وفد قطري يتوجه إلى القاهرة لاستئناف المفاوضات بشأن اتفاق هدنة في غزة    شبورة مائية وأمطار خفيفة.. الأرصاد تكشف أبرز الظواهر الجوية لحالة الطقس اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    ياسمين عبد العزيز تكشف عن سبب طلاقها من أحمد العوضي    3 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا لعائلة "الدربي" غرب مدينة رفح    ضابط شرطة.. ياسمين عبد العزيز تكشف حلم طفولتها وعلاقته بفيلم «أبو شنب»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    وصول بعض المصابين لمستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال حي التنور شرق رفح    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء 7 مايو بالصاغة    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال    فيديوهات متركبة.. ياسمين عبد العزيز تكشف: مشوفتش العوضي في سحور وارحمونا.. فيديو    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل باشا: أنضج الرؤوس في هذا البلد معطلة بسبب الرقابة علي الصحف
نشر في القاهرة يوم 22 - 05 - 2012

حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): لإتمام كلمة الحكومة سأقول كلمة قصيرة، لم يبق بعد البيان المسهب الذي ألقاه علي مسامع حضراتكم حضرة الدكتور «محمود عزمي» إلا أن أعلن أن الحكومة القائمة تعرف للصحافة مكانتها العالمية في الشئون العامة ، وتري فيها أداة خير وإصلاح بما تؤديه من خدمات وطنية جليلة. وسياسة الحكومة لا يمكن أن تكون إلا مشجعة للصحافة نصيرة للمفكرين وذوي الرأي ، المؤيدين منهم والمعارضين، لأن في المعارضة القائمة علي خدمة الأغراض القومية نوعا من المعاونة وصورة من صور المساعدة، بهذه النظرة تنظر الحكومة إلي الصحافة سواء قامت الأحكام العرفية أو لم تقم، وعلي هذا الأساس تبني معاملتها للصحف، فهي لا تعرف التفريق بين صحف وأخري، فالجميع في نظرها مصريون يعملون للمصلحة الوطنية، والمصيب منهم والمخطئ مشكور لأنهم جميعا يشتركون في فضيلة الاجتهاد ومحاولة الوصول إلي الصواب كل علي النحو الذي يفهمه.. ولقد عملت الحكومة، بما توخته في اختيار حضرات مراقبي الصحف وبما أصدرته إليهم من تعليمات، علي أن تكون علاقة الرقابة بجميع أصحاب الصحف علاقة تعاون للخير العام، وعلي أن ييسر للصحف قيامها بواجبها الشاق لا أن يحال بينها وبين أداء رسالتها. ولقد اقتضي النظام، رغبة في التخفيف عن الصحفيين، جعل رقيب لكل جريدة، فكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلي تفاوت في التقدير تنشأ معه وجوه اختلاف في التصرف ، وكل منصف يري أن حدوث ذلك أمر طبيعي، وقد ذلل العمل والمران كثيرا من الصعوبات ، ومهما كانت الرغبة شديدة في النشر لتنوير الرأي العام فإن العمل دقيق يقع فيه الخطأ كثيرا بحسن نية، ولا يوجد في بلد من بلاد العالم جماعة من الخبراء للقيام بهذا العمل الشاق الدقيق الاستثنائي علي الوجه الأكمل لأنه لا يقوم إلا في الأوقات الاستثنائية. هذا وقد ظهر لحضراتكم من الأمثلة التفصيلية التي أدلي بها حضرة مراقب النشر أن الرقابة ساوت في عملها مساواة تامة بين الصحف المؤيدة للحكومة والصحف المعارضة لها، وأنها لم تتعرض إلا لما يجب أن يحذف صيانة للذوق العام سواء كان مما تكتبه الصحف المعارضة أو المؤيدة للحكومة. ويسرني، قبل أن أترك الكلمة، أن أوجه جميل الشكر لحضرتي الشيخين المحترمين علي تلك العناية المشكورة بحرية الصحافة والرغبة النزيهة في تأييدها وتدعيمها معتقدا أن مناقشة هذا الاستجواب ستكون معززة لمكانة الصحافة من نفوسنا جميعا، مؤيدة لما نحن حريصون علي توفيره لها من أسباب الحرية والتيسير، ونحن نصرح بأننا علي استعداد تام للعمل علي زيادة التيسير في مهمة الصحافة، وإذا تقدم لنا الصحفيون باقتراحات عملية في هذا الموضوع فنحن نحلها محل الاعتبار لأننا معهم في أوقات الشدة مجندون لخدمة هذا الشعب الكريم ( تصفيق من اليمين). الرئيس ( محمد محمود خليل بك): سمعتم الآن كلمة الحكومة، وقد طلب حضرتا الزميلين المحترمين الدكتور «محمد حسين هيكل باشا» و«وهيب دوس بك» الكلمة ، فهل ترغبون في الاستمرار في المناقشة في الاستجواب أو ترون تأجيل الجلسة إلي غد لإتمام المناقشة؟ حضرة الشيخ المحترم الأستاذ «يوسف أحمد الجندي»: سيتقدم المستجوبان إلي المجلس الموقر باقتراح بعد سماع حضرات الزملاء المحترمين الذين يريدون الاشتراك في المناقشة. حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): أريد سماع الاقتراح تأجيل باقي المسائل الواردة بجدول الأعمال إلي جلسة غد الرئيس (محمد محمود خليل بك) ما دام الأمر كذلك فإن المناقشة ستطول، والآن هل توافقون حضراتكم علي رفع الجلسة علي أن تكون الجلسة المقبلة غدا الثلاثاء 10 صفر سنة 1359 ( 19مارس سنة 1940) لاستمرار المناقشة في الاستجواب ونظر باقي المسائل الواردة جدول الأعمال؟ (موافقة) الرئيس ( محمد محمود خليل بك): يطلب الكلمة كل من حضرات الزملاء المحترمين الدكتور «محمد حسين هيكل باشا» والأستاذ «وهيب دوس بك» و«خليل ثابت بك» والأستاذ «عباس الجمل» و«عبدالسلام عبدالغفار بك» والأستاذ «لويس فانوس» و«الدكتور عبدالخالق سليم» (1). حضرة الشيخ المحترم الأستاذ يوسف أحمد الجندي - وأنا أيضا أطلب الكلمة. الرئيس (محمد محمود خليل بك): هذا حقك بصفتك موجه الاستجواب، والآن تنص المادة الحادية والخمسون من اللائحة الداخلية علي أن يشترك الأعضاء في المناقشة بشرط ألا يزيد عددهم علي أربعة إلا إذا قررت الهيئة خلاف ذلك، وقد اشترك بالأمس في المناقشة حضرتا الزميلين «أنطون الجميل بك» و«عبدالسلام عبدالغفار بك» وطالبوا الكلمة الليلة ستة من حضرات الزملاء، فهل توافقون حضرتكم علي أن يشتركوا جميعا في المناقشة؟ ( موافقة). الرئيس (محمد محمود خليل بك): الكلمة لحضرة الزميل المحترم الدكتور «محمد حسين هيكل باشا». حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: حضرات الزملاء المحترمين: لما طلب إلي سعادة رئيس المجلس أن أتكلم أمس آثرت أن أؤجل كلمتي حتي أسمع كلمة الحكومة، وكانت فكرتي في هذا أن موضوع حرية الصحافة موضوع دقيق لذاته، وأن الحكومة قد يكون لها ردودها ومعاذيرها عما وجه إليها في هذا المجلس فمن الخير بالنسبة لنا نحن الأعضاء الذين نشترك في المناقشة أن نسمع أقوال الطرفين ثم ندلي برأينا بعد ذلك. حرية الصحافة موضوع دقيق، واسمحوا لي بأن أقرر لحضراتكم بأنه ليست هناك صورة من صور الحرية مقدسة كتقديس حرية الصحافة، ولا صورة من صور الحرية مكروهة كراهة حرية الصحافة، والسبب في هذا واضح جدا، هو أننا جميعا نريد أن نسمع دائما ما نحب وأن نقرأ ما نحب، فإذا سمعنا أو قرأنا ما لا نحب برمت نفوسنا، والصحف فيها المؤيد والمعارض، والمؤيد لرأي من الآراء، والمعارض له، ولذلك فهذه الحرية التي تقررت في كل البلاد المتمدنة للصحافة مقدسة كل التقديس لأنها هي وحدها التي تدافع عن حريتنا إذا أصابها مساس، وهي دائما مكروهة لأنها تكشف لنا عن عيوبنا، وقد تبالغ في هذا بما يجعلنا نتبرم بها ولا نستريح لها لأجل ذلك كان الناس في هذا المجلس، وكان الناس في مجالس أوروبا علي جانبين حينما أثيرت مناقشات حول حرية الصحافة، أقصد المناقشات التي أثيرت في ظروف الأحكام العرفية بفرنسا وانجلترا أقول كان الناس علي جانبين، جانب الحكومة الذي يلتمس العذر للرقابة علي الصحف، وجانب المعارضة الذي لا يلتمس عذرا أبداً لهذه الرقابة. ويخيل إلىّ أن أحد الذين تكلموا أمس لو أنه كان في الصف الأول من مقاعد اليمين لاغتبط أشد الاغتباط لما سمعه من دفاع الرقابة ورئيس الحكومة. لهذا فإن المسألة دقيقة كما قدمت لحضراتكم، ولهذا آثرت أن أنتظر حتي أسمع كلام الحكومة، وقد تولاني شيء من الدهشة حينما أعطيت الكلمة لحضرة مراقب النشر وقيل إن رئيس الحكومة قد أنابه عنه، وازدادت دهشتي حينما تلا صديقي مراقب النشر (2) بيانه ولا أقول بيان الحكومة، قرأته ، وأشهد أنني كنت شديد الإعجاب بهذا البيان لأنه استطاع أن يدافع خير دفاع عن نفسه وعن زملائه ولكنه في الوقت نفسه الذي دافع فيه عن نفسه كشف الحكومة تماما (3) وقال:« إنني حقيقة أمامي أمثلة كثيرة لا أستطيع الدفاع عنها ولكن عندي أوامر صادرة إلي باسم الأحكام العرفية أن أشدد الرقابة. فإذا كان الرقباء قد تجاوزوا الحد فليس هذا ذنبي وليس هذا ذنب الرقباء بل هو ذنب الرؤساء هذا ما يستخلص من كلام حضرة مراقب النشر، وقد كان حضرته بارعا جدا في اعترافه بالتمييز بين الصحف في الوقت الذي ينكر فيه هذا التمييز، وأقصد التمييز في مراقبة الصحف». ويقول حضرته إن الرقابة لا تفرق بين الصحف، وإذا كان هناك تفريق فليس مرجعه إلي أن صحفا بعينها هي صحف المعارضة وأخري صحف الحكومة، إنما يرجع ذلك إلي أن المراقبين يختلفون مزاجا وذوقا، فكل منهم يطبع الصحيفة التي يراقبها ذوقه، سواء كانت معارضة أو مؤيدة، ولكن المراقب بعد ذلك يقول عبارة تنقض هذا الكلام نقضا واضحا فيقول: «وقد يكون طريفا أن يذكر في هذا الصدد أن عقوبات بالإنذار وبالمصادرة وبالتعطيل وبالمراقبة في دار الرقابة قد صدرت فكانت كلها من نصيب غير صحف المعارضة، فقد عطلت جريدة «مصر الفتاة» مرة وصودرت مرتين، وقد أنذرت مجلة «روزاليوسف» مرة وصودرت مرة، وعطلت جريدة «كركس اليونانية» خمسة عشر يوما، وصودرت رسالة بعنوان «حقائق وأسرار» وروقب «الدستور» في دار الرقابة أسبوعا، وجري الإجراء ذاته يوما علي «المقطم» ولم تصب بشيء من ذلك جريدة أو مجلة من صحف المعارضة جميعا». ومعني هذا أن الرقابة تلين مع هذه الصحف فتنشر فيها أمور ما كان يصح أن تنشر بحكم التعليمات وحين ذاك يلفت نظر الرقابة من الأشخاص ذوي الشأن في الرقابة فلا تجد الرقابة مفرا من معاقبة هذه الصحف بالإنذار والمصادرة والتعطيل هذا هو ما يبدو لي من هذه العبارة التي ذكرها مراقب النشر اعترافا صريحا بهذا التمييز. لما بدأ حضرة مراقب النشر بيانه قال لحضراتكم عبارة، تلك العبارة التي ذكرت أنه أحسن بها الدفاع عن نفسه وكشف بها الحكومة تماما فقد قال ما نصه: ولكن الواقع هو أن الرقابة وإن فرضت لمناسبة إعلان الأحكام العرفية بسبب حربي، فإنما هي تشمل شئون الدفاع القومي وشئون الأمن العام كما تشمل الشئون السياسية والدبلوماتية والاقتصادية والخلقية كذلك، ومرجعها في هذا الاختصاص الشامل الأمر العسكري رقم 1 الصادر من السلطة القائمة علي إجراء الأحكام العرفية في الثالث من شهر سبتمبر لسنة 1939، وتصريحات حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء في الجلسة الأولي من جلسات دور الانعقاد البرلماني غير العادي أمام مجلسكم الموقر في اليوم الثاني من أكتوبر لسنة 1939، ثم تعليمات حضرة صاحب السعادة الرقيب العام المنظمة لفروع الرقابة جميعا. «وقد نصت المدة الأولي من الأمر العسكري المذكور علي أن الرقابة العامة مفروضة «من أجل سلامة البلاد» كما نصت المادة الثالثة منه علي أن الرقيب العام ومن ينتدبهم من الموظفين التابعين له يتولون عملهم «في سبيل الدفاع القومي والأمن العام» وجاء في تصريحات رفعة رئيس مجلس الوزراء تفصيلا لهذا الإجمال إن واجبات الرقابة موجهة نحو الدفاع القومي والأمن العام، وتوحيد جهود الأمة، وتدعيم الحكم الصالح (4) كما جاء في التعليمات الرئيسية التي أصدرها سعادة الرقيب العام تخصيصا لذلك التعميم أن علي الرقابة منع أي حدث ينافي مصالح مصر أو حليفاتها كالأحداث التالي بيانها: (أ) الإضرار بعلاقات مصر مع حلفائها أو مع الدول الأجنبية. (ب) إيجاد أسباب التنافر بين صفوف القوات المصرية أو قوات الحلفاء أو التدخل في نظامهم أو في شئون الصحة والتدريب الخاصة بهم أو التعرض لتأدية واجباتهم، وكذلك إيجاد هذه الأسباب بين صفوف القائمين بالخدمة العامة، أو عرقلتهم عن أداء واجباتهم، أو تحريضهم علي التمرد علي القيام بواجباتهم. (ج) الحض علي كراهة الحكومة القائمة والهيئات العامة في مصر أو ازدرائها أو إثارة الخواطر عليها». هذا النص موجود في قانون العقوبات، ولا أعرف إذا كانت الرقابة تطبقه كما في قانون العقوبات أو أنها تطبقه لصالح الحكومة القائمة الآن. (د) بث روح الكراهية والعداء بين مختلف الطبقات في مصر أو بين مصر وحلفائها. (ه) إثارة مخاوف ورعب الجمهور أو طائفة معينة منه. (و) تقويض دعائم الثقة العامة في السمعة القومية والمالية لمصر وحلفائها، وكذلك منع انتشار معلومات عن حركات العمال أو عدم كفاية المؤن أو أي معلومات أخري يكون من شأنها إنما الروح المعنوية في العدو. يا حضرات الزملاء: هذه هي التعليمات التي احتمي بها حضرة مراقب النشر وقال لحضراتكم انه يدافع بها عن الرقابة، وقد صدر بها بيانه. هل حقيقة أن هذه التعليمات وحدها هي التي تجري الرقابة في حدودها؟ وبعبارة أخري هل مراقب النشر وزملاؤه يمكن أن يكونوا مسئولين في حدود هذه التعليمات إذا أساءوا، أو أن مسئوليتهم - إذا كانت هناك مسئولية - مخففة إلي حد كبير؟ لقد أشار حضرة زميلي الأستاذ «يوسف الجندي» وصديقي حضرة مراقب النشر إلي الاستجواب الذي أثير في البرلمان الفرنسي الخاص بالرقابة والإذاعة، فقد جاء في هذا الاستجواب - وقد اطلعت عليه - أن من أهم الأسباب التي تجعل الرقابة شنيعة علي الصحف في فرنسا، أنه ليس هنا شخص مسئول عنها، وأن الرقباء لا يتقيدون بأوامر ولكنهم يتلقون التعليمات من رئيس الحكومة أو من قائد القوات الحربية أو
من كل وزير منفرد ومن وكلاء الوزارات أو من مكاتب الوزراء. أستطيع أن أؤكد - ولا أظن أن أحدا يخالفني - أن هذا الفساد الذي شكوا منه في فرنسا يقع هنا في مصر، وأن الرقابة علي الصحافة هنا لا ترتبط بأوامر مكتوبة كالتي أدلي بها حضرة مراقب النشر، ولكنها الأوامر تصدر من رئيس الوزراء وهذا معقول باعتباره الحاكم العسكري، ثم من كل وزير من الوزراء ومن كبار الموظفين، بل إن بعض المسائل التي تنشر في الصحف تلام عليها الرقابة لوماً مع أنه ليس هناك ما يوجب هذا اللوم في شأنها مطلقا. نتج عن هذه الحالة ما يأتي: أن اعتقد المراقبون أن الرقابة علي الصحف مفروضة لا للمسائل العسكرية أو المسائل المتصلة بالأمن العام وسلامة الدولة بقدر ما هي مفروضة لإرضاء رجال الحكومة أي الوزراء. قد يكون حضرات الوزراء ورفعة (5) رئيسهم أبرياء من أن يدور بخواطرهم مثل هذا، ولكن هذه التصرفات قد أثبتت للمراقبين أن واجبهم الأول ليس متصلا بما هو متعلق بالحرب وشئونها بمقدار ما هو متصل بالحكومة والدفاع عنها. أضرب لحضراتكم مثلا بسيطا يصور هذه النفسية، فلقد أرادت إحدي الجرائد الأسبوعية أن تنشر صورة كاريكاتيرية عنوانها «في انتظار الربيع» وقسمت هذه الصورة إلي ثلاثة أقسام: القسم الأول وضعت فيه رفعة «ماهر باشا» في ناحية ومصر في ناحية أخري وبينهما علامة استفهام، والقسم الثاني من الصورة فيه موسوليني ووراءه الجيش الإيطالي في ناحية والجيش المصري في ناحية أخري وبينهما علامة استفهام، والقسم الثالث روسيا بجيشها من ناحية وإيران وتركيا بجيوشهما من الناحية الأخري وبينهما علامة استفهام. فكان ما فهمه المراقب من القسم الأول من الصورة، هل سيكون «علي ماهر باشا» رئيسا للوزارة في الربيع القادم أم لا ؟ وهل ستقع حرب بين مصر وإيطاليا أم لا؟ وكذلك من القسم الثالث من الصورة هل ستقع حرب بين روسيا من جانب وتركيا وإيران من جانب آخر أم لا؟ ثم حذف الشطر الأول من الصورة وأباح القسمين الآخرين. وهذا، ياحضرات الزملاء، أذكره لا لأدلل به علي أن الرقيب اخطأ أم أصاب، لكن لأدلل علي نفسية الرقابة التي نشأت عن الأوامر التي تصدر إليها من كل ناحية، وجعلتها تعتقد أن واجبها الأول حماية الحكومة، أو كما يقول المراقب نقلا عن رفعة رئيس الوزراء لتدعيم الحكم الصالح. والسؤال الذي يرد علي الخاطر في مثل هذا الموقف هو: هل فرضت الرقابة للدفاع عن الحكومة حتي فيما لا يتصل بالشئون العسكرية أو المتصلة بسلامة الدولة؟ أو هل هي فرضت للدفاع عن تصرفات الوزراء؟ أو بعبارة أخري هل هذا النشاط الذي تسير فيه مصر في حكمها الداخلي لأنها غير مشتركة في الحرب، أقول هل هذا النشاط قد فرضته الرقابة لتأييده سواء كان سائرا في طريق مستقيم أو طريق معوج؟ هذه هي المسألة التي يجب أن تصفي. لما تحدث حضرة الرقيب أمس قال: نحن في مصر هنا كأننا في نعيم بالقياس لما يجري في فرنسا وانجلترا من حيث الرقابة علي الصحف، وقد أفهم أن يكون هذا صحيحا، لكن ما السبب في ذلك؟ ليس السبب أن الرقابة عندنا أكثر تقديرا لحرية الصحافة منها في فرنسا وانجلترا - كلا.. وإنما السبب هو أننا دولة لم تشتبك في حرب إلي الآن ولكننا نقوم بتنفيذ معاهدة التحالف بيننا وبين انجلترا - أقول اننا نقوم الآن بتنفيذها كما لو كانت الحرب في اليابان أو الصين ، فمصر لم تشتبك في حرب بل هي تنفذ المعاهدة فقط ولا يصح أن تتعدي الرقابة عندنا ما تقتضيه هذه الحالة. أما فرنسا وانجلترا، حيث تكتنفهما الحرب من كل جانب ويعلن فيهما كل يوم عما يغرق من السفن وعن هجوم الطائرات وعن المناوشات التي تجري حول خط ماجينو (6)، يخيل إلىّ من كل هذا أن الرقابة في بلاد تضطرب بين الحياة والموت لها عذرها لأن المسئولين هناك إنما هم مسئولون عن حياة بلادهم، فإذا ما أعطيت لهم سلطات واسعة كان لهم عذر في هذا.. وفي مصر كل الذي نقرأه أن البحر الأبيض يبعد كل البعد عن مواقع الحرب وأحيانا ترتفع موجة الأخبار فيخشي من أن تمتد الحرب إلي هذه النواحي، لقد خشينا هذا في عام 1938 وكذلك في عام 1939 ومع هذا لم تعلن الأحكام العرفية. تألفت هذه الوزارة في 18 أغسطس سنة 1939 وظلت لآخر هذا الشهر والحالة الدولية وقتذاك في أشد الاضطراب ، ومع ذلك لم تعلن الأحكام العرفية وقتئذ، فإذا كان لمجرد أن المخاوف تسود وأنه قد يخشي أن تمتد الحرب لهذه البلاد تعلن الأحكام العرفية ويفرض أننا في حالة تماثل حالة فرنسا وانجلترا- إزاء هذا التصرف اسمحوا لي بأن أقول إننا نتصيد أسبابا لفرض القيود علي الحرية والضغط علي الصحف. بعد هذا أريد أن أشرح لحضراتكم مسألة دستورية صرفة هي أنه لما تولت «لجنة الأحكام العرفية» في هذا المجلس بحث قانون الأحكام العرفية وضعت تقريرا برأي الأغلبية والأقلية، ولم يؤخذ برأي الأغلبية، ولذلك لا أري محلا للكلام فيه، أما الأقلية فقد تناولت الأحكام العرفية من ناحيتها القانونية وناحيتها الفعلية، وقالت إن الواقع الذي لا نزاع فيه أن الأحكام العرفية المفروضة الآن لا تستند إلي سبب من الأسباب الواردة في القانون رقم 15 لسنة 1923، وإنما تستند إلي المادة السابعة من معاهدة التحالف بيننا وبين انجلترا التي تنص علي إعلان الأحكام العرفية والرقابة علي الصحف، وقد جاء في تقرير اللجنة ما يأتي: «وبذلك تكون الأحكام العرفية استندت إلي القانون رقم 80 لسنة 1936 الصادر بمعاهدة التحالف بين مصر وبريطانيا العظمي». وأشارت بطبيعة الحال إلي مادة المعاهدة التي جاء في آخرها ما يأتي:«وبناء علي هذا فالحكومة المصرية هي التي لها أن تتخذ جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية بما في ذلك إعلان الأحكام العرفية وإقامة رقابة وافية علي الأنباء». حضرات الزملاء المحترمين: كثيرون من حضرات أصحاب المعالي الوزراء ورفعة رئيس مجلس الوزراء من رجال القانون، وغير رجال القانون من حضرات الوزراء لهم من سمو الإدراك ودقة التقدير ما يجعلهم يدركون القاعدة التي نقرها جميعا وهي أن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه ، فإذا أعلنت الأحكام العرفية لسبب ما - والأحكام العرفية استثناء ولا نزاع في ذلك - وجب أن نتقيد بالسبب الذي من أجله أعلنت، وفضلا عن ذلك فهي عقد بين الحكومة والبرلمان. تصدر الأحكام العرفية بمرسوم، وهذا المرسوم يقره البرلمان أو لا يقره، فإذا أقره نفذت هذه الأحكام - فالبرلمان إذن طرف في هذا التعاقد. قرر البرلمان بمجلسيه أن الأحكام العرفية التي فرضت بمرسوم أول سبتمبر سنة 1939 يجب ألا تتخطي الضرورات التي فرضت من أجلها.. هذا كلام قيل صراحة في مجلس النواب، وقيل صراحة في مجلس الشيوخ، وقيل بهذه الصراحة في تقرير الأقلية للجنة الأحكام العرفية بمجلس الشيوخ التي تلوت علي حضراتكم فقرته والتي أخذ بها هذا المجلس. تكلم في مجلس النواب حضرة صاحب المقام الرفيع «محمد محمود باشا» زعيم المعارضة فقال: «إني لا أتردد في القول بأن الموقف الدولي الحاضر وما يجب علي مصر أن تقوم به من تأييد حليفتها والنهوض بتعهداتها يجعل إعلان الأحكام العرفية ضرورة محتومة في حدود ما يقتضيه هذا الموقف وما تقضي به هذه التعهدات ، أما ما جاوز هذا الغرض فيجب أن يظل خاضعا للنظام الدستوري والمدني حتي تبقي النفوس مطمئنة ويشعر الجميع بأن الديمقراطية المصري» بمأمن ولا خوف عليها». كذلك تكلم رفعته عن الرقابة علي الصحف فقال:«أشار بعض حضرات النواب المحترمين في جلسة ماضية إلي الرقابة علي الصحف، وإلي أنها تتجاوز في تطبيقها الغرض الذي أعلنت الأحكام العرفية من أجله، وأن الرقباء لا يبيحون أن يتناول أعمال الحكومة بالنقد أحد ولا أن يبدي لها أحد رأيا قد لا يروقها». يا حضرات النواب المحترمين: إن الرقابة التي تؤدي إلي مثل ما قدمت من نتائج تتجاوز الغرض الذي أعلن الحكم العرفي من أجله في الوقت الحاضر وهي، إلي ذلك، عظيمة الضرر وأقل ضررها أن تجعل الناس يتصورون من الحوادث التي تمس الحرية وتخالف قواعد العدل أضعاف ما يقع بالفعل، وكلكم تقدرون الأثر السيئ الذي ينشأ عن انتشار هذه العقيدة بين الناس حين تساورهم المخاوف علي الحرية، وبالتالي علي استقرار النظام الديمقراطي الذي يكفل لهم الأمن والسلام. ثم إن الضرر الذي ينشأ عن مثل هذه الرقابة يصيب الحكومة نفسها، فالناس جميعا يقدرون أن الحكومات القوية تترك للصحافة الحرية في نقدها وفي التحدث بما شاءت عن أعمالها، وتترك للرأي العام تقدير هذا الذي تقوله الصحافة، وكلما كانت الصحافة أوسع في هذه الناحية حرية كان ذلك أفصح دليل علي قوة الحكومة، وعلي نزاهتها وعلي حرصها علي الحرية، وعلي احترامها لمبادئ الدستور ونصوصه (تصفيق). هذه الحكومة القوية - يا حضرات النواب المحترمين - تقف الرقابة علي الصحف في ظلها في ظروفها الحاضرة عندما توجبه الأحوال الدولية، فأما ما جاوز ذلك فيجب أن يكون موضعا للتسامح من جانب الحكومة ، فإذا هي رأت في التسامح ضررا أو رأت النقد جاوز حدود القانون العام فليكن ملجؤها إلي القانون وإلي القضاء ليستقر كل أمر في نصابه، ولتظل الحقوق العامة التي لا ضرر من التمتع بها فيما يتصل بالأحوال الحاضرة مكفولة للصحافة وللناس جميعا. ولما أتم مجلس النواب المناقشة في موضوع الأحكام العرفية صرح حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء بما يأتي: « أرجو أن تسمحوا لي بأن أعبر عن اغتباطنا العظيم بالروح الطيبة التي سادت المناقشات في موضوع اليوم الدقيق، وأن أنوه بصفة خاصة بخطاب حضرة صاحب المقام الرفيع «محمد محمود باشا» زعيم المعارضة، هذا الخطاب القيم الذي قرر مبادئ جليلة تشاطره الحكومة الرأي فيها وتحلها مكانها من التقدير ( تصفيق حاد)، وهذا هو التعاون الكريم الذي نرجو دائما أن يسود بيننا» (تصفيق). فعقب زعيم المعارضة علي هذا التصريح بالعبارة الآتية: «أقدم شكري الجزيل لحضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء علي ما نوه عنه في خطابه بصدد ما قلته الليلة، ثم أطمع في كلمة صغيرة من رفعته عن الرقابة علي الصحافة تبعث في نفوسنا الطمأنينة علي أن حريتها ستكون مكفولة في حدود القانون فيما يتعلق بالشئون الداخلية للحكومة المصرية» (تصفيق). عند ذلك وقف رفعة رئيس مجلس الوزراء فقال: يسرني أن أعلن أن حرية الصحافة مكفولة، وأن سياسة الحكومة لم تكن قط بعيدة عن ذلك (تصفيق). (انصرف حضرتا صاحبي المعالي محمد توفيق حفناوي بك وزير الزراعة، والأستاذ إبراهيم عبدالهادي وزير الدولة للشئون البرلمانية) أما والأحكام العرفية عقد بين الحكومة والبرلمان، أما ومسألة الصحافة قد كانت من المسائل التي تناولها البرلمان وارتبطت فيها الحكومة بقواعد بذاتها، فكل ما تتخطاه الرقابة من هذه القواعد يكون مخالفة صريحة لارتباط قانوني، وهي مخالفة لا يجيزها الدستور ولا قواعد الحكم الصالح. للرقابة أن تعتذر بأن لديها تعليمات وبأنها ملزمة أن تعمل كيت وكيت، ولكنا لا نحاسب - وليس من حقنا أن نحاسب في هذا المجلس - موظفي الرقابة إنما نحاسب الحكومة ونحاسب رفعة رئيس مجلس الوزراء القائم عليها علي ما يجري من التجاوز، خصوصا بعد أن ارتبط مع البرلمان الارتباط الذي أشرت إليه. حضرات الشيوخ المحترمين: لا أراني في حاجة إلي التدليل علي أن الرقابة جاوزت الحدود التي حصل الارتباط عليها بين الحكومة والبرلمان، فقد قرر رفعة رئيس مجلس الوزراء أثناء نظر هذا الاستجواب أن مسائل بذاتها ذكرها حضرة الزميل المحترم الأستاذ «يوسف الجندي» لم تصل إلي علمه وأنه يشاركه الرأي في أن هذه المسائل ما كان يصح أن تحذف. لما وقف في هذا المكان حضرة مراقب النشر وأراد أن يبرر حذف ما حذفته الرقابة أثار ابتسامات كثيرة من مقاعد اليمين واليسار علي السواء في بعض المسائل، لماذا؟ لأن ما حدث من ذلك تجاوز حتي ما وصفه رفعة رئيس مجلس الوزراء من أنه لا يتفق مع الذوق العام. مثل ذلك ما حذفه الرقيب من حديث جري بين حضرة «يوسف نحاس بك» وأحد مندوبي جريدة «الوفد المصري» حيث حذف كلمة «حول» من عنوان الحديث، وحذف كلمة «حديث» وكتب بدلا منها كلمة «تصريح» كذلك منعه نشر خبر سفر بعض حضرات أصحاب المعالي الوزراء إلي الواحات حتي لا يشتم من الخبر أن هناك خلافا بين حضرات الوزراء. وقد أراد حضرة مراقب النشر موازنة المنع بالإباحة فكان بارعا فيها إذ قال حضرته : انظروا ما كتبته جرائد المعارضة ، وسرد حوالي سبعين أو ثمانين عنوان
مقالة.. هذا صحيح، لكن ما الذي يريد أن تكتبه الصحافة؟ الواقع أن حضرة مراقب النشر لا يستطيع بحال أن يقول إن هذه المقالات التي سرد عناوينها لم تتناولها يد الرقيب، والواقع أنها مرت عليه، وما كان منها متفقا مع رأيه سمح بنشره وما كان مخالفا له مسته يده، فالقول بأن تلك المقالات نشرت كما كتبت غير صحيح. (حضر حضرة صاحب المعالي سابا حبشي بك وزير التجارة والصناعة) أظن أنه في أواخر شهر سبتمبر أو في أوائل أكتوبر الماضي (1939) كنت أزور حضرة صديقي الأستاذ «أنطون الجمِّيل بك» في جريدة «الأهرام» وإذا بزميل صحفي يشكو من الرقابة في مقال كتبه عن دعوة البرلمان للانعقاد في دور غير عادي، وهذا الموضوع كان من المسائل التي خاضت فيها الصحف، وطرح أمامي مقاله الذي أعده، وكان لا يتجاوز ثلاثين سطرا في نهرين، فجري قلم مراقب النشر بحذف أكثره وبتغيير معناه تغييرا يناقض تمام المناقضة ما أراده الكاتب. حضرات الشيوخ المحترمين: أؤكد لحضراتكم أن هذه الرقابة التي تسيء بعضنا أحيانا إذا كان ما يكتب لا يعجبه، وقد تسر بعضنا أحيانا إذا كان ما يكتب يعجب، هذه الرقابة يجب أن تقف في أضيق الحدود، لا تقديسا لمبادئ الحرية والعدل بحسب، بل لخدمة مصالح هذا البلد ولحريته، وإذا كان شيء يأسف الإنسان له فهو أننا نقف هذا الموقف اليوم وبالأمس ومن أسبوع مضي، لأن الصحافة التي عودت هذا البلد أن تدافع عن حريته وطنا وشعبا وأفرادا، هذه الصحافة أصبحت مع الأسف بحاجة إلي من يدافع عن حريتها. هذه الرقابة ضارة بمصالح البلد، ولماذا؟ (انصرف حضرة صاحب المعالي حسين سري باشا وزير المالية).. زرت يوما زميلا ليس من معارضي الحكومة، وهو معنا في مجلس الشيوخ، ورجل من أقدر كتاب هذا البلد، وكلنا نقدره وله مكانته: يخاصم وقد يكون لدودا في خصومته، يدافع عن رأيه وهو معروف بأن لآرائه قيمتها - سألته: لم لا تكتب ؟ فأجابني: وهل تري أن كاتباً له كرامة يرضي لكرامته ولقلمه أن يكتب في مصلحة بلاده ما يخطر له فيجيء رقيب، لعله كان موظفا عنده بالأمس، فيمحو ما كتب؟ شلت يد تكتب في هذا الجو. حضرات الزملاء المحترمين: إن أنضج الرءوس في هذا البلد معطلة، ومع الأسف إن أنضج الرءوس في البلاد المحاربة معطلة أيضا بحكم الرقابة، لكن للناس هناك عذرهم: فأرباب تلك الرءوس الناضجة والأقلام التي تجري يشعرون في أنفسهم بأنهم مطالبون، لا أقول بالكتابة عن بلادهم، لكن بالذهاب بأنفسهم إلي ميادين القتال ليجودوا بأرواحهم دفاعا عنها.. ولكن هنا من منا يجازف فيترك لروحه وقلبه ونفسه ولتفكيره الحرية في أن تنطلق لخدمة رأي أو فكرة وهو يعلم أن هناك إنسانا يستطيع أن يقول له:«هذا كلام فارغ». من ذا الذي يقبل ذلك؟ أؤكد لحضراتكم أن الصحافة تؤدي في الوقت الحاضر واجبا للجمهور يخيل إلي أنه غير عظيم، وتؤدي واجبا لرجالها: فهي تخدم أبناءها اليوم، وليس الصحفيون ولا الكتاب ولا المفكرون هم الذين يخدمون الصحافة بل هي التي تخدمهم.. هذا هو الواقع ولا داعي للزيادة.. والغريب، ونحن هنا بعيدون عن ميادين القتال أشد رقابة علي الصحف في كثير من الأمور عن البلاد الأخري. قال لحضراتكم بالأمس صديقي مراقب النشر إن ما يجري في فرنسا وانجلترا كذا وكذا، لكن ما لنا نذهب لفرنسا وانجلترا؟ نحن هنا في مصر، انظروا حضراتكم ماذا يباح نشره من الأخبار الخاصة بالحرب في انجلترا، وما يباح نشره عن وزرائها، وما يمنع نشره خاصا بحكومتنا ورجالها، وقارنوا بين هذا وذاك. البارحة أشار حضرة زميلي الأستاذ «يوسف الجندي» في التدليل علي أن بعض الأنباء لا يباح نشرها إلي الخبر الخاص بسقوط طيارة حربية في أسوان منع الرقيب نشره، وقد قال رفعة رئيس مجلس الوزراء: إن عدم التصريح بنشر هذا الخبر يرجع إلي عدم صحته. ولكن حضرة مراقب النشر علل عدم نشر هذا الخبر بأن التعليمات التي عنده تقضي بألا ينشر شيء مطلقا خاص بالجيش ولا بالطيران ولا بالبحرية ، ولذلك منع أيضا نشر خبر تصادم زورقين في ميناء الإسكندرية، فترتب علي هذا المنع انتشار الشائعة بأن هناك غواصات وألغاما ممغطسة بمياه الإسكندرية. فسر لنا حضرة مراقب النشر بالأمس أن التعليمات التي لديه تمنع نشر كل شيء يتعلق بالجيش وأسلحته، غريب هذا، لا أريد أن أقول ما نسمعه كل يوم في الإذاعة لأن الإذاعة شيء والصحافة شيء آخر، ولكنا نقرأ يوميا خطبا للوزراء البريطانيين وترد إلينا أنباء مختلفة من انجلترا وفرنسا، وهي يوم ترسل من هناك تمر بالرقيب، وكذلك يوم تصل مصر تمر بالرقيب، فإذا هي تذكر يوما أن الدارعة البريطانية رويال أوك نسفت، وأن الطائرة البريطانية الفلانية سقطت، وأن طائرة ألمانية كانت فوق خطوط الدفاع الفرنسية يوم زارها مستر تشمبرلين وألقت عليه مظلة كي تذكره بأن مظلته لا تحميه بالمقدار الذي يعتقده. قارنوا هذا بحكاية تصادم الرفاصين التي منع الرقيب نشرها، وكذلك بحادث سقوط الطائرة الحربية في أسوان- سواء أكان هذا الحادث صحيحا أم غير صحيح - فإذا سألنا الرقابة لماذا منعت نشر هذين الخبرين قالت إن في نشر هذا ما قد يهدد سلامة البلاد، لماذا؟ الحمد لله: لا أسراب ولا جيوش تهاجمنا. افرضوا أن خزان البنزين في الطائرة احترق فسقطت، وحصل تصادم بين الزورقين في ميناء الإسكندرية، فما الرعب الذي يبعثه نشر هذين الخبرين في النفوس؟ ثم ما نوع الإفساد والإضعاف الذي يمس الحكم الصالح فلا يدعمه؟ حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): هذه تعليمات السلطة العسكرية وتنفذ علي المصريين والأجانب علي السواء (7) وهذا متبع في انجلترا، أما الأخبار التي ترد فلا تسمح السلطات العسكرية بنشرها إلا بعد مضي مدة من الزمن. حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: يا رفعة الرئيس: ألا يحسن أن يجري هنا ما يجري هناك فيؤجل فعلا نشر الخبر أسبوعا ثم يسمح بنشره؟ حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): خبر الطائرة غير صحيح ولم تسقط طائرة حربية بأسوان، فهل تريد أن يسمح بنشر هذا الخبر؟ حضرة الشيخ المحترم الدكتور محمد حسين هيكل باشا: لقد أشرت إلي أشياء أخري. حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا ( رئيس مجلس الوزراء): هناك سلطات عسكرية مسئولة، ولها قبلنا واجبات، وأرجو ألا يتصور حضرة الشيخ المحترم «هيكل باشا» أن من سياسة الحكومة عدم نشر بعض الأخبار التي أشار إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.