عيد الأضحى 2024.. تعرف على عدد أيام الإجازة والعطلات المتبقية حتى نهاية العام    ارتفاع أسعار الذهب في مصر بقيمة 25 جنيهًا خلال تعاملات اليوم    "عبد الرازق" يرفع أعمال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ    إزالة شوادر لبيع المواشي من الطريق العام واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين بالهرم    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الإثنين    استعدادًا للافتتاح.. وزير النقل ومحافظ أسوان يتابعان جاهزية كوبري خزان أسوان    صوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 382 ألف طن منذ بدء الموسم    كتائب القسام تعلن تفجير منزل مفخخ في قوة إسرائيلية بمدينة رفح الفلسطينية    يمين الوسط الألماني يفوز بانتخابات البرلمان الأوروبي    الجيش الروسي يحرر بلدة في دونيتسك    مشاهدة بث مباشر مباراة منتخب مصر × غينيا بيساو دون تقطيع HD يلا شوت في تصفيات كأس العالم    مصر تتوج بذهبية الفرق لسلاح سيف المبارزة سيدات بيطولة إفريقيا    مصطفى عسل يتقدم للمركز الثاني في التصنيف العالمي للإسكواش    شبانة: كولر غير مقتنع بيوسف أيمن والمعارين ويصر على كوناتي    بالصور.. رفع درجة الاستعداد القصوى بمجازر القاهرة لاستقبال عيد الأضحى    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    "كابوس".. لميس الحديدي تكشف عن كواليس رحلتها مع مرض السرطان.. لماذا أخفت هذه المعلومة عِقدًا كاملًا؟    حورية فرغلي تعود للدراما بمسلسل سيما ماجي ورانيا يوسف تشاركها البطولة    بعد واقعة صفع احد المعجبين.. شروط حضور حفل عمرو دياب في دبي    إليسا: يجب أن تتوقف كل أشكال العنف في فلسطين والسودان    إعلان حالة التأهب القصوى بمستشفيات الدقهلية خلال امتحانات الثانوية العامة    حياة كريمة ببنى سويف.. الكشف وتوفير العلاج ل1739 حالة في قافلة سدمنت الجبل    وزيرة الهجرة تبحث مع الرئيس التنفيذي للغرفة الألمانية العربية للتجارة والصناعة سبل التعاون المشترك    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    8 شهداء فى قصف إسرائيلى استهدف منزلا جنوب شرق خان يونس    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    تشكيل الحكومة الجديد.. رحيل وزير شؤون مجلس النواب    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    أسترازينيكا مصر ومشاركة فعالة في المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي Africa Health Excon بنسخته الثالثة    اليوم.. "ثقافة الشيوخ" تفتح ملف إحياء متحف فن الزجاج والنحت بالجيزة    تمهيدا لقصفها.. رسالة نصية تطلب من أهالي بلدة البازورية اللبنانية إخلاء منازلهم    تحمي من أمراض مزمنة- 9 فواكه صيفية قليلة السكر    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    فنانون حجزوا مقاعدهم في دراما رمضان 2025.. أحمد مكي يبتعد عن الكوميديا    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يشيد بإسهامات ندوة الحج العملية لخدمة ضيوف الرحمن    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    الأركان المشتركة الكورية الجنوبية: جيشنا لديه القدرة على الرد على أي استفزاز كوري شمالي    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    بعد قليل، الحكم في طعن شيرى هانم وابنتها زمردة على حكم سجنهما 5 سنوات    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    نتائج أولية: حزب الشعب يتصدر انتخابات البرلمان الأوروبى بحصوله على 181 مقعدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذافي قدم للحكام العرب روشتة «كيف تحكم شعبا إلي الأبد؟»
نشر في القاهرة يوم 18 - 10 - 2011

ينتمي القذافي الي دفعة من الحكام الانقلابيين جاءوا بعد النكسة، فقد سبقه بعدة أشهر انقلاب النميري في السودان، كما سبقه ايضا انقلاب 17 يوليو (تموز) عام 1968 الذي حمل أحمد حسن البكر الي الحكم، وبمعيته صدام حسين رجل العراق القوي في ذلك الوقت، الذي ما لبث أن صار نائبا ثم رئيسا للدولة، وجاء بعده الي حكم سوريا في حركة تصحيحية حافظ الأسد عام 1970، وتوافق هذا الصعود الرباعي الاسد وصدام والنميري والقذافي، مع صعود نجم خامس هو ياسر عرفات الذي تبوأ مركز الصدارة في المشهد الثوري العربي، محاطا بمشاعر العرب الذين احبطتهم هزيمة 1967 ويتطلعون لأن يكون النضال الفلسطيني مصدر الامل، ومركز الاشعاع في ظلام النكسة، وهو الامر الذي استغله الانقلابيون الاربعة لصالح صعودهم ونفوذهم، وربطتهم علاقات سلب وإيجاب مع ابن دفعتهم ياسر عرفات الذي ناور وداور وحاول استغلال الموقف لصالح قضيته وقضية شعبه بقدر ما يستطيع، وكان بامكانه أن يعطي شهادة براءة لحاكم عربي يقف معه حتي لو كان يرتكب المجازر ضد شعبه كما حدث في علاقة عرفات مع الحاكم الليبي في بعض المراحل، وكان اعظم انجاز يعزي لزعماء هذه الانظمة الانقلابية هو تصميمهم علي أن يكون انقلابهم هو آخر الانقلابات، وانهم وقد جاءوا علي ظهر دباباتهم أو ميليشيات احزابهم فانهم لن يسمحوا لدبابة اخري أو لمجموعة عسكرية اخري أن تأخذ الحكم منهم، ولهذا فقد كان لابد أن تشهد العهود التي تربعوا فيها علي السلطة، تصاعدا للقمع، والحكم البوليسي، بشكل غير مسبوق وغير معهود. وربما كان من الضروري كما يقول المفكر السوري المعروف الدكتور الطيب تيزني، أن يترافق القمع مع الفساد باعتباره ملمحا يكمل الدولة البوليسية ويلبي شرطا من شروطها بأن يكون الناس جميعا تحت السيطرة، ومن لا زلة له ولا تهمة بالفساد تضمن اذلاله ومهانته لحظة الممانعة أو العصيان، فلا مكان له في بطانة الحاكمين، ولم يكن غريبا أن يكون نظام القذافي هو الاطول عمرا والاكثر بقاء في الحكم بالنسبة لابناء دفعته من الحكام، ضاربا هذا الرقم القياسي في الاستمرار حاكما انقلابيا، بلا شرعية ولا دستور، إلا شرعية البندقية ودستور الخوف والرعب والقتل، لانه توفر له ما لم يتوفر لنظرائه من حكام عرب انقلابيين، وهو هذه الثروة النفطية التي تتيح له ريعا من قلب الارض يستطيع أن يستحوذ عليه لنفسه، لانه يستطيع أن يقول للناس انه لا فضل لهم فيه وليس كما يحدث مع دولة اوروبية غنية ريعها من دافعي الضرائب، وعقول وسواعد ابنائها، بل كان يعلن علي الملأ وفي الاعلام أن الناس يجب أن يعتمدوا علي مصادر الثروة التي يحققونها بجهدهم، وان يضعوا الميزانية وفق هذه الدخول، وليس من دخل النفط الذي يطالب بتجنيبه وابقائه كنوع من الاحتياطي للصرف منه في الحالات الطارئة، وفي الإنفاق علي مشاريع التنمية المستقبلية. داينستي قذافية هذه الثروة التي كانت احتكارا كاملا له ولأسرته ولبطانته وأجهزة قمعه، هي التي استخدمها في الاحتفاظ بنفسه حاكما لمدة اربعة عقود ونيف، وقد رتب نفسه علي توريث الحكم لابنه، وصناعة ما يسمي "داينستي قذافية"، أو عائلة حاكمة، يتوارث فيها الابناء الحكم عن الاباء الي ابد الدهر، واذا كان قد استخدم الرشوة وشراء الذمم مع الرعاة الدوليين، ومع الانظمة الاقليمية المحيطة به، لتكون عونا له ودعما له علي البقاء، فان أكثر وسيلة اعتمد عليها في ابقاء الليبيين تحت حكمه هي الرعب، حيث لا عقوبة لأي معارض غير الموت، بل هو يتفنن في جعل هذا الموت أكثر قسوة واجراما، لكي يكون المعارض القتيل عبرة لغيره، فلا يقدم علي ما اقدم عليه، وساقدم امثلة من واقع ما حدث من معاملات اجرامية عامل بها أبناء شعبه، الي حد انه اطلق في احد مؤتمراته تعبيرا يقول "إن الموت هو الحد الادني لأية عقوبة يجب أن ينالها الخائن الذي يعارض سلطة الشعب أو يتآمر ضدها " وعندما يكون الموت هو الحد الادني للعقوبة فعلي القاريء أن يعتمد علي خياله الواسع فيما يمكن أن تكون عليه العقوبات التي تعلو وتتقدم علي هذه العقوبة.. وقبل أن استأنف الحديث عن السجل الاجرامي لهذا النظام خلال عقود حكمه الاربعة التي استطاع أن يفرض بها نفسه علي الشعب الليبي، احب أن اقف قليلا عند هذه الانباء المتواترة من ليبيا، التي تنقلها الصحف ونشرات الاخبار المرئية والمسموعة كل يوم، عن هذه المقابر الجماعية التي يتوالي اكتشافها لضحايا ارهاب النظام الليبي، واجهزته القمعية، وهي مقابر جماعية لا تنتمي لمرحلة معينة من عمر النظام، فبعضها تم منذ عدة عقود وبعضها تم في الاشهر والاسابيع الاخيرة، واغلبها تمثل جرائم لم يكن لأحد علم بها، ولم يكن أي منها قد وصل الاعلام أو اخذ طريقه الي تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، فهي جرائم جديدة تضاف الي السجل الحافل بالمذابح والمجازر واعمال الارهاب التي طالت اهل هذه البلاد، علي يد حاكمهم المريض بامراض القتل وسفك الدماء، واشير فقط الي آخر التقارير الصادر عن وكالة رويترز بتاريخ 6/10/2011 تتحدث فيه عن قبر جماعي تم اكتشافه في طرابلس بمنطقة قرقارش يضم ما بين 200 و300 قتيل، وتقول في هذا التقرير ايضا أن أكثر من 12 مقبرة جماعية تم اكتشافها بعد سقوط القذافي، وتنقل تصريحا لاحد قادة الثوار اسمه ناجي العيساوي يتحدث عن قبر آخر يضم 700 قتيل، هذا غير القبر الجماعي المهول والمرعب الذي سبق اكتشافه بجوار سجن ابوسليم ويضم جثامين ضحايا تلك المذبحة التي بلغ ضحاياها 1259 شهيدا، وقد بدا اكتشاف هذه المقابر منذ اليوم الاول للثورة ضد الطاغية عندما جاء احد عناصر الامن الداخلي المنشقين عن النظام، لابلاغ الثوار عن مقبرة جماعية مجهولة، قادهم اليها بقرب مدينة درنة، تضم مائتي شهيد، مرت عليها مدة خمسة عشر عاما، وهناك الان لجان شكلها المجلس الوطني الانتقالي، لكشف هوية هؤلاء القتلي وظروف قتلهم، ويرجع تاريخ القبر الجماعي الموجود بمنطقة درنة علي اقرب الاحتمالات الي منتصف التسعينيات عندما دارت معارك شهدها الجبل الاخضر بين حكومة القذافي وبين الثوار الذين انتفضوا في تلك الفترة وكان اغلبهم من ذوي الاتجاه الاسلامي، ويقال في ذلك الوقت أن الحكومة لجأت الي ضرب الثوار الهاربين في اودية وكهوف الجبل الاخضر بالاسلحة الكيماوية وان هذا القبر الجماعي ضم عددا من ضحايا تلك الحرب . محارق العقيد المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها هذه الايام من قبل الثوار، لا تقتصر علي الثائرين ضد النظام والمناوئين له من حاملي السلاح ضده كما في مقبرة درنة، وانما تم اكتشاف قبر جماعي في منطقة اجدابية، ضم جثامين اعداد من جنود وضباط كتائب القذافي، ممن رفضوا قصف اهلهم من سكان هذه المدينة والمدن المجاورة مثل راس لانوف والبريقة، وبعضهم لم يرفض القصف وانما تحايل علي ذلك بنزع الشحنة المتفجرة من الصاروخ، واعتبار ذلك عملا تخريبيا يستحق القائمون به الاعدام، وقد شهد عدد من الاسري الذين استسلموا في هذه المنطقة للثوار، أن ابن القذافي المسمي المعتصم، وكان يتولي قيادة الكتائب في هذه المنطقة، هو الذي كان يتولي تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص في الضباط والجنود المعترضين أو المتقاعصين عن تنفيذ التعليمات. وهناك عدد من المقابر الجماعية في منطقة القلعة والاصابعة والتي ترك بعض ضحاياها دون دفن بين الاشجار الصحراوية، والتي تضم في اغلبها بين عشرين وثلاثين شهيدا، الا أن آخر هذه الاكتشافات واكثرها بشاعة وقبحا، وتصل الي مستوي جرائم الهولوكست ومحارق هتلر ضد اليهود والغجر، هي تلك التي تمت في طرابلس قبل وصول الثوار الي العاصمة، وكان احداها أكثر من مخزن في معسكر اليرموك، بمنطقة صلاح الدين، في ضواحي طرابلس، وهي جزء من معسكر يتبع الجحفل 32 الذي يقوده خميس معمر القذافي، وكان كل مخزن يضم 50جثة متفحمة فيما وصل مجموعه الي 150 جثة لشباب من ثوار طرابلس تم اعتقالهم في هذا المعسكر وتم تقييدهم بالاغلال والسلاسل وتم وضعهم في هذا المخزن كما قال احد الضباط الاسري في شهادة له ادلي بها للثوار، وتم كما يقول هذا الضابط وضع كمية من اطارات المطاط، اشعلت فيها النيران، واقفلت عليهم البوابات الحديدية لهذه المخازن بأحكام، ليموتوا حرقا، وقد تم اكتشافهم بعد سقوط طرابلس في ايدي الثوار، حيث وجدوا أن اثار النيران لم تنطفيء بعد في واحد من هذه المخازن، ولكن كل الجثث قد تحولت الي هياكل عظمية متفحمة وكان بينهم صبيان واطفال. وطبعا لم يقم احد بمحاكمة هؤلاء الصغر قبل قتلهم بهذه الطريقة الشنيعة، أو معرفة البريء من المذنب، أو طبيعة هذا الذنب وعما كان يستحق صاحبه القتل، ومعروف أن كثيرا من هؤلاء الصغار تم القبض عليهم لمجرد أن الواحد منهم تلقي مكالمة هاتفية من صديق من الثوار، أو اجري اتصالا بصحيفة أو محطة اذاعية، أو هاتف إحدي المدن المحررة، باعتبار أن هذا اتصال هو اتصال مع الاعداء، وبعضهم تم اعتقاله لمجرد أن وجدوا معه علم الثوار، أو قبضوا عليه وهو يكتب علي الحائط كلمة احتجاج، ومهما كان حجم الإثم الذي ارتكبه هؤلاء الشباب المحروقون، فان الانسان يستغرب لعبقرية الشر، التي تفتقت عن مثل هذا العقاب . خيال في طرابلس جريمة أخري اكتشفها شباب الثوار يوم دخولهم لطرابلس وهو وجود اعداد لا تحصي من الحاويات الحديدية، وضعوا في كل حاوية عددا من شباب طرابلس الذين احتجوا أو خرجوا في المظاهرات، بعد أن إحكموا وثاقهم ثم اقفلوا عليهم الحاويات الحديدية باللحام، وتركوهم يموتون داخل هذه العلب الحديدية اختناقا، وكان يمكن الا ينتبه احد لهم، لولا أن احدي هذه الحاويات كان قد تم تعبئتها بهذه الحمولة البشرية في ذات اليوم، وكان بعض الشباب المحشورين فيها ما زالوا علي قيد الحياة عندما وصلوا واحدة من هذه المزارع التابعة للكتائب، وسمعوا الحركة داخل الحاوية، فاستعانوا بالفنيين علي فتح الحاوية واكتشفوا أن بعض من فيها مازال حيا فتم اسعافه، ولكن الاكتشاف المرعب حقا أن هناك 9000 شاب من شباب طرابلس تم اعتقالهم وتم تعليبهم في هذه الحاويات الحديدية ليلاقي أغلبهم مصرعه بهذه الطريقة . وقد يظن القاريء الذي يقرأ هذا الكلام أنني أروي فيلما من أفلام الرعب قائم علي الخيال ولكنها أحداث حصلت ويمكن لهذا القاريء أن يقرأ عنها في الإنترنت اذا استخدم محرك البحث جوجل وسيجد مشاهد تم تسجيلها بالصوت والصورة لهذه الأحداث الإجرامية التي لا يمكن لعقل إنساني سوي، مهما بلغ حقده، ومهما بلغت رغبته في الانتقام، أن يصل في تفكيره الي هذا المستوي، وهي جرائم قد يعجز الخيال عن الوصول اليها والاحاطة بما فيها من بشاعة ورعب وكانت هذه الحاويات الحديدية هي أغرب مقابر جماعية اكتشفتها عبقرية الشر التي تميز بها نظام الطاغية، واسرف في استخدامها في آخر أيامه . ولعل اكبر جرائمه واكثرها جسامة وضخامة والتي كان سيذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء، هي التي لم تتم، فقد حرر الثوار يوم دخولهم الي طرابلس عشرات الآلاف من الأسري المعتقلين في سجون عين زارا والجديدة وأبوسليم، ولم يكن وجودهم احياء رأفة أو شفقة بهم، أو استثناء من مقابر الحاويات ومخازن الحرق وقبور الدفن الجماعي، ولكن اعدهم لوليمة وحشية أكبر وأكثر فظاعة من كل ما سبق، فقد وجد الثوار أن اغلب هؤلاء المعتقلين تضمهم قوائم اعدام يستعد النظام لتنفيذها بمناسبة احتفالات العيد الثاني والأربعين للثورة في الفاتح من سبتمبر الذي يفصله عشرة أيام عن يوم تحرير طرابلس، وكان قد أعد اسما لهذا العيد هو عيد الثأر والانتقام من الخونة والعملاء، وكان قد أعد ثلاثة أماكن يتم فيها اقامة آلاف المشانق، علي ثلاث فترات، الفترة الصباحية في ساحة الجامعة، والفترة المسائية في الساحة الخضراء بوسط المدينة، والفترة الليلية ستكون أمام بيت الصمود والتصدي كما يسميه في باب العزيزية، ولكن دخول الثوار الي طرابلس يوم 20 أغسطس، افسد علي الطاغية مخططاته وانقذ البلاد من أكبر مجازرها، وأنقذ ثوار طرابلس الموجودين في المعتقلات وهم يزيدون علي أربعين ألفا بعضهم ما زال مفقودا، من مصير محتوم بالقتل كانوا سيواجهونه في اليوم الاول من سبتمبر. ولا جدال فإن مسلسل اكتشاف المقابر الجماعية، سيستمر، ليؤكد للعالم علي مدي ضلوع نظام القذافي في الولوغ في دماء الشعب الليبي ليصنع لهذا الوطن هولوكوست مثل الذي صنعه هتلر وصنعه النازيون لبعض
أبناء شعبهم، ولعل الليبيين سيقتدون فيما بعد بالمجتمع الإنساني في التذكير بجرائم هذا الهولوكوست الجديد واشهاره في العالم لاستجلاب اللعنة والخزي والعار لهذا النظام ولأشباهه من انظمة الطغيان والاجرام. انتزاع الاعتراف واذا كانت كتائب الجيش الرسمي التي يقودها أبناء العقيد القذافي، هي التي تولت مهمة الانتقام من الشعب الليبي الثائر بدءا من تاريخ 17 فبراير عام 2011، والي هذا اليوم الذي تواصل فيه هذه الكتائب أخذ الرهائن واستخدام الدروع البشرية في مدينتي سرت وبني وليد، فان أصحاب الدور الأكبر في التنكيل بشرفاء ليبيا وأحرارها قبل هذا التاريخ، كانت اللجان الثورية، التي لعبت في ليبيا وبدءا من منتصف سبعينات القرن الماضي، دور الحزب النازي في تاريخ النظام الهتلري في المانيا، ودور الحزب الفاشي وأصحاب القمصان السوداء في نظام موسيليني في ايطاليا، وأخطر أعمال هذه اللجان الثورية قبل القتل والتصفيات الدموية اقامة المحاكمات العبثية، البهلوانية، التي يتولاها صبيان في المرحلة الطلابية، ويصدرون أحكاما دون قاعدة علمية ولا قانونية ولا منطق ولا أدني درجة من الفهم والادراك، وقد شهدت هذه المحاكم احكاما يصدرونها علي المتهمين بحبسهم عاما أو عامين، تم يعيدون عقد المحكمة ليتحول الحكم بدلا من هذا العام أو عامين الي حكم بالإعدام، ويصعب أن اقوم هنا بتعداد هذه الحالات التي تكررت فيها أحكام خفيفة تحولت الي الاعدام، وتم بالفعل تطبيق أحكام الإعدام هذه في اناس ابرياء، لا يصل جرمهم حتي بحسابات النظام وقوانينه الي أكثر من بضعة أيام حبس، ويكفي هنا ولمن يريد شرحا أكثر لأحكام هذه المحاكم التي عقدتها اللجان الثورية، والجرائم التي ارتكبتها، أن احيله الي كتاب من تأليف محمد يوسف المقريف، عنوانه جرائم اللجان الثورية في ليبيا، اصدار مركز الدراسات الليبية باكسفورد، وانقل هنا فقرة من تقرير لمنظمة العفو الدولية لعام 1985 أوردها هذا الكتاب، تتحدث بعد ادانتها لمثل هذه المحاكم وثبوت بطلانها وعدم شرعيتها، عن عدد من المتهمين بينهم اثنان هما الصادق الشويهدي وعثمان زرتي، تم اتهامهما والقبض عليهما وجرت محاكمتهما من قبل احدي اللجان الثورية وتم اعدامهما خلال ساعة واحدة بعد القبض عليهما كدليل علي المستوي المخجل المتدني والسقوط المعادي للانسانية الذي وصلته مهازل القذافي الثورية التي يجرؤ علي تسميتها بالمحاكم الثورية، وتقول الفقرة : «وقد تم القبض علي المواطنين ( بعد يوم 8 مايو 1985) المشتبه في انتمائهم الي المعارضة، وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في الساحات العامة في ثمانية مواطنين بين 3و 10 يونية 1984. وكانت التهمة الموجهة اليهم انهم ينتمون الي "الاخوان المسلمين" و"عملاء لأمريكا" وقد عرضت الاذاعة المرئية شريطا حيا لبعض المتهمين وهم يدلون باعترافاتهم، ثم وهم يعدمون شنقا. وأن اثنين من المتهمين الذين تم إعدامهم شنقا، وهما الصادق حامد الشويهدي، وعثمان علي زرتي، نفذ فيهما حكم الإعدام بعد ساعة من القبض عليهما" هذا هو تقرير منظمة العفو الدولية، وطبعا عرف العالم من خلال اعتراف الممرضات البلغاريات كيف يتم انتزاع الاعتراف من المتهمين في ليبيا، وكيف وضع القذافي تحت امر شرطته القمعية آخر منجزات العصر من وسائل التعذيب وارغام المواطن علي قول أي شيء يريده الشرطي المحقق، بل انه في شهادات كثير من المتهمين انهم كانوا يطلبون الموت ويتمنونه باعتباره خلاصا من التعذيب . ولم يكن القذافي يسأل في الحقيقة عن أدلة أو عن براهين، اذ كان يكتفي بان يقول في خطاب من خطاباته عن أي انسان يعارضه أو يقف ضد بعض قراراته المجنونة، أن هذا الرجل عميل أو نعته بانه خائن أو مندس أو أنه يحمل فكرا هداما أو يسميه عدو الشعب ليكون الكلام بديلا عن أي دليل أو برهان . ولم تقتصر هذه المحاكمات الثورية العبثية علي الاعداء السياسيين للنظام، وانما استخدمها مبكرا عندما اراد احداث انقلاب في البنية الاجتماعية وهد المعبد علي اهله وتحطيم الطبقة المتوسطة التي يراها لا تنسجم مع قيمه البدوية، فاستهدف طبقة التجار من أبناء المدن، فيما اسماه المداهمات، وهو أن تقوم القوي الثورية، بمداهمة محل أو بيت مواطن من المواطنين ممن يتميزون بوضع اقتصادي أو مالي، لجلبه الي محاكمة تتشكل من عناصر ثورية وسط حشد من أعوان النظام ووسط برنامج معد مسبقا من الهتافات التي ترعب المواطن الخاضع للمحاكمة، وتصوير المحاكمة تليفزيونيا ونقلها للمشاهدين، وكيل التهم لهذا المواطن والتشكيك في مصادر أمواله واعتباره أحد الذين يمصون دم الشعب، ولا يملك المواطن في هذه الحالة وبسبب تصويره والتحقيق معه، واخذ اقواله تحت التعذيب، ويتكلم بعض من مروا بهذه التجربة عن أنواع من التعذيب تسبب ألما رهيبا احداها كما يقول، حقنة تصل الي منطقة من النخاع الشوكي ولا ينتهي الألم الا عند نزع هذه الحقنة من جسم المتهم، وهم لا ينزعونها الا عندما يقول نعم لأي تهمة يريدونه أن يعترف بها، ولم يبق رجل صناعي واحد أو صاحب مشروع اقتصادي في ليبيا الا ومر بهذه المهانة، وانزلوا به هذا التعذيب، وعرضوا محاكمة المذلة المهينة للرأي العام، وهي محاكمات شملت احيانا بعض القياديين الاداريين ممكن كانوا لا يستجيبون لنزوات القذافي ويقفون ضد استهتاره بالقانون وقواعد العمل الإداري، والعقيد في هذه المحاكمات يطبق واحدة من وصايا ميكافيلي في كتابه الامير التي يطالب فيها فيلسوف الانتهازية والغاية تبرر الوسيلة الأمير بادلال كبراء القوم ليتم له السيادة والسيطرة علي عامة الناس، الا أن القذافي اسرف في تطبيقها بكثير من العنف والدموية والاجرام، الي حد أن كثيرا ممن تعرضوا لهذه المهانة كانوا يموتون كمدا وقهرا ويصابون بالجلطة والسكتة القلبية بعد هذه المعاناة، وأذكر في الايام الاولي لاعادة العلاقات الديبلوماسية بين مصر وليبيا عام 1990 أن اكتشفت الحكومة الليبية أن هناك مجموعة من الشباب،نالهم نصيب من العناء والتعب لانهم أبناء زيجات ليبية مصرية، فالامهات المصريات ارامل ومطلقات عشن في مصر، وانقطعت بهن السبل في ظل القطيعة بين ليبيا ومصر وبقي الابناء من آباء ليبيين، لا يستطيعون الحصول علي الجنسية المصرية التي لم تكن تعطي هذا الحق لأبناء الامهات اللاتي انجبن أبناء من حاملي جنسيات اخري، فانشأت السفارة الليبية في القاهرة مكتبا لمراجعة هذه الحالات وحل مشاكل هؤلاء الابناء من اباء ليييين ومطالبة الامهات بالأوراق التي تثبت ذلك، وكان بين موظفي المكتب الذي يجري هذا البحث صديق كان يدعوني باعتباري كاتبا أن أشهد معه بعض الحالات الانسانية التي تعرض له، وفعلا قمت بزيارته، لألتقي ببعض الأمهات واسمع لما يسردنه من وقائع مأساوية حدثث لازواجهن، فاغلبهن كن يتزوجن تجارا قامت الحكومة الليبيية بتأميم متاجرهم في لحظة من لحظات الهستيريا التي أصابت القذافي فطال التأميم حتي دكان بقالة صغير لا يبيع الا الفحم أو الغاز للبدو والفلاحين في احدي القري، وربما لا يزيد رأسماله عن مائة دولار كان يتدبر بها معيشته، ليجعله عالة علي المجتمع يمد يده يطلب الاحسان من الدولة واحيانا من الناس، وكانت الواحدة منهن تشير الي موقع أو شارع وتسألني علي سبيل المثال أن كنت اعرف صاحب المتجر الازرق، وفي هذه الحالة مثلا كنت اعرفه، فتقول أنها كانت زوجة صاحب هذا المتجر الذي بدا حياته كما تقول بائعا يفرش في الشارع، ثم تحولت الفرشة الي كوخ صفيح، ثم الي متجر وسيارة، وجاءت لجنة التأميم فاخدت منه المتجر واخذت منه السيارة، دون اعتبار لرحلة الكفاح والكدح التي اوصلته لأن يتملك هذا الدكان، ورجع الي البيت كما تقول ليسقط فوق الاريكة في صالون البيت تم يموت بعد أسبوع، وهي حالة تكررت مع عشرات الاف أصحاب الدكاكين، وأصحاب العقارات، وأصحاب الشاحنات، وسيارات الاجرة وأصحاب الشركات الصغيرة، وليته كان تأميما من أجل التطوير والبناء، وانما كان من اجل التدمير، فكل مصنع اخذه قام باقفاله، ويحكي رجل أعمال كبير، أو كان كبيرا اسمه ابراهيم حافظ، وكان في يوم من الايام رئيس مجلس رجال الأعمال الليييين، أن الدولة الليبية، قامت بتأميم ما كان يملكه من ورش ومصانع ومعامل تمتد في مكان واحد علي مساحة بجوار مطار طرابلس الغرب طولها عشرين كيلو متراً وترك البلد غاضبا ليعيش في مصر التي كان يملك فيها اسهما في أحد المستشفيات الخاصة، وعاد منذ عام أو عامين في احدي فترات الهدنة بين النظام وبعض التجار المهاجرين، وذهب كما قال ليري ماذا صنعت الدولة بتلك المعامل التي من بينها مصانع مطاط ومعامل جلفنة وانابيب وغيرها مما يدخل في توفير قطع الغيار لبعض المحركات، فاذا به يجد أن كل تلك المعامل والمصانع تم مسحها وتم توزيع أرضها بين أزلام وضباط النظام لبناء فيلات فوقها، وضاعت علي البلاد كل فرصة تصنيع أو تحديث قام بها القطاع الخاص، ولم تكن هذه الجرائم الاقتصادية ضد البلاد وفرص النهوض والنماء فيها، لتشبع نهم القذافي للتخريب والدمار، فاكملها بجرائم ضد البشر، تعذيبا وازهاقا للأرواح، وانتهاكا للاعراض، وتهديما للبيوت فوق رءوس أصحابها، والسجل حافل بمثل هذه الجرائم التي سنوالي سردها في عدد قادم بإذن الله .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.