قد يصاب البعض بالدهشة والتعجب إذا علموا بأن عدد المهرجانات المسرحية بمصرنا سنويا لا تقل عن ثلاثمائة مهرجان بل قد يزيد عددها علي عدد أيام السنة!! ولكن الأمر الذي يدعو للدهشة أكثر بالنسبة للنقاد والمتخصصين أن يتم تنظيم هذا العدد الكبير من المهرجانات في غياب حركة مسرحية حقيقية!! ولكن الناقد المتخصص أو الباحث الأكاديمي المدقق يستطيع أن يضع الأمور في نصابها الحقيقي، وأن يعمل علي إزالة جميع عوامل الدهشة والتعجب حينما يقوم بوضع النقاط علي الحروف ويسجل الوقائع بوعي، فيكتشف ويسجل مدي خداع تلك الصورة البراقة والتي تخفي وراءها أزمة حقيقية، حيث إن أغلب هذه المهرجانات ما هي في الواقع إلا مهرجانات موسمية تنظم فقط للإعلام عن تعدد واستمرار الأنشطة الفنية والمسرحية، ولإيضاح مدي جهد وحماس السادة المسئولين بالمواقع المختلفة، بالإضافة إلي كونها أحيانا مجرد وسيلة لصرف واستنزاف الميزانيات المخصصة وتوزيع المكافآت والحوافز علي المنظمين لها!! ويكفي أن نؤكد للدلالة علي ذلك أن كلا من عروض المسرح المدرسي والمسرح الجامعي تعرض في حفلات مسائية مع نهاية العام الدراسي ولمدة ليلة واحدة - وذلك في غياب تلاميذ المدارس أو طلبة الكليات الذين قد لا يعلمون في أحيان كثيرة بوجود فريق للتمثيل أساسا!! وغالبا لا يحضر هذه العروض المدرسية أو الجامعية سوي عدد قليل من المدرسين والمشرفين وبعض أولياء الأمور بالإضافة إلي أعضاء لجنة التحكيم وأحيانا بعض أعضاء اتحاد الطلاب!! حيث يكون الهدف فقط من تقديمها هو إثبات المشاركة في تقديم الأنشطة والمشاركة في المسابقات السنوية، وذلك بالطبع بخلاف استفادة بعض المسئولين بصرف المكافآت والحوافز الرسمية وغير الرسمية أحيانا!! وما يحدث بالمسرح المدرسي والجامعي يكاد يتطابق مع عروض المسرح العمالي ومسارح مراكز الشباب والفنون وباقي عروض الهواة بالقنوات والتجمعات الرسمية. قنوات غير رسمية والصورة بمهرجانات الهواة بالقنوات غير الرسمية لا تختلف كثيرا بل تكاد تتشابه أيضا، حيث يفتقد الهواة فرصة تقديم عروضهم علي مسارح مناسبة أو أماكن مجهزة، وبالتالي لا يتم تقديم أغلب عروضهم إلا لمدة أيام معدودة، وبالتحديد من خلال مشاركاتهم بالمهرجانات المختلفة، وتكون النتيجة المنطقية لذلك هي تكرار نفس العروض بجميع المهرجانات علي مدار العام!! وأيضا التحايل أحيانا علي اللجان المنظمة لهذه المهرجانات بإخفاء اسم الجهة المنتجة للعرض أو تغييرها أو تغيير اسم العرض - طبقا لشروط كل مهرجان - ويكفي للدلالة علي ذلك أن عددا من الفرق المسرحية بالجمعية "المصرية لهواة المسرح" يضطرون سنويا بعد إعلان نتيجة لجان المشاهدة واختيار العروض المشاركة بمهرجان الإدارة العامة "للجمعيات الثقافية" (بالهيئة العامة لقصور الثقافة) إلي اللجوء إلي بعض الجمعيات الأخري والانتساب إليها لضمان المشاركة في هذا المهرجان بأي وسيلة والحصول علي بعض المكافآت المادية!! والأمثلة كثيرة لتكرار المشاركة بالمهرجانات المختلفة، ولعل من أوضح الأمثلة خلال عام 2009 هي مشاركة فرقة "المصراوية" لمؤسسها المخرج/ خالد العيسوي بالعديد من المهرجانات المسرحية، ويكفي أن نذكر أنها قد حصدت جوائز العديد من هذه المهرجانات خلال عام 2009 بعرضها "تحت الأنقاض" ومن بينها مهرجان "الهواة بالجمعيات الثقافية" ، ومهرجان "ميت غمر"، ومهرجان "سمنود"، ومهرجان "عمال شبرا الخيمة"!! تعدد المهرجانات ونظرا لأهمية الرصد الدقيق لظاهرة المهرجانات المتعددة لمواجهتها وتقييم دوراتها المتتالية وترشيد مسارها أري ضرورة تسجيل أهم هذه المهرجانات خلال عام 2009 كمثال، هذا مع التنويه بأن هذه القائمة لا تتضمن تلك الأسابيع الثقافية والفنية المختلفة التي يتم تنظيمها والاحتفالات الفنية بالمناسبات السنوية كشهر "رمضان المبارك" و"معرض القاهرة الدولي للكتاب" ومهرجانات القراءة للجميع وغيرها من الأنشطة الثقافية والفنية التي تتضمن في كثير من الأحيان عروضا مسرحية. وبخلاف المهرجانات المسرحية السنوية ببعض القنوات الرسمية بكل من المناطق التعليمية المختلفة والجامعات الإقليمية المتعددة بمهرجاناتها المتنوعة للمسرحيات الطويلة والقصيرة التجارب الذاتية ومهرجان شباب الجامعات السنوي، وبخلاف المهرجانات النوعية لفرق الهيئة العامة لقصور الثقافة (فرق النوادي والفرق القومية وفرق القصور والبيوت وباقي التصنيفات) فإن عام 2009 قد شهد تنظيم المهرجانات التالية: يناير: الدورة السابعة لمهرجان الشباب المبدع بالمركز الثقافي الفرنسي. فبراير: الدورة الأولي للمونودراما بمحافظة "بور سعيد" تحت رعاية المحافظ ومكتبة مبارك العامة، وكذلك الملتقي الإبداعي للفرق المسرحية المستقلة بمكتبة "الإسكندرية". مارس:الدورة الرابعة لمهرجان "الساقية للمونودراما"، ومهرجان "الكرازة المرقسية" بمقر الكاتدرائية بالظاهر، ومهرجان فرق الدراما المتحدة بمسرح "قاعة النيل" برئاسة الأب/ بطرس دانيال، وأيضا المهرجان "الأول لمسرحة المناهج" بمديرية التربية والتعليم بمحافظة "حلوان"، وكذلك انطلقت أيضا فعاليات الموسم الثاني لفرق المسرح المستقل برعاية "مركز الهناجر للفنون". إبريل: الدورة الثانية عشرة لمهرجان فرق الهواة الذي تنظمه الإدارة العامة للجمعيات الثقافية برئاسة الشاعر/ محمد كشيك، والمهرجان الأول للكاتب المسرحي (دورة توفيق الحكيم) بمديرية التربية والتعليم بمحافظة "حلوان". مايو: الدورة الثانية لمهرجان "محلة الرواد" (دورة سعيد صالح) وذلك برئاسة الكاتب والناقد/ أمين بكير وإدارة الفنان/ فادي فوكيه. يونيو: الدورة الثانية والعشرون لمهرجانات "الجمعية المصرية لهواة المسرح" والتي نظمت تحت عنوان "المهرجان الرابع للمونودراما" برئاسة المخرج القدير/ أحمد عبد الحليم وإدارة الفنان/ عصام عبد الله، وهي الدورة التي تم تنظيمها علي مسرح "جامعة عين شمس"، والدورة الخامسة والثلاثون لفرق الأقاليم (مهرجان فرق قصور وبيوت الثقافة)، والدورة العاشرة للمهرجان "المصري الدولي للرقص الحديث" بإدارة الفنان/ وليد عوني وذلك بدار الأوبرا المصرية. يوليو: الدورة الرابعة لمهرجان "القومي للمسرح المصري" لعروض المحترفين والهواة، ومهرجان "مسرح الشركات" والذي نظم هذا العام بمسرح "جامعة قناة السويس" بمحافظة "بور سعيد"، ومهرجان "الساقية" للتمثيل الصامت (علي مدي يومين)، ومهرجان "الساقية المسرحي" الذي شاركت به ثلاثون فرقة!! وكذلك أيضا مهرجان "الفرق القومية" بالهيئة العامة لقصور الثقافة والذي نظم بمحافظة "الفيوم".. أغسطس: المهرجان "الأول لمسرح الطفل" والذي نظمته الإدارة العامة لمسرح الطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة، والمهرجان الإقليمي لفرق "نوادي المسرح". خلال شهر سبتمبر: المهرجان التاسع عشر لفرق "نوادي المسرح" والذي نظم بقاعة "منف" بالهيئة العامة لقصور الثقافة، ومهرجان "زفتي المسرحي" في دورته الحادية والعشرين. أكتوبر: مهرجان "القاهرة الدولي للمسرح التجريبي" بدورته الحادية والعشرين، ومهرجان "العمال بشبرا الخيمة" والذي نظم برئاسة المخرج القدير/ عبد الرحمن الشافعي وإدارة الفنان/ محمد ربيع علي مسرح "المؤسسة العمالية"، ومهرجان "ميت غمر المسرحي" في دورته السابعة عشرة، وكذلك أيضا مهرجان "سمنود المسرحي" في دورته الرابعة عشرة والذي نظم بمسرح مركز الشباب. نوفمبر: المهرجان "الأول لمسرح الطفل" بمحافظة "الفيوم" احتفالا بأعياد الطفولة، ومهرجان الاكتفاء الذاتي لطلبة جامعة "حلوان"، وكذلك أيضا مهرجان "مسرحنا الأول" بمسرح "ليسيه الحرية" بالإسكندرية والذي نظم برعاية "البيت الفني للمسرح". ديسمبر: مهرجان "التذوق المسرحي" بمحافظة الإسكندرية والذي نظم هذا العام علي مسرح "مركز الجيزويت" برئاسة/ جمال ياقوت، ومهرجان "شبرا الخيمة المسرحي الحر" في دورته السابعة عشرة والذي نظم علي مسرح "قصر ثقافة العمال"، ومهرجان "زكي طليمات" لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية (والذي يطلقون عليه "المسرح العربي")، وقد نظم هذا العام علي المسرح العائم. هذا ويجب ملاحظة أن عددا كبيرا من الجهات المنظمة لهذه المهرجانات تبدأ بإطلاق الدورة الأولي ثم تتوقف عن استكمال باقي الدورات بعد ذلك!! كما يلاحظ أن أغلب هذه المهرجانات لا تهتم بالمستوي الفني للعروض المشاركة قدر اهتمامها بعدد العروض المشاركة!! وأن كثيرا منها يهتم فقط بجميع أساليب الدعاية والإعلام، ومن بينها الحرص علي تكريم بعض كبار الفنانين ونشر صورهم بالصحف والمجلات، وتتضح العشوائية جليا من خلال قائمة الفنانين المكرمين الذين لا رابط بينهم سوي الشهرة والموافقة علي الحضور، وللأسف يقوم هؤلاء الفنانون باستلام دروع التكريم والانسحاب فورا - دون مشاهدة أي عرض أو المشاركة بأي فعاليات - وبالتالي فإنهم يصبحون بذلك قدوة سيئة لهواة وعشاق المسرح. الورش الفنية والحقيقة ان ما تتسم به بعض المهرجانات المسرحية من زيف وخداع يكاد يتطابق أيضا مع تلك الورش الفنية والدورات التدريبية الكثيرة والمتعددة والتي يتكرر تنظيمها طوال شهور العام، حيث أصبحت المتاجرة بأحلام هواة المسرح والمتطلعين للوصول إلي النجومية والشهرة وسيلة سهلة ومشاعة لعدد كبير من الأدعياء وأنصاف الموهوبين، ولكن هذا بالطبع لا ينفي وجود بعض الدورات والورش المسرحية الجادة ومن بينها: ورشة فرقة "مسرح الغد" خلال شهر فبراير، وورشة الإدارة "العامة للمسرح" بهيئة قصور الثقافة خلال شهر فبراير أيضا، وورشة التمثيل بمركز الإبداع بالإسكندرية خلال شهر إبريل، وورشة الكتابة المسرحية بقصر التذوق خلال شهر يوليو، والورشة الثانية لجريدة "مسرحنا" خلال شهر يوليو أيضا، والدورة التدريبية التي نظمتها "الإدارة العامة للجمعيات الثقافية" خلال شهر أغسطس. وبالطبع فإن هذا العدد الكبير من المهرجانات والورش المسرحية كان من الممكن أن تساهم في تنشيط حقيقي للحركة المسرحية، وفي الارتقاء فكريا وفنيا بمستوي العروض، وفي جذب جمهور جديد للمسرح، وذلك إذا خلصت النوايا ولم يتم تنظيم أغلبها لأهداف دعائية فقط أو لتحقيق مكاسب شخصية أخري.