("محمد ناجي ":روائي مصري، دخل الحياة الثقافية، شاعراً وكاتباً للمسرح وقاصا ًأيضا ، إلا أنه تميز في الرواية التي مزج فيها مواهبه الأخري. ولد"ناجي" عام 1947، وقاتل في حرب أكتوبر، وقدم روايته الأولي"خافية قمر" عام 1994التي لاقت تقديراً نقدياً وترحيباً من القراء، كذلك روايته الثانية " لحن الصباح " التي نشرها أيضا عام.1994 حصيلته سبعة أعمال روائية هي :إلي جانب ما سبق، "مقامات عربية"، "العايقة بنت الزين"، "رجل أبله00امرأة تافهة" "الأفندي"، "ليلة سفر"، ترجمت بعض روايته إلي الاسبانية والفرنسية. مزج "ناجي "بين رؤيته للواقع المصري و العالمي والتراث الشعبي والشفاهي، وبين أسطورته الخاصة التي يصنعها لأبطاله الذين يعانون الهّم الفردي والإنساني والمصيري ، ويحملون الأحلام والأسئلة الكونية، ويسعي أبطاله لإجابة تشفي ظمأ الروح ) تستدعي التراث الرسمي والتراث الشعبي علي وجه الخصوص، وهناك رؤية موجودة في كل رواية حيال الواقع المصري والعربي الذي يبدو في خلفية كل عمل هل يمكن أن نسأل عن مكونات" محمد ناجي "الثقافية التي شكلته روائيا؟ - كل كتابة تبحث عن همّ وأسئلة، وكل همّ يستدعي ما يشاء من المخزون الثقافي والتكوين المعرفي للكاتب، الهّم الأساسي الذي يشغلني في أعمالي، هو التغيرات الجارية علي كل المستويات السياسية والثقافية والجمالية كل الزائفة المصرية تحرك أو تغير أحد هذه المؤثرات الفترة التي نعيشها فترة مُحملة بالأسئلة الكبري، لأنها ببساطة فترة بلّه، شهدنا تداعي كيانات كبري في العالم بما تحمله من أيديولوجيات وانساق معرفية وانحيازات جمالية وأخلاقية وشهدنا أيضا في نفس الفترة إن القوة الوحيدة التي بقيت مهيمنة علي الساحة العالمية فقدت مصداقيتها، وأنكرت الشعارات التي تحملها حول الحرية والديمقراطية والإخاء الانساني، هذا الوضع العالمي المعقد يلقي بظلاله علينا، ويجعلنا نبحث عن إجابات للأسئلة المتفجرة حولنا . مرورا ب روايتي " لحن الصباح" و"العايقة بنت الزين " نلاحظ شخوص هذه الأعمال في رحلة بحث عن شيء مفقود مادي أو معنوي كالحلم والعدل والأمان.. الخ، لماذا كل هذا القلق في أعمالك؟ تلك بالفعل هي القضايا المتفجرة في لحظتنا الراهنة والعدل والحرية والإرادة والإنسانية القادرة علي تشكيل لحظتها وفق ما تريد. أكتفي في أعمالي بطرح الأسئلة حول هذه القيم الكبري باعتبار ان الإجابات التقليدية التي كانت متاحة قبل ربع قرن قد تقادمت وأصبحت لا تشفي غليلا . في كل عمل من أعمالك تحاول تعظيم شخوصك كأنك تحاول رسم أسطورة خاصة بهم وفي كل عمل نلاحظ وجود أسطورة بشكل ما هل أنت مهتم بذلك؟ لكل عصر أساطيره وأعتقد ان عصرنا من أكثر العصور إنتاجا للأسطورة عكس ما هو معروف وشائع .. الأسطورة في أساسها تحاول الإجابة علي أسئلة إنسانية تتعلق بمصير وغايات الإنسان وموقعه في الكون، أجواء الأسطورة تتسع لإثارة هذه الأسئلة، أنا لا أحاكي الأساطير قديمة في الموروث الشعبي أو العالمي، إنما أحاول ان أنتج أسطورة تخص هذه اللحظة التي نحياها، الأسطورة التي ابحث عنها هي الأسطورة الإنسانية التي تحمل أسئلة حقيقية، وليست تلك الأسطورة التي يضخها الاعلام السياسي شرقا وغربا، أبطال أساطيري ليسوا ألهه، لكنهم شخصيات عادية من واقع الحياة فقراء ومحبطون ولكنهم يحملون نفس الأسئلة الكبري التي حملها ألهة الأساطير في العصور القديمة . نجد في أعمالك أبطالا مهزومين ومرضي، وربما أصحاب عاهات أو مصابين بحالة من الجنون لماذا؟ البطل الايجابي محتجب في هذه اللحظة التاريخية، الفترة فترة بلبلة كبري، وليس هناك ثقة في المستقبل، هناك إحساس في العالم أجمع أننا مقبلون علي كوارث، مادية وروحية كبري، كوارث قد تدفع ببعض الشعوب إلي خارج التاريخ، أبطالي يحملون هذا الهّم وهذه المخاوف، ويئنون تحت وطأتها، وهم يحلمون بتغير تلك الرؤي والمخاوف، لكنهم لا يملكون القدرة علي ذلك، أو يفتقدون الإحساس بهذه الفترة . في رواية "لحن الصباح "شخصية مثل "نوفل "الفنان الذي أصيب بالرعشة في يده وروحه، ولكن جسده مكتمل وشخصية "عباس الأكتع "الذي فقد أطرافه في الحرب، لكنه يملك روحا قوية 0الاثنان يمثلان حالتان مختلفتان من حالات العبث، لكل منهما أحلامه، وهما لا يتكاملان جسدا وروحا ، إنما يقودهما الإحساس بالعجز إلي صراع بلا معني، يقتل أحدهما الآخر 0 وخاتمة الرواية التي تنتهي بقاتل وقتيل لا تصادر الأحلام التي عاشها ""نوفل" و"عباس ". في رواية "العايقة بنت الزين "أسلمت بطلة الرواية جسدها للشبح، ولكنها توسلت إليه قائلة :"عليك أمان الله لا تمس الروح "، إنها جملة تمثل "تعويذة "للإبقاء علي شيء يمكن أن ينفعنا وسط هذا الدمار، هو الاحتفاظ بصفاء الروح وتركها للأجمل . المكان في أعمالك غامض يحيطه شيء من الرهبة والخوف وهو دائما غير محدد فقط هناك إشارة أو دلالة بوابة قديمة مثلا المكان عندك يبدو مثل حكايات ألف ليلة وليلة، لماذا؟ أنا لا أهتم في أعمالي بالواقعية التاريخية، ولا بالواقعية الجغرافية، ولا بتفاصيل المكان، أنا لست مسجلا لوقائع، تكفي عندي الإشارة إلي جزئية في المكان تنشر في الرواية معني أريده علي سبيل المثال "حارة قصر البنات "التي تحدثت عنها في رواية "العايقة بنت الزين "لا يوجد في نفس المنطقة الجغرافية التي أشرت إليها، ولا توجد أيضا قرب القلعة بوابة فرعونية، كما أشرت في الرواية أفضل أن أبتكر المكان، كما أبتكر شخصياتي، لابد بالضرورة أن تحمل للشخصيات وأطياف الأماكن التي أؤلفها ظلالاً من الواقع، فالخيال في النهاية، هو عملية عقلية، مهما حلقت بجناح خيالك عاليا ً، فلابد أن يحمل ريش أجنحتك ألوان الواقع بزهوها وقتامتها أيضا. في رواية "مقامات عربية "المكان متخيل من أساسه، هو صيغة خيال خالصة، كذلك التاريخ الذي تحكيه الرواية هو متخيل من أساسه، ولكنني أظن أن كل المتخيل في الواقع والمكان والشخصيات، يمثلون معادلاً موضوعيا لهموم الواقع وأسئلته الكبري . شخصياتك دائما ينتظرون أشياء لا تأتي مطلقا، أليس كذلك؟ أحب أن أكتب ما أحس به بصدق ولا أريد أن ألفق يقيناً أو أفرض علي القارئ إجابات لم أتوصل إليها بعد، هذه الفترة، كما قلت، فترة أسئلة لا نظرية نلوذ بها، ولا بطلا نترقب انتصاراته، انها فترة أسئلة، أوجاع، تعتصر فيه الذات الإنسانية بأحلامها الجميلة، ونتمسك بصفاء روحها، أما الطريق إلي المستقبل فيه ضباب وعتمات كثيرة 0. بدأت حياتك الإبداعية شاعرا ً، إلي أي حد استفاد السارد من الشاعر؟ الكتابة هي الكتابة، سواء كانت شعراً أو نثراً، كل كتابة تجري بها اليد حتي لو كانت رسائل غرام، هي تدريب علي الكتابة بشكل أو بآخر، الشعر أفادني بقدرته العالية علي التكثيف وقدرته علي جمال اللغة وبهائها وحرصه علي بث إيقاع متن الكتابة تجذب القارئ، عموما أنا لا أحس أنني نقلت منطقة إلي أخري في الكتابة، ففي قصائدي كنت أبحث عن شكل درامي للقصيدة، عكس الشائع في تراثنا الشعري الغنائي في معظمه، كنت أبحث عن قصيدة متعددة الأصوات، قد حققت لي الرواية بعض ما أريده . في رواية "مقامات عربية "، وفي بعض الاعمال الأخري، كانت للغة كيان مهم في إبداعك، إلي جانب الشاعرية والاقتضاب التي تميز لغتك وهي أيضا لغة أقرب إلي التراث ما علاقة اللغة في إبداعك بالتراث؟ كل رواية تستدعي لغتها وشكلها المناسب لها، "مقامات عربية " رواية مشغولة ببحث في روح التاريخ وجذورنا الثقافية، و تواصلها مع اللحظة الراهنة، هكذا فرضت الراوية لغة خاصة بها، لأنها تتعامل أساسا ًمع أسئلة تتعلق بالتراث، وكانت هذه اللغة التي تبدو تراثية تسخر من بعض التيمات الموروثة، ومن بعض الأحداث التي جري تزييفها في المدونات التاريخية الرسمية كل رواية تصنع لغتها الخاصة، محكومة في ذلك بطبيعة الشخصيات التي تتناولها وطبيعية الفترة التي تمثل خلفية الأحداث . علي عكس كثير من الروائيين الذين يكررون ذاتهم في أكثر من عمل، نلاحظ إن " محمد ناجي" في كل رواية هي تجربة جديدة لا يكرر نفسه مطلقا. كتابة التجربة الواحدة أكثر من مرة تعني أنك تعزل علي نفس النول، تعيد إنتاج ما سبق إن أنتجته في روايتك الأولي، الشخصيات حولنا متعددة ومتنوعة بشكل مثير والقضايا تتفجر واحدة تلو الآخر بسرعة تحبس الأنفاس،فلماذا أتجاهل ذلك وأعيد نفس التجربة. روايتي" خافية قمر" لقيت مديحا ًنقديا ًباعتبار أنها أبدعت تلاوين في الكتابة الروائية، كان هذا كافيا ًإن أظل محبوسا ًفي نفس التجربة، لكنني أفضل الكشف عن تلك التلاوين التي مازالت مخبوءة في داخلي . لماذا الاهتمام بالتراث الذي نجده جليا في منجزك الروائي؟ الحقيقة ، أنا شديد الاهتمام بالتراث الشعبي، بأن هذا التراث عبّر بجرأة واقتدار عن هموم وأوجاع تجاهلها التراث الرسمي والمدون يكفي ان أتذكر ان الشعر المصري المدون الفصيح كان بدوي الخيال لا نري فيه أثر لنخلة ولا لساقية، أول من أهتم بتمصير الخيال الشعري هو "محمود حسن إسماعيل" وتابعه علي نفس الدرب باقتدار أكبر" محمد عفيفي مطر ". أنا أكتب لشعب بالتالي أنا مطالب بالتعرف علي وجدان هذا الشعب في منابعه الحقيقة، في التراث الشعبي إيضاحات هائلة للتكوين النفسي للإنسان المصري ولتصوراته عن الكون والحكام والغايات وأحكام الزمان، لهذا أنا حريص بشدة علي الاطلاع علي كل سطر مروي في هذا التراث حتي أمتلك مفاتيح وجدان شعبي . في روايتك الجديدة " الأفندي " نلاحظ أنها مختلفة عن مشروعك السابق حيث إنها ترصد حقبة زمنية هي نصف قرن الأخيرة التي مرت علي مصر، رأها القراء خطوة جديدة في مسيرة روائي لا يكرر تجاربه؟ - «الأفندي» خطوة في مشروعي الروائي يربطها بهذا المشروع وحدة الهم، ففي رواية"خافية قمر" ثمة أسئلة روحية وفلسفية تخص اللحظة الراهنة، وفي رواية" لحن الصباح" هناك" نوفل" الفنان المرتعش الذي فقد القدرة علي الكتابة الجميلة وفي رواية " العايقة بين الزين " أفراد مثقفون فقدوا الاتجاه وتفرغ كل وحدة منهم لنفسه ولبناء مشروعه الخاص أو سقط تحت وطأة فشله الخاص دون اي إحساس بالجماعة، التوحد مع الكفايات الإنسانية وفي رواية "رجل أبله وامرأة تافهة " مناضل سياسي لم يحصد في النهاية ثمرة النضال، هو يتساءل عن جدوي ما فعله، يعاني وطاة الإحساس بالفشل، نفس هذا الهم تطرحه رواية " الافندي " لما اشتملت عليه من شخصيات لمثقفين الشاعر، المنتج السينمائي، والمذيعة يتخبطون في نفس المكان وكل واحد منهم يتهاوي تحت وطأة أحلامه الخاصة، يعاني فشله الخاص لأنه بدا بالانفصال عن الجماعة وعاش حياته كأنه فرد بلا جذور ولا تراث يظلله ولا رؤية تجعله حاضنا لأفكاره ورؤي من حوله هذا هو الهم يمثل خيطا رئيسيا في أعمالي حتي الآن، أما اختلاف كل رواية في لغتها وشخصياتها آليات سردها عن الأخري فهذا محكوم بطبيعة كل رواية وطبيعة الحكاية، والأشخاص الذين تتحدث عنهم الرواية .