محافظ قنا يهنئ أقباط قوص بعيد القيامة المجيد    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    «التموين»: ارتفاع توريد القمح المحلي ل 1.8 مليون طن حتى الآن    الموانىء البرية والجافة: ميناء أكتوبر الجاف طفرة في منظومة النقل واللوجستيات ويساهم في منع تكدس الحاويات    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    «الزراعة» تواصل فحص عينات بطاطس التصدير خلال إجازة عيد العمال وشم النسيم    بمشاركة مصر وأمريكا وألمانيا.. الأردن ينفذ 5 إنزالات جوية لمساعدات على شمال غزة    قوات روسية تسيطر على بلدة أوتشيريتينو شرقي أوكرانيا    من هو سام مرسي أسطورة إيبسويتش في الدوري الإنجليزي    موعد مباراة الأهلي والهلال في الدوري السعودي.. المعلق والقنوات الناقلة    حمدي فتحي: استحقينا التتويج بكأس قطر.. وسنضع الوكرة في مكانة أكبر    إغلاق ميناء العريش البحري بسبب سرعة الرياح    قبل ساعات من انطلاقها.. ضوابط امتحانات الترم الثاني لصفوف النقل 2024    بعد إثارتها الجدل.. لماذا تبكي شيرين عبدالوهاب في الكويت؟    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    اعرف حظك وتوقعات الأبراج الاثنين 6-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    قاضٍ مصرى: نتنياهو يستخدم الدين لمحو فلسطين ويدمر 215 مسجدًا وكنيسة    زعيم المعارضة البريطانية يدعو سوناك لإجراء انتخابات عامة عقب خسارة حزبه في الانتخابات المحلية    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    وزير الرياضة يتفقد منتدى شباب الطور    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    أمن جنوب سيناء ينظم حملة للتبرع بالدم    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    بين القبيلة والدولة الوطنية    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    ماري منيب تلون البيض وحسن فايق يأكله|شاهد احتفال نجوم زمن الفن الجميل بشم النسيم    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    نتنياهو: إسرائيل لن توافق على مطالب حماس وسنواصل الحرب    إعلام عبري: حالة الجندي الإسرائيلي المصاب في طولكرم خطرة للغاية    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    "الرعاية الصحية" بأسوان تنظم يوما رياضيا للتوعية بقصور عضلة القلب    البحر الأحمر تستعد لأعياد شم النسيم بتجهيز الشواطئ العامة وارتفاع نسبة الإشغال في الفنادق إلى 90%    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    «منتجي الدواجن»: انخفاضات جديدة في أسعار البيض أكتوبر المقبل    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    «الدفاع المدني الفلسطيني»: 120 شهيدا تحت الأنقاض في محيط مجمع الشفاء بغزة    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محمود البنا حكما لمباراة الزمالك وسموحة في الدوري    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين تنقلب السينما علي حكامها
نشر في القاهرة يوم 22 - 05 - 2012

الحاكم هو الانسان الأعلي في الدولة، وهو لدي الناس اليد المانحة والباطشة، ولهذا السبب، يجب التعامل معه أثناء حياته، وبعد رحيله، من منطلق المصلحة التي يمثلها هذا الحاكم لكل طوائف الشعب، المقربين منه، والناس العاديين، وبشكل خاص الفنان، فالابداع الانساني خاصة في السينما، وايضا في الشعر، فإن الابداع يبقي، كي يعبر بصورة واضحة عن صورة الحاكم لدي الناس، خاصة المبدعين، ابان ازدهار حكمه، أو بعد وفاته، أو خلعه من السلطان، الذي جعل منه شخصا مليئا بعناصر التقديس، حتي اذا هبط من عليائه عصفت به الاقلام، والاقدار مهما كانت هيبته، إلا في حالة واحدة أن يكون الحكم بالتوريث، فالأبناء هم استمرار لتواجد الأبناء، لهذا سعي مبارك إلي التوريث، مثلما نجح حافظ الأسد أن يدفع بابنه إلي سدة الحكم، فلم يجرؤ أحد علي مس كرامة الأب لسنوات طويلة، وأمامنا أربع مقالات نتحدث فيها عن كيف وقفت السينما المصرية إلي جوار حكامها، تنزل عليهم هالات التقديس أثناء حيواتهم، حتي إذا هبطوا من علياء الحكم، نزلت بهم العواقب، وتحولوا إلي البقرة التي إذا ما وقعت انهالت عليها السكاكين تمزق في لحمها وترمي عليها جميع الجرائم التي حلت بالوطن. حدث هذا بشكل واضح مع حكام الأسرة العلوية، ابتداء من محمد علي باشا وحتي الملك فاروق، والذي ازدهرت السينما في عهده بشكل ملحوظ، وهذا هو موضوع مقالنا الأول، ثم حدث ذلك في عهد عبدالناصر، حيث نال هو من التمجيد قدر ما حاولت السينما المصرية في عهده إلي إهانة فاروق وأجداده في أفلام عديدة، أما الحقبة الثالثة فقد دارت في عصر أنور السادات بعد مايو 1971، وما سمي بظاهرة الكرنكة، وما إن تم اغتيال السادات حتي خرجت الأقلام بقوة لانتقادات عصره الانفتاحي الذي تصالح فيه مع اسرائيل، رغم أن حسني مبارك كان نظامه يحاول التقليل كثيرا من صورة سلبيات عصر السادات، ولا شك أن السينما التي تم انتاجها وسيتم بصورة غزيرة بعد ثورة 25 يناير سوف تظهر عصر مبارك بالصورة نفسها التي فعلتها سينما ما بعد يوليو، مع الأسرة العلوية، خاصة عصر الملك فاروق. الحكام لا الزعماء ولدت السينما المصرية الروائية الطويلة عام 1927 أي ابان زهو الملك فاروق وفي السنة نفسها التي غادرنا الزعيم سعد زغلول إلي العالم الآخر، ونحن هنا لن نتوقف عند الزعماء، وكيف صورتهم السينما، لكننا سنتوقف عند الحكام فقط، فلا شك أن الكثير من الجدران والبيوت في الأفلام التي تم انتاجها بين عامي 1927، وحتي وفاة الملك فؤاد عام 1936، كانت مزينة بصور رسمية للملك فؤاد، باعتباره الحاكم الذي يحبه المصريون، وقد كانت للرجل مكانة خاصة في وسائل الاعلام آنذاك، خاصة الصحف والمجلات، كما كانت هناك احتفالية خاصة بالأمير الصغير خاصة في مجلات الأطفال في تلك الآونة. ومن خلال ما لدينا من مشاهد وصور ووثائق عن السينما المصرية، فإن مكانة الملك فؤاد الأول لم نرها علي الشاشة بالصورة نفسها التي حدثت لابنة فاروق حيث كان لهذا المليك سحره الخاص، سواء وهو أمير، أو بعد أن صار مليكا، وقد بدا بصورته كشاب في السادسة عشرة من العمر، في مكان بارز من غلاف دفتر فيلم "أبو ظريفة" اخراج الفيزي الذي عرض في 15 أكتوبر عام 1936، أي بعد فترة قصيرة من توليته العرش، ولن نلبث أن نراه موجوداً في أغلب دفاتر الأفلام خاصة في دفتر فيلم "غرام وانتقام" حيث يوجد به وثيقتان بالغتا الأهمية، الأولي بعنوان "الملك" والثانية عبارة عن الكلمات الكاملة لأوبريت مواكب العز.. الذي كتبه أحمد رامي ولحنه رياض السنباطي، وأدته أسمهان مع مجموعة الكورس، وهما وثيقتان نادرتان سننقل احداهما بالكامل، ونشير إلي الأولي التي قيل فيها ان "غرام وانتقام" هو أول الافلام المصرية التي حظيت بتشريف الملك المفدي في أول حفلات عرضها، فقد أثارت هذه الرعاية السامية نفس الاستاذ مصطفي كامل الفلكي، فرأي أن يرفع هذه الكلمة لأعتاب الملك عربون ولاء واخلاص أهل الفن جميعا لذاته العليا. وفي الوثيقة صورة للفاروق العظيم يطوف بأنحاء ستوديو مصر، وقد ظهر إلي يسار جلالته حضرة صاحب العزة حسين سعيد بك عضو مجلس الادارة المنتدب لشركة ستوديو مصر التي أنتجت الفيلم، أما مصطفي كامل الفلكي، فهو اسم مدير الدعاية الذي كتب يقول: "انه لشرف أي شرف، وفخر أي فخر، أن يتفضل مليك وادي النيل، فيشرف، أعزه الله، حفلة العرض الأول بسينما ستوديو مصر لفيلم "غرام وانتقام" وبطلته فقيدة الفن "أسمهان" وبطله يوسف وهبي الفنان. وفي ختام هذه الصفحة من الاطراء الملحوظ جاء "ليس هذا الطبع بمستغرب منك فما هو الا درة جديدة انتظمت في عقد حدبك علي شعبك الوفي، وسهرك علي مصالح رعاياك المخلصين، ولا يسعني ازاء هذا التدفق، كما لا يسع أخواني أهل الفن جميعا إلا أن نهتف من الاعماق هتافا مدويا يهز أركان السماء "عاش الفاروق" و"لعل" من أسباب زيارة الفاروق لاستديو مصر وايضا حضور العرض الأول للفيلم هو أن الفيلم قام بتحية الفاروق، وأسرة محمد علي في الأوبريت الذي كال بالمديح لأبرز حكام مصر من هذه الأسرة فجاءت كلمات أحمد رامي كالتالي: أنا بنت النيل أخت الهرم/ لقد صحبت الدهر منذ القدم/فكان انضر عصر/ ملأت منه عيوني/عصر زها وتباهي هي/ بالاسرة العلوية/المجد فيه تناهي/ إلي أب المدنية/حيوا معي ذكري الزعيم الاول/حيوا معي ذكري محمد علي (كورس) تحيا لنا ذكراه/ يا نعم ما أسداه/بالفتح والعمران/ثم هناني الذي جملني كساني حلة العيش النضير/واحتوي ملكي علي أبنائه يتسامون كبيرا عن كبير/حيوا معي ذكري العزيز الاكمل/نادوا لاسماعيل نور المجتلي (كورس) تحيا لنا ذكراه/ يا نعم ما أسداه/بالعز والسلطان/وعلا قدري وذاعت شهرتي/في ربوع الأرض بالذكر الجميل/وشربت العلم من منبعه/صافي المورد عذب السلسبيل/لما شفت يمني فؤادي منهلي/حيوا معي ذكري الملك الأفضل(كورس)تحيا لنا ذكراه/ يا نعم ما أسداه/بالعلم والعرفان/واعتلي عرشي الذي أخلص لي/واسا جرحي وراسي البائسين/وغذا روحي بما أرسله/في شباب الملك من عزم متين/حيوا معي عهد الربيع المقبل/حيوا معي فاروق كنز الأمل (كورس) دامت لنا نعماه/ يا نعم ما أسداه/للبر والاحسان/يا مليك العصر يا حليف النصر/عشت لوادي النيل واقبل حبه/خالص للعرش موفور الولاء/وامضي للعلياء سباق الخطي/نحن من حولك للتاج الفداء طمس الصورة ومن المعروف أن السينمائيين ظلوا يغنوان للفاروق في أفلامهم طويلا، مثلما حدث في أفلام "ليلي بنت الفقراء" و"الماضي المجهول" و"قلبي وسيفي" وذلك بالاضافة إلي الصور البارزة في خلفيات المشاهد، والأماكن العامة، والخاصة، ما أرّق رجال الثورة، فراحوا يطمسون صورة الفاروق في الخلفيات، مثلما حدث في أفلام "الاسطي حسن"، و"غزل البنات" و"أنا بنت ناس" وغيرها. وكما نري فإن هذا التكريم الذي تم لأسرة محمد علي، قد انقلب الأمر إلي النقيض في افلام ما بعد ثورة يوليو، ليس فقط بطمس صورة الملك فاروق من فوق جدران ديكورات الافلام، بشكل يدعو إلي الاستفزاز، لكن كل الصور البراقة في موكب العز، قد تحولت إلي النقيض، فإذا كان الأوبريت قد مجد عميد الأسرة محمد علي، فإن السينما المصرية طوال تاريخها قد تعمدت الا تقترب من الوالي، ولا تزال هناك عقبات أمام فيلم متكامل عن الباشا، وقد تعاملت معه السينما المصرية بحيادية، مثلما يأتي ذكره ضمن أحداث فيلم "رسالة إلي الوالي" اخراج نادر جلال عام 1997، كما أن هذه السينما لم تذكر اخلافه، وعلي رأسهم ابراهيم باشا، والخديو سعيد، حتي ضمن أحداث "شفيقة ومتولي" ولم تر السينما من بناة مصر في تلك السنوات سوي باشوات ساديين، فاسدين دون أن تري منهم بارقة أمل أما الخديو اسماعيل في هذه السينما فقد نالته شرور السينمائيين حيث حوله حلمي رفلة في فيلم "ألمظ وعبده الحامولي" عام 1962، إلي «زير نساء»، يخطف النساء، ويشتهي لحومهن، مما استدعي قيام الثورة ضده، أي ما يسمي بتلبيس الاحداث، والحقيقة أن عبده الحامولي، في الواقع، كان أكثر ظلما حين تزوج من ألمظ فأبعدها عن الفن حتي لا تناقشه وحولها إلي سيدة بيت وحرم الناس من صوتها النادر. أي أن السينما تعاملت بقسوة شديدة مع رجال حاولوا أن يجعلوا البلاد هم الرونق نفسه لباريس فأنشأوا قناة السويس، عماد الاقتصاد المصري طوال قرنين، وأقاموا الأوبرا.. والبنايات الثقافية، والصحافة الحرة، وما اليه، وان كانت مصر المديونة عن ثقافة وتقدم أفضل منها وهي مديونة، مهزومة مرات عديدة. والغريب أن الملك فؤاد لم يحظ بأي تواجد في السينما، كما أن الغريب ايضا وجود صورة الأمير فاروق علي جدران البيت في فيلم "دموع الحب" عام 1935، ولم يكن للملك فؤاد أي تواجد. يعكس هذا مكانة الملك فاروق في قلب الناس، والسينمائيين، الذين انقلبوا عليه بعد ذلك، لأسباب تتعلق بمصالحهم، فرغم هذا التواجد والمديح الكبير للملك، فإن آخر صورة رأيناها للحاكم المصري في فيلم، كانت من خلال ظهره، وهو يؤدي التحية العسكرية، قبل مغادرة وطنه في السادس والعشرين من يوليو، وذلك في فيلم "الله معنا" لبدرخان عام 1955 . رجال الملك وقد دأبت أفلام الثورة، علي التأكيد أن العصر السابق، كان كله فساد في كل شيء، في الحياة الاجتماعية والنيابية، والسياسية، وأن الملك فاروق كان مشغولاً عن الحكم بالنساء خاصة الفنانات، وعلي رأس القائمة سامية جمال، وكاميليا، وتحية كاريوكا وأخريات، وهناك أفلام وطنية عديدة عن هذه المرحلة، كانت تري أن الفساد قد طال رجال الملك، دون الاشارة إلي الحاكم بشكل مباشر، وإن كان الأمر يؤكد أنه يعرف، وأنه وراء ما يحدث، وذلك مثلما رأينا في "رد قلبي"، و"بقايا عذراء" و"في بيتنا رجل"، و"غروب وشروق"، وأيضاً تم ذلك في فيلم روسي يحمل اسم "عبدالله الكبير". والغريب أن هذه الصورة عن الملك فاروق، قد ظلت حتي نهاية التسعينيات من القرن العشرين، وفي بعض الأفلام تم تغيير أحداث لم تكن موجودة في الواقع، مثل إيهام المتفرج أن الملك تزوج من حبيبة الفنان فريد الأطرش في فيلم "قصة حبي" لبركات 1955، فكسر قلبه، وشرخ وجدانه. الفيلم الذي ظهرت فيه شخصية الملك فاروق بأكبر قدر من الظهور، هو من انتاج 1995، أي بعد قيام الثورة بثلاثة وأربعين عاما، والفيلم مأخوذ عن كتاب بعنوان "امرأة هزت عرش مصر" لرشاد كامل، نشره أولا في مجلة "صباح الخير" ثم في كتاب، والفيلم ليس عن الملك فاروق بقدر ما هو عن امرأة لعبت دوراً في السياسة المصرية قبيل الثورة، هي ناهد رشاد "أسماها الفيلم نهي رشدي" التي كانت كبيرة الوصيفات في القصر الملكي، وهي امرأة، كما جاء في حلقات مسلسلة عن مأساة الملكة نازلي نشرت في مجلة الموعد لأكثر من ستين حلقة، أنها: "كانت مقربة جداً من الملك فاروق، بحيث إنها عندما أجرت عملية جراحية في المستشفي نفسها، الذي أجرت فيها نازلي عملية الكلي في أمريكا، كان الملك فاروق يتحدث معها يوميا، وذلك ليطمئن بنفسه علي صحتها، ويومها لم يكن يتحدث مع والدته أو يسأل عن صحتها، رغم أنه كان يعرف أنها تقيم في نفس المستشفي بل إن جناحها كان ملاحقاً لجناح ناهد رشاد. هيبة الدولة تدور أحداث الفيلم في فترة كانت الأحداث مأساوية بالنسبة للملك، دون أي تفسير لما فعلته نازلي.. تدور الأحداث بين عامي 1942، وحتي ثورة يوليو، ففي القصر الملكي، يجلس فاروق فوق كرسي العرش، وقد أحاطت به الحاشية، ويبدو الحزن علي وجهه، والحشرجة في صوته، ونعرف أن قوات الاحتلال أرسلت له انذاراً شديدا، ويعلن أنه من أجل الحفاظ علي هيبة الدولة فسوف يمتثل لمطالب الإنجليز، ومن هذه المطالب أن يكلف مصطفي النحاس بتشكيل وزارة جديدة. أي أن فاروق هنا رجل له نزعة وطنية، عكس ما حاولت الثورة أن تصوره لنا، ففي عام 1942، تعرف فاروق "22 عاماً" علي الطبيب يوسف رشاد، الذي يأتي لعلاج الملك بعد اصابته في حادث تصادم، وهو في طريقه إلي القصاصين، هذه الصداقة سوف تقوي - حسب منظور الفيلم - ليس فقط بسبب مهارة الطبيب، بل لأن يوسف متزوج من حسناء مولهة به، هي هند، التي تأتي لمقابلة زوجها في المستشفي العسكري البريطاني، وهناك تقع عينا الملك عليها، فيعجب بها، بنفس الطريقة التي حدثت مع ناريمان في فيلم "قصة حبي" مع اختلاف مصير العلاقتين. لذا، فإن الملك يطلب من الطبيب أن يبقي بجواره ويعينه طبيباً خاصاً له، وبالتالي فسوف يأتي مع زوجته للاقامة بالقصر الذي عندما تدخله
المرأة، فإنها تحس أن أبوابه مفتوحة من أجلها. أي أن السينما لم تتوقف قط عن النظر إلي الملك علي أنه «زير نساء»، وفي هذا الفيلم فإنه يستبيح لنفسه نساء الآخرين، كما أن الفيلم يصور الملك فاروق كشخص يثير الرثاء، فهو يحكم بلداً يحتله الانجليز، وهو لا يجد في منصبه سلطانا وقوة، مثل أي حاكم، لذا فإنه يتمني لو انتصر الألمان في الحرب العالمية الثانية، كما أنه قليل الخبرة السياسية بالإضافة إلي حداثة سنه، فهو ليس أكثر من طفل كبير يحب اقتناء الألعاب. ويصور الفيلم دور زوج نهي في تكوين الحرس الحديدي الذي يضم عناصر قوية من بعض ضباط الجيش الذين مهمتهم حماية الملك، وحسب الفيلم، فإن من بين هؤلاء الحرس يوجد أنور السادات، والضابط مصطفي كمال الذي سيصير عشيقاً للمرأة، الذي سيتردد أنه القائد الحقيقي للثورة، وأنه العضو المفكر بين الضباط الأحرار، وأن الباقين كانوا مجرد أدوات. ولسنا بصدد المقارنة بين التاريخ الحقيقي، والتاريخ حسبما رأته السينما في هذا الفيلم، لكن صورة حاكم مصر قبل يوليو أنه كان رجلاً ضعيفاً من ناحية يمكنه أن يضاجع زوجة طبيبه، وأن يحل جسدها لنفسها، بل إنه يصحب هذه العشيقة معه إلي أوروبا، كي تعيش معه ليال حمراء فوق اليخت الملكي، وتجد المرأة في زوجها رجلاً أصغر حجماً من عشيقها، ويتم الطلاق فيما بين الزوجين، فيحلو الطريق أمامها كي تسعي إلي تدميره خاصة بعد أن يطردها الملك من القصر، ويعلن زواجه من ناريمان، فتنضم إلي الضباط الأحرار، وتصدم في أن مصطفي كمال منشق عن زملائه. ظلت هذه هي صورة الملك فاروق في السينما المصرية بعد يوليو، وحتي الآن، وقد لعب الرقيب السينمائي طوال ستين عاما دوره في أن تبقي هذه الصورة النمطية للملك فاروق وأجداده، إلي أن انتبه الناس إلي الجانب الإنساني البائس، والمشرق لهذا الملك في مسلسل تليفزيوني كتبته لميس جابر، وتعاطف الناس مع الملك وهم يرون ما يدور في أروقة القصر، خاصة مسلسل آخر هو "ملكة في المنفي" كتبته راوية راشد، ومن الواضح أن الصورة بدأت تتغير بشكل واضح في الفترة الأخيرة، بعد أن راح الناس يقارنون بين ثورة يناير، وما عرفوا أنه انقلاب يوليو العسكري.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.