عارضنا من قبل مشروع قانون للأحزاب أطلقه المجلس العسكري الحاكم إلا أنه لم يصدر ، وفي وسط أجواء إعلامية عن إطلاق المجلس جلسات حوار تبدأ الأربعاء 30/3/2011 يختص بإدارتها مستشارهم الدكتور يحيي الجمل صدر مساء الاثنين 28/3/2011 قانون الأحزاب رقم 12 لسنة 2011 بالفعل ، علي ماذا إذن يدور الحوار وقد صدر في غيبة من ممثلي الأحزاب والقوي السياسية وقوي ثورة 25يناير ؟. 1- مقولة التأسيس بالإخطار مقولة كاذبة لأنه ب "الإخطار" هذا وبعد يوم واحد من وصوله للجنة الأحزاب فإنها قد تعترض عليه وترفع الأمر للمحكمة الإدارية العليا فيوقف النشاط حتي يفصل في النزاع. والأمر لا يختلف كثيرا عن قانون النظام الساقط إلا من حيث انه نقل عبء التقاضي من مؤسسي الحزب إلي اللجنة القضائية. هذا بالإضافة إلي أنه رغم الزعم بأن لجنة الأحزاب لجنة قضائية إلا أنها لجنة إدارية وإن كانت تشكل من قضاة بدليل أن قراراتها يطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا وإن كانت هي التي تتولي الطعن (العرض) هذا من جهة ، ومن جهة أخري فإن جعل التقاضي علي درجة واحدة (من اللجنة إلي الإدارية العليا مباشرة ولا درجة تقاضي بعدها) حرم مؤسسي الحزب من درجة من التقاضي كان أولي بها لو جعل قرار اللجنة يطعن عليه المؤسسون لدي محكمة القضاء الإداري فإذا لم تنصفهم استأنفوا حكمها أمام الإدارية العليا. ويبقي أن الأحزاب لا تقوم إلا بالترخيص ومقولة قيامها بالإخطار مقولة مضللة لأن الإخطار كما أوضحنا يتوقف فعاليته علي قبوله من لجنة الأحزاب والقبول يعني الترخيص بالقيام. مما يفصح عن توجه المشرع العسكري ومستشاريه الاستبداديين وعلي رأسهم طارق البشري إلي التضييق لحد المصادرة لحق تشكيل الأحزاب. 2- يستخدم القانون عبارات مطاطة مراوغة مثل عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه مع "المبادئ الأساسية للدستور" ما هذه المبادئ الأساسية ؟ وما الأساسي وغير الأساسي ؟ أو "مقتضيات حماية الأمن القومي المصري" ما هذه المقتضيات ؟ هل العداء لإسرائيل وأمريكا يهدد الأمن القومي ؟ هل العداء للرأسمالية التابعة الحاكمة والعمل علي إحلال تجمع وطني ديمقراطي شعبي يهز الأمن القومي ؟ وكذا "الحفاظ علي السلام الاجتماعي" هذا السلام القائم علي ظلم طبقة ضيقة لطبقات الشعب العاملة المنتجة. هل إذا اقتربنا من هذا "المقدس الطبقي" يهدد السلام الاجتماعي ؟ نفس عبارات ومصطلحات وتضليلات النظام السابق. أثبت المجلس العسكري أنه الابن البار للنظام الساقط المحافظ علي ترهاته والتواءاته وتوجهاته نحو قمع الحركة الشعبية. 3- عدم قيام الحزب علي أساس "طبقي" أي حزب في العالم لا يقوم علي أساس طبقي ؟ حزب "العمال" البريطاني وحزب المحافظين والحزب الشيوعي الفرنسي والشيوعي اليوناني والإيطالي والاسباني والأمريكي أو ليست أحزابا طبقية ؟ ماذا لو قام حزب العمال المصري أو حزب الفلاحين ؟ أو ليسوا هؤلاء أغلبية الشعب ؟ ألم يكن الحزب الوطني حزبا طبقيا للرأسمالية التابعة ؟ كل الأحزاب المدنية السياسية الاجتماعية أحزاب طبقية إلا الأحزاب الدينية لأنها تقوم علي أساس رأسي في حين تقوم الأحزاب المدنية علي أساس أفقي. الأول يجمع الأغنياء والفقراء المستغلَّون والمستغلَّون السادة والخدام الرأسماليون والعمال الملاك والأجراء في حزب واحد يجمعهم بسم الله الرحمن الرحيم. وبعد ذلك ينتهي الكلام. وينتهي الصراع لأن كلمة الله التي ينطقون بها هي العليا والصراع الطبقي هي السفلي ، والجنة والنار هما الجزاء المنتظر. ولقاؤنا في الآخرة لأن لقاء الدنيا عابر. فلا تشغل بالك واجتهد بالصلاة والصوم وعلينا الوعظ والإرشاد لعلكم تخضعون ولا يعني هذا الشرط إلا إقصاء الأحزاب الشيوعية عن التواجد القانوني. 4- طالب القانون مؤسسي الأحزاب الجديدة بالحصول علي توقيع 5000 خمسة آلاف عضو مصدقا علي توقيعاتهم بالشهر العقاري (الواحد يكلف 30 جنيها) يعني 150 ألف رسوم توثيق) علي أن يكونوا من عشر محافظات علي الأقل ولا يقل العدد بالمحافظة الواحدة عن 300 عضو. ثم نشر مبادئ الحزب وأسماء مؤسسيه في جريدتين واسعتي الانتشار بما قد يصل تكلفته إلي 400 ألف جنيه إضافة إلي التكلفة السابقة يعني الحزب الجديد يحتاج دعما ماليا من أحد تجار المخدرات وفي ظروف حياة سياسية معطلة في مصر منذ أكثر من نصف قرن يصبح هذا الشرط مصادرة للحركة السياسية المصرية تماما. ولا يملك تحقيق هذا الشرط إلا الإخوان المسلمون والجماعات السلفية وكبار الرأسماليين واللصوص وعلي المناضلين والمستبعدين والمطاردين سياسيا طوال نصف القرن الماضي أن يبحثوا عن وطن آخر لأن وطن المجلس العسكري يضيق بهم. وعلي القوي السياسية الوليدة قبل وبعد 25 يناير أن تستقيل من العمل السياسي وأن تكتفي بكنس ميدان التحرير. وعندما سئل صبحي صالح القيادي في جماعة الإخوان ليلة إصدار القانون عن اشتراكه في إعداده ، نفي الاشتراك لكنه استدرك بأخذ "رأيهم" فيه. وبالطبع اشترك مقاول تشريعات المجلس العسكري المستشار طارق البشري في الإعداد والإخراج فهو صنايعي حريف وإن كان غير أمين ويمثل الإسلام السياسي وهو القادر علي فهم معني إطلاق حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والنقابات دون شروط من نوع شروطه في تطوير الحركة السياسية الديمقراطية والشعبية بما يفتح الباب لتبوء الطبقات الشعبية مقدمة المسرح السياسي الاجتماعي بما يهدد ويكشف أمر التضليل ويظفر الشعب بانتصاره التاريخي المنتظر. وكان يجب ألا يزيد عدد المؤسسين علي 50 مؤسساً لأن تضييق العدد يضمن التجانس الفكري للمؤسسين ويسمح ببروز قياداته. 5- أسند القانون للجنة الأحزاب فحص ودراسة إخطار تأسيس الحزب ومنحها الحق في أن تطلب أي مستندات أو أوراق أو "بيانات" أو "معلومات" من "أي جهة". أو أن تكلف من تراه من "الجهات الرسمية أو العامة" بإجراء أي تحقيق أو بحث لازم للتوصل إلي "الحقيقة" فيما هو معروض عليها. يعني اللجنة تفترض عدم صحة ما ورد إليها مبدئيا وعلي ذلك تلجأ إلي أي جهة للحصول علي معلومات فهل الجهة هي قطاع الأمن الوطني البديل لأمن الدولة بالداخلية ؟ أم هي المخابرات العامة ؟ علي كل حال ليس ممنوعا عليها الالتجاء لأي جهة مما يسبغ ويعيد الأساليب الأمنية السابقة للنظام الساقط. إن ثورة 25 يناير ليس لها برنامج اجتماعي وإنما كان لها توجه أساسي نحو إطلاق الحريات وإزالة كابوس الاستبداد من علي أنفاس الشعب وهي غاية ونتيجة مقبولة حتي الآن وإلي حين تطوير آفاقها الاجتماعية ، فأن يأتي قانون الأحزاب ويضرب الحرية في مقتل فإنه يطعن الثورة في مقتل أيضاً ويزدري بآمال الشعب في التحرير والانعتاق ويصير الوجه الآخر العسكري للنظام الساقط. وقد يحتاج الأمر إلي ثورة لإنقاذ الثورة فإلي كل القوي السياسية الوطنية الديمقراطية نوجه نداء لرفض القانون والاحتجاج السلمي عليه والتنديد بأحكامه وقيوده لوقفه أو إلغائه.