أصبحت كلمة "الديمقراطية" واحدة من أكثر الكلمات تداولاً علي ألسنة الخاصة والعامة علي حد سواء. فالجميع يطالبون بها ويرون انها حتمية وأن مصر تستحق نظاما ديمقراطيا يقبل تنوع الآراء ويسمح بتداول السلطة. لكن هل نحن شعب ديمقراطي؟ وهل نقبل الاختلاف برحابة صدر وسعة أفق؟ وهل ندافع عن حق المختلفين معنا في أن يعبروا عن رأيهم بحرية في الهواء الطلق؟ الأسرة البطريركية مازال النظام الأبوي مهيمناً علي نسبة كبيرة من الأسر المصرية القائمة علي فكرة رب الأسرة الذي يمنح ويمنع ويعطي الأوامر وعلي الأبناء السمع والطاعة وإلا تعرضوا لألوان متعددة من العقاب. وهذا النمط من التربية هو اللبنة الأولي في صناعة ديكتاتور المستقبل الذي يكون دائماً متأهباً لقمع من هم أدني منه ومبرمجاً علي نفاق رؤسائه وانتظار تعليماتهم وتوجيهاتهم الحكيمة. وغالباً مايرث الأخ الأكبر النهج الأبوي فيتسلط علي الإخوة الأصغر وقد تستمر العلاقة بين آمر ومأمور حتي يبلغ الأصغر سن الرشد وربما المعاش ويكون قد أسس هو الآخر أسرة مارس عليها كل صنوف القمع الذي عانياه ليواصل العبيد صناعة العبيد إلي ما لا نهاية ولتعيش مصر حرة ديمقراطية مستقلة. والعلاقة بين الزوج والزوجة (أو الزوجات) يحكمها نفس النمط السائد بين الأب والأولاد، فالرجل يأمر وينفق وعلي المرأة الطاعة لأنها ناقصة عقل وطاعة المرأة للرجل من طاعة الله وإلا عدت ناشزاً ووقع عليها العقاب الذكوري الذي يصل إلي الضرب فالرجل ليس فقط المخ لكن ايضاً العضلات. والأعراف والتقاليد السائدة تطارد الرجل الذي تحكم المساواة والندية علاقته بزوجته بالاتهامات بالضعف ونقص الرجولة وغالبية الرجال المصريين (وأيضاً النساء) لديهم اقتناع بصعوبة إن لم تكن استحالة استقامة الحياة بين رجل وامرأة تفوقه في الوظيفة أو الدرجة العلمية أو الثروة. وهذه الأعراف تنتقص في أغلب الأحوال من قدر المرأة فمثلاً تتناقل ألسنة الرجال مقولة " كلام رجالة" باعتباره كلاما موثوقا فيه لا يحتمل الهزل مما يفيد ضمنياً أن كلام النساء غير موثوق به لأنهن سريعو النسيان أو ربما لاحتمال احتواء ظاهر كلامهن الناعم علي أغراض خبيثة. كما أن المرأة المتزوجة تعتبر حرماً لزوجها ولو كان مرحوماً (حرم المرحوم) ولم يقل أحد علي الرجل انه حرم امرأة بعينها. فأي ازدواجية للمعايير هذه وهل يتوقع أحد وجود هذه المفاهيم الظالمة في مجتمع ديمقراطي؟ التعليم الأبوي يأتي دور المدرسة مكملاً لدور الأسرة في وأد الإبداع والقدرة علي الابتكار وإعمال العقل النقدي بسبب أنظمة التعليم القائمة علي الحفظ والتلقين والعلاقة أحادية الاتجاه بين المدرس والتلميذ والتي تمنع الطالب من المناقشة المفتوحة الحرة وطرح الأسئلة وإبداء الراي بل إن التلميذ المتفوق يكون غالباً هو الأكثر قدرة علي الاحتفاظ بالمعلومات التي تلقاها جاهزة ومعلبة من أساتذته واجترارها أثناء الامتحان وبالطبع هذا النمط من التعليم لايمكن أن ينتج عنه مستقبلاً إنساناً قادراً علي الحوار المتمدن واحترام الآراء المختلفة واتخاذ القرارات وتحمل نتائجها بل يسهل توجيهه وانقياده وراء مروجي الشعارات ولكل مرحلة شعاراتها ولدينا رجال لكل المراحل ولكل الشعارات. هل نستحق الديمقراطية؟ أعتقد أننا لسنا شعباً ديمقراطياً وعلاقتنا ببعضنا البعض قائمة علي التراتب الأبوي الطبقي وازدواجية المعايير التي نتهم أمريكا بممارستها وهي عندنا نمط حياتي يومي تدعمه الأعراف والتقاليد الراسخة. ولكني رغم هذا لا أجرؤ علي القول بأننا لا نستحق أن نحكم حكماً ديمقراطياً لأن هذا معناه أننا شعب يخاف ما يختشيش وأننا ان لم نجد كبيراً يقمعنا لاشتريناه ونحن لن نشتريه إلا والعصا معنا أو معه لأننا أنجاس مناكيد. لكننا لسنا هكذا ولن نكون أبداً رغم أن منا من يري في ديكتاتور كأحمدي نجاد مخلصاً ويعتبر سفاحا إرهابيا مثل بن لادن بطلاً وشهيداً ومنا من لايزال يؤمن بأن الزعيم هو أب لا يمكن التنكر له لأن الدم لا يتحول إلي ماء والظفر لايخرج من اللحم. وأقولها عالية مدوية أننا نستحق الديمقراطية ولكننا ونحن نناضل من أجل بلوغها يجب أن نقتل الديكتاتور الأبوي القابع في أعماقنا وإلا فلن تنعم علينا السماء في أحسن الأحوال إلا بالمستبد العادل.