ثلاثة شهور فقط قضاها المخرج مجدي أحمد علي رئيسا للمركز القومي للسينما، منذ تعيينه أواخر ديسمبر الماضي، كانت كفيلة بأن يشعر أي مراقب منصف أن المركز بدأ يخطو علي الطريق الصحيح نحو أداء دوره المنشود في دعم صناعة السينما المصرية، ومساعدة مبدعيها، وحفظ تراثها، رغم ما يواجهه من مشكلات وصعوبات لا يمكن أن يتصورها أحد إلا بعد أن يقضي معه - كما فعلت - عدة ساعات في مكتبه، ويستمع إليه، ويشهد علي الطبيعة ما يمكن أن تفعله البيروقراطية بأحلام المبدعين الرومانسيين. قال مثلا إن هناك مشكلات بالجملة في ستوديو الأهرام، وإن ستوديو نحاس به شروخ ورشح مياه ومهدد بالانهيار، مما دفع موظفي المركز إلي مغادرته.. وأوضح أنه يحاول - بالتنسيق مع الدكتور خالد عبد الجليل، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي - استرداد بعض المواقع لترميمها والعمل علي تطويرها، في ظل صراع مرير عليها مع شركة مصر للصوت والضوء والسينما شمل حتي بعض الغرف التي يحتاجها لكي تعمل فيها إدارة الإنتاج السينمائي ووحدة أفلام التحريك، وأيضا لتسكين العمالة الزائدة التي يعاني منها، حيث أرسل له الجهاز الإداري مئات الموظفين وهو المثقل بالعمالة التي لا يجد لها عملا ولا حتي مكانا تجلس فيه. وأضاف أنه استحدث وحدة جديدة للأفلام النيجاتيف غير المستخدمة من قبل المخرجين طوال تاريخ السينما المصرية، يجري العاملون فيها جهودا كبيرة لحصر هذه الأفلام، خاصة أن ما لم يستخدم منها أكثر مما استخدم بالفعل، ومنها كنوز تاريخية حقيقية تتعلق بحضارتنا وتاريخنا مثل معبد أبي سمبل وغيره.. وسيجري عمل تصنيف وترميم لهذه النيجاتيفات لتصبح جاهزة لتسويقها وبيعها لمن يريد من المهتمين. دخل مادي وأشار إلي مشروع آخر لتطوير ما يسمي بقاعة الوزير، التي كان وزير الثقافة يشاهد فيها العروض الخاصة للأفلام، علما بأن مشروعا سابقا لتطويرها فشل تماما لتتحول للأسف إلي مخزن للمهملات.. وقال إنه جري تنظيفها تمهيدا لتنفيذ مشروع التطوير الجديد الذي يشارك فيه مهندس الديكور فوزي العوامري، الموظف بالمركز، والذي يستهدف تحويل القاعة إلي مركز عالمي للمهرجانات يضم قاعات عرض للسينما والفيديو وصالة عرض مفتوحة ومركزا صحفيا حديثا وكافيتيريا وكل ما يلزم المهرجانات الدولية.. وأوضح أن استخدام المركز المقرر إنشاؤه لن يكون قاصرا علي أنشطة "القومي للسينما"، وسيكون متاحا لمن يريد استئجاره لإقامة مختلف المهرجانات وبالتالي تحقيق دخل مادي للمركز. وردا علي سؤال حول حلم كل سينمائي بوجود "سينماتيك" مصري - علي غرار السينماتيك الفرنسي الشهير - يحفظ تاريخ السينما المصرية ويكون مرجعا للباحثين والمهتمين، قال مجدي أحمد علي إن المشروع قائم، وإن الدكتور خالد عبد الجليل، الرئيس السابق للمركز، سار فيه خطوات تم خلالها الاتفاق مع الجانب الفرنسي علي بروتوكول التنفيذ، وتم اختيار قصر الأمير طوسون لإقامة السينماتيك، وزاره الجانبان بالفعل لتفقده ورفع مقاساته.. وأوضح أن عبد الجليل سيتولي استكمال المشروع، وسيشارك فيه من المركز خبراء ترميم الوثائق والأفلام. وأشار إلي أن هناك أيضا رغبة في عمل متحف للسينما المصرية، موضحا أن هناك فرقا بين المتحف والسينماتيك، وأن هناك حاجة لهما معا، سواء في موقع واحد أو في موقعين منفصلين، بشرط الالتزام بالقواعد العلمية المعروفة لحفظ الأفلام، مثل الابتعاد عن الرطوبة وتوفير درجة حرارة معينة... إلخ. وقال إنه يمكن عمل أكثر من سينماتيك في أكثر من مكان، وإنه يمكن التنسيق مع هيئة الآثار لاختيار مواقع أثرية لإقامة مثل هذه المشروعات. فوضي عارمة وعما إذا كانت الأفلام نفسها موجودة وفي حالة جيدة لحفظها في السينماتيك في حالة إقامته، قال رئيس المركز القومي للسينما إن الأفلام بالطبع في حالة سيئة للغاية، وهناك أفلام مفقودة بالكامل وأجزاء تائهة من أفلام أخري، وهناك بشكل عام فوضي عارمة فيما يخص حفظ وأرشفة الأفلام لأنه لا يوجد حاليا "أب" للسينما.. لكن عندما يوجد مشروع خاص بتوثيق السينما المصرية ويعين مدير متفرغ له، سيتولي عمليات البحث والترميم وغيرها لأنه سيكون شغله الشاغل، أما الآن فليس هناك من يمكن سؤاله ومحاسبته عن ذلك.. وأضاف أن هذا المدير يجب أن يكون خبيرا كبيرا متخصصا، علي أن يتقاضي راتبا عاليا مقابل تفرغه. وأوضح أن المركز يحتفظ بأشرطة النيجاتيف الخاصة بالأفلام التي أنتجها، وأن نيجاتيف الأفلام الأخري موجود في ثلاجات شركة السينما.. سألته إن كان القانون يلزم المنتجين بتسليم نسخة من أفلامهم للدولة، فقال إنه لا يلزمهم سوي بتسليم نسخة بوزيتيف، وهي قصيرة العمر جدا بالمقارنة مع النيجاتيف، علما بأن المنتجين عادة ما يختارون أسوأ النسخ لتسليمها.. ودعا مجلس الشعب إلي إصدار قانون يلزم المنتجين بتسليم ما يسمي بنسخة "ديوب نيجاتيف"، مشيرا إلي أن العقود التي سيبرمها المركز مع صناع الأفلام الفائزة أخيرا بدعم الدولة المادي ستلزمهم بتسليم هذه النسخة. نحن إذن لا نضمن - حتي في حالة إنشاء السينماتيك - أن تتوفر النسخ الأصلية لجميع الأفلام المصرية، فضلا عن أن المشروع، كما قال مجدي أحمد علي، سيستغرق وقتا طويلا جدا لإيجاد وترميم وحفظ النسخ، وسيكون مكلفا للغاية، فنسخة "الديوب نيجاتيف" تتكلف 70 ألف جنيه في المتوسط، وهناك حوالي 4 آلاف فيلم مصري، لذلك يقترح تنفيذ المشروع علي مراحل قد تستغرق سنوات طويلة. ميزانية محدودة وفيما يتعلق بالإنتاج، أكد مجدي أحمد علي أنه ما زال قاصرا في المركز علي الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة وأفلام التحريك، ولم يصل بعد إلي الأفلام الروائية الطويلة نظرا للميزانية المحدودة، وإن لم يستبعد حدوث ذلك في المستقبل، قائلا إنه لو استمر في رئاسة المركز بعد الموعد المقرر لإحالته إلي المعاش خلال شهور قليلة، فسيكون من بين طموحاته إنتاج الأفلام الروائية الطويلة. ومن بين الخطوات الطموحة علي الطريق الصحيح، التفكير في قناة فضائية تابعة لوزارة الثقافة، وللمركز القومي للسينما تحديدا، لعرض إنتاجه وإبراز أنشطته وجهود مبدعيه.. وكذلك العمل علي تسويق أفلام المركز، التي قدمها عبر تاريخه كبار مخرجي السينما المصرية، في محطات التليفزيون العالمية، مع ما يتطلبه ذلك من ترميمها وترجمتها. وردا علي سؤال حول فرص استمرار مشروع دعم الأفلام، الذي أعلن أخيرا عن أسماء الفائزين به، والذي تبلغ ميزانيته 20 مليون جنيه، قال إن كل الأمور في الدولة الآن علي كف عفريت، وإن أحدا لا يضمن استمرار نفس السياسة، وإن كان سيسعي للحفاظ علي حقوق السينمائيين المكتسبة، وسيعمل ليس فقط علي استمرار المشروع، ولكن أيضا علي زيادة ميزانيته.. وأضاف أنه لأول مرة يتم دعم 12 فيلما روائيا طويلا، و15 روائيا قصيرا، وستة أفلام تسجيلية، وثلاثة أفلام تحريك، معربا عن أمله في أن تلتحم الدورة المقبلة من مشروع الدعم بالدورة الحالية لتشكلا معا موجة جديدة من الأفلام المصرية الجادة والمتميزة التي من شأنها إحداث التوازن في السوق السينمائية مع الأفلام السائدة. عشرة أضعاف وأكد أن من حق أي سينمائي التقدم إلي المركز لإنتاج فيلمه التسجيلي أو القصير، طالما كان مشروعه جيدا وجادا، وإن كانت الأولوية بالطبع لأبناء المركز من المبدعين في حالة التساوي في معايير الجودة، التي تأتي في المقام الأول بطبيعة الحال، لأن الميزانية لا تكفي لإنتاج كل الأفلام المتقدمة.. وكان من الطبيعي هنا أن أسأل عن هذه الميزانية، فقال مجدي: "لا أريد أن أصدمك، لكن ميزانية المركز كله 12,5 مليون جنيه، منها نصف مليون فقط للإنتاج، لأن لدينا كما ضخما من الموظفين والكوادر كما أوضحت من قبل.. المركز فيه 500 موظف، ورأيي الشخصي أنه يمكن أن يعمل بكفاءة بخمسين موظفا فقط، أي أن لدي عشرة أضعاف العمالة التي أحتاجها فعلا". لا تعليق، فكلام الرجل يعبر بوضوح عن نموذج لمبدع مصري يحاول بإخلاص خدمة سينما بلاده، وبلاده بشكل عام، لكن يواجه تلالا من الصعوبات والمشكلات والمعوقات البيروقراطية.. فهل يجد لدي من في أيديهم مقاليد الأمور من يعينه علي أداء مهمته وتحقيق طموحاته؟