اتحاد كرة اليد يعلن برنامج مباريات الفراعنة الودية استعدادا لأولمبياد باريس    المشدد 5 سنوات لعامل هدد فتاة وابتزها بنشر صور مخلة لها في شبرا الخيمة    مراسل القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تواصل قصف مدينة رفح ومخيم النصيرات    معيط: نستهدف بناء اقتصاد أقوى يعتمد على الإنتاج المحلي والتصدير    تعاطف دولى مع فلسطين رغم فداحة الثمن    هالاند يقود هجوم منتخب النرويج فى مواجهة الدنمارك وديا    «المصريين»: العلاقات بين مصر وأذربيجان شهدت طفرة بعهد الرئيس السيسي    تقارير: باريس سان جيرمان يتفاوض لضم أوسيمين    تقارير: حارس درجة ثانية ينضم لمران منتخب ألمانيا    على فرج يتأهل إلى نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    معلومات حول أضخم مشروع للتنمية الزراعية بشمال ووسط سيناء.. تعرف عليها    حُكم لصالح الدولة ب12 مليون جنيه من شركة دمرت الشعاب المرجانية بالغردقة    رئيس الشؤون الدينية بالحرمين: نستهدف توزيع مليون مصحف مترجم خلال موسم الحج    كلية الزراعة بجامعة القاهرة تحصل على شهادة الأيزو    اعتزال شيرين رضا .. حملة إعلانية    انطلاق فعاليات حفل توقيع ومناقشة «أنا وعمي والإيموبيليا» للروائي ناصر عراق    وزيرة الثقافة تُشارك في حلقة نقاشية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان حول    دعاء النبي في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أدعية مستجابة لمحو جميع الذنوب (الكوامل الجوامع)    الصحة: استحداث خدمات طبية جديدة بمستشفى العلمين النموذجي خلال 2024    دروس من سيرة ملك القلوب    10 أسماء.. قائمة الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    كيف تحصل على تعويض من التأمينات حال إنهاء الخدمة قبل سداد الاشتراك؟    يوسف أيوب يكتب: الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة    وزير العمل يشدد على التدخل العاجل لحماية حقوق العمال ضحايا الإحتلال في فلسطين    مصر تدين بأشد العبارات الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    المعاهد النموذجية تحصد المراكز الأولى في الابتدائية الأزهرية بالإسماعيلية    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    آخر تحديث لإيرادات فيلم السرب بالسينمات المصرية    سناء منصور تحتفي بنجيب الريحاني في ذكرى وفاته: «كوميديان نمبر وان»    قائمة أفلام عيد الأضحى 2024.. 4 أعمال تنافس في شباك التذاكر    محافظ الشرقية يشارك في اجتماع المعهد التكنولوجي بالعاشر    «الإفتاء» توضح حكم صيام عرفة للحاج    ما حكم طواف الإفاضة قبل رمي جمرة العقبة؟.. «الإفتاء» تجيب    وزير التعليم يتسلم نتيجة مسابقة شغل 11 ألفا و114 وظيفة معلم مساعد فصل    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم لمدة يومين    لماذا يحتاج الجسم لبكتريا البروبيوتيك؟، اعرف التفاصيل    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    أخبار الأهلي : مفاجأة ..ميسي قد يرافق الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على زراعى البحيرة    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمناسبة مرور 150 سنة علي مولد جرجي زيدان
نشر في القاهرة يوم 22 - 11 - 2011

جرجي زيدان: كاتب تراجم العظماء والعبقريين أحمد حسين الطماوي الملوك العظماء، والأبطال الفاتحون والعباقرة المبدعون والمخترعون، وغيرهم من المردة المحلقين في الأعالي شغلوا الألباب وانسرح فيهم النظر.. وجال الفكر في نواحيهم، واستولوا علي زمام الدنيا في كل زمان، ومع أن كثيرا من آثارهم ومخلفاتهم أدركها العفاء، ودنيانا غير دنياهم، فإن الأجيال المتعاقبة تذكرهم، وتظل سيرهم تسدر الأفهام، وتساور النفوس، وأصواتهم تدوي في الآفاق، وستواصل الكتابات عنهم ولابد أن فيهم قوة هازة شادة أخاذة وقدرة فائقة علي التأثير والسحر. ومما حكاه لي أستاذي علي أدهم (1897-1981) أن مجلة إنجليزية أجرت حصرا للكتب التي كتبت عن أكبر شخصين فاتضح أنهما السيد المسيح عليه السلام، ونابليون، كتب عن الأول أحد عشر ألف كتاب، وعن الثاني ثلاثة عشر ألف كتاب، وسيكتب عن بونابرت ثلاثة عشر ألف كتاب أخري، وأخري وهو الذي قتل مليون شخص في حروبه فأي سحر فيه!!؟ وما هز الناس في سير هؤلاء علي ما بينهم من تفاوت، هز جرجي زيدان (1961-1914) وبخاصة أنه مؤرخ وأديب، والتراجم يتجاذبها التاريخ والأدب، وعندما أصدر مجلة الهلال في سبتمبر 1892 جعل أول باب فيها عنوانه «أشهر الحوادث وأعظم الرجال» وكان يترجم فيه للعظماء من أبطال التاريخ، والعلماء، والأدباء، والفنانين، والمبرزين في مجال الدين، وهناك تراجم شرقية وغربية، قديمة وحديثة جاءت في غير هذا الباب، ربما لاعتقاده أنهم من غير العظماء، ولكنهم جديرون بالترجمة لهم، والتنويه بهم، ويصعب حصر هؤلاء وهؤلاء لكثرتهم، ولكن عددهم يصل إلي مئات. وتتراوح مساحة ترجمة الواحد منهم ما بين ثلاث صفحات وأكثر من عشرة، وترجمته لأحمد عرابي والثورة العرابية، ومحمد علي باشا، ومصطفي كامل أكثر من ذلك بكثير، وفي هذه التراجم الطويلة نسبيا، تختلط عنده الترجمة بالتاريخ، وهو ما لا يصح فالتاريخ يتناول سرد أحداث فترة بتفاصيلها وشخوصها، والترجمة تأخذ من هذا التاريخ مايخص صاحب الترجمة أو السيرة، وما يظهر سماته وملامحه، وعلي أي حال فإن ما كتبه من تراجم متنوعة تتكون منه موسوعة كبيرة تقع في عدة مجلدات. وقد جمع زيدان من هؤلاء الشخوص المرموقين كتابا ضخما يقع في جزءين سماه «تراجم مشاهير الشرق» من الذين رحلوا في القرن التاسع عشر، ومطالع القرن العشرين في مصر والشام والعراق وإيران وبلاد العرب والسودان، وزنجبار والصين واليابان، ويضم الكتاب بجزءيه أكثر من مائة شخصية، منهم ملوك وأمراء وقواد ووزراء ومصلحون وصحفيون وأدباء، ومنهم مهدي السودان ومنليك ملك الحبشة، وتسي هسي امبراطورة الصين، ونوبار باشا والشيخ الطهطاوي. والكتاب يحكي من خلال شخوصه الثورة العرابية والثورة المهدية واليقظة الوطنية المصرية علي يد مصطفي كامل والنهضة العلمية والثقافية والصحافية في مصر، إلي جانب موضوعات أخري تتعلق بالحرب الروسية اليابانية، والدولة العثمانية، واقترنت اسماء المترجمين بصورهم، مما عمل علي تحديث الكتاب، أما تراجم مشاهير الغرب فقد تركهم زيدان مع مشاهير آخرين في الهلال. ألوان ثقافية وإنك لتعجب من كتّاب أواخر القرن التاسع عشر، والعقود الأولي من القرن العشرين، فإن رادة منهم كانوا يستطيعون التعبير عن ألوان متباينة من الموضوعات والشخصيات في مختلف التخصصات، وكأن الواحد منهم ليس واحداث، وإنما كتيبة كل شخص فيها يناط بعمل فينجزه، وذلك لأنهم أوفر إطلاعا، وأكثر ميلا إلي تتبع استكشافات العلماء لنواميس الطبيعة، وقدرتهم علي الاستيعاب والاستجماع والهضم والإفراز، إلي جانب رهافة أذواقهم وتمكنها من تقدير الطرائف الأدبية والبدائع الفنية.. فلا جرم أن يتناول الواحد منهم جملة من آثار النابغين في عديد من الميادين ، ويعمل علي إهاجة شوق القراء إلي المعرفة، وتقديم وجبات ثقافية دسمة وشهية ومتتابعة . وهاهو جرجي زيدان يحدثنا في مئات التراجم عن الفلسفة من خلال أرسطو وابن رشد وغيرهما، وأبطال التاريخ الغزاة مثل جينكيز خان والسلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية ومقتلع بيزنطة من جذورها، والمصلحين الدينيين مثل الشيخ محمد عبده، وفلاسفة التاريخ مثل ابن خلدون، ومحرري الدول مثل جورج واشنطون، ومؤسسي الدول مثل أكبر خان مؤسس الدولة الإسلامية في الهند، والشعراء الأفذاذ مثل المتنبي وفيكتور هيجو، وعلماء الطبيعة والرياضة مثل ارشميدس وإسحق نيوتن، والرحالة مثل فاسكودي جاما وبركهارت، والموسيقيين مثل فردي وعبده الحامولي، وغيرهم من المصورين. وبالرغم من أنه خصص باب «أشهر الحوادث وأعظم الرجال» للرجال كما يبدو فإنه ترجم فيه لعدد من النساء العظيمات من وجهة نظره ، مثل كاترينا الثانية امبراطورة روسيا، وتسي هسي امبراطورة الصين ، وفكتوريا ملكة الإنجليز. ويتجول القارئ في هذه العلوم والفنون والشخوص ويتنقل من الطبيعة إلي ما وراء الطبيعة، ومن الحسي إلي الذهني، ومن الحرب والضرب إلي الموسيقي والطرب، فإذا عاد بعد الجولان ، واختبر نفسه وجد روحه تعالي.. وذهنه اتسعت حدوده، ووعي الكثير، وهذا يظهر أن زيدان كان قادرا علي التثقيف بالتراجم، وإظهار قوي العقل البشري ، ومستوي الطموح الإنساني، ويجب أن تذكر له الجهد الذي بذله في تفتيح العقول بالعلم، وصقل العواطف بالفن.. وشحذ الهمم بتراجم الأبطال الغزاة ، وبعث الثقافات المختلفة عبر العصور بالعرض والتوجيه إلي التصوير بالترجمة لأعلامه في دول الغرب. بواعثه ومصادره وبواعث زيدان علي كتابة تراجمه مختلفة، فهو يرغب في أن يري القارئ الأنوار المنبعثة من ثقافة الماضي البعيد فكتب تراجم لفراعين وينان وهنود، وأراد أن يقوي الأخلاق ويعفف النفس فكتب عن عدد من هداة البشر مثل بوذا وكونفشيوس، وكتب تراجم تظهر فيها مراتب النفوس، وكل هذا بغرض التثقيف. ولكن هناك مناسبات كانت تستجد في زمنه فيترجم لأعلامها، وقد تكون المناسبات وفيات بعض العظماء فيترجم لهم مثل علي مبارك والخديو إسماعيل، وقاسم أمين، ولا تغفل عينه عن وفيات الأوروبيين مثل «اسكندر الثالث» امبراطور روسيا الذي توفي عام 1894 ووالد الإمبراطور «نقولا الثاني» الذي أطاح به البلاشفة عام 1917 . وتتنوع المناسبات فعندما أقيم تمثال ل«كلوت بيك» في مدرسة الطب المصرية كتب ترجمة له، لأنه هو الذي انشأها في أبي زعبل في بادئ أمرها، وعندما وضع حجر الأساس للمتحف المصري دبج ترجمة ل«مارييت باشا» لأنه مؤسس المتحف وطالبه القراء بأن يترجم لشخصية «كرومويل» فاستجاب، وهذا يدل علي تقديم الوعي عندنا. ولما كان صاحب الهلال يتوسع في تراجم الغرب والقدماء عاتبه بعض المصريين في هذا، وطالبوه بتقديم تراجم للمصريين المعاصرين، وبعد أخذ ورد بينه وبينهم علي صفات الهلال، كد ذهنه ونشر تراجم ل«محمد مختار باشا» صاحب كتاب «التوفيقات الإلهامية» و«محمد العباسي» مفتي الديار المصرية وغيرهما.. وهي التفاتة قوية من المصريين، وتبين زيادة في وعيهم. وهناك باعث شخصي وهو ميله إلي الطب فقد كان طالبا بمدرسة الطب بالجامعة الأمريكية ببيروت، وفصل منها لاشتراكه في مظاهرة ، فجاء إلي مصر ليكمل تعليمه في مدرسة الطب المصرية، وخاب سعيه ، فتحول إلي الصحافة، لذلك كان يترجم للأطباء من قدامي ومحدثين مثل «ابقراط» و«ابن سينا» و«د. فيرخو» الألماني أستاذ التشريح الباثولوجي، و«د.محمد دري باشا»، و«د.محمد علي الحكيم» وغيرهم. وكانت له مصادر عديدة يستقي منها معارفه غير قراءة الكتب، ففي تراجمه عن رجال الدولة العثمانية وهم كُثر، كان له صديق بالأستانة، لم يذكر اسمه، يوافيه بأخبار وتراجم الأتراك، وكان يلخصها ويشكلها وفق ما يرغب، أما المعاصرون من المصريين والعرب فكان يتلقي معلومات عنهم من أقاربهم أو معارفهم، وعندما أراد الكتابة عن «أحمد فارس الشدياق» كاتب من عاصروه، وأقربائه، علاوة علي ما طالعه من كتبه، وأخذ بعض معارفه عن «صالح مجدي» من ترجمة له تصدرت ديوانه المطبوع عام 1895 . ويرجع فيما كتبه عن «أرسطو» إلي ترجمة «بارطلمي سنت هيلار» الإنجليزية وهناك طبعة فرنسية أخري من كتب «أرسطو» لنفس المترجم التي نقل عنها «أحمد لطفي السيد» ما نقله من كتب «أرسطو». وكان زيدان يحرص علي تزويد الترجمة بصورة صاحب الترجمة، لأن الكتابة عن علم تشوق إلي التعرف علي ملامحه وقد صارت الصورة عنوانا آخر للموضوع المنشور ، وتسبغ عليه بريقا، وتجعل الصحيفة علي علاقة وثيقة بعصرها، وتشد انتباه القارئ، إضافة إلي أن صورة المترجم قد توحي للناظر بشيء، فإنها تدخل في علم الفراسة، فحسب كتاب «علم الفراسة الحديث» لزيدان هناك من يستدل علي باطن الإنسان من ملامحه الظاهرة مثل الشعر والجبين والأذن إلي آخره. وكان صاحب الهلال يعطل نشر الترجمة حتي يعثر علي صورة صاحب الترجمة وأحيانا يناشد القراء أو أقارب المترجم أن يرسلوا إليه صورته، والعجيب أن القراء كانوا يطالبونه بنشر الصور، فعندما كثر ذكر اسم الملكة فكتوريا في الصحف طلب القراء نشر صورتها، فنشرها، ثم بعد ذلك نشر ترجمة لها مع صورتها وطالبه القراء بنشر صورة «أديب اسحق» ، فنشرها وانتهز الفرصة فكتب ترجمة له. وكان يستعير بعض الصور من «د. محمد دري باشا» خاصة صورة الأطباء ويلتقط صور الفراعين من تماثيلهم الموجودة في المتحف المصري وإذا أخذ صورة من صحيفة ذكر هذا فقد نقل صورة «بوركهارت» السويسري عن مجلة «مصر الفرنسية» ل«جلياردو بك» ( كان قنصل فرنسا في مصر) ( بوركهارت- مستشرق اعتنق الإسلام، وكان علي صلة بمحمد علي باشا ومات ودفن بمقابر باب النصر بالقاهرة سنة 1817)، أما الأعلام القدامي الذين لم يدركوا زمن الصور فقد نشر لهم صورا متخيلة وهناك تراجم بلا صور. وهكذا سلك كل الفجاج ليحصل علي صور ومعلومات، وتفرد بنشرها، وسبق غيره في إذاعتها، وهذا هو الحس الصحفي فيه، أما التأمل، والتعمق والاستنباط، فهو عمل الفكر الذي نهضت عليها التراجم، وبهذا أدي شروط الصحافة وفروض الكتابة. فن التراجم عنده والنهج الذي اتبعه زيدان في تراجمه هو النهج التاريخي، أو التدرج الزمني، أي يحيط بنشأة صاحب الترجمة وزمنه وبيئته ، ويسير معه إلي نهاية رحلته وهذه الطريقة من فوائدها إظهار الشخصية وهي تنمو وتتكون لأنه يسرد ما يستجد عليها ويؤثر فيها ويقدمها شييء فشيء، ذاكرا الملابسات والظروف التي ساعدت في تهيئتها لدورها والشخوص الذين جاهدوه أو أعانوها في مهمتها، وهكذا يظل مع المترجم إلي الختام حتي الساعات الأخيرة وهو علي فراش الموت يوردها أحيانا كما فعل مع قيصر روسيا إسكندر الثالث. وهذا يكون غالبا مع أصحاب العروش، وقواد العسكر الكبار، والأبطال المشاهير وتراجم هؤلاء تتسع لذكر الأحداث الجسيمة والمعارك والمدن والمعاهدات أي تأخذ طابعا تاريخيا لأنها تشتمل- إلي جانب ذلك- علي أحوال الأمم الأخري المجاورة للدولة التي يترجم لملك أو قائد كبير فيها، والظروف السياسية بوجه عام واستظهار مواقف سالفة واسترجاع بعض الماضي الذي يعمل علي جلاء حاضر صاحب الترجمة، فتراجمه عن أباطرة روسيا تظهر فيها مشاكل روسيا مع بولونيا «بولندا» ومع الدولة العثمانية والسويد، وهكذا يخيم التاريخ علي أصحاب التراجم الروسية. وتراجمه عن علماء العلم الطبيعي يذكر فيها خلفيات الفرع الذي تخصص فيه صاحب الترجمة، مع شرح المستكشفات والتجارب العلمية والنتائج التي تحققت والفائدة منها ودورها في التقدم، وهكذا يقلب الشخصية ويظهر فيها الجوانب المهمة أو الأعمال التي اشتهرت بها، ولا يكتفي بسرد مفردات الحياة فحسب. ولأن زيدان يقدم ترجمة قصيرة تنشر في مجلة فإنه أهمل كل ما هو بسيط قليل النفع، ضعيف الدلالة، وتعمد أن تكون الكتابة موجزة مركزة، والخطوط التي يستعرضها قليلة، وتتجه إلي ماهو أكثر جاذبية وتأثيرا لأنه لا يكتب سيرة طويلة تستفيض فيها الأخبار الكثيرة والشروح الضافية، والتعقيبات المتعددة. ويفطن زيدان في عديد من الشخصيات إلي الصفات المحورية الجوهرية فيها أو ما يسميه الأستاذ العقاد «مفتاح الشخصية» فعند زيدان أن «محمد عبده» رجل مصلح والصفة الغالبة علي «نابليون» هي الإصرار، و«كارلوس الثاني عشر» ملك السويد رجل طموح عنيد فقد حارب الدنمارك وغلبها، واستولي علي بولندا وتطلع إلي الاستيلاء علي روسيا القيصرية في زمن «بطرس الأكبر» وهو من هو فتأمل السويد هذه الدولة الصغيرة يسعي ملكها «كارلوس» بجيشه ليحتل موسكو،
ويخافه القيصر «بطرس»، ويأمر بتخريب المدن والحقول في طريقه، كما حرق الروس بعد ذلك المدن والقري عندما زحف «نابليون» إلي موسكو عام 1812 وبالرغم من هذا دخلها وقد قال زيدان كثيرا في أمر «كارلوس» ليظهر عناده وطموحه. وسواء أقال صاحب الهلال الصفة الغالبة علي المترجم أم لم يقل فإن الحوداث والمعارف المتتابعة التي يسوقها تجعلك تدرك الصفة المحورية في الشخص، فطريقة العرض رأي وهو بهذا يجلي ناحية مهمة في النفس كانت غائمة. والمفروض في الترجمة أن نذكر فيها الجوانب الخيرة والشريرة ونكون غير منحازين وقد تكون المحاباة ليست بالإسراف في إضفاء المحاسن علي المترجم وإنما قد تكون بحذف المساوئ ومناكر الأفعال، وفي ترجمة زيدان للأمبراطورة الروسية كاترينا الثانية ( الهلال - ديسمبر 1894) احتجب عنا جانب سييء كبير في سيرتها وكان عليه إحاطتنا به ، فقد ذكر ما يشرفها وأسدل ستارا علي فحشها وهو فحش انفردت به في التاريخ ، وقد صدر عن دار الهلال كتيب عام 1922 هو «كاترين الثانية أشهر الخاطئات من أصحاب التيجان» ينبئ عن سقوطها ونزولها ويتناول فسقها وخطاياها وعشاقها ومنهم أورلوف الذي وضعت له «لقب الخليل الأول، كما كان يستعمل في قصر فرنسا لقب الخليلة الأولي لعشيقة الملك، ولم يعرف التاريخ ملكة أعلنت عشقها بهذه الصورة» وأطلق عليها كارليل «لويس الرابع عشر أنثي» هذه سطور قليلة مما جاء في الكتيب المشار إليه والذي يفيد أن نصيبها كبير من الخطيئة، وهو جانب كبير جدا في حياة الأمبراطورة وقد استحييت من الإسهاب فيه، وكان علي زيدان أن يوضحه ولكنه اكتفي بالقول انها «كانت شديدة العواطف للغاية» وهي عبارة غامضة ولا تمنعنا من قول إن ترجمته ل«كاترينا الثانية» ناقصة. وكانت الترجمة يطيب له إصدار الاحكام المناسبة للأشخاص بعد الإحاطة بجملة أحوالهم وأعمالهم وهي بمنزلة الحقائق التي يستند إليها، وزيدان عندما يصدر حكما فإنه يحتاط، ولا يجازف بالقول والحكم إلا بعد تنقيب واستيثاق لذلك فإن أحكامه إلي حد كبير مستساغة. وفي بعض الأحيان يكتفي بالسرد والعرض ويترك القاريء ليحكم بما يشاء وفي ترجمته ل«دارون» تناول حياته وجهاده وبين طريقته ومدي دقته في أبحاثه، وعرض لمذهب النشوء والارتقاء، وذكر استنتاجاته ولكنه لم يحكم بصحتها أو خطئها، وإنما ثقف القارئ بخلاصة المذهب دارون تاركا الحكم له، وقال إننا ذكرنا «ترجمة حاله مع تبيان حقيقة مذهبه، واعتراض العلماء عليه، تاركين الحكم فيه لفطنة القارئ». وصاحبنا لا يدون ترجمة فنية علي الطريقة القصصية المفعمة بالخيالات وإنما يسطر ترجمة علمية قوامها الحقائق ومعطيات المعارف ومن هنا يعطي نفسه الحق في التدخل والمناقشة وقبول ما يراه ملائما ورفض المقولات المغلوطة.. أو المعلومات المدسوسة، وقد انتصر ل«كرومويل» (الثائر الإنجليزي الذي طارد الملك الإنجليزي شارل أو شارلس، واسقط الملكية وأعلن الجمهورية) عندما اتهمه بعض المؤرخين بأنه كان في شبابه غارق في الشهوات الدنيئة ودفع عنه هذه التهمة بقوله إنه تزوج وهو في العشرين من عمره، وذاع صيته بين رجال الدين بأنه إمام في الدينيات وهذه الحجج الناصعة تبين الاطلاع الواسع لزيدان ورجوعه إلي أكثر من مصدر في الموضوع الواحد. وفي تراجم زيدان تكثر التعقيبات المفيدة، والشهادات الصحيحة ففي ترجمته لإقليدوس، العالم الرياضي الذي ولد بالاسكندرية من أصل يوناني في الزمن القديم قبل الميلاد يذكر معالم حياته، ويسرد أسماء كتبه ومنها «أصول إقليدوس». ويقول:« ومن الغريب أنه قد مر علي هذا الكتاب زهاء22 قرنا وهو لايزال عمدة الرياضيين ولاسيما الفرع المختص منه بالهندسة» ثم يمضي قائلا إنه ترجم إلي أكثر اللغات المتمدنة ، «وترجم إلي العربية وشرح عدة شروح أحسنها الشرح المنسوب إلي العلامة نصير الدين الطوسي، ولولا الترجمة العربية لفقد كتاب «اقليدوس من العالم» وفي عصر النهضة نقله الأوروبيون إلي لغاتهم عن العربية.. وحفظ المسلمين لهذا الكتاب المهم يبين حرصهم علي العلم، وترجمته إلي اللغات الأوروبية يزيد في مآثر الإسلام علي أوروبا، ومما يستلفت النظر أن أصول كتابي «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة» فقدت ما بين الهند وفارس، و«أصول إقليدوس فقدت في أوروبا في حين أن هذه الكتب الكبري اعتني بها العرب والمسلمون وعنهم عرفها العالم المتمدن. ويعني زيدان في تراجمه بهيئة المترجم ويستقرئ أوصافه، ثم يسارع إلي الربط بينها وبين أعماله العملية أو نشاطه الذهني ففي ترجمته للشيخ محمد عبده يصفه بأنه «كان ربعة القامة، اسمر اللون ، قوي البنية ، حاد النظر، فصيح اللسان، قوي العارضة، متوقد الفؤاد، بليغ العبارة، حاضر الذهن، سريع الخاطر، قوي الحافظة» وكل هذه الأوصاف ساعدته علي «إحراز ما أحرز من العلوم الكثيرة الدينية والعقلية، والفلسفية والمنطقية والطبيعية..» وفي ترجمته لكارلوس السالف الإشارة إليه يستلفت انظارنا إلي أنه كان في صباه قد مارس الرياضة البدنية، وتدرب علي ركوب الخيل، وزاول الصيد والطرد، وتكيف مع الأجواء ولم يعد يبالي بالحر والبرد، وصار من أقوياء الأبدان ، وقد انتفع من هذا في الحروب، أي أن زيدان ربط بين اللياقة البدنية والحروب، وهذا من شأنه يظهر تماسك الشخصية، والإنسجام بين داخلها وخارجها، أو بين سلوكها في بواكير العمر وممارساتها في الحياة. ويبين ما عرضناه ووقفنا عنده أن تراجمه لم تكن سردا لمعلومات وأحداث ومواقف فحسب، وإنما كان يعقب فيها علي الحوادث والمعارف التي يتلقاها ويناقش معطيات من سبقوه ، ويبدي الرأي ومن عيوبه أنه كان يميل إلي تنقية صاحب الترجمة من المعايب وخصوصا ما يتعلق منها بالجنس وربما كان يريد أن يقدم لقارئه شخوصا يصلحون للاقتداء بهم ، كذلك تفتقد تراجمه للحس الفكاهي، والمشاهد المرحة فهي تراجم مثقلة بالجد والصرامة وفي ترجمته لأبي نواس لا تشعر بظرف النواس وملحه: وعده من العظماء. العظمة وعند زيدان أن العظمة ترتبط بالغرض الذي يرمي إليه الشخص ويري أن العظيم هو الذي يتوفق في اتمام عمل الخير للبشرية مثل العلماء الذين يكتشفون أسباب الأمراض ، ويقدمون العلاج وغيرهم ممن يضعون النظم والقوانين إلي جانب الأنبياء والمصلحين الدينيين، ويستبعد من العظمة رجال الحرب سفاكي الدماء الذين يعملون لأنفسهم وأممهم، ولا ينفعون أنفسهم إلا بضرر الآخرين وضرب المثل بالإسكندر ونابليون وغيرهما، وتساءل «كم سفكوا في سبيل عظمتهم من الدماء» هذه هي خلاصة أقواله في العظمة ( الهلال -أغسطس 1905). ولا أعتقد أن أحدا يختلف مع زيدان فقد ربط بين العظمة والمنفعة، وبينها وبين هداية البشر والأخلاق والفضائل واسقاط القوة الحربية يعني عدم إيمانه بالبطولة وهي نظرة مثالية ولكنها لا تماشي الواقع ونحن إذا طبقناها أهملنا التاريخ، وهناك حروب دفاعية والانتصار فيها ليس أقل نفعا من اختراعات العلماء ولا مفر من القول عن حامي قومه انه عظيم مهما سفك من دماء الأعداء وكثير من الناس يتطلعون إلي معرفة تراجم هؤلاء المحاربين الذين دوخوا الدنيا، ولا نستطيع الإمساك عن ترجمتهم، أما العظمة فالخلاف عليها كبير.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.