شرايين الحياة إلى سيناء    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    كيف أثر مشروع رأس الحكمة على أسعار الدواجن؟ (فيديو)    لميس الحديدي: رئيسة جامعة كولومبيا المصرية تواجه مصيرا صعبا    قطارات السكة الحديد تغطي سيناء من القنطرة إلى بئر العبد.. خريطة المحطات    «القاهرة الإخبارية»: مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين أمام وزارة الدفاع فى تل أبيب    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    تعليق ناري من أحمد موسى على مشاهد اعتقالات الطلاب في أمريكا    رقم سلبي تاريخي يقع فيه محمد صلاح بعد مشادته مع كلوب    محافظ القاهرة: استمرار حملات إزالة التعديات والإشغالات بأحياء العاصمة    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    "الإسكندرية السينمائي" يمنح وسام عروس البحر المتوسط للسوري أيمن زيدان    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| الأنابيب الكيني يفوز على مايو كاني الكاميروني    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    عمرو صبحي يكتب: نصائح لتفادي خوف المطبات الجوية اثناء السفر    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بذرة السينما اللبنانية الباسقة تري..
نشر في القاهرة يوم 10 - 01 - 2012


هل ستصبح نادين لبكي البذرة الأولي لنمو شجرة السينما الباسقة في لبنان والتي عجز مخرجون كبار كمارون بغدادي وبرهان علوية أن يعطياها هذا الانتشار والشعبية الواسعة في أوروبا وأرجاء العالم والذي حققته أفلام هذه المخرجة الشابة الطموح. نادين لبكي بدأت علاقتها بالكاميرا.. والسينما بشكل عام عن طريق إخراجها للفيديو كليبات وأشهرها كليبات المغنية نانسي عجرم التي لولا الإطار الجمالي المدهش الذي أحاطتها به نادين لبكي لما تيسر لهذه المطربة الشابة أن تحقق انتصاراتها الكبيرة التي حققتها في أرجاء الوطن العربي. لبكي لم تكن أول مخرجة سينمائية تنطلق من عالم الكليب إلي عالم الشاشة الواسعة، فهناك أمثلة كثيرة ناجحة.. حفرت هذا المسار في أمريكا وفرنسا وغيرهما من البلدان لكن المدهش في «لبكي» أنها استطاعت أن تتخلص من أثار الكليب القاسية.. التي بهرت مخرجين آخرين وأن تخلق لنفسها منذ البداية أسلوبا سينمائيا فذا يختلف اختلافا جذريا عن المبادئ السارية في كليبات التليفزيون.. وهذا ما توضحه ببساطة في فيلمها الأول «سكر نبات» الذي تدور أحداثه بين مجموعة من النساء يعملن في صالون حلاقة للسيدات، وعلاقتهن بالعالم الخارجي. عالم نسوي شديد الخصوصية.. وشديد الرقة عرفت لبكي كيف تقدمه من واقع نظرتها الخاصة ومن خلال إحساس نسائي عارم ورقة أنثوية في التعبير لم تمنعها من جهة أخري عن التعامل بقبضة من حديد مع إيقاع فيلمها وأداء ممثليها. هذا العالم النسائي البحت بعواطفه وتناقضاته.. وبدموعه وآهاته المختلطة مقتضياته وبسحاقه، والذي يدور في حلقة شبه مفرغة تتمحور كلها حول العواطف النسائية وأثارها نقلته لبكي هذه المرة إلي قرية لبنانية صغيرة في أعلي الجبل تتجاور فيها الأسر المسيحية والمسلمة في مناخ خاص. اشتهرت به القري اللبنانية سلام وتسامح في الظاهر يخفي تناقضات خفية في الداخل وأحاسيس معادية أحيانا.. يمكن أن تنفجر في كل لحظة. صور مدهشة هذه المرة لم تكتف نادين لبكي بتصوير مجموعة من النساء كما فعلت في فيلمها الأول بل رسمت إلي جانبهن صورا مدهشة لرجال القرية يشكلون مع نسائها توازنا مدهشا للتعبير عما أرادت لبكي أن تقوله لأن هدفها هذه المرة لم يكن تصوير العواطف النسائية فقط وإنما ذهبت إلي أبعد من ذلك بكثير إذ أرادت أن تلمس حقيقة التطرف الطائفي والعصبية الدينية في قرية اشتهرت بالتسامح وبعدم التفرقة بين سكانها المسيحيين والمسلمين الذين يعيشون معا في ائتلاف ظاهري وفي مودة وانسجام لا غبار عليهما. رؤية صادقة لبكي.. أرادت أن تقدم رؤية شعرية موسيقية اجتماعية ذات خلفية سياسية مباشرة عما يدور الآن ليس في لبنان وحدها ولكن في أرجاء الوطن العربي كله.. وأن تزيح الستار المزركش الخادع لتظهر وجه الحقيقة البشع الذي يحاول الجميع إخفاؤه وراء حجج واهية سرعان ما تذوب أمام أول شائعة.. أو حدث يفسره كل جانب علي طريقته. النساء في القرية هن أكثر من يتحمل وطأة هذا الغضب الكامن والكراهية المكتومة يدفعن ثمنها.. من موت أولادهن أحيانا ومن فشل علاقاتهن الحميمة مرة أخري ومن تحطم سور الحماية الوهمي الذي ظننت أنه سيمنع عنهن الموت والدمار ورغم دور الرجال الرئيسي في فيلم «لبكي» فإن النساء هن المحرك الأول للأحداث من خلال تصرفهن ووقوفهن في وجه تيار الخراب المقبل.. تتمحور الأحداث التي يرويها الفيلم والتي تتأرجح بين السخرية المرة والنقد الأليم ومواجهة الحقائق دون رتوش. كل ذلك تغزله نادين لبكي كما تغزل الأصابع الماهرة سجادة فارسية نفيسة بحزن وذكاء وجمالية لا حد لها. مختلطة بشاعرية تميزت فيها لبنان بأغانيها وطبيعتها وسمائها وأشجارها وجبالها وبيوتها المزينة بالورد وكنائسها التي تجاور صلبانها، مآذن المسلمين. مسيرة نسائية لبكي تقدم فيلمها من خلال مسيرة نسائية وعلي أنغام أغنية لبنانية مليئة بالشجن تستعرض فيها لبكي بيوت القرية ووديانها وحواريها ومعابدها وطرقها الجبلية الضيقة وأشجارها ووردها قبل أن تنقلنا إلي مسيرة جماعة النسوة المتشحات بالسواد واللائي يسرن بخطي عسكرية موجهات نظرهن إلينا وكأنهن يطلبن منا الرد علي هذا السؤال الحائر الذي سيلقيه علينا الفيلم في لقطاته الأخيرة «والآن ما الحل؟». هذه المسيرة التي تشبه خطوات الكورس اليوناني في المسرحيات الإغريقية يختفي لتبدأ الأحداث اليومية التي تعيشها القرية وحيث نري عن طريق الحلم والخيال استعراضا ثنائيا يكشف علاقة صاحبة المقهي الصغير في القرية «وتلعب دورها نادين لبكي نفسها» بأحد العمال النقاشين الذي يعمل في مقهاها، مشهد غنائي داخلي راقص تهيمن فيه الروح الاستعراضية الوثابة التي تعودنا عليها في كليبات لبكي القديمة ولكنها هذه المرة تقدمها بأسلوب سينمائي متميز ومن خلال مونتاج شديد الذكاء تخلط فيه الحلم بالواقع. ويتركنا الفيلم ليستعرض نماذج أخري من سكان القرية والتي ستلعب دورا مهما في الأحداث التي ستتوالي علينا. هناك عمدة القرية.. الذي يحكمها مراعيا التوازن بين مواطنيها مسلمين ونصاري وزوجته المدهشة ايفون والتي تلعب دورها باتقان شديد ممثلة لبنانية مخضرمة والتي تدعي أن لها علاقة مباشرة بالسيدة العذراء التي تظهر لها بين حين وآخر لتمدها بالنصائح وتستمع إليها وهي تشكو لها مشاكل القرية.. والتي تلعب دوما دورا أخلاقيا مميزا لدي السكان فهي مثلا تعترض علي المشاهد العاطفية في الفيلم السينمائي الذي يعرض في القرية في الهواء الطلق وتنبه إلي ضرورة الالتزام بالحدود الأخلاقية.، وهناك أم نسيم صاحب القبعة الشهيرة التي لا تغادر رأسه وهي محل هزء شباب القرية والأم تدافع ببسالة عن حق ابنها، وتلجأ دائما إلي الكنيسة وتحتمي بالعذراء. هناك بعض المشاكل التي تندلع من حين لآخر.. وكادت تسبب انفجارا لولا قيام النساء بالتهدئة وتطييب الخواطر خصوصا عندما تتبادل الشتائم بين الطرفين.. وتصل إلي حدود إهانة الأمهات. فرقة راقصات ويحل حدث مهم بالقرية عند قدوم فرقة راقصات أوكرانيات تعطلت بهن السيارة واضطررن إلي البيات في القرية مع كل ما تحمله هذه الإقامة من مشاكل ومقالب تكشف عن خفايا النفوس. وتستغل لبكي هذه الزيارة لترسم في موقفين اثنين مشهدين من أجمل مشاهد الفيلم، الأول تعكس فيه غيرة صاحبة المقهي من إحدي الراقصات التي لفتت انتباه النقاش الذي تحبه عبرت عنه لبكي بأسلوب سينمائي شديد الابتكار يعتمد علي الإيقاع السريع واللقطات المكبرة والاتصالات الداخلية. والمشهد الثاني استقبال شباب القرية لإحدي الراقصات في المقهي استقبالا مليئا بالاحترام ويعكس نبل الفلاح الحقيقي بعيدا عن الاسفاف ويعطي انطباعا حضاريا بأسلوب ليس فيه مبالغة علي أخلاقيات القرية وأحاسيس شبابها. وتبدأ المأساة الحقيقية عندما يعود نسيم يوما من إحدي رحلاته قتيلا برصاص طائفي اندلع في ضواحي قرية أخري وتخفي أمه خبر وفاته لأنه أعقب سقوط صليب الكنيسة عن طريق الصدفة والخشية من أن يظن المسيحيون أن المسلمين هم من أسقطوا الصليب وكان رد فعلهم الفوري هو الهجوم علي الجامع وتحطيم محتوياته جميعا، وحادثة القتل هذه ممكن أن تشعل الفتيل الذي سيحرق القرية كلها. لذلك تكتمت الأم خبر وفاة ابنها عن الجميع في مشاهد تقدمها «نادين لبكي» بأسلوب أخاذ وتكتفي بالذهاب للكنيسة وأن تثور علي العذراء التي تحبها وتتهمها بالسلبية وعدم التدخل لحماية أهل القرية من حماقاتهم وتعصبهم والتي راح ابنها ضحية لها. مشهد شديد التأثير يؤكد جرأة المخرجة وموهبتها سواء في الكتابة أو في الإخراج، وتقرر النسوة أن يتخذن حلا ينقذ القرية من تعصبها فتقرر النسوة المسيحيات الدخول في الإسلام أما المسلمات فيخلعن الحجاب ويتزين بزي النصاري وعندما يذهب الجميع لدفن الفقيد يتوقف الموكب أمام المقابر المسيحية التي تجاور المقابر الإسلامية ويتساءل الجميع «والآن.. إلي أين؟». فيلم مدهش فيلم مدهش يعالج التفرقة الطائفية بأسلوب شديد الذكاء وشديد الرقة معا، وتخلع عليه المخرجة رداء شعريا واستعراضيا خلابا، تجيد فيه تحريك شخوصها وتقديم مواقفها ورسم أجواء قريتها وكأنها رسامة وموسيقية معا. لن أدهش حقا إذا فاز هذا الفيلم بأوسكار أحسن فيلم أجنبي الذي رشح له، فهو رسالة حب معطرة بالشعر والموسيقي تحمل رأيا سياسيا واجتماعيا عميقا نحن بأمس الحاجة إليه الآن.. في زمننا المضطرب والذي احتشدت في سمائه غموم سوداء منذرة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.