نقيب الصحفيين: اتفقنا مع وزير الأوقاف على أهمية صون الحياة الشخصية بما يكفل حرية الصحافة    هالة السعيد: انخفاض معدل حوادث الطرق 33% بين عامي 2018 و2022    النرويج: ملتزمون باعتقال نتنياهو حال أصدرت «الجنائية الدولية» مذكرة بحقه    عار عليك.. متظاهرون يمنعون بلينكن من التحدث ويقاطعون كلمته 4 مرات متتالية    هشام نصر يشيد بأداء يد الزمالك أمام الأهلي في نهائي دوري المحترفين    الزمالك يشكر ياسين البحيري لاعب نهضة بركان المغربي    حسين السيد: زيزو وعواد وصبحى لن يرحلوا عن الزمالك ولم نفكر فى لاعبى نهضة بركان    الرئيس التنفيذي لاتحاد جدة يجتمع بوكيل أليجري للتفاوض حول تدريب الفريق الموسم المقبل    كاميرات المراقبة تكشف كذب ادعاءات «أجنبي» باستبدال أمواله بعملات محلية| فيديو    ننشر تفاصيل ضوابط تصوير الجنازات.. أبرزها تخصيص «فيست» للمصورين    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    أزهري: ليس من حق الآباء إجبار بناتهم على ارتداء الحجاب    المصري يفوز على النصر القاهري بهدفين لهدف وديا استعدادا لمودرن فيوتشر    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    رفقة سليمان عيد.. كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره كواليس «البيت بيتي 2»    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    تأثير استخدام مكيفات الهواء على الصحة.. توازن بين الراحة والمخاطر    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    رئيس الوزراء يتابع موقف منظومة رد الأعباء التصديرية    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    ب ممارسات حاطة بالكرامة والتقييد.. شهادات توثق تعذيب الاحتلال ل معتقلي غزة (تقرير)    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    خليفة ميسي يقترب من الدوري السعودي    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    "سيارة الغلابة".. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيه (صور)    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    في اليوم العالمي للشاي.. طريقة تحضير «بسكويت الماتشا» في المنزل    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    روسيا تفشل في إصدار قرار أممي لوقف سباق التسلح في الفضاء    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مارك فوتا: الإسماعيلي تواصل معي لتولي الأكاديميات وتطوير الشباب    شبانة: مندهش من الأحداث التي صاحبت مراسم تتويج الزمالك    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    استعدادات وترقب لقدوم عيد الأضحى المبارك 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأم في السينما المصرية..
نشر في القاهرة يوم 20 - 03 - 2012

يستلزم الحديث عن صورة الأم في السينما المصرية، أن نعد لها كتاباً بأكمله، ولذا فإن تخصيص مقال واحد للحديث عن صورة الأم يعد أمراً مختصراً للغاية، وفي مجال السينما التسجيلية قام المخرج الراحل طلعت حمودة بتقديم فيلم مدته أكثر من أربع ساعات، تناول فقط الممثلات اللاتي جسدن هذه الأدوار في هذه السينما، دون النظر إلي صورة الأم في هذه الأفلام نفسها . والأم في السينما المصرية متعددة الصور، فهناك أم شابة صغيرة، لأطفال عليها رعايتهم، وقد تجد نفسها قد افترقت عنهم لأسباب متباينة، وهناك أم عجوز تعيش مع أبنائها، بعد أن قامت بتربيتهم، وهناك أم ترملت وعاشت بين بناتها وأبنائها، وأزواجهم، وقد تباينت أدوار هذه الأم حسب الممثلة، حيث كان يسند إليها الأدوار حسب تركيبتها، فالأمهات الشهيرات في السينما المصرية لم يقمن أبداً بأدوار الشر كأمهات مثل أمينة رزق، وفردوس محمد، وعزيزة حلمي . وهناك ممثلات قمن بأدوار الأم الشريرة أسوة بزوزو نبيل ،ونجمة إبراهيم، ونعيمة الصغير، وهناك أمهات جسدن دور الأم قوية الشخصية، أو نوعن أدوارهن كأمهات مثل ميمي شكيب، وزوزو ماضي، وغيرهن. وتبعاً لتعقيد الحديث بشكل مختصر حول الأم في السينما المصرية، فإننا سوف نتوقف عند أربع أمهات هن فردوس محمد وأمينة رزق باعتبارهن الأطول تاريخاً في أداء شخصية الأم الطيبة، ثم هناك زوزو نبيل التي جسدت الأم الشريرة، والأم قوية الشخصية في الكثير من الأفلام، ثم سناء جميل، ونكون بذلك قد تجاوزنا أسماء الكثيرات من أمهات السينما مثل نعيمة الصغير، وزينب صدقي، وتحية كاريوكا، وآمال زايد، وثريا فخري، وعقيلة راتب، ومديحة يسري، وفاتن حمامة، وهدي سلطان، وعلوية جميل، وناهد سمير ،وكريمة مختار، وفي السنوات الأخيرة زيزي البدراوي، ودلال عبدالعزيز. فردوس محمد منذ بدايتها، ونحن نري فردوس محمد في دور الأم، وقد ساعدها علي ذلك تركيبتها الجسمانية، وصوتها الدافئ، وصدق التمثيل، وفي أغلب قائمة فردوس محمد رأيناها الأم بالغة الطيبة، شديدة الحنان . وفي الكثير من الأحيان كانت مصابة ببلاء شديد، أو بمرض عضال، مما يزيد من درجة الإحساس بأمومتها . وقد تركت الممثلة انطباعاً دائماً بأنها أم تمتلك من الحنان، مثلما تمتلك من الأمومة، وأيضاً قوة الشخصية، فلم تكن الأم الخنوعة، أو التي تستسلم لزوجها، وأوامره، بل كانت صاحبة رأي وموقف . وفي الكثير من الأحيان جسدت أدوار الأم في إطار كوميدي، مثلما فعلت في "سفير جهنم " عام 1945، و" أمريكاني في طنطا " عام 1954 . ويهمنا هنا أن نركز فقط علي جانب واحد من شخصية الأم التي جسدتها فردوس محمد . وهو دور الأم البالغة الحنان، والبالغة القوة، فهي لم تضعف أمام أمومتها، ولم يمنعها هذا أن تقف ضد أبنائها حين يخرجون عن الأعراف العامة . وأمامنا نماذج بالغة الأهمية في أفلام " حميدو " لنيازي مصطفي عام 1953، و" الأخ الكبير " لفطين عبدالوهاب عام 1958، و" سيدة القصر" لكمال الشيخ عام 1958، و" هذا هو الحب " لصلاح أبو سيف عام 1958 . ففي فيلم "حميدو" لعبت دور الأم المتدينة، المؤمنة بابنها التي تحبه حب الأم لوحيدها الذي خرجت به من الدنيا، وهي تثق فيه ثقة لا حدود لها، ولا تعرف أي أنشطة غير قانونية يمارسها في حياته، ولذا فإنها عندما تستقبل الغازية التي غرر بها ابنها، فإنها تتعامل معها بقسوة شديدة، وحزم وترفض أن تصدق أن ابنها يمكن أن يغرر بفتاة مثل هذه الغازية، لكن هذه الأم لا تلبث أن تعرف الحقيقة، وهنا تواجه الابن بنفس الحزم الذي قابلت به الغازية من قبل وتذكره بأنه الشخص الذي يصلي، والذي يبدو أمام الناس بمنظر خادع . وأمام هذه الصدمة التي تلقتها الأم، تقرر أن تهجر البيت تماماً وألا تقيم معه، إنها غير قادرة علي الغفران، لا تلين أمام الحق . حتي لو كان ابنها الوحيد . وقد تكرر مثل هذا الموقف أيضاً في فيلم " الأخ الكبير"، حيث تعيش مع ولديها دون أن تدري أن كبيرها هو في حقيقة الأمر خارج علي القانون، وعندما تعلم بحقيقة الأمر، فإنها تتصدي لابنها، الذي أفسد البيت بمواقفه، ولا تبدو آسفة علي ابنها عندما يتم الزج به في السجن . وهناك مشهد يعبر عن شدة الحزم في فيلم "سيدة القصر" حين تذهب الأم إلي عادل الذي تعامل بقسوة مع ابنتها بالتبني، وتواجهه بحزم : " اسمع يا بني، بنات الناس مش لعبة، زي ما أخذتها بالمعروف .. سيبها بالمعروف " . وهي في هذا الموقف تتدخل من أجل حسم العلاقة المتأرجحة بين سوسن وعادل.. وتنجح في تنبيه الزوج إلي خطورة ما هو مقدم عليه. وفي "هذا هو الحب"، تؤدي فردوس محمد دور الزوجة الطيبة، التي تعيش في أسرة صغيرة، اعتادت علي طاعة زوجها وحبه ورعاية ابنتها الوحيدة شريفة، وهناك مشهد شهير في السينما المصرية في هذا الفيلم تبدو فيه الأم بالغة الحزم، مليئة بقوة الشخصية تعبر من خلال عينيها وكلمات قليلة تنطقها عن قدرتها علي مواجهة الأمور، وعدم التعامل معها بسذاجة، فعندما تأتي الجارة (ماري منيب) من أجل خطبة شريفة لابنها المهندس فإنها تبالغ في الكشف عن سلامة وصلاحية العروس، وأمام الأم التي تكتفي في البداية بالمراقبة، ثم تتدخل قائلة : "والفك التاني" كأنها تعبر لها عن فهمها لأسلوبها في معاملة ابنتها . وهذه الأم تقف موقفاً صلداً عندما تنفصل ابنتها عن زوجها، ولا تبدي أي ضعف ملحوظ مثلما حدث مع الأب الذي استخلف ابنته إن كانت ترغب في العودة إلي زوجها فلتفعل . وقد تكرر مثل هذا المشهد الذي يعبر عن قوة الأم في فيلم خامس هو "كهرمان" للسيد بدير عام 1958، فهذه الأم الريفية تأتي إلي الإسكندرية من أجل معاتبة ابنها الأكبر، رجل الدين، الذي أحب راقصة، وكانت هذه العلاقة سبباً في تدمير الأخ الأصغر الطالب، الذي ارتبط من قبل بعلاقة مع الراقصة نفسها، وفي مواجهة حاسمة بين الأم، والابن الأكبر، تذكره بأنه صاحب التقوي، وحافظ القرآن، وأنه قد تصرف بغير ما يحفظ ويؤمن، وتبدو نبرات صوتها بالغة القوة ،والحدة، ليس فيه أي ضعف، أو هوان . وفي فيلم " عائشة " لم تمتثل الزوجة التي جسدتها فردوس محمد أبداً للزوج الطائش الذي اتسم بعجرفة وقسوة وجحود، وقد وقفت هذه المرأة دوماً ضد زوجها في نزقه، ولم تتراجع في موت ابنه واتجه إلي طريق التوبة. أمينة رزق كما ارتبطت أمينة رزق بأدوار الأم بشتي الأشكال في أفلام عديدة، وفي أغلب أفلامها القديمة رأيناها في دور الأم مثل " أولاد الفقراء " عام 1942، و"الطريق المستقيم" عام 1943، و"الأم" عام 1945، و"ضحايا المدينة" عام 1946 . وهناك أدوار بعينها يمكن الوقوف عندها جسدتها أمينة رزق كأم. مثل دورها كزوجة قوية الشخصية، فضل زوجها عنها امرأة أخري في فيلم " البيت الكبير" لأحمد كامل مرسي عام 1949 . وهي بالإضافة إلي كونها زوجة لرجل مرموق فهي أم لطبيب شاب، وأخ، وعليها أن تبدو متماسكة أمام الجميع، وهي تتصرف بذكاء. ولا تنسي كلتا المرأتين في داخلها. وأمينة رزق من أمهات السينما القدامي التي اضطلعت بالبطولة المطلقة في أفلام عديدة مثل " قلبي علي ولدي " لبركات، و" بائعة الخبز" لحسن الإمام عام 1953، وهي في هذا الفيلم نموذج واضح لأم مات زوجها فعانت بعده الكثير من أجل تربية الأبناء، فخديجة ترفض الزواج بعد رحيل زوجها، وتذهب لتعيش مع قريبة لها، وهي ترفض كل الإغراءات التي يعرضها عليها عبدالحكيم رئيس العمال في المصنع الذي كان زوجها يعمل به. ويدبر الرجل حريقاً ويتهمها أنها الفاعلة، وتوضع خديجة في إحدي المصحات العقلية عقب إصابتها بالجنون . وبعد أن يشب حريق في المستشفي تعود لها الذاكرة، وتخرج كي تبحث عن ولديها سامي ونعمت . ومتاعب الأم هنا تتضاعف من أجل المكانة الاجتماعية التي وصل إليها الأبناء، بعد أن صاروا كباراً . فابنتها نعمت أحبت ابن الرجل الذي كان سبباً في إدخالها السجن، وتتعقد الأمور بما يجسم مسئوليتها أو تحاول إبراء نفسها أمام الأبناء . وأدوار الأم المركبة التي جسدتها أمينة رزق تبدو في حرمانها من الأمومة، ليس فقط في الحياة، بل أيضاً في السينما . ففي بعض الأفلام مثل " أربع بنات وضابط " تبدو بالغة الأسي بعد أن ماتت عنها ابنتها، ولذا فإنها تتقبل حضانة نعيمة، فتاة الملجأ التي تدخل المنزل بحيلة مكشوفة للمرأة ورغم ذلك فإنها لا تكشف أوراق اللعبة، وتعيش سعيدة من الابنة المزيفة، ولولا بعض الظروف التي تتدخل من أجل إعادة نعيمة إلي الملجأ لظلت علي موقفها، بل إنها دافعت عن نعيمة عقب أن تم اكتشاف سرها . وطلبت من ابن أخيها الضابط محمد أن يتزوجها. وفي " أين عمري " لأحمد ضياء الدين، بدت أمينة رزق كأم بالغة الحدة، وهي تزج بابنتها عليه كي تتزوج من عزيز، بعد أن تصورت أن العجوز قد جاء ليطلب يدها، فإذا بها لأسباب اجتماعية اقتصادية تدفع ابنتها الصغيرة أن تتزوج من عزيز. وتبدو الأم هنا جامدة الملامح، خالية الشعور وهي تدفع بهذا الزواج أن يتم، بل إنها تقف ضد الدادة (فردوس محمد) التي تقف بالمرصاد لهذا الزواج وهذه القسوة ظاهرية ولكنها حتمية بالنسبة للأم . وهناك مجموعة من الأفلام بدت فيها أمينة رزق أماً شديدة القسوة، تضع الاعتبارات الاجتماعية قبل الأمومة مثل الشرف والمكانة الاجتماعية فهي تقف ضد ارتباط ابنها الضابط بزوجة شابة حتي وإن أبدت استحساناً ظاهرياً لهذه العلاقة في " نهر الحب " لعز الدين ذو الفقار عام 1960، وفي "بداية ونهاية" تبدو كالجبل الثقيل الذي يتحمل مسئولية أسرة تتكون من العديد من الأبناء بلغوا سن الرشد وعليها أن توصلهم إلي بر الأمان ورغم أن الظروف الاجتماعية قد ركبت المرأة، فإنها لم تتمكن من أن تحنو ظهرها وظلت واقفة شامخة تتعامل مع الأولاد بخشونة تتفق مع قسوة الظروف التي تعيشها وهي كعادتها دائماً لا تشكو ولا تبدي أي تذمر بل تنتظر القدر وما سيأتي به. وفي فيلم " دعاء الكروان " لبركات، تذهب الأم بنفسها إلي أخيها، كي تبلغه بالجريمة التي ارتكبتها ابنتها هنادي التي غرر بها مهندس كانت تعمل لديه، وتذهب الأم والابنتان إلي حيث ستلقي الخاطئة مصيرها، وتبدي الأم جموداً ملحوظاً، وهي تري أن الشرف قبل الحياة، ولم يمنعها هذا من البكاء والتحسر عقب نفاد الأجل، والأم هنا جامدة المشاعر، ويبدو ذلك علي وجهها، فلا تلتاع للألم الذي يكسو ابنتها . وفي "شفيقة القبطية" لحسن الإمام، بدت أمينة رزق أيضاً تلكم الأم القوية الشكيمة التي ترفض تماماً أن تتجه ابنتها إلي الرقص، فهي بذلك تلوث سمعة الأسرة، وعندما تأتي الابنة ببعض الهدايا، فإن الأم وزوجها يرفضان الهدية، ويذهب الأب إلي قصر ابنته ومعه ما أحضرته، ويطلب عدم عودتها ثانية إلي منزل الأسرة بأي ثمن. أما في "أعز الحبايب " ليوسف معلوف، وهو الدور الأكثر التصاقاً بأذهان الناس فقد بدت فيه الشخصية التي جسدتها أمينة رزق بالغة القوة، فرغم المتاعب التي عانتها من زوجة ابنها ثم من زوج ابنتها التي ذهبت للعيش معهم فإنها تتحمل كل هذه الآلام بجلد واضح ولا تعلن أي شكوي وتتحمل الشدائد بصورة ملحوظة. وفي "أرملة وثلاث بنات" لجلال الشرقاوي عام 1965، لعبت دور الأم التي فقدت عائلها وترك لها ثلاث بنات أحاط بهن الرجال كأنهم الغربان يريدون أن ينهشوا ما قدر لهم النهش، ووسط هذه المتاعب فإن الأم تلجأ إلي الدين من أجل توفير المال اللازم لعلاج ابنتها زهرة بعد أن اعتدي عليها ابن أحد الأثرياء، فتلجأ إلي رجل ثري كالذئب من أجل أن يعيد إلي الأسرة نصيبهم مما تركه الراحل، فيشترط الزواج من ابنتها هدي وأمام الظروف البالغة القسوة فإن الأم والابنة توافقان علي هذه الشروط من أجل إنقاذ الأخت زهرة. وفي فيلم "المماليك" لعاطف سالم عام 1965، جسدت أمينة رزق دور الأم التي ليس لها من الدنيا سوي وحيدها، والذي تبارك زواجه من ابنة صاحب العمل، لكن رجال الحاكم الظالم يهاجمون العرس ليلة إقامته، فتدافع المرأة عن عرس ابنها بكل ما لديها من قوة، حتي تموت بأيدي جنود الحاكم. وقد ظلت أمينة رزق طوال عمرها أسرة دور الأم، بدرجات مختلفة، ولم تخرج عنه في كل أفلام الستينيات والسبعينيات، وحتي رحيلها، فبعد دورها كأم لفتاتين في " الوديعة "، جسدت دور أم الدكتور إسماعيل في " قنديل أم هاشم" لكمال عطية عام 1968، وجسدت شخصية حليمة السعدية مرضعة الرسول، وأم الشيماء في فيلم " الشيماء " لحسام الدين مصطفي . وفي عام 1976 جسدت دور أم ضابط، يحب
فتاة تعمل راقصة، تتعامل معها بلباقة شديدة، وهي تعتقد أنها ابنة أكابر، حتي تكتشف الحقيقة، وفي "المجرم " لصلاح أبو سيف عام 1977 جسدت دور أم كان عليها أن تشاهد زوجة ابنها القتيل تخونه بعد أن شاركت في قتله مع صديقه، فتصاب بصدمة نفسية تعجزها عن الحركة . وفي " أمهات في المنفي " لمحمد راضي، جسدت دور أم لأسرة متعددة الأطراف، لكل منهم مشكلته الخاصة . أما دورها في "الطوفان" لبشير الديك، فيبدو بالغ الدموية . وفي السنوات الأخيرة من حياتها، ظلت أمينة رزق تلعب دور الأم في تنويعات مختلفة . فهي أم للعديد من الأبناء أيضاً في " التوت والنبوت "، تستعطف الفتوة ألا يؤذي أبناءها حين يكاد أن يمسهم شر، كما أنها الأم التي فقدت ابنها في " المولد "، وعندما عاود الابن الظهور، بعد أن صار من كبار الرأسماليين كاشفته بحقيقة المباني التي شيدها، ودفع أبوه حياته ثمناً لأنها غير مشيدة حسب المواصفات . وفي " أرض الأحلام " بدت في دور الأم، والجدة التي ترفض الإقامة في بيوت المسنين، وتعاود الحياة في بيت ابنتها، أما في "عتبة الستات " لعلي عبدالخالق عام 1995، فإنها تؤدي دور الأم التي تعاير زوجة ابنها الضابط أنها لم تنجب له الوريث، وهي في هذا الفيلم تبدو شديدة المراس كعادتها . ولا تتوقف عن ملاحقة ابنها، وزوجته، وتذكير كل منهما بدوره في الإنجاب. أما الفيلم الذي صدمت فكرته الناس فيما يتعلق بمسألة صورة الأم فهو "الطوفان" لبشير الديك عام 1985، فالأم توافق علي بيع أرضها بناء علي نصيحة من أبنائها، ويستعد كل واحد منهم لاستلام حقه من الثمن، ولكنهم يفاجأون بعمهم ومعه عقد بيع وشراء للأرض من أخيه بتوقيع من الزوجة . تتذكر الأم هذا الموقف، وتؤكد صحته، يلجأ العم إلي المحكمة من أجل إلغاء إجراءات البيع، يحاول الأبناء إقناع أمهم بالشهادة الزور ولكنها ترفض . يقترح زوج الابنة الكبري بقتل الأم، فيوافقون ويخفون الأمر عن الأخ الأصغر يوسف الذي يشك في وفاة الأم التي ماتت بيد أبنائها جميعاً . وكما أشرنا، فإن صورة الأم في السينما المصرية تبدو بالغة الوضوح في أدوار أمينة رزق، سواء من خلال عدد الأفلام أو أهميتها، ولكنها كما رأينا صورة متكررة دائماً متنوعة أحياناً. علي الجانب الآخر، فإن الممثلتين اللتين عملتا في مجموعة أفلام كأمهات وكانتا شريرتان، فهما زوزو نبيل وسناء جميل وذلك إذا استثنينا نجمة إبراهيم. ونعني هنا بدور الأم الشريرة، أن المرأة كأم تلعب دور الشر تجاه الآخرين، وهي بالتالي تمارسه، وهناك في السينما المصرية بعض من جسدت دور الشر مثل نادية الجندي، لكن هذه الأم حريصة علي إبعاد أبنائها عن طريق الخروج عن القانون مثلما حدث في " الباطنية " . زوزو نبيل أما الدور الذي جسدته زوزو نبيل في " سجن العذاري ": لإبراهيم عمارة عام 1958، فقد بدت فيه أم أوسه رمزاً واضحاً للمرأة الخارجة علي القانون، فهي تتزعم عصابة نشل، تعلم ابنتها كي تصير نشالة مثلها، وأن تغرر بكمال ابن صاحبة المنزل حتي تبيعها هذه الأخيرة نصيبها في المنزل، وتبدو الأم بالغة الشر وهي تذهب إلي بيت الطبيب الذي يتولي حالة أوسة، وفي لحظة بالغة التوتر، تشير إلي شعرها، وتقسم به أنها لم تعد إلي منزلها، فسوف تكون العاقبة وخيمة، ولأن أوسة تعرف الشر الكامن في قلب أمها . فإنها تمتثل خوفاً من قسوة وشدة هذا القسم . وهذه الأم تبدو بالغة السعادة حين تأتيها ابنتها وقد سرقت حافظة رجل توددت إليه، وتهنئها علي هذه المهارة، وفي أحيان أخري تبدو الفتاة نفسها، وقد تغيرت بعد أن أحبت كمال، فتنهرها الأم لما أبدته من سذاجة . ولسنا هنا بصدد تعداد أدوار الشر التي جسدتها زوزو نبيل في أفلام من طراز " أنا بنت ناس "، و" زمن العجايب "، و " في الهوا سوا "، ولكنها كأم شريرة تدفع ابنتها أن تسير في نفس طريقها، تكررت في فيلم " لواحظ " لحسن الإمام عام 1957، ومصير البنت التي تعمل مغنية بأحد الكباريهات أشبه بما آلت الأم التي دخلت السجن، وفي زيارة " لواحظ " الأخيرة للأم في السجن، تعترف لها هذه الأخيرة أنها ليست ابنة المعلم عزب الذي تولي تربيتها، بل هي ابنة رجل ثري تزوج بها سراً ثم انفصل عنها . وفي فيلم " بنت الحتة " لعبت زوزو نبيل أيضاً دور امرأة لاهية، وينعكس ذلك علي علاقتها بأبنائها، فهي تحاول أن تدفع ابنتها إخلاص أن تتزوج من المعلم زكي، وتدبر خطة للتخلص من الشاب عمر الذي يحب إخلاص ويريد الزواج منها، فيزج بهن في السجن، في جريمة قتل، وهذه الأم لا تتراجع عن مواقفها، وتدفع بكل من ابنها، وابنتها أن يسيرا في ركاب المعلم زكي. وهناك مشهد بالغ الأهمية في فيلم " بين القصرين " لحسن الإمام عام 1964، حين يزور ياسين أمه، كي تتراجع عن زوجها، فتقف شامخة بالغة القوة أمام ابنها، وتقول له إن أباه السيد أحمد عبدالجواد كان يريدها خادمة، تنصاع له، وأنها عندما بدت أمامه امرأة قوية الشخصية طلقها، وفي هذا المشهد بدت الأم هنا نموذجاً معاكساً تماماً لأمينة التي صارت أشهر النماذج الأدبية والسينمائية في الخنوع للزوج. سناء جميل أما الممثلة الثانية التي جسدت دور الأم الشريرة الخارجة علي القانون فهي سناء جميل وقد لعبت هذه الأدوار في أفلام من طراز " حكمتك يا رب " لحسام الدين مصطفي عام 1976، و" المجهول " لأشرف فهمي عام 1980 بالإضافة إلي دور الأم في أفلام أخري مثل " توحيدة " لحسام الدين مصطفي عام 1976، و" امرأة قتلها الحب " لأشرف فهمي عام 1978، ثم "البدرون" لعاطف الطيب عام 1988 . في فيلم "حكمتك يا رب" أدت سناء جميل دور المعلمة زبيدة التي تعمل في تجارة المواشي، وتتعاون مع إحدي عصابات تهريب المخدرات، بينما ابنتها الوحيدة نعيمة تعمل محامية ولا تعلم شيئاً عن حقيقة نشاط أمها، والأم تبدو بالغة الشراسة مع كل الرجال من حولها - لكنها تختلف تجاه نعيمة باعتبارها الأستاذة التي تتشرف بها أمام الآخرين . ومن أجل عيون الابنة، فإن الأم تقرر التوبة خاصة حين يتقدم ضابط الشرطة أحمد لخطبة نعيمة، وحين تجتمع مع شركائها من أجل تصفية الحساب قبل أن تنفصل عنهم، تقوم قوة من رجال الشرطة بقيادة أحمد بمداهمة المكان، ويتم القبض علي المرأة . وهذا الموقف يؤدي إلي زيادة الأواصر بين الأم والابنة . فالمحامية تتصور أن خطيبها قد تقرب منها من أجل الإيقاع بأمها، وتتولي الدفاع عن الأم التي تصاب بالشلل، وتبعاً لشدة الصدمة تموت وتترك الأحداث مليئة بالتعقيد بين المحامية والضابط. أما في فيلم " المجهول " لأشرف فهمي . فإننا هنا أمام علاقة أمومة غريبة بين أم وابنتها، فالاثنتان تعيشان في فندق في منطقة معزولة بكندا . وهما شريكتان في قتل النزلاء . أي أن الأم والابنة تقومان بهذا العمل معاً . فهما تسرقان نقود القتلي بعد التخلص منهم، وحسب منطوق الفيلم فإنهما تفعلان ذلك من أجل تدبير أموال لدفع أقساط البنك، وهذه الأم تقوم مع ابنتها بقتل ناجي القادم من مصر والذي أخفي هويته الحقيقية وذلك من أجل إحداث المفاجأة لدي أمه . نعم .. فهذا الرجل هو ابن لهذه القاتلة تخفي تحت اسم مستعار . وبذلك تكون سناء جميل في هذا الفيلم هي إحدي الأمهات البالغات الندرة اللاتي قمن بقتل الأبناء أسوة بما فعلت المرأة في الأساطير اليونانية القديمة . ممثلات أخريات هذه بعض النماذج البارزة من أمهات السينما المصرية، ولكن هناك نماذج عديدة لأمهات قمن بأدوار مشابهة، وقد تكررت هذه الأدوار من فيلم لآخر، ومنهن عزيزة أمير صاحبة أكبر رصيد عددي في الأفلام السينمائية من بين الأمهات، وقد تفوقت بذلك علي أمينة رزق . أما ثريا فخري فقد أدت دور الأم الفقيرة أحياناً مثل " العزيمة "، ودور الأم الأرستقراطية في الكثير من الأفلام، بينما برعت آمال زايد في أدوار الأم البالغة الطيبة ساعدها في ذلك أدائها البسيط، ونبرات صوتها المليئة بالدفء وبدت كأنها خلقت لأدوار مثل " بين القصرين "، و"بائعة الخبز "، و"حياتي". وهناك أمهات اتسمن بقوة شخصية واضحة في أفلامهن مثل علوية جميل وعقيلة راتب، أما مديحة يسري فقد نوعت في دور الأم من عاشقة إلي ساقطة في " الاعتراف " وإلي أم تخفي في أعماقها سر مؤلم في " الخطايا " وأم عصرية لأسرة معتدلة في "الإرهابي" . وهناك في السينما المصرية قامت ممثلات صغيرات في السن بصبغ الشعر ليجسدن دور الأمهات مثل نجلاء فتحي في "الرداء الأبيض"، ونيللي في "امرأتان" لحسن رمزي . أما فاتن حمامة فقد تدرجت في السينما المصرية من الطفلة الصغيرة إلي الشابة الابنة للعديد من الأمهات وحتي صارت أماً في فيلمها الأخير "أرض الأحلام " كما رأيناها أماً لأسرة كبيرة العدد في " إمبراطورية ميم". وكما سبقت الإشارة فإن موضوع الأم لا يمكن تكثيف الحديث عنه في مقال واحد وهو من شدة اتساعه يحتاج إلي كتاب بأكمله.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.