كانت دورة العام الماضي من مهرجان «كان» دورة مميزة.. تنافس فيها أفلام كثيرة مهمة وسطع نجم كثير من المخرجين. كما جاءت بمفاجآت غير متوقعة.. تمثلت في الجوائز التي أثارت الكثير من الارتياح لدي النقاد.. علي غير العادة.. إذ تكون نتائج المهرجان عامة عرضة لكثير من الانتقادات من قبل النقاد والمهتمين بشئون السينما.. ولا ننسي مثلا الفضيحة التي سببها تيم بورتون رئيس لجنة تحكيم إحدي الدورات عندما أعطي السعفة الذهبية لواحد من أقل الأفلام إثارة لاهتمام النقاد والمتفرجين والذي لم يحظ عند عرضه التجاري بأي نجاح يذكر.. رغم الجائزة الكبري التي حصل عليها. حسنات المهرجان إذن كان هناك في الدورة السابقة كل من تيرنس ماليك بفيلمه المنتظر طويلا.. ولارس فرن ترير وبدرو المورونار ودافيد كرونبرج والأخوين داردين والفيلم الفرنسي الصاروخ الذي انفجر بعد ذلك في كل أرجاء العالم «الأرتست».. كما وجه المهرجان جائزة الإخراج لمخرج أمريكي شاب اكتشفته السينما في فيلم «Drive» وكان واحدا من حسنات المهرجان. وها نحن الآن علي قاب قوسين أو أدني من الإدارة الجديدة في الدورة رقم «65».. فهل ستحقق يا تري.. ما حققته الدورة السابقة من نجاح فني ونقدي وجماهيري. المؤشرات الأولي توحي بالأمل والتركيبة التي يسير عليها مهرجان «كان» مازالت قائمة بقوة في تقديم أفلام لكبار المخرجين.. وإفساح مساحة كبيرة لأسماء جديدة يتوسم فيها القدرة علي إثبات نفسها ومجموعة من النجوم لهم بريقهم وقوة جذب يتمتعون بها لدي الجماهير الكبيرة وأفلام تعالج تيمات لا تخلو من جرأة ومن سياسة ومن تحد مكشوف. هذا العام تدخل مصر بعد غياب طويل في غمار المسابقة الرسمية بفيلم يسري نصرالله الأخير «بعد الموقعة» وليست هذه هي المرة الأولي التي ينجح فيها هذا المخرج الموهوب في اختراق الستار الحديدي المحكم لمهرجان المهرجانات.. إذ سبق له أن عرض فيلمه الملحمي عن معركة فلسطين الأولي خارج المسابقة.. كما كانت له عروض لأفلامه الأخري في تظاهرات جانبية في «كان». اسم يسري نصرالله وأفلامه محاط باحترام خاص في فرنسا.. ورثه عن أستاذه الكبير يوسف شاهين وأثبت في أكثر من مرة أنه جدير حقا به. سعادة السينما المصرية كبيرة في أن يدخل فيلم مصري غمار هذه المسابقة العالمية.. ولكن ستكون السعادة غامرة حقا إذ استطاع الفيلم أن يفوز بإحدي جوائزه.. عند ذلك يتكسر جدار أسطورة «المهرجان الذي لا يقهر» وسترفع راية سينمانا عالية شاهقة كما تستحق. عالم خاص أسماء المخرجين من أصدقاء «كان» هذا العام كثيرة ومتنوعة.. البعض منها يخوض المعركة للمرة الثانية أو الثالثة والبعض يدخلها حاملا اسمه وشهرته وعالمه الخاص. المخرج الإيراني عباس كيروستامي.. من المواظبين الدائمين علي المهرجان وهذا العام يدخل السباق بفيلم يحمل عنوانا شديد الرومانسية هو «شبه إنسان عاشق» كذلك كين لوش الإيرلندي يدخل بفيلم بعنوان «حصة الملائكة» يخوض كعادته بموضوع له خلفية سياسية.. أما مخرج الفضائح كما يطلقون عليه النمساوي مايكل هانكه الحائز علي السعفة فإنه يقدم فيلما من أكثر الأفلام التي ينتظرها عشاق «كان» هذا العام.. وهو «هوني» كذلك يعود الكندي دافيد كرونبرج بفيلم بعنوان «كوزيربولس».. بعد أن خرج خالي الوفاض العام الفائت بفيلمه الرائع عن العالم النفسي فرويد وتلميذه ينج.. وعلاقتهما بإحدي المريضات الروسيات التي يشرفان علي علاجها فيلم مدهش في جوه وفي معناه وفي أسلوبه المتميز وتصويره المتقن. والترساليس مخرج أمريكا اللاتينية الأكبر يخوض تحديا من نوع جديد وهو نقله للشاشة قصة جاك كيرواك الشهيرة عن الطريقة التي تعتبر انجيل Beatqenenr tion ويعود الروماني الشاعر كريستان فيجو بفيلم بعنوان «وراء التلال». هذا بالنسبة لكبار المخرجين الذين يخوضون غمار التسابق الرسمي.. بالإضافة إلي المخرج الإيطالي الذي انقسم الجميع حوله قبل عام عند عرضه فيلمه «جومورا» عن المافيا الإيطالية.. هذه المرة يعود بقوة بفيلم بعنوان «الحقيقة». أما زميله الكبير برناردو برتولتشي فيعود أيضا ولكن خارج التنافس بفيلمه الأخير المنتظر «أنا وأنت» والذي يبدو أنه ينطلق فيه بعيدا جدا في التعبير الايروتيكي وأنه قد يتفوق علي نفسه منذ فيلمه الأسطوري «آخر تانجو في باريس». أفلام رائعة كذلك فيليب كوفمان صاحب الأفلام الرائعة وأشهرها «خفة الحياة التي لا تحتمل» عن رائعة ميلان كونزيرا. هذه المرة يقدم فيلما بعنوان «همنجواي وجليورم» عن علاقة الكاتب الأمريكي الشهير بإحدي عشيقاته وملهماته.. وقد سبق لكوفمان أن قدم فيلما بالغ الجرأة عن علاقة هنري ميللر بجين باسم «هنري وجين» عرض في إحدي دورات مهرجان القاهرة وسبب لغطا عنيفا.. بسبب جرأة مشاهده الجنس. خارج المسابقة أيضا.. يعرض المخرج التركي المقيم في ألمانيا فاتح اكين آخر أفلامه، كما يعرض سيد أفلام الرعب الإيطالي داريو ارخبتو رؤيته عن دراكولا بالأبعاد الثلاثية كثير من الدماء.. ينتظر أن تهطل علينا من شاشات «كان» العملاقة. أما الياباني ماكاشي ميك.. فإنه يقدم خارج المسابقة أيضا فيلما يجمع بين القسوة والرومانسية شأن السينما اليابانية بعنوان «أسطورة الحب والوفاء»، فرنسا تحتفظ لنفسها بمركز خاص بعد أن حققت لنفسها انتصارات واسعة بعد عرض فيلم «الارتست» الذي استحوذ علي أكثر جوائز المهرجانات في العالم.. وأعاد للسينما الفرنسية اعتبارها. إنها تدخل السباق هذه المرة بأفلام عدة.. أهمها فيلم لشيخ مخرجيها «آلان رنيه» صاحب «هيروشيما ياجن» وسواها من الأفلام النادرة فيلمه هذه المرة بعنوان «أنت لم تر شيئا بعد». أما المخرج الراحل لكوريللر.. فقد اختار المهرجان آخر الأفلام التي أخرجها وهو «تيريبز ديكيرو» والتي سبق للسينما الفرنسية أن قدمت هذه القصة السوداوية التي كتبها فرانسوا مورياك في الستينات من بطولة إيمانويل ريفا، هذه المرة اختار ميللر بطلة جديدة هي أودر تاتو لتلعب بطلة مورياك القاتلة.. أو الضحية.. حسب وجهة النظر. أما بالنسبة لشباب المخرجين.. فقد اختارت إدارة المهرجان فيلما لجاك أوديارد بعنوان «نفايا وعظام».. من بطولة ماريون كوتيارد التي لعبت فيما سبق دور ادبت بياف في فيلم يروي حياتها سبق لاوديارد أن شارك في «كان» بفيلمه الرائع الذي أثار الجدل «الرسول». نجمة الإغراء أما ليوكاراكس فيقدم نجمة الإغراء إيفا ماندس بفيلم «العجلات المقدسة».. وقد سبق لهذا المخرج أن قدم جولييت بينوش لمهرجان «كان» بفيلمه الأول «دم فاسد»، فهل سيكون مصير نجمة الإغراء كمصير بينوش إحدي علامات السينما البارزة في فرنسا؟ هذا بالنسبة للأفلام التي تحمل أسماء كبري والتي تأتينا محملة بالوعود لتتسابق علي الجائزة المرموقة وإذا كانت كل الأصوات في العام الماضي قد رشحت حتي قبل بدء المهرجان فيلم تيرنس مالك للفوز وتحققت النبوءة.. فإن الأصوات هذه المرة بالغة التردد، لأن قوة الدفع تكاد تكون متساوية بين هؤلاء المخرجين الكبار وأفلامهم التي تتراقص به الجرأة والسياسة والتجديد هذا دون النظر إلي المفاجآت التي قد تتفجر بالنسبة لكثير من الأفلام التي تقدم لنا. أسماء جديدة لا نعرف عنها الكثير.. ولكن مجرد اجتيازها بوابة المهرجان الحديدية بدل علي أنها تحمل في طياتها أكثر من بارقة أمل. هذا بالنسبة للأفلام وماذا عن النجوم الذين سيسطعون في سماء «كان» وسيصعدون الأدراج الصحفية دائسين علي السجادة الحمراء؟ سنري بالطبع بروس ويلس في حفل الافتتاح بفيلم وس اندرسن الأخير «مملكة كسوف القمر» وسنري بالطبع ايزابل هوبير بفيلم «بلاد أخري» الذي أخرجه مخرج من أمريكا اللاتينية هو هونج سانجو، وسنري النجم الصاعد شيالابوف في فيلم «خارجون علي القانون». أما نيكول كيدمان فسنراها أكثر من مرة، مرة في الفيلم الأمريكي الذي يقال إنه بالغ الجرأة في تعبيره الجنسي صبي الورق paqen lraq والذي أخرجه مخرج شاب هو لي دانليز قد يكون أحد مفاجآت «كان» لهذا العام، كما سنري أيضا براد بيت بفيلم لمخرج شاب آخر هو اندرو دومينيك بعنوان «اقتلهم برحمة» وبالطبع هناك ماريون كوتباران وسواها. ومن مفاجآت «كان» هذا العام فيلم للمخرج الذي يصعب تذكر اسمه وأظن «اليساتيونج ويراستاقول» الذي فاز بأسوأ سعفة ذهبية في تاريخ المهرجان.. والذي يعود مرة أخري بفيلم بعنوان «مذكرات رومان مولانسكي»ش ومفاجأة غير متوقعة لابن المخرج دافيد كرونبرج الذي يشارك أباه في مسابقة هذا العام بفيلم بعنوان Amtiviral . أما بالنسبة للنظرة الخاصة والمخصصة لاكتشافات المهرجان سواء بالنسبة للنجوم أو المخرجين فمن الصعب الحكم علي أفلامها، ولكن يتميز في القائمة فيلم العربي نبيل عيوش «فرسان الرب» والمخرجة التونسية الجريئة كاترين كورستين بفيلم «عوالم ثلاثة» وفيلم تحريك باسم «مدغشقر 3» وفيلم عن هانانا باسم «7 أيام في هانانا» اشترك بإخراجه سبعة مخرجين نذكر منهم الفلسطيني ايلي سليمان والأرجنتيني بنبتودل تورو والفرنسي جاسبار توبة وتظل «كان».. ومهرجنها منبعا دائما للمفاجآت الكثيرة وجنبات الأمل أحيانا ولكنها بحق مازالت عيدًا للسينما.