الشعوب.. ومسئولية صنع الديكتاتور بقلم: عباس الطرابيلي الخميس , 25 أغسطس 2011 02:35 سؤال يحيرني كثيرًا: كيف يثور الثوار ضد الحكم الديكتاتوري.. ثم يصبحون- هم- أكثر ديكتاتورية؟! ولقد شهد الشرق الأوسط الكثير من هذه الأمثلة.. في العديد من الدول في مصر. وفي إيران.. في سوريا وفي العراق.. في اليمن وفي السودان.. وفي.. وفي.. سؤال محير للغاية.. وهؤلاء يدعون أنهم ثاروا من أجل شعوبهم ومن أجل توفير حكم ديمقراطي لهذه الشعوب.. وبعد أن يصلوا إلي مقاعد الحكم.. يحكمون بلادهم بأبشع صور الديكتاتورية في التاريخ.. ورغم أنهم ثاروا من أجل الإصلاح السياسي كما يدعون وحتي يتحقق مبدأ تداول السلطة.. نجدهم يتمسكون بمقاليد الحكم لعشرات من السنين!! ويصبحون أكثر الحكام حكما وتحكما. في مصر ثار الضباط الأحرار ضد نظام اعتبروه فاسدا.. ومن أجل إقامة حياة ديمقراطية سليمة «هكذا قالوا في أحد مبادئهم للثورة» ثم ظلوا يحكمون البلاد بالحديد والنار أكثر من نصف قرن. وفي العراق لم يتحقق أي نظام ديمقراطي منذ ثورتهم في يوليو 1958 وتوالي ديكتاتور وراء ديكتاتور.. بل ينقض ديكتاتور جديد بدعوي القضاء علي الديكتاتورالحاكم.. فيصبح الجديد أبشع ديكتاتورية.. ولم يسلم العراق من هذه السلسلة حتي الآن!! وفي سوريا منذ انقلاب حسني الزعيم عام 1949 تعددت الانقلابات بدعوي الديمقراطية.. وتعددت الانقلابات بعده بل وقضي انقلاب منها علي حلم الوحدة العربية.. ومازالت دمشق تعاني من هذه الانقلابات حتي منذ انقلب حافظ الأسد علي رفاقه في حزب البعث.. فجاء هو بنظام عنصري يعتمد علي أحد العناصر الأقلية وهم العلويون ليتحكم في كل شيء.. بل ويعمد إلي ترسيخ حكم الأسرة الواحدة، أي التوريث، وبعد أن يسقط الابن الذي كان يعد ليصبح خليفة هو باسل الأسد.. يدفع الأب بالابن الثاني طبيب العيونبشار ليجلس علي مقعد الحكم.. ونحن الآن نتابع ثورة الشعب السوري ضده منذ عدة شهور.. وهو الحكم الذي يستمر 40 عاما حتي الآن. وحتي في إيران ثار الشعب وآيات الله والملالي علي الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979.. ولكنهم أسقطوا ديكتاتورا.. ليصبحوا هم.. في مقاعد الديكتاتوريين حتي الآن.. حتي وان دفعوا إلي صدارة المشهد السياسي بحاكم وراء حاكم.. ولكنهم يعيشون عصر ديكتاتورية الملالي. وفي السودان ثار بعضهم.. ولكنهم استولوا علي الحكم منذ يونيه 1989.. وها هم يتشبسون بمقاعد الحكم ويبدو أنهم لن يتركوها إلا بعد أن تنفصل أقاليم السودان واحداً تلو الآخر.. والأمثلة: انفصال الجنوب.. وفي الطريق دارفور.. ولا نعرف ما الأقليم التالي.. وفي اليمن الذي لم يحكم فيه أحد الأئمة مثلما يحكم ويتحكم حتي الآن علي عبدالله صالح فلا الإمام يحيي ولا حتي الإمام الرهيب أحمد حكم مثل هذا الضابط الذي مازال يتحكم في أمور اليمن الذي لم يعد سعيدا.. ويبدو أنه لن يسقط عن مقاعد الحكم إلا إذا.. اسقطوه وسحبوا اسمه من قوائم الأحياء.. وفي ليبيا نجد ضابطا دون الثلاثين من عمره هو معمر القذافي وحوله «عصبة» دونه من العمر يقفزون علي السلطة في مثل هذه الأيام من عام 1969 ويعزلون الملك ادريس السنوسي ويعلنونها جمهورية بدعوي الإصلاح.. ثم أصابت اللوثة كبيرهم العقيد القذافي فيحولها إلي جماهيرية وهو نظام لم نسمع به من قبل.. ويرفض أن يصفه أحد بأنه الرئيس الليبي.. لأنه زعيم ملهم.. ويدعي أن الشعب هو الحاكم من خلال اللجان أو المجالس الشعبية.. وجاء الرد عندما ثار عليه الشعب.. وأسقطه وأسقط نظامه الجماهيري العجيب بعد حرب تحرير كبري بدأت من بني غازي في أقصي شرق البلاد.. ولم تتوقف إلا بعد أن وصلت إليه في عقر داره طرابلس في أقصي غرب البلاد.. وبعد أن حرر الثوار الفعليون البلاد مدينة مدينة وقرية قرية.. بل وزنقة زنقة.. أما هو «الزعيم» الملهم فابحثوا عنه تحت الأرض، في الانفاق التي حفرها تحت باب العزيزية أو يعيش مع الجرذان بعد أن حكم وتحكم في بلاده 42 عاما.. ولكن لماذا يطول عمر حكم الديكتاتور.. ليصبح هذا الذي ادعي الثورية زعيما ملهما وحاكما للبلاد كل هذه السنوات. ولماذا زين البعض- في مصر- للرئيس السابق حسني مبارك حتي يحكم البلاد 30 عاما.. ولماذا تكررت نفس اللعبة مع علي عبدالله صالح والفريق البشير.. وصدام حسين.. وغيرهم وغيرهم.. انه ضعف الشعوب.. وخضوعهم لعمليات غسيل مخ رهيبة من الحكام.. فعاشت الشعوب في وهم تأليه الحاكم وهي خانعة.. اسلمت أمورها للحاكم الديكتاتور.. وهل الشعوب هي التي تصنع الديكتاتور وتؤلهه وتصمت ويطول صمتها.. ولكن الحمد لله أن ثارت شعوب مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا.. وهناك- منها- من انتصر وأسقط ديكتاتوره.. وهناك من... ينتظر!!