«الصحفيين»: لجنة استشارية تتولى التحضيرات للمؤتمر السادس للنقابة    آمنة: زفتى في اليونسكو.. وعيسى: "شرم الشيخ" على خريطة السياحة    وزير الخارجية يتلقى اتصالاً هاتفياً من نظيرته الهولندية    حزب الله يعلن لا تفاوض إلا بعد إيقاف العدوان على غزة    «الخطيب» يزور «معلول» بالمستشفى.. ويطمئن على حالته    المندوه: تم تشكيل لجنة لدراسة أحداث ما بعد نهائي الكونفدرالية.. ومن الصعب الاستغناء عن زيزو    كريستيانو رونالدو يوجه رسالة لتوني كروس بعد اعتزاله    الإعدام شنقاً لمدرس الفيزياء قاتل الطالب إيهاب أشرف    توقعات طقس ال72 ساعة المقبلة.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية مؤثرة    الإعدام لطالب جامعي وعامل والمؤبد لربة منزل في واقعة قتل طفل الشوامي    الأعلى للثقافة يُعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    خبيرة فلك: كل برج يحمل الصفة وعكسها    تفاصيل الدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط    مدبولي: الحكومة ستعمل جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص لتذليل أي عقبة تواجه قطاع الدواء    القافلة الطبية المجانية بقرية أم عزام في الإسماعيلية تستقبل 1443 مواطنًا    البنك المركزي يسحب سيولة بقيمة 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات للسوق المفتوحة (تفاصيل)    الهيئة الوطنية للإعلام تعتمد 12 صوتا جديدا من القراء بإذاعة القرآن الكريم    أسوان تستعد لإطلاق حملة «اعرف حقك» يونيو المقبل    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    كيت بلانشيت.. أسترالية بقلب فلسطينى    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحيي حقي ناقداً وكاتباً مسرحياً
نشر في القاهرة يوم 19 - 04 - 2011

يطلب منا يحيي حقي في كتابه فجر القصة المصرية العودة إلي مقالات نقدية لكتاب سخرية الناي لمحمود طاهر لاشين عام 1927، وهي القالات التي استرشد بها في كتابه هذا: يقول.. حبذا لو رجعت إليها لتبتسم حين تري من الطبيعي ان المجلات الأولي في القصة لا تجد من النقد إلا ما يظهر هو الآخر في خطواته الأولي وتعجب كيف قبلت صحيفة يومية في ذلك العهد نشر مقالات ولو بالمجان طبعاً، وفي نقد كتاب مبتدئي تعلم انه كاتب يختفي وراء اسم مستعار فيبقي ذكره مجهولاً ثم يتساءل في دهشة: «هل نجد الآن صحيفة يومية تعني بالنقد مثل هذه العناية الكريمة أو السفيهة إن شئت وبالمرجوع لإعداد الجريدة نجد أنها خمس مقالات لا ست كما يقول وهي المقالات التي يري فيها الناقد والأديب عباس خضر انها أكثر توفيقاً من بداياته القصصية وسر ذلك كما يري «انه لم يعجل في النقد كما فعل بالنسبة للقصة إذ بدأ الكتابة النقدية بعد أن اكتمل له حظ لا بأس به من الاطلاع والتجارب الأدبية» وإذا كنا نوافقه في الشق الأول من حكمه فإننا لا نستطيع القول بالشق الثاني، ذلك ان تاريخ كتابة نقده هذا كان عام 1927 وهو يطابق نفس الفترة التي كتب فيها بدايات قصصة المنسية والأكثر صواباً وأقرب للحقيقة انه كان قارئاً نهماً للآداب العالمية وعلي اطلاع بأحدث نظريات الأدب بدليل إشاراته فيها إلي المناقشات الجدلية التي قامت بين النقد والنقاد حول هل يجب ان يحكم الناقد بأصول الفن المعترف بها أم انه يعتمد علي مزاجه وشعوره الشخصي مفضلاً في نقده المعيار الأخير أو الانطباعي في كل ماكتبه من نقد بعد ذلك. مقالان في النقد وإذا كان كتابه في النقد قد كتبه في مرحلة متأخرة فله أكثر من مقال كتبه فيه في بداية الثلاثينات «نقدمها لأو ل مرة» ويحملان عنواني «تطور القصة» والثاني «القصة بين شقي الرحي»، في المقالة الأول يتساءل: هل الفنان يولد ولا يصنع، ويجيب «ان الثقافة الجديدة تقول بأن الصناعة أهم من ولادته، فمن الصعب علي الفنان ان يعيش مقتصراً علي موهبته في فنه بل لابد له ان يلم ببقية الفنون. وبعد ان يحدد موقع واتجاهات القصة الحديثة ينهي القول: «انها أصبحت تعتمد علي الجماعات لا الأفراد واضمحلت المواهب الفردية، والمؤلفون الأقدمون أبرع من زملائهم الحديثين، فليس يعاصرنا من يقارب شكسبير أو دستويفسكي أو بلزاك مع ان افقنا العلمي أكثر اتساعاً ووسائل البحث أسهل منالا. وفي مقالته الثانية «القصة بين شقي الرحي» يتساءل في المقدمة «كيف تخرج القصة في مصر من الحلقة المفرغة التي أوقعها فيها جمود القراء علي قلتهم- وتردد المؤلفين علي ندرتهم؟» وهو يري ان هذين القطبين الكاتب والقارئ كل منهما له دوره للخروج من هذه الحلقة المفرغة، يقول «أما عن أمر القصصيين سنجد مجموعة مدهشة من التناقض، فأنت تسمع مناحة عامة في وجوب خلق أدب مصري بحت، ثم نري المؤلف الوحيد الذي فتح هذا الباب علي مصراعيه قد ألقي اسمه في زوايا النسيان بدلاً من ان يقدر التقدير الواجب «يقصد بيرم التونسي..». وهل تعيش القصة إذا كان قوامها كما هو الآن وصف طبقات ضئيلة في المدن أهمها وأكثرها ظهوراً طبقة الموظفين، فضلاً عن فقدان همتهم. ولا يري حلاً لهذا الوضع للأديب إلا إذا «تخصص لها أدباء لديهم الاستعداد القصصي وكانت همهم الشاغل، ففي الأدب كما في الصناعة يتوقف التقدم علي تشجيع الشخص وان أدي الأمر إلي إيجاد نوع من الاحتكار في يد القليلين. ويري يحيي حقي ان الجانب الآخر من هذه الأزمة هو موقف دور الصحف والمجلات والناشرين «الذين يبخسون القصصيين حقهم.. وما لم تتغير طبقة الناشرين أو ترتقي عقليتهم فإنهم جاثمون علي صدر القصة كالكابوس. ويضيف يحيي حقي عاملا يراه لا يقل أهمية عن الاثنين وهو ضرورة رفع مستوي التعليم في مصر.. أين الجهود التي تبذلها الأحزاب للقضاء علي الأمية؟ إذن فيما كان البكاد في عهد «دنلوب»؟ أين التعليم الإجباري؟ ان وزارة المعارف تغش نفسها الآن وتخرج عن الطريق المرسوم لها «لأنه وعر» إلي تزاويق وزخارف قليلة النفع كالمحاضرات التي تلقي علي الرجال والسيدات ولا يتعدي أثرها أشخاص المستمعين! موقع حقي الأدبي ماذا كان موقع يحيي حقي الأدبي في تلك الفترة المبكرة؟ الكاتب والناقد محمد لطفي جمعة له دراسة لهؤلاء الأدباء الجدد الذين يطرقون باب القصة القصيرة يقول فيها وقد جمع بينه وبين محمود تيمور «وهو شديد الإسهاب في التفصيلات ولا بأس ولعه بنفسه أشخاص قصصية ويكاد هو ومحمود تيمور من مدرسة واحدة في اختبار الأشخاص غير ان تيمور يكتفي في تقديم أشخاصه بقوله «فلان طيب» أو «باشا» أو «عبيط» لكن حقي يعتمد في الوصول إلي الشخصية وتعريفها علي التحليل، فنجد شخصايته حية متحركة ومعظم أشخاصه من الطبقة الوسطي، وفي الغالب من الأفندية والمحالين إلي المعاش أو العاطلين الذين يعيشون من دخل ضئيل، أو في أمل التوظف في إحدي الدوائر أو جهات الإدارة القليلة الأهمية مثل «الدائرة السنية أو قلم القيودات بإحدي الوزارات وكذلك يتغلغل في الأوساط «النازلة» وفي مساكنهم الفقيرة في الأحياء البعيدة، ويصف أخلاقهم وطبائعهم ومشاكلهم ومشقات الحياة التي تعترضهم ومشاجرتهم العائلية والبيئية وتربية أولادهم، وهو يميل إلي التطويل في كل هذا، وليس لديه تناسب بين وصف الأشخاص وتوقيع الحوادث، وقد يسهب في وصف شخص ثانوي ويوجز في وصف البطل أو الشخص الأساسي إلي درجة «الكلفتة» ووصف المرأة عنده يكاد يكون معدوماً كما هو الحال عند تيمور أيضاً وذلك لأنهما محجوبان عن الحياة العادية «مع حفظ المقامات طبقاً»، وقد يصف حقي امرأة فتكون حتماً من النوع الذي يجلس علي «الشلتة» وأمامها «الدفاية» وكنكة القهوة وعلبة الدخان، من ذلك النوع المرذول المنحوس الذي انقرض أو كاد، وإذا أردنا وضع حقي في مكانته الأدبية فهو ينظر للحياة الحديثة من وراء تركي أو رومي متمصر ويصفها علي طريقة الأفكار والآراء والعادات الموروثة والمكتسبة التي تمر في مخروط من البلور بألوان وزوايا وأوضاع تخلف الحقيقة نوعاً ما. ونحن نتفق مع تحليل الكاتب علي وصف شخصياته بالحيوية والحركة وان معظم أبطاله من الأوساط «النازلة» وينقصه التناسب بين وصف الأشخاص والحوادث، لكن لا نرافقه علي انه يري الحياة الحديثة من وراء تركي أو رومي متمصر وهو الاتهام الذي طال من قبله محمود تيمور وطاهر لاشين وعيسي وشحاتة عبيد، بل وأحمد شوقي نفسه! وهو الاتهام الذي نفاه من غيره في فجر القصة المصرية: «انك لتحس ان نزعة تيمور في الأدب مبعثها حب صادق لمصر وأهلها، وليس من الغريب كما يظن لأول وهلة ان الذي يضمر هذا الحب كله ويحمل لواء المناداة بالأدب المصري الصميم فتي لا تجري في عروقه دماء مصرية بل ودمائه خليط من التركية والكردية والإغريقية، فهي ظاهرة طبيعية مألوفة عند الغير كما عندنا في ان العرق الحديث أشد العروق اهتزازاً بحب الوطن الجديد وانتباها لفضائله وجماله. وعن ضيق المواضيع يقول في نقده كتاب «سخري الناي» ان سبب هذا يرجع إلي خروج العنصر النسائي من حياة المجتمع المصري فلم يبق أمام المؤلفين «الذين يريدون ان تكون قصصهم واقعية» إلا ان يكتبون قصصاً تدور معظمها حول بعض شخصيات غريبة وتقع القصة تحت حظر مجرد وصف أشخاص.. إذن لبعض المؤلفين العذر إذا أقدموا علي كتابة قصص نسائية تدور حول علاقات غير شرعية، هذا هو يحيي حقي الذي لم تكن التركية تستخدم في بيتنا إلا للسباب في لحظات الغضب ولم يتعلمها إلا علي كبر أثناء عمله في إسنا. وفي كتابه «كناسة الدكان» يعترف «الظاهرة الغريبة التي أحار فيها كثيراً في تحليلها وأنا أتأمل حياتي وإنتاجي أني وان كنت من أصل تركي فإني أحس بأني شديد الاندماج بتجربة مصر وأهلها، ولعل هذا الحب هو الذي يميل إلي استخدام بعض الكلمات العامية في كتاباتي رغم انني من المهووسين باللغة الفصحي»، وعن طبيعة شخوص أبطاله من الطبقة النازية كما يقول جمعة يرد كاتبنا «لأني وجدت في حياتهم عبرة، تتركز فيهم المتاعب والمشاكل فهم خير من ينطق بها، وهو أيضاً أول من يتلقي الصدمة إذا أصيب كيان المجتمع كالنتوء البارزة في الجذع، وعنوان سر الشجرة ومكمن الحياة لفروع كثيرة أول ما يسقط إذا أريد تهذيب الجذع، ولا يعيب الكاتب اتساع أو ضيق اهتماماته، «إذا ليس كل اتساع ميزة ولا كل ضيق عيبا، بل قد يكون التزام الكاتب في مجاله ضيق هو بيه خبير انفع له من تخبطه في مجال متسع تثبت فيه قدمه أحياناً ويتعثر أحياناً أخري فكل الذي نطلبه هو الصدق ورشاقة التعبير وجدته «عنتر وجولييت». هذا هو يحيي حقي الذي اتيح له منذ بداية حياته العملية في مركز منفلوط «ان أعرف بلادي وأهلها وأخالط الفلاحين عن قرب وأعيش بين الحقول بين نباتها وحقولها وأكل بصلها وسرسها»- كناسة الدكان. و.. لم يكن يحيي حقي رغم انكاره شخصه بعيداً عن الحياة الأدبية في هذه الفترة المبكرة، ولم يكن بما يرسل «عابر سبيل» كما يصف نفسه أحياناً في دنيا القصة الصغيرة كما كان يحلو له ان يسميها بل واحداً من روادها وفاعلاً في سيرتها. في استفتاء «المجلة الجديدة» بحثاً عن إجابة للسؤال، الأدب القصصي في مصر، أسباب ركوده استغرق أكثر من عدد من أعداد المجلة «مايو 1931، تشير المجلة إليه بهذه المقدمة «يري القارئ من بين الكتاب الذين استطلعت رأيهم كاتباً أشرت إليه باسم «يحيي..» فقط وقد اضطرت إلي هذه الإشارة إجابة لرغبته، و هذا الكاتب من خيرة كتاب القصة القصيرة في مصر وله كثير من القصص المصرية الممتعة «ثم تورد رأيه كالتالي: الأستاذ يحيي.. تتراوح القصة بين نهايتين، الأولي خضوعها للوسط المحلي بحيث تبين عن مزاج قومية الكاتب وهي فاشلة إذا بلغت قصر النظر علي السطح ناجحة، وإذا كان للكاتب إيمان بقوميته وشعور يتناهي في الإحساس- لأنه يحبها وليس جمال الصورة في اتساع محيطها بل صدق تعبيرها. والثانية ان تتجرد من الأوضاع والأوساط المحلية وتتسامي المحلية وتتسامي إلي بحث العواطف الإنسانية التي لا يحدها تقسيم انثروبولوجي أو فاصل وضعي، وهي أيضاً فاسدة- إذا تاهت في عموميات لا يستطيع الجري وراءها ذهنه المقيد، ناجحة إذا جعلت إلي حد ما مرجع نظرياتها دائماً إلي وسط الكاتب حتي يسهل فهمه وتتبعه، الفرع الأخير يحتاج إلي ثقافة عالية، ونحن والحمد لله لم نتعلق بعد بأذيال أثوابها، بل نحن في تأخرنا الحالي أبعد ما نكون عنها، فلا داعي للأسف أو للعجب إذا كان نصيبنا من هذه القصص القحط، فإذا رجعنا إلي النوع الأول وبحثنا عن الركنين الأساسيين فيه لما وجدنا لها آثاراً ولذلك ظلت المجهودات إلي الآن احجاراً متفرقة في حاجة إلي قوة تجعلها في بنيان واحد صالح للتطور والنماء، فإيماننا بقوميتنا المفقود، ولا يدري المصري من أين يلاحق الهجمات المنصبة علي رأسه، حول قوم يتناقشون وهو في وسط مصائبه السياسية - هل نحن إلي العرب أم الفراعنة، والحقيقة كما يقول المسيو بوليتيس في كتاب Hellenisme in egypt parpalitis إننا إلي اليونان أقرب! لأنهم أمدونا بالحياة وعلمونا الصناعات وأخذوا بيدنا علي مر العصور، لا تزال مصر متعطشة إلي زعيم يوحي لها باستمرار وبإلحاح بأن لها قومية حتي يرسخ الاعتقاد به في أذهان الشعب وفقداننا هذا الزعيم هو الذي يشتت المجهودات الفردية ويباعد بينها وبين ما تستحقه من نجاح، والا لو عاش بيننا لوجدت مجهودات شرف وهو ما يثبت أن دم المصريين واحد. ولطفي السيد وهيكل وهما يحيطان القومية بسياج، وكتاب المرحوم تيمور وموسيقي سيد درويش تجتمع كلها في نسق واحد وتعمل عملها. والركن الثاني وهو فهم الكاتب لقوميته - فعلي فرض أنه غير موجود الآن، فلماذا لا نتحايل علي إيجاده؟ إنه لن يخلق خلقا بل يجب أن تسبقه مقدمات معقولة وأهمها ( الفولكلور) الذي قام لطفي جمعة في العام الماضي ينادي بأن يتضافر الأدباء علي جمعة وابرازه فضاعفت دعوته علي ما يظهر هباء، أليس لدينا مجموعة قيمة من المواويل والأغاني والقصص والحكايات المنتشرة في الريف لا يدري الكتاب عنها شيئا. فخلو الميدان من هذه العوامل كلها هو سبب تأخر القصة.. بل سبب تأخرنا في كل شيء والا لست أفهم الداعي لاختيار القصة للسؤال عن تأخرنا فكأننا كل شيء عداها متقدمون. أمام هذا المقياس تضيع كل قيمة باقي الأسئلة: فلا يهم أكنت تفضل الأدب الواقعي أم أميل إلي الرومانتيك، وواحد إذا كنت اكتب بالفصحي أو
العامية فهذه كلها تفصيلات مبدأ مفقود ستصبح كالسجين، ماذا يفعل عندما ينطلق حرا وهو محكوم عليه مؤبدا، وكطلبة طب تحضر دراستها لعلم الحياة في تشريح جثة هامدة». في المسرح لم يتبق في جعبتي من أعمال يحيي حقي المجهولة سوي هاجس ينتابني ازاء عملين بتوقيع «ابن يحيي» الأول نشر تحت عنوان «قصة اليوم»- «جحود امرأة» قصة اندلسية عام 1927 وهو تاريخ يواكب نشرها مقالاته «في المحكمة» وهي قصة تاريخية أكثر منها قصة مؤلفة تدور في اشبيلية في زمن المعتمد بن عباد وحكايته مع جاريته التي كان لا يعكر صفوها سوي علاقتها بوزيره ابن عمار، هو مجال لم يتطرق إليه في مجمل أعمال القصصة، إذ لم يكن التاريخ مصدراً لها باستثناء دراسته عن «الدعابة في المجتمع المصري الذي يعتمد فيها علي تاريخ الجبرتي، هذه واحدة! لكن نفس التوقيع يحمل لنا مفاجأة أخري حيث نجده يقترن بدراسة تاريخية عن المسرح الفرنسي وفي زمن مبكر جدا، وهو عام 1916، الأمر الذي يزيدنا حيرة، خاصة أنه يشير في هوامش الدراسة «مما يضحك أنني في حداثتي كنت أخجل، الخ.. وهو قول قد ينفي عنه صغر السن! ذلك أن الدراسة تشير - إن كان هو يحيي حقي - إلي سن وقت كتابتها وهو الحادية عشرة نظرا لتاريخ ميلاده في يناير 1905، أن صدق هذا التاريخ المعلن عنه أيضا، فضلا عن أن الكاتب نفسه لم يشر إليها من قريب أو بعيد رغم أنها دراسة تقع في إحدي عشرة حلقة، ورغم أنه لم يتحدث عن المسرح كثيرا قدر حديثه عن السينما وله كتاب «في السينما» إلا في فترة متأخرة جدا من حياته» كما أننا لا نعرف أحدا من معاصريه اقترن اسمه بتوقيع «ابن يحيي» من معاصريه بهذا الاسم. صحيح أن طلبة المدارس في ذلك الوقت وبعد ثورة 1919 كانوا يشكلون نسبة من مكاتبي الصحف والمجلات المعاصرة كهواة، خاصة الفنية من أمثال محمود كامل وفتحي رضوان وصدقي الجباخنجي وغيرهم، فهل تتدرج هذه الدراسة ليحيي حقي ضمن هذه الكتابات؟ وإن كانت الدراسة تعبر عنه تضج كاتبها واجادته للفرنسية أو الانجليزية بحيث يمكن القول إنها أقرب للترجمة منها للتأليف الخالص باستشهاده لكثير من النقاد الفرنسيين، وسواء كانت ترجمة خالصة أم تأليف فإنها تظل من الدراسات المسرحية الجادة والمبكرة في حينها بل والرائدة، كتب الدراسة وفي ذهنه حالة المسرح المصري. فالدراسة تتجنب نقد فولتير لاثار كورنيل معللا هذا بقوله «لا سيما ونحن لم يسبق لنا ماض يذكر في هذا الفن ولم يخرج المسرح في بلادنا عن أن يكون من كماليات الحضارة الغربية التي اعتنقناها بمخاطبة الأجانب، فينبغي لنا أن نحبب النشائين في الأدب ونرغبهم في مذاهب النابغين في هذا الفن من الفرنجة ونشوقهم إلي دراسة بدائعهم الخالدة ليتهيأ لنا من ذلك مزاج خاص في الصناعة وروح قوية من التمثيل، واكتساب ميزات جديدة في هذا النوع من الآداب الرفيعة. واضح من عدد الحلقات التي نشرت أنها لم تستكمل حيث تختتم الحلقة الأخيرة منها بالقول «وإلي هنا نمسك القلم في نقد مسرحية «سينا» لنأخذ في تصوير أخلاق الأشخاص وموعدنا العدد القادم إن شاء الله» امضاء «ابن يحيي» حيث لم تواصل المجلة النشر بعد ذلك، رغم وعد الكاتب بالحديث عن التراجيدي والفودفيل أيضا». وإذا كان هاجس من الريبة يعاودنا في علاقة يحيي حقي بهذه الدراسة المسرحية نظرا لصغر سنه حينذاك فإن هناك رابطاً خفياً يربط بينه وبينها وهو «عامل الإرادة» أحد العناصر المهمة في قصصية بعد ذلك كما صرح بذلك في دراسة عن كورنيل، يقول وقد برع كورنيل في مذهب تأليه الإرادة وتجميدها وتخليد أعمالها في مآسيه.. وكان من عادته أن يأتي بالبطل جباراً متمرداً يرمي إلي غاية واحدة لا يتعداها مهما طرأ عليه من الحوادث ويستعين بقوة إرادة مدهشة في نيل متمناه. وقد اراد كورنيل بتأليفه الإرادة في مآسيه أن يلاشي ما استقر في قلوبنا من الميول الملاذ وما طبعنا عليه من اتباع الهوي دون الرأي بالقدوة الصالحة التي مثلها واراد الناس علي أن يهتدوا بها في الحياة، ويعلق الكاتب ابن يحيي هنا علي قول الناقد برونتير في قوله «إن المرء كثير ما يتمني دون أن يحقق أمانيه «يعلق قائلا» «ولكن هل يوجد شيء في الحياة أجل وأسمي وأطيب تأثيراً من ظهور إعمال الإرادة في ابهي مظهر «وهو الذي سنراه في أعماله القصصية بعد ذلك!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.