟! من الناحية الدستورية والقانونية استشهد السكرتير العام لحزب الوفد بالمادة الخامسة عشرة من الدستور، التي تحظر الرقابة علي الصحف أو انذارها، أو وقفها أو الغاؤها بالطريق الإداري، إلا إذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي، «وبما ورد في المذكرة التي رفع بها الدستور المصري إلي جلاله الملك لإصداره» حول عدم جواز تقييد حرية الصحافة، إلا بنصوص قانون العقوبات، وهو ما يعي عدم امكان إقامة الرقابة المنعية عليها، ويمنع إنذار الصحف أو تعطيلها أو إلغاءها بواسطة الإدارة ، فكل نظم قانون المطبوعات الذي صدر في سنة 1881 يجب أن يجعل مطابقة للمبادئ الجديدة. واقتبس من أقوال «علي ماهر باشا» في محاضر لجنة وضع الدستور قوله إنه «لا يصح أن تعرض صحيفة قبل نشرها علي هيئة إدارية للتصريح بنشر شيء منه، وتجريم نشر شيء آخر فيها» واقتطف من أقوال «محمد محمود باشا» - رئيس الحكومة التي أعلنت الأحكام العرفية في عهدها تأكيده بأن الضرر الذي ينشأ عن اخضاع الصحف للرقابة يصيب الحكومة نفسها فالناس جميعا يقدرون أن الحكومات القوية تترك للصحافة الحرية في نقدها وفي التحدث بما شاءت عن أعمالها» وأنتهي من ذلك إلي أن الدستور يحظر الرقابة علي الصحف وأن الرقابة المحظورة هي الرقابة المنعية (la censure preventive) كما ورد في النص الفرنسي للمادة الخامسة عشرة من دستور 1923، وهي الرقابة التي تقوم علي «المصادرة المنظمة». واستنتج «صبري أبو علم» أن السند القانوني الذي تستند إليه الجهات الإدارية في إجراء هذه الرقابة ، وفي إجراء هذه المصادرة هو نص المادة 198من قانون العقوبات التي تنص علي أنه «إذا ارتكبت جريمة بإحدي الطرق المتقدم ذكرها - أي طرق العلانية - جاز لرجال الضبطية القضائية ضبط كل الكتابات والرسوم والصور والصور الشمسية والرموز وغيرها من طرق التمثيل مما يكون قد أعد للبيع أو التوزيع أو العرض، أو يكون قد بيع أو وزع أو عرض فعلا، وكذا الأصول «الكليشيهات» والألواح والأحجار وغيرها من أدوات الطبع والنقل. ويؤمر في الحكم الصادر بالعقوبة إذا اقتضي الحال بإزالة الأشياء التي ضبطت أو التي قد تضبط فيما بعد أو إعدامها كلها أو بعضها. «وللمحكمة أن تأمر أيضا بنشر الحكم الصادر بالعقوبة في صحيفة واحدة أو أكثر أو بإلصاقه علي الجدران أو بالأمرين معا علي نفقة المحكوم عليه». وفي تحليله وتفسيره لنص المادة المذكورة ذهب «صبري أبو علم» إلي أنها تشترط شرطين: الشرط الأول إذا ارتكبت جريمة من جرائم النشر بالطرق المتقدم ذكرها - أي طرق العلانية- ولا يمكن أن يقال إن جريمة ارتكبت إلا إذا كان هناك نشر، والنشر لا يكون إلا بالتوزيع، فلا يمكن أن يقال إن الجريدة، وهي مواد يكتبها محرروها علي أنه «مكاتبهم، عبارة عن جريمة ارتكبت ولا يمكن أن يقال إن الصحيفة، وهي عبارة عن انهار في المطبعة، تضغط وتطبع وتعد لأن تكون صحيفة لها كيان تعتبر جريمة ارتكبت، وإنما الجريمة تعتبر جريمة ارتكبت إذا ارتكبت بإحدي الطرق المتقدم ذكرها - وهي طرق العلانية المشار إليها في المادة 171 - أي إذا كانت تباع وتوزع. ودلل «أبو علم» علي ذلك بعبارة «مما يكون قد أعد للبيع أو التوزيع أو العرض أو يكون قد بيع أو وزع أو عرض فعلا» التي وردت في نص المادة وتساءل: هل بعد هذا يقال إن الجريدة وهي في مطبعتها، تعد للطبع تعتبر أنها أعدت للبيع؟ ثم استطرد «صبري أبوعلم» يقول: -لو سمحنا لرجال البوليس باقتحام الجريدة لكانوا يسعون لرقابتها قبل أن تنشر، وقبل أن تتكون وقبل أن تكون في متناول الجمهور، تباع إلي الجمهور أو القارئين، ولذلك أشارت المادة إلي أنها قد أعدت للبيع أو التوزيع أو العرض، وأشارت بعد ذلك إلي أن هذه الاجراءات كلها يتولاها رجال الضبطية القضائية، فهم يسعون لكشف أو لضبط جريمة يقدمونها للقضاء ، ولكن الذي يحصل هنا هو أن النيابة والبوليس ورجال الإدارة -«مندوبي وزارة الداخلية» - كلهم يقتحمون حرم الصحافة، فيدخلون المطابع ويراقبونها من فوقها ومن اسفلها ويحتلون الدار التي تحرر فيها ثم تؤخذ مسودة المقالات التي كتبت أو تطبع ويعرضونها علي المسئول أو المهيمن علي ذلك في وزارة
الداخلية ، فإذا عارض في شيء منها، عاد إلي القائمين علي التحرير، وطلب إليهم - إن كانت الجريدة لاتزال تطبع - حذف الشيء الذي هو محل اعتراض، وإن كانت طبعت يصادر العدد. ووصف «صبري أبو علم» هذا النوع من الرقابة بأنه «أسوأ أنواع الرقابة التي فرضت علي البلاد حتي في أيام الأحكام العرفية ، فالرقابة - في ظل هذه الأحكام - لم تكن تخرج عن أن الرقيب يؤشر في الصحيفة علي المواد المحظور نشرها والمقالات التي يجب أن تمنع ويوقع علي ذلك، وإذا صودر عدد من أي جريدة يعطي إيصال للجريدة ببيان عدد النسخ المصادرة ، أما الآن فالرقابة تفرض وتنفذ ولا تلتمس لأسباب ومختلف الوسائل لكيلا يظهر أثر للرقابة، فتمنع المقالات ويشطب ما يراد شطبه من غير توقيع الرقيب وتصادر أعداد الجريدة، ولا تعطي إيصالات بالأعداد المصادرة لتضيع اثار المصادرة». وفي ختام شرحه لاستجوابه عاد «صبري أبو علم» ليربط بين ما سماه «الرقابة المنعية» التي فرضتها حكومة «إسماعيل صدقي» علي الصحف وبين المفاوضات قائلا: - إن الحكومة تريد أن تصنع رأيا عاما صناعيا، وأن ترسم له صورة من الصور هي التي تضعها، وإلا فما هو شأن هذا التحكم فيما ينشر في الصحف؟ ولماذا لا يترك القانون يجري مجراه الطبيعي ؟ وهل هذه الإجراءات علي هذه الصورة تبشرنا بأنه إذا تمت المفاوضات وأوصلنا إلي نتيجة من النتائج، سيكون الأمر في المستقبل هو ما نراه ونشاهده في الحاضر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.