كان وجهه الباسم البريء لافتا للنظر كما كان اجتهاده في الأداء ملحوظا مما جعل الأنظار تتوجه إليه رغم محدودية مساحة ظهوره. لم يكن مفاجئا أن يكون طارق ابن وحفيد وسلسيل الإبيارية عوامًا ولكن الغريب كان في صغر مساحة أدواره حتي ولو في اعمال من تأليف وإنتاج والده. كان هذا يتنافي تماما مع طقوس وأساليب التوريث المعتادة في عهد مبارك في مختلف المجالات. فالسادة الوارثون كانوا يهبطون علي قمة المناصب الإدارية والأعمال الفنية بالباراشوت. جاء الأستاذ محمد عادل إمام شريكا أساسيا في بطولة فيلم عمارة يعقوبيان بل وربما في أهم أدوار الرواية من منظور درامي. وهو ذات الدور الذي كان مرشحا له فتحي عبدالوهاب والمؤهل له كل التأهل عبر مسيرة شاقة ومكللة بالنجاح عبر أدوار تصاعدت في مساحتها وقيمتها. ولكن شاءت إرادة عادل إمام حين تعاقد علي بطولة الفيلم أن ينتقل هذا الدور المحوري إلي ابنه وفلذة كبده.. نفس الشيء ينطبق علي مخرج ذات الفيلم مروان وحيد حامد الذي لم يكن يملك أي مؤهل لتولي هذه المهمة في مشروع بهذه الأهمية والقيمة والميزانية سوي اسم والده وفيلم قصير أحيط باهتمام إعلامي كبير يفوق قيمته لكن يتناسب مع حجم عائلته ومكانتها الفنية والإعلامية. وهكذا فنماذج التوريث في عهد مبارك كثيرة علي أي حال. ولكن طارق الإبياري بالتأكيد كان يسلك طريقا مختلفا. وخاض رحلة الصعود التقليدية التي يخوضها أي فنان حقيقي عادي وربما حظي ببعض الفرص والدعم بفضل أسرته ولكنه بالتاكيد لم يمارس البلطجة والبرشطة علي طريقة أولاد المخلوع غير المأسوف عليه. فقد صعد السلم تدريجيا خطوة خطوة. واستطاع أن يصل بفضل نجاحاته إلي دور مميز كأحد التلاميذ المشاغبين في فيلم (رمضان مبروك أبو العلمين) ثم في أحد الأدوار البارزة في مسرحية (سكر هانم). ولكن أفيشات فيلم بنطلون جولييت لا تتصدرها صورته فقط كبطل لكن أيضا كمخرج ومؤلف. والحقيقة انها مسئوليات جسيمة أدرك احمد مكي مثلا خطورتها وهو مخرج أصلا فأسند إخراج وتاليف أفلامه الأولي إلي آخرين عادة. مشروع غير مشروع تشير بعض المصادر إلي أن موضوع الفيلم هو مشروع تخرج طارق في قسم السينما والمسرح بالجامعة الأمريكية. ولا شك أن الفكرة رغم هزليتها تحمل قدرا من الطرافة والجرأة. وقد يري البعض أن عنوان الفيلم (بنطلون جولييت) يعبر عن تفاهة موضوعه. ولكن الحقيقة أن هذا النوع من العناوين يتناسب تماما مع الافلام الكوميدية البسيطة التي تعتمد علي المفارقة والمواقف الساخرة. وربما من أشهر الأمثلة علي ذلك عنوان الفيلم الكوميدي الأمريكي الأشهر (شوربة بط). والحقيقة أن البنطلون الفيزون الضيق الذي ترتديه حبيبة البطل هو محور المشكلة والسبب الرئيسي للأزمة التي تطرأ بينهما في الفيلم. وهكذا يفترض أننا نشاهد معالجة كوميدية لأزمة عاطفية أو أننا بإزاء ما يطلق عليه الرومانس كوميدي. وربما لا يخلو الفيلم أيضا حسب مزاعم وتصريحات بطله ومخرجه ومؤلفه من بعد اجتماعي يتمثل في فكرة عدم التواصل أو الاستيعاب بين الرجل والمرأة أو الشاب والفتاة في مجتمعنا كأساس للمشكلة. وهي مسألة ترتبط بأزمة مجتمعية متأصلة ومتمثلة في حالة العزلة والتجذر بين الطوائف بمختلف تقسيماتها وأجناسها وانتماءاتها الفكرية والاجتماعية. وحسب تصريح طارق: "ربما تكون الفكرة بسيطة، لكنها بالفعل جديرة بالتأمل علي مستويات أخري، سنجد أنها تدخل في كل تفاصيل حياتنا ومدي الاختلاف بيننا، وعدم تقبل فكر الآخر، بل وصل الأمر لعدم الاستماع لوجهة نظر الآخر". وهو يزعم أيضا "أن الفيلم جاء بعد دراسات وإحصائيات قمنا بها أنا وفريق العمل حول فلسفة الفتيات في التفكير في ارتداء الملابس، ورد فعل الأولاد علي الملابس، فكيف تفكر البنات، وكيف يفكر الشباب، وما وجهة نظر كل منهما، وما نريد أن نلقي عليه بقعة ضوء أيضا هو فكرة أن الملابس لا تعبر عن الشخصية، وهذا بالمناسبة ينطبق علي أشياء كثيرة جدا علي مستويات أخري، فمن يرتدي زي رجل الدين ليس بالضرورة رجل دين". إخلاص للبطل ولكن حقيقة الأمر أن الشاب الدارس الموهوب الذي نمي خبراته عبر سنوات من العمل والتجارب والدراسة يبدأ من حيث بدأ هنيدي ومحمد سعد وهاني رمزي. فالسيناريو هو مجرد وسيلة لإظهار خفة دم البطل ومهاراته في الإضحاك. والأحداث والمواقف لا تدفع الدراما ولا الحدث وإنما هي مجرد إفيهات هزلية معظمها قديم ومكرر. ولا يظهر أي جديد في الفيلم سوي وجوهه التي خاصم معظمها القبول. وعلي الرغم من أن الفيلم يحفل بالكثير من الحكايات والخيوط والشخصيات إلا انه لا يخلص أبدا إلا لبطله الذي لا يكاد يغيب عن الشاشة والذي لا يمكنك أن تميز ظهور أي أحد إلي جواره. ولن تحتفظ ذاكرتك بأي وجه من الوجوه التي شاهدتها. ولاشك انه في ظل هذا الإهمال لتطوير المواقف والشخصيات والخطوط الدرامية فإنك سوف تعيش في حالة من التشتت الذي سرعان ما يصيبك بالملل والإحباط. وسوف يزيد من إحباطك هذا الفشل الذريع في الإضحاك الذي تحققه كل الإفيهات والذي يلاحق كل ممثلي الفيلم بما فيهم بطله. والمأساة أن كلها تعتمد باختصار علي خفة دم الممثل. وهو رهان خائب لأن الكوميديا لا تصنعها خفة الدم فقط . كما أن البطل وجميع زملائه لم تنعقد بينهم وبين المشاهد المعرفة الكافية والثقة المطلوبة فضلا عن غياب الكاريزما أو عدم ظهورها لأن هذه الكاريزما لا تتحقق إلا بعد درجة من النضج لا أعتقد أن طارق قد وصل إليها بعد. أما باقي زملائه فبينهم وبينها مسافة ربما تكون أطول من الزمن المتبقي من عمرهم بكثير. أعود لأذكركم أن الفيلم من إخراج طارق الإبياري أيضا. وإذا كان الفنان الشاب يحرص في كل تصريحاته وأخباره علي إبراز أن له تجارب سابقة في الإخراج المسرحي والسينمائي ربما في عروض هواة أو أفلام قصيرة فإن فيلم بنطلون جولييت يؤكد لك أن خبرات طارق في هذا المجال شديدة المحدودية. ولكن الأهم من هذا هو أن طارق لم يتملك الأسلوبية أو الرؤي الإخراجية بأبسط معانيها وأقل مستوياتها. افتقاد الرؤية وهذه الرؤية في الحقيقة لا ترتبط غالبا بحجم الخبرات ولا مستوي الدراسة ولكنها حالة من الاكتمال والتصور التوفيقي بين مختلف عناصر الفيلم التي تتشكل في ذهنية فنان يمتلك إلي جوارها قدرة علي الإدارة واختيار فريق العمل أمام وخلف الكاميرا وتوظيف قدراتهم والتنسيق بينها لتحقيق أهداف محددة في كل عنصر ووحدة من وحدات الفيلم تتسق وتتكامل في ذهنية هذا الفنان وحده لتتحقق في صورة عمل محكم الصنع ومتسق العناصر والتفاصيل في كيان متكامل متحد. وهكذا فالإخراج ليس مجرد تحديد لزاوية الكاميرا وتوجيه للأداء. وليس عملية تنفيذ لسيناريو مكتوب بتقطيع المشاهد واللقطات بقدر ما هو امتلاك رؤية وأسلوبية. وهذه الرؤية قد تكون متواضعة أو معقدة تقليدية أو حداثية تقدمية أو رجعية ناضجة أو مراهقة. لكن مع الأسف فيلم الأستاذ طارق لا يحمل رؤية من أي نوع.. والصورة فيه تفتقد لأي معني أو هدف . فحتي مساحات الإضحاك في الفيلم محدودة مقارنة بالمشاهد التأسيسية التي لا تؤسس لأي شيء والتعريفية التي لا تضيف أي معلومة مؤثرة في الدراما. أما مشاهد الإضحاك فهي أيضا تفتقد لأي فلسفة أو فكرة فالضحك في الغالب ينبع من خلال الكلام، والصورة لا تلعب أي دور إلا بتصوير الممثل بطريقة بدائية جدا. والتصوير نفسه وهو كعملية يتداخل فيها الجانب التقني مع الإبداعي ليس مسئولية المخرج بشكل كامل. وهو هنا لا يلتزم بأبسط قواعد او تقاليد هذا الفن. فالظلال تسقط متي شاءت علي أي شخصية في اي وقت طبقا لموقعها من الضوء دون أي محاولة للسيطرة علي التكوين أو توزيع الألوان لتحقيق اي أهداف درامية.. وحدود الكادر دائما تترك مساحات خالية لا يملأ فراغها أي شيء أو معني.. والممثل أيضا في حالة توهان أو سرحان ربما اعتقادا من المخرج بأن هذا يضفي مصداقية أو واقعية للعمل. ولكن هذا في الحقيقة لا يكسب الفيلم إلا مزيدا من العشوائية والانفلات. لا أري فيما كتبته أي قسوة علي فنان شاب في عمله الأول.. ولكنها رغبة حقيقية في أن يحرص الممثل علي موهبته وأن يسلمها لمخرج أمين وكاتب متمكن. ويضعها في عمل يعتمد علي بناء درامي حقيقيي وليس علي نوايا طيبة في حبكة مهلهلة. وأن يضع الممثل نفسه في إطار فني سليم وبفهم صحيح لفن السينما وليس باعتبارها مجالا لعرض النكت المصورة أو تهريج الشباب والبنات أو سرد حكايات وشقاوة أيام الجامعة دون إطار ولا ارتباط فني وموضوعي وجمالي. ربما يستحق طارق أن يطبق عليه كمخرج ومؤلف قوانين العزل الفني ليس لأنه من الفلول لا سمح الله. لكن حماية لمفهوم الفن الذي داسته منذ سنوات أقدام نجوم أحالوه إلي سبوبة ومطية لتدعيم وتثبيت عروشهم تأكيد نجوميتهم وتلميع صورتهم بالطريقة التي يرونها لدي جمهور غالبيته من السذج الذين تربوا في عهد مبارك وعلي يد أجهزته اللاثقافية واللاإعلامية واللاتعليمية. لكن حتي هؤلاء السذج لن تنطوي عليهم سذاجة بهذا المستوي فقد تربت أذواقهم علي فنون أقل بدائية من فنانين تنطبق عليهم بالفعل قوانين العزل الفني لأنهم فلول فعلا ليس لمواقفهم السياسية لكن لأساليبهم وأفكارهم المسمومة الرجعية. لكن تلك قضية أخري.