"زراعة النواب" تطالب بوقف إهدار المال العام وحسم ملف العمالة بوزارة الزراعة    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    أستاذ تمويل يوضح كيف تنعكس أموال "رأس الحكمة" على حياة المواطن    حماس تدعو الدول العربية لاتخاذ إجراءات تجبر الاحتلال على إنهاء الحرب    نهائي دوري أبطال أفريقيا.. الشحات: مواجهة الترجي صعبة وجاهزون للتتويج باللقب    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    "الأرصاد" تعلن موعد انتهاء الموجة الحارة.. وتوجه نصائح للمواطنين    بالفيديو.. كواليس كوميدية للفنانة ياسمين عبد العزيز في حملتها الإعلانية الجديدة    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس    باسم سمرة يعلن انتهاء تصوير فيلم اللعب مع العيال    شي جين بينغ بمناسبة قمة البحرين: العلاقات الصينية العربية تمر بأفضل فترة في التاريخ    الهلال السعودي يراقب نجم برشلونة    وزارة الصحة: إرشادات مهمة للحماية من العدوى خلال مناسك الحج    فيفا يدرس مقترح إقامة مباريات الدورى المحلى خارج البلاد في مرحلة القادمة ... نجوم الدورى السعودى يتصدرون قائمة فوربس للرياضيين الأعلى دخلا فى العالم سنة 2024    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    مد فترة استلام الطلبات لوظائف القطار الكهربائي الخفيف حتى 23- 5- 2024    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    حريق في طائرة أمريكية يجبر المسافرين على الإخلاء (فيديو)    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي قبل الجولة الأخيرة في بريميرليج    قرار حكومى باعتبار مشروع نزع ملكية عقارين بشارع السبتية من أعمال المنفعة العامة    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    التموين: وصول 4 طائرات تحمل خمسة آلاف خيمة إلى أهالي قطاع غزة    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    طريقة عمل طاجن العكاوي بالبطاطس    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    تأكيدا ل"مصراوي".. تفاصيل تصاعد أزمة شيرين عبد الوهاب وروتانا    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    صحفي ب«اتحاد الإذاعات العربية»: رفح الفلسطينية خط أحمر    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منظمات حقوقية تؤكد أن سجناء الرأي في سوريا
نشر في القاهرة يوم 26 - 04 - 2011

حوالي 3000 والسلطات السورية تستمر في احتجاز المزيد تحولت " الجمعة العظيمة " في سوريا في 22 إبريل الجاري إلي جمعة دامية بسقوط 38 شخصا، وإصابة العشرات لدي قيام قوات الأمن السورية بإطلاق النار لتفريق المتظاهرين في حمص وحماة ودمشق وبانياس والحسكة والقامشلي واللاذقية ودرعا، والذين طالبوا بإسقاط النظام، ووقف احتكار السلطة وحل الأجهزة الأمنية . وكان مجلس الوزراء السوري قد أقر في 19 إبريل الجاري عدة مشاريع مراسيم تشريعية تقضي بإلغاء حالة الطوارئ المفروضة علي البلاد منذ نحو خمسين عاما عند وصول حزب البعث إلي السلطة في 1963، كذلك أقر إلغاء محكمة أمن الدولة العليا، والتي تأسست خارج القضاء العادي، وحلت مكان المحكمة العسكرية الاستثنائية، وتمتعت بسائر صلاحياتها واختصاصاتها بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 بتاريخ 28 مارس 1968، كما أقر مجلس الوزراء مراسيم تتعلق بتنظيم حق التظاهر السلمي في سوريا، وقد وقع الرئيس السوري هذه المراسيم تمهيدا لتنفيذها . يأتي هذا، بينما دخلت الاحتجاجات الشعبية في سوريا أسبوعها السادس، وسط تعتيم إعلامي شامل، لم يفلح في إخفاء وحشية النظام والأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، فخرجت من سوريا اللقطات التي تظهر الضرب بالعصي، والقنابل المسيلة للدموع، والرصاص الحي، وركل السائرين، والسير علي أجساد أشخاص مقيدين، وضربهم علي أيدي عناصر يطلق عليها " الشبيحة " وهي ميلشيات غير رسمية وتابعة للنظام. يذكر أن عشرات الآلاف من السوريين يشاركون في المظاهرات، ويطالبون بالحريات، ويرددون شعارات " الوحدة الوطنية " وقد وصلت الاحتجاجات العارمة في " جمعة الإصرار "في 15 إبريل علي مقربة من قصر الرئاسة في دمشق لأول مرة منذ بدء الموجة المتصاعدة من الانتفاضات التي تطالب بالديمقراطية في سوريا، مرددين مقولة " الله - سوريا - حرية " بالرغم من عشرات الحافلات الأمنية التي تلاحقهم في كل اتجاه، بينما تستمر الهتافات " الشعب يريد إسقاط النظام " من دير الزور شرقا، إلي اللاذقية غربا، في تصعيد واضح منذ اندلاع الشرارة من مدينة " درعا " وكان الرئيس بشار الأسد قد أعلن في 14 / 4 عن تشكيل وزارة جديدة لحكومة لاتتمتع بسلطات واسعة، كما أفرج عن عدد من معتقلي المظاهرات ، من حمص ودمشق وحماة والرقة وحلب وأدلب، وصفتهم المنظمات الحقوقية بأنهم " قطرة في محيط " بالنسبة لآلاف السجناء السياسيين الذين يحتجزهم النظام والذين يصل عددهم إلي حوالي 3000 سجين. وأكدت منظمات حقوقية، ومرصد حقوق الإنسان السوري، وكذلك تقرير " هيومان رايتس ووتش " في 16 / 4 أن قوات الأمن السورية اعتقلت مئات الأشخاص بشكل تعسفي منذ اندلاع احتجاجات سوريا، وأكد التقرير تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة . وقالت المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي تتخذ من نيويورك مقرا لها إن القوات التي تضم عناصر من المخابرات احتجزت وعذبت نشطاء في مجال حقوق الإنسان، وعددا من الكتاب والصحفيين ممن يؤيدون الاحتجاجات المناهضة لحكم الرئيس بشار الأسد . هذا، فيما طالبت أصوات أوروبية برفع الحالة السورية إلي منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بما وصف بأنه بداية التدخل الدولي في الشأن السوري . مأزق النظام السوري في خضم الحالة العربية الاستثنائية التي تعيشها عدة دول عربية، أشارت صحيفة الإيكونوميست البريطانية إلي أن سوريا تأتي في المرتبة الرابعة بين قائمة الدول العربية المرشحة للدخول في مرحلة " التغيير " بعد اليمن وليبيا ومصر، وجاء ذلك استنادا إلي مجموعة من المؤشرات منها : نسبة عمر السكان دون سن 25 سنة ( وأعطته وزنا هو 35 % )، وعمر السلطة ( 15 % )، والفساد ( 15 % )، وغياب الديمقراطية ( 15 % )، وحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (10%)، وحرية الإعلام ( 5 % )، ومجمل عدد السكان تحت 25 سنة ( 5 % ) . وتؤكد الشواهد أنه كلما فقد النظام فاعليته في إدارة الدولة، فإن شرعيته تبدأ في التلاشي، فزيادة حجم المشاكل، والفقر، والبطالة، والفساد، وعدم فاعلية السياسة الخارجية، كلها مؤشرات علي الخلل والمشاكل بين المجتمع والنظام السياسي القائم . غير أن هذا الخلل عادة مايكون في هذه الأحوال مرشحا للتطور، فمشاعر عدم الرضا عن الحكومة تبدأ في إنتاج حالة من عدم الثقة بهذه الحكومة، كما تبدأ الحكومة نفسها في فقدان ثقتها بالنفس . وما يجري في سوريا يدل علي أن هيبة النظام السياسي في سوريا قد تآكلت، وأن شيئا ما في النظام قد " شرخ " وبدأت معه رحلة التنازلات المتوالية، والتراجعات شيئا فشيء وبالتالي، فإن النظام السياسي في سوريا قد بدأ رحلة " التحول " ، التي لن يعود معها إلي ما كان عليه إطلاقا . وفي الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في الأسبوع الماضي أمام مجلس الوزراء، والذي وصفته دوائر عديدة بأنه " خطاب تصالحي "، قدم الرئيس حزمة من " الإصلاحات " التي تمثل أهم موضوعات الشكاوي والاقتراحات التي طرحتها وفود سورية زارت القصر الرئاسي قادمة من عدة محافظات سورية ( وفقا لمصادر رسمية )، وتضمنت الإصلاحات جوانب سياسية وإدارية وتنموية ومالية وأمنية، بما في ذلك قوانين التجنيس، ورفع حالة الطوارئ، وقانون الأحزاب، وقانون الإدارة المحلية، ومستوي آداء المؤسسات، ووجه الرئيس بشار التعليمات والنصائح للحكومة بالابتعاد عن المركزية، وضرورة مشاركة الموظفين في صنع القرار، ومكافحة الفساد والرشوة، وتوفير فرص العمل من أجل حل مشكلة البطالة . وكان من الممكن بالفعل أن يكون خطاب الأسد بما تضمنه من توصيف واضح للمشكلات السورية " نقلة نوعية " في أسلوب العمل السياسي، وهناك بالفعل دوائر داخلية وخارجية ثّمنت وعود الأسد الإصلاحية بأنها نقطة تحول في مسار الآداء السياسي للحكومة السورية، فقد رأي مثلا الصحفي البريطاني وكاتب سيرة الرئيس حافظ الأسد "باتريك سيل " إن الرئيس بشار يقوم " بثورة " إصلاحية داخلية، وان الرئيس استوعب تماما حقيقة ما يجري، والإصلاحات المطلوبة، وأنه حدد جدولا زمنيا لهذه الإصلاحات، وهو بالفعل علي درجة ملحوظة من الحزم هذه المرة . غير أنه بالرغم من حديث الأسد عن الإصلاحات، فقد تزايدت الاحتجاجات الشعبية، واستمر خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مسيرات في حوالي 46 مدينة وقرية منها درعا وحمص وبانياس واللاذقية وحلب والقامشلي والحسكة ودير الزور ، وشارك في التظاهرات مسيحيون وأكراد وسنة، واستمرت العناصر الأمنية في التصدي لها، واعتقال العشرات، وسفك المزيد من الدماء الأمر الذي تسبب في رفع سقف المطالب الشعبية ، للمطالبة بإسقاط النظام، و" تنحي الأسد" . كما تشمل المطالب إلغاء المادة 8 من الدستور السوري والتي تنص علي " أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع، والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل علي توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية " . وعموما، فإن القوي السياسية، والشخصيات البارزة، اعتبرت أن إصلاحات الأسد ليست كافية، لإنها حتي في حال تنفيذها، تأتي في سياق ثوابت الدولة السورية التسلطية، واحتكار السلطة، والاقتصار علي النظرة الأمنية في معالجة المشاكل، وغياب الحريات المدنية، وبدون تقرير قواعد ثابتة للمساءلة السياسية . كذلك، انتقد الكثيرون عدم اتجاه الحكومة السورية لإجراء انتخابات حرة يتم وفقا لها تشكيل حكومة جديدة، وعدم اتاحة الفرصة للمعارضة السورية للمشاركة في الحكومة . ويعلق الكاتب ياسين الحاج صالح علي الموقف الراهن في سوريا بأن النظام الحالي غير قادر علي فتح " نوافذ الأمل " أمام السوريين، وأن السلطة لاتزال أسيرة ماضيها وهياكلها السياسية والفكرية، وأن النظام السوري لم يستوعب بعد مخاطر واحتمالات الانفجار الاجتماعي المرتقب، في حالة العجز عن إنجاز التغيير المطلوب . وفي المحصلة ، لاتبدو مؤشرات قوية علي بدء النظام السوري في عمليات إصلاح حقيقية، والتوسع في إطار المشاركة السياسية، وليس ثمة أفكار جديدة في هذا الصدد، ويؤكد مفكرون سوريون كُثر أن النظام السياسي في سوريا وصل إلي مرحلة " الإفلاس السياسي الشامل "، والتي يثبتها ويدلل عليها التعامل الأمني الوحشي مع التظاهرات السلمية . استبعاد " السياسة " من أبرز آفات النظم العربية الاستبدادية أنها تستبعد " السياسة "، وتسلك طريق احتكار السلطة، وتعتمد نظرية وحيدة للأمن هي " أمن النظام " علي حساب أمن المواطن، فضلا عن تركيز السلطة واستبعاد التداول بصورة كاملة . ويقوم نظام الحكم في سوريا علي الدستور الذي وضع عام 1973، وتنص المادة الثانية منه علي أن " السيادة للشعب "، وتضم الجبهة الوطنية التقدمية ( الائتلاف الحاكم ) عشرة أحزاب تشارك في انتخابات مجلس الشعب، بالرغم من أن مشاركتها في مسئولية الحكم لاتذكر . وهناك أحزاب أخري أبرزها التجمع الوطني الديمقراطي، بغير أن يكون لأحزاب المعارضة أي دور في تنشيط الحياة السياسية . ومنذ سنوات، طالبت أحزاب المعارضة السورية بالسماح بإنشاء أحزاب جديدة ، وتفعيل دور الأحزاب الأخري بلا جدوي ، حيث تحرص النخبة الحاكمة علي استمرار الأمر الواقع بدون تغيير . وتظل تركيبة الحكم في سوريا رهنا بأصحاب المصالح المتشابكة من رجال الأعمال والأقليات وأصحاب المصالح الطائفية والبيروقراطية والحزبية، وتصبح نخبة الحكم ممثلة أساسا في الرئيس، وأقاربه، والمكلفين بالحراسة، وأصحاب المناصب الرئيسية في المؤسسة العسكرية، والأجهزة التنفيذية، والمستفيدين من دائرة الحكم . وعندما اندلعت الانتفاضات الشعبية في المدن السورية، فإن الرئيس بشار الأسد لم يوجه خطابا سياسيا واحدا إلي الشعب السوري مباشرة حتي يتبلور خطاب مباشر بين الرئيس والشعب ، ففي كلمته الأولي، وجه الرئيس خطابه إلي مجلس الشعب الذي يدين أعضاؤه للرئيس بولاء لايرقي إليه الشك، وفي الكلمة الثانية، وجه الرئيس خطابه إلي الحكومة السورية، التي عينها بدون أية مداولات أو مشاورات سياسية، كما يجري في حالة التغيير الحكومي في أية دولة . وعندما ركز الرئيس السوري في خطابه الثاني علي مسألة رفع حالة الطوارئ، فقد كان جوهر الفكرة هو صدور حزمة من القوانين الجديدة " التي تبطل حجة المتظاهرين، وتسمح للأجهزة المعنية وفي مقدمتها وزارة الداخلية أن تطبق القوانين الجديدة بحزم تام، حيث لا تساهل بعد ذلك مع أي عمل من أعمال التخريب " علي حد قول الرئيس . إذن - فالمظاهرات المطالبة بالديمقراطية والحريات والتي يحرمها قانون الطوارئ، ستحرمها أيضا حزمة القوانين الجديدة التي يعتبرها النظام حلا ناجعا للمشكلة برمتها، الأمر الذي يطرح علي السوريين سؤالا جوهريا مؤداه : كيف يمكن رفع حالة الطوارئ، بغير أن يتم أصلا استئصال الديكتاتورية من جذورها في سوريا ؟ وبينما تحدث بشار الأسد في خطابه للحكومة عن ضخ دماء جديدة في الدولة السورية، ومواكبة سوريا لما يجري في العالم من تغيير، وسد الفجوة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، وتطبيق نظام الحكومة الإلكترونية، والحوار الموسع مع الشعب، والتصدي لهدر المال العام ومكافحة الفساد، فإن هذه الوعود لم يصدقها السوريون، وبعد يوم واحد من خطاب الأسد " الإصلاحي / التصالحي " فقد تحولت ذكري استقلال سوريا في 17 ابريل إلي يوم دام حيث تصدي الأمن للتظاهرات في حمص، وتلبيسة، ودمشق، وحلب، واللاذقية، وبانياس، ودرعا،، ومناطق الدروز، والتي طالبت بالحرية والديمقراطية، وواجهها الأمن السوري بعنف أسقط عشرات الشهداء الجدد ومئات المصابين . ويظل النظام السوري يفضل التعامل الأمني الشرس علي التعاطي السياسي مع الأحداث السورية . ومن المعروف أن الأجهزة الأمنية تمددت في سوريا، كغيرها من الدول العربية، والتي نوعت في أدوات القمع التي تملكها، وتؤكد مصادر مطلعة وجود عنصر مخابراتي لكل 185 مواطنا، بالإضافة إلي التابعين، وكتاب التقارير، ويحذر كتاب وناشطون سوريون من أن النظام السوري يتبع استراتيجية خطيرة، حيث يجري اغتيال عناصر من الشرطة والجيش في خضم عمليات التصدي للمتظاهرين، وذلك للزيادة في التمويه والكذب وخلط الأوراق . وفي هذا السياق، فإن المغالاة في العنف الرسمي، وزيادة نقص شعور المواطنين بعدالة النظام السياسي القائم، هي مؤشرات قوية علي بدايات انهيار هذا النظام، وكلما زاد حجم جهاز الشرطة والأمن ، كلما عُد ذلك دليلا علي فقدان
الشرعية، لأن مستوي الشرعية يتناسب عكسيا مع حجم ومستوي عناصر الأمن المطلوبة لتأمين النظام، وعندما تتضاعف مشاعر عدم الرضا لدي الناس عن النظام القائم، وتتضاعف فجوة الثقة بين الناس والنظام، تبدأ ثقة النظام في نفسه تتآكل، ليطرح المفكرون والثائرون " تطلعاتهم " و"طموحاتهم " حول نظام جديد بديل، وكما يقول المفكر " جيمس بيلينجتون" .. تبدأ عقيدة ثورية في التبلور لتتمثل في التمهيد لاستبدال النظام القائم بآخر أفضل منه، " فالثورة أساسا تبدأ بانفعال في عقول الأشخاص " . خطاب السلطة تضم الاحتجاجات الشعبية التي تندلع حاليا في عشرات المدن السورية، جميع اتجاهات المجتمع السوري، من علمانيين، ويساريين، وقبائل، وإسلاميين، والطلاب.. إلخ، وهي الأولي من نوعها منذ الانتفاضة ذات الطابع الإسلامي والتي تم سحقها في 1982 . وكما جري في حالتي تونس ومصر، فإن "الحالة الثورية " في سوريا هي أحد العناصر القوية التي تجمع الفئات المختلفة من السكان، ليس كمجرد كتلة سكانية متقاربة، ولكن كجماعة متناسقة في أهدافها، تجمعها مصالح مشتركة، ورؤية عقلية متناغمة، ومنظومة قيمية متشابهة، ورغبة عارمة في التغيير السياسي، يقابلها النظام بقوة وقسوة، بدون أن يتمكن من السيطرة عليها . وإذا كان من غير الممكن تجاهل وجود إسلاميين في الاحتجاجات السورية، غير أن الشواهد تؤكد أنهم بدون قيادات، ولا تتوفر لديهم تنظيمات قوية بعد سحقها في حماة في 1982، ولذلك فقد فقدوا الكثير من تأثيرهم، ولايمكن تجاهل تأثير أجهزة الأمن السورية في هذا الصدد، فالمنتمون للحركة يواجهون عقوبة الإعدام، ( ومع ذلك يذكر أن رئيس الحركة الإسلامية علي صدر الدين البيانوني قام بالتحالف مع المعارض في المنفي عبد الحليم خدام، في 2006 ) . وتؤكد مصادر حقوقية سورية أن الانتفاضات في المدن السورية تستلهم ثورات الدول العربية، خاصة مجريات ثورتي تونس ومصر اللتين أسقطتا رئيسين عربيين : بن علي ومبارك، وهي عموما انتفاضات جماعية عفوية، بدأت تتبلور لها قيادات شبابية، ورجال دين وعشائر . وفي مدينة حمص، بدأ اعتصام يشارك فيه 20 ألف شخص في 18 /4 معلنا الاستمرار حتي سقوط حكم بشار الأسد . وقد أطلق المعتصمون في ساحة الساعة علي المكان اسم " ساحة التحرير " تيمنا بميدان التحرير في القاهرة، حتي تتحقق مطالبهم، في إسقاط النظام . غير أن خطاب السلطة في سوريا لايزال عند مرحلة " المؤامرة" التي تستهدف سوريا، ولم يتفهم أو يدرك بعد أبعاد العملية الجارية في سوريا ، فالانتفاضات علي مستوي الداخل هي من وجهة نظر السلطة " تمرد مسلح تقوم به مجموعات مسلحة تنتمي إلي منظمات سلفية تسعي إلي ترويع السكان " وهي "مجموعات الغدر والإجرام المسلحة "، وتؤكد مصادر وزارة الداخلية أنها تواجه تمردا مسلحا لترويع الأهالي، وقطع الطرقات العامة والدولية، ووفقا للسلطات، فإن التمرد المسلح يأتي تحت شعار " الجهاد لتأسيس إمارات سلفية " . وطالبت السلطة المواطنين بما أسمته " سرعة الإبلاغ عن أوكار المندسين والمشبوهين، والذين يعطلون مسيرة الإصلاح في سوريا، ويخربون ممتلكاتها " . وهكذا يستمر النظام في استخدام " حبكة سياسية وإعلامية " مشبوهة وبائسة وغير مهنية علي الإطلاق لتسويق رؤية مضمخة بالأكاذيب والخداع . أما علي مستوي الخارج، ووفقا للخطاب الرسمي السوري، فإن سوريا هي هدف لمؤامرة من جانب العصابات المسلحة والمتسللين من لبنان والعراق . ومن المعروف أن كلا من حزب الله وإيران، وهما من خلصاء سوريا صداقة وتحالفا، لايؤيدان الانتفاضات الشعبية السورية، لأنه ليس من صالحهما علي الإطلاق تغيير صيغة الحكم الحالية في سوريا . أيضا في سياق " نظرية المؤامرة " التي ينظر من خلالها النظام السوري لما يجري من انتفاضات شعبية مطالبة بالديمقراطية، فقد هاجم علماء الدين المقربون من النظام السوري بيان " الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين " الذي طالب الرئيس بشار بالبدء فورا في تلبية مطالب الشعب السوري، ودخل علماء الدين السوريون في خضم المواجهة بين النظام والشعب، ومن خلال وزارة الأوقاف، وأصدروا بيانهم الذي يؤيد خطاب السلطة في اعتبار ما يجري "مؤامرة ضد سوريا "، و" مخططا تآمريا يستهدف أمن واستقرار سوريا " واعتبر علماء الدين السوريون الذين وقعوا علي البيان أن بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو تدخل في شئون سوريا، وأنه لم يتم إبلاغهم بهذا البيان، وقال مفتي الجمهورية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون إنه كان من الأولي لعلماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يدعوا بالتوفيق للشعب السوري، وأن يباركوا الإصلاحات التي عرضها الرئيس . وكان بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد دعا القيادة السورية إلي تدارك الموقف، وإدراك حقائق العصر، حيث انتهي زمن الحزب الواحد، والزعيم الملهم، وحذر البيان من أن سقف مطالب الشعب السوري سيرتفع، لأن شباب سوريا يريدون الحرية الكاملة، والكرامة الشاملة . سوريا علي طريق ليبيا .. سيناريوهات الغد تؤكد الشواهد في سوريا علي تصعيد النظام للمواجهة الأمنية مع المتظاهرين، وسقوط الضحايا بصورة تؤجج من غضب الانتفاضات الشعبية المطالبة بالحريات والديمقراطية . ويحذر مثقفون ومفكرون سوريون أنه ربما تسير سوريا علي طريق الحل الليبي، أي التمهيد للتدخل الدولي كما فعل المجتمع الدولي مع القذافي . ومنذ أيام، أعلن نحو 130 من المثقفين والكتاب والصحفيين والفنانين والناشطين السوريين واللبنانيين والعرب في "بيان " لهم أنه لا يمكن المضي في الصمت علي الطريقة الوحشية التي تخالف كل شرائع حقوق الإنسان، والتي تتعامل بها السلطات الديكتاتورية في سوريا مع الحركة السلمية والمدنية المعبرة عن توق السوريين إلي حياة حرة كريمة " وأوضح البيان أن " أعمال القتل والترهيب والاعتقال العشوائي المصحوبة بإفراط في الدعاية الكاذبة والمفبركة التي تحتقر العقل، كل عقل، إنما تبرهن علي أن النظام السوري لم يتعلم شيئا من تجارب الأنظمة العربية التي سبقته في التهاوي " . واضاف البيان " لقد اختار النظام السوري «الحل القذافي» لتجاوز مأزقه - . دون أن ينتبه إلي أن ذلك يقضي علي البقية الباقية من شرعيته التي هي هزيلة أصلا - . واختار النظام تجريم الحركة الشعبية السورية، وتخوينها بلغة مبتذلة وممجوجة وتآمرية " وختم البيان ب" أن سوريا حرة وديمقراطية هي مكسب للسوريين وللبنان وللحرية والديمقراطية في كل أنحاء المعمورة " . وبالرغم من استمرار النظام السوري في قمع الانتفاضة الشعبية، والإفراط في استخدام القوة، فإن الساحة السورية تبقي مفتوحة علي عدة احتمالات، يمكن تلمسها فيما هو قادم علي الوجه التالي : 1 - أن يواجه النظام لحظة اختيار صعبة، ليتم الانحياز إلي الإصلاحات المطلوبة، فيتم إطلاق سراح السجناء، ورفع حالة الطوارئ، وإصدار تشريعات بإصلاح النظام السياسي، والسماح بالتعددية السياسية، وإجراء انتخابات حرة نزيهة يتجاوب معها الشعب السوري، وإجراء التعديلات الدستورية التي تصون الحريات والحقوق العامة . 2 - أن يستمر النظام في عناده، وتتصاعد المواجهة الدامية مع الشعب، وتتأجج التظاهرات والانتفاضة الشعبية، ويتضاعف الضغط الشعبي، ويزداد اختناق النظام السياسي، واستشعار الأمن بعدم الجدوي، والانهاك، ولا يجد الرئيس بشار الأسد أمامه سوي الرحيل، والخروج إلي مكان آمن . 3 - أن يجري ترتيب سيناريو انقلابي، للتخلص من تحالف عائلتي الأسد ومخلوف، وذلك بتدبير من أصحاب الرتب العالية من الطائفة السنية، وبعض ضباط الطائفة العلوية . 4 - أن تزداد الأمور سوءا، وتسير سوريا في طريق التقسيم، لتنشأ دويلة طائفية علوية في جبال النصيريين ، وأخري سنية في بقية سوريا، ولتصل الحالة السورية إلي وضع الكارثة العربية. الموقف الأمريكي .. والدولي عندما كشف موقع " ويكيليكس " مؤخرا أن الولايات المتحدة تقوم بتمويل المعارضة السورية، فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية رد علي ذلك بأن هناك منظمات تتبني مطالب للتغيير في عدة دول أخري، وتؤيدها الولايات المتحدة لأنها تؤمن بهذا التغيير . وأضاف المتحدث أن الاضطرابات التي تشهدها سوريا هي بسبب فشل الحكومة السورية في تلبية احتياجات الشعب والاستجابة لتطلعاته، وعلي الرئيس بشار الأسد أن يتجاوب مع تطلعات شعبه بالنسبة للمطالب الديمقراطية . غير أن الموقف الأمريكي بالنسبة للأحداث في سوريا هو أعقد من ذلك بكثير، فمن ناحية، رفعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من حدة نقدها لعنف النظام السوري ضد المتظاهرين، وتساءلت : لماذا لا ينفذ الرئيس الأسد عملية إصلاحية حقيقية في بلاده ؟ ومن ناحية أخري، وصف مسئولون أمريكيون نظام الأسد بأنه " نظام هش، وقاعدته العلوية صغيرة، ومن المتوقع أن تنقلب عليه القوات الأمنية". علي صعيد آخر، بدأت في الأجواء الأمريكية تساؤلات حول : لماذا لم يتخذ الرئيس أوباما مواقف أكثر تشددا من الرئيس بشار الأسد الذي ينتهك حقوق المتظاهرين ؟ وقالت صحيفة واشنطن بوست إن الإدارة الأمريكية نددت بعنف نظام الأسد ولكنها لم تتخذ خطوة ملموسة في هذا الصدد " فالثورة السورية تكبل إدارة أوباما " . وأردف مسئول أمريكي " يمكن أن يضغط الكونجرس الأمريكي علي نظام الأسد بفرض عقوبات إضافية علي سوريا " . غير أن النقاش الأمريكي الخاص بالحالة السورية توسع ليشمل موضوعات أخري، منها : أن تعمل الولايات المتحدة علي حل المسألة السورية، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وتعمق إيليوت أبرامز مدير مجلس الأمن القومي لشئون الشرق الأوسط في الشأن السوري بتوجيه النصيحة للإدارة الأمريكية بأن تنتبه إلي الميزة الكبري التي يمكن أن تحققها الولايات المتحدة في حالة سقوط نظام الأسد في سوريا، الأمر الذي سيعني " خسارة " محققة بالنسبة لإيران، ومنفعة كبري بالنسبة للولايات المتحدة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.