يوافق اليوم الواحد والعشرون من فبراير اليوم الذى كان يحتفل به العالم يوما عالميا لكفاح الشباب والطلاب ضد الاستعمار، ولهذا اليوم من أهمية فى تاريخنا الحديث عامة وفى تاريخ حركتنا الطلابية على وجه الخصوص، فقد أصبح 21 فبراير يوما عالميا لكفاح الطلاب ضد الاستعمار إحياء لذكرى شهداء المظاهرات الشعبية ضد الاحتلال البريطانى والتى قادها الطلاب فى كل من مصر والهند وجنوب أفريقيا سنة 1946. ولهذا اليوم أحداث سبقته ومهدت لما حدث فيه، فقد خرجت مصر من الحرب العالمية الثانية التى انتهت رسميا فى صيف 1945 متحفزة لاستكمال مقومات استقلالها، وبدأت الحكومة المصرية، التى كان يرأسها محمود فهمى النقراشى باشا فى اتخاذ خطوات نحو العودة بالبلاد للأوضاع الطبيعية، فألغيت الرقابة على الصحف وأبيحت الاجتماعات العامة ومنع الاعتقال فى يونيو 1945، وفى أكتوبر ألغيت الأحكام العرفية تماما. وكانت «الهيئة السياسية» قد أصدرت فى يوم 22 سبتمبر 1945 بيانا طالبت فيه بالجلاء ووحدة وادى النيل، وكان أحمد ماهر قد شكل تلك الهيئة عقب توليه رئاسة الوزرة للاسترشاد بها فى الأمور المهمة، وكانت تتشكل من عدد من زعماء الأحزاب والساسة المستقلين، وقد جاء فى البيان: «ترى الهيئة السياسية بإجماع الآراء أن حقوق مصر الوطنية كما أجمع عليها رأى الأمة وأعلنتها الحكومة هى جلاء القوات البريطانية وتحقيق مشيئة أهل وادى النيل فى وحدة مصر والسودان، كما ترى الهيئة أن الوقت الحاضر هو أنسب الأوقات للعمل على تحقيق أهداف البلاد القومية واتخاذ الوسائل لمفاوضة الحليفة للاتفاق على هذه الأسس، وترى الهيئة أن قيام التحالف على هذه الأسس يزيد ما بين البلدين من علاقات الصداقة والتعاون توثقا ومتانة». وفى اليوم التالى، تبنت حكومة النقراشى بيان «الهيئة السياسية»، ورغم هدوء صيغة البيان وتأكيده على التحالف مع بريطانيا فإنه لم يلق استجابة من الجانب البريطانى، وبعد ثلاثة أشهر تقريبا، فى أواخر ديسمبر 1945، سلم سفير مصر لدى بريطانيا عبدالفتاح عمرو، مذكرة إلى الخارجية البريطانية تطالب الحكومة البريطانية بالدخول فى مفاوضات مع الحكومة المصرية لإعادة النظر فى معاهدة 1936، التى كانت تحكم العلاقة بين البلدين، وتسمح بوجود قوات بريطانية وقواعد على أرض مصر. وبعد أكثر من شهر جاء الرد البريطانى سلبيا فى 26 يناير 1946، كان الرد يؤكد صلاحية معاهدة 36 للاستمرار، مع مماطلة واضحة فى إمكانية تعديل بعض شروطها. ومن هذا الرد السلبى كانت البداية، لما حدث فى فبراير 1946. خلال الأسبوعين التاليين للرد البريطانى السلبى تصاعدت حركة الاحتجاج وسط طلاب الجامعة، وكان الطلاب قد شكلوا لجنة لتنظيم حركتهم وقيادتها سميت باسم «اللجنة الوطنية العليا للطلاب»، وكان من أبرز قادتها لطيفة الزيات الطالبة بكلية الآداب والكاتبة الروائية والناقدة والأستاذة الجامعية فيما بعد، ومصطفى موسى الطالب بكلية الهندسة وكان ينتمى لتيار الطليعة، وعصام الدين جلال الطالب بكلية الطب والذى أصبح فيما بعد طبيبا وعالما مرموقا ومشاركا فى أنشطة دولية من أجل السلام، وفؤاد محيى الدين الطالب بكلية الطب أيضا والذى أصبح رئيسا لوزراء مصر. ووصلت الأمور إلى ذروتها يوم السبت 9 فبراير 1946 عندما خرج الطلاب فى مظاهرات حاشدة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) قاصدين قصر عابدين مقر الملك وهم يهتفون للجلاء، وعند كوبرى عباس (الجيزة حاليا) تصدت قوات الأمن للمظاهرة لمنعها من العبور إلى القاهرة، واستمرت المظاهرات يومى 9 و10 فبراير وسقط عدد من الجرحى، كما سقط سبعة من الشهداء فى الإسكندريةوالمنصورة والزقازيق، واستقال محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء ليحل محله إسماعيل صدقى باشا. لم يؤد القمع البوليسى لمظاهرات الجامعة يومى 9 و10 فبراير 1946 إلى توقف الحركة الطلابية، بل على العكس أدى إلى التفاف شعبى جارف حولها، وتشكلت «اللجنة الوطنية للعمال والطلبة» لتقود الحركة، وأصدرت اللجنة ميثاقا وطنيا حددت فيه أهداف الشعب وعلى رأسها الجلاء التام عن مصر والسودان، ودعت إلى إضراب عام فى البلاد كلها وحددت له يوم 21 فبراير 1946، وسمته يوم الجلاء، وابتكرت الحركة أساليب جديدة فى الدعاية، فتم تصميم شارات معدنية طليت بالمينا عليها عبارات تدعو للجلاء ووحدة وادى النيل، مع بعض الرسوم المعبرة عن الكفاح الوطنى، وكان المصريون رجالا ونساء يعلقون تلك الشارات الصغيرة على صدورهم. وفى يوم الخميس 21 فبراير 1946 أضربت مصر كلها وخرجت المظاهرات تطوف شوارع المدن المصرية، وفى القاهرة خرجت مظاهرة غير مسبوقة من حيث عدد المشاركين فيها ومن حيث تنظيمها، وطافت المظاهرة شوارع وسط القاهرة دون أن تتعرض لها قوات البوليس بناء على تعليمات رئيس الوزراء، وكانت المظاهرة الوحيدة التى تصدى لها البوليس المصرى، مظاهرة مدينة المنصورة التى استشهد فيها طالب ثانوى. وفى القاهرة، سارت الأمور بسلام، حتى وصلت المظاهرة إلى ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليا)، حيث كانت ثكنات الجيش البريطانى فاقتحمت السيارات العسكرية البريطانية المظاهرة، وأطلق الجنود النار على المتظاهرين، فسقط فى المظاهرة 23 شهيدا و121 جريحا. وقد تصادف أن شهدت عددا من المستعمرات البريطانية مظاهرات فى نفس اليوم، من هنا اتخذ هذا اليوم يوما عالميا لنضال الطلاب ضد الاستعمار.