مسابقة وظيفة معلم مساعد مادة.. 18986 متقدمًا في اليوم الأول    ننشر رابط التقديم الإلكتروني بتنسيق كليات جامعة حلوان الأهلية لطلاب الثانوية 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    قطع الكهرباء عن 16 منطقة بمدينة بنها 3 ساعات    البنك الأوروبي للإعمار يتوقع استمرار ارتفاع التضخم في مصر عند 34% في 2024    زيلينسكي يلغي زيارته لإسبانيا والبرتغال بسبب تدهور الوضع في خاركيف    باحث: مصر تصدت بكل حزم وقوة للإدعاءات الإسرائيلية الباطلة    ملك الأردن يحذر من العواقب الخطيرة للعملية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية    "بسبب الزمالك".. قرار عاجل بتعديل موعد مباراة بيراميدز والإسماعيلي بالدوري    103 ملايين جنيه إسترليني تضع ليفربول في ورطة بسبب محمد صلاح.. ما القصة؟    8 توجيهات مهمة من وزير التعليم بشأن امتحانات الشهادة الإعدادية (تفاصيل)    السكة الحديد تواصل عقد ندوات شعبية للتوعية ضد ظاهرة المعابر غير الشرعية على القضبان    نقلة تاريخية ب"أهرامات الجيزة".. "السياحة": بدء دخول المنطقة من المدخل الجديد    المتحدة تحتفى بميلاد زعيم الفن العربي    أحمد زايد: مكتبة الإسكندرية بصدد تنظيم منتدى دولي للسلام    بالفيديو| أمين الفتوى يذكر بعض كرامات السيد البدوي: لا أحد يستطيع التشكيك فيها    مصرع طفل غرقًا في بحر النزلة بالفيوم    البنك الأهلي المتحد يفتتح أحدث فروعه "شبين الكوم" بالمنوفية    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    6 يوليو.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمركز التعلم المدمج ببني سويف    السبت.. المتاحف وإدارة الفن ندوة ثقافية بمعهد الموسيقى العربية    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant: قصة صعود ملاكم من الطبقة العاملة    الانتهاء من تنفيذ خط طرد محطة بيجام بشبرا الخيمة    ضمن "حياة كريمة".. الكشف على 1317 مواطنا خلال قافلة مجانية في المنيا    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    لا تصدقوهم.. إنهم كاذبون!    اليوم الأول لمهرجان كان.. لقاء مفتوح مع ميريل ستريب وإعادة فيلم الافتتاح    الكوميديا تسيطر على الموسم الصيفى ب 15 فيلم    محافظ بورسعيد للطلاب: "بتأخذوا دروس خصوصية علشان تنزلوا الشارع" - صور    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    المرور: ضبط 14 ألف مخالفة على الطرق والمحاور خلال 24 ساعة    الصحة تنشر طرق التواصل مع البعثة الطبية للحج.. وتوجه 4 نصائح مهمة    تحرير (148) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    وزير الرياضة يعلن عودة الجماهير للملاعب ويتوعد المخالفين    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    بالفيديو.. غناء وعزف أنتوني بلينكن في أحد النوادي الليلية ب"كييف"    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    جهاز تنمية مدينة الشروق: قرعة علنية للمساحات التي تم توفيق أوضاعها بمنطقة الرابية    انطلاق الامتحانات العملية بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر.. صور    «حياة كريمة» تطلق قافلة تنموية شاملة إلى قرية شماس بمركز أبو النمرس    الداخلية: ضبط 25 كيلو مخدرات و132 قطعة سلاح بالدقهلية    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    «النقل» تكشف تفاصيل التشغيل التجريبي ل5 محطات مترو وتاكسي العاصمة الكهربائي    كاتب صحفي: مصر تمتلك مميزات كثيرة تجعلها رائدة في سياحة اليخوت    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    ضبط 14293 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    500 جنيه مكافأة لطالب من محافظ بورسعيد داخل اللجنة: «ما بخدش دروس خصوصية»    6 ميداليات لتعليم الإسكندرية في بطولة الجمهورية لألعاب القوى للتربية الفكرية والدمج    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    «إكسترا نيوز»: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف على عدة مناطق في رفح الفلسطينية    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعقوب صنوع.. اليهودي المسلم!
نشر في القاهرة يوم 22 - 03 - 2011


كان يعقوب هو الولد الوحيد لأمه وأبيه حيث مات قبله أربعة أولاد لم يروا النور إلا أسابيع قليلة، وعندما حملت الأم في يعقوب خافت أن يكون مصيره كأشقائه لولا أن إحدي صديقاتها نصحتها أن تفزع إلي شيخ مسجد الشعراني فعنده التمائم والتعاويذ والتحصينات اللازمة لمثل هذه الحالات. يعقوب صنوع قصة طويلة مثيرة للجدل، أنها قصة الفنان الذي خلق في بيئته وجيله ما لم يعرفه الجيل السابق له، إن سيرة هذا الصحفي الشهير لم تكن لتري النور ولم يعلم أحد عن صاحبها شيئا يذكر لولا أن صنوع نفسه كتبها في أواخر أيام حياته وفي لحظات من التجلي والصفاء. هي قصة اليهودي المسلم الذي قرن بين دينين فقد حملت فيه أمه اليهودية وولدته مسلما هبة منها للإسلام، واصغاء لوحي في قلبها، وتلبية لتعاليم العراف الذي أنبأها بالخبر اليقين. وقد قال الشيخ الوقور للأم الملتاعة وكأنه يكشف عن الغيب: «إن الله سيبارك ثمرة أحشائك وسترزقين بولد جميل، وإن نذرتيه للإسلام فلسوف يبارك الله فيه ليصبح من عظماء الرجال». وأصغت أم يعقوب لنصيحة الشيخ وأقرها الزوج علي أن يهب ابنه للإسلام والمسلمين ويذكر «أبونظارة» في مذكراته أنه حفظ القرآن في سن مبكرة ويحكي عن ذلك قائلا: «وما إن فتحت عيني لأري نور الحياة حتي انزلقت من بين يدي المولدة التي كانت في استقبالي، وظللت ثلاثة أيام بين الحياة والموت دون أن يعرفوا أن رأسي قد شح، ولكن كان مكتوبا علي أن أعيش لأؤدي رسالة مقدسة ألا وهي مكافحة الأباطيل التي تفرق بين المسلم والمسيحي من خلال اظهار سماحة القرآن وحكمة الانجيل، وهكذا تتسني لي الملائمة بين قلوب الفريقين». عين اليهودي ومن الطريف أن يعقوب صنوع لم يشر قط في تاريخه إلي أنه ولد من أبوين يهودين رغم أن جميع الكتب أكدت ذلك وفضحت نظرات عينيه ذات الطابع اليهودي الأصيل هذه الحقيقة، ولكن الأطرف أن أبا نظارة أرجع ذلك إلي الرمد الذي أصابه وهو صغير وظل يلازمه طوال حياته. ومن الطرائف أيضا في حياة صنوع ذلك اللقاء الذي تم بينه وبين الأمير أحمد حفيد محمد علي، وكان يعقوب في سن الثالثة عشرة ويكتب الشعر، وكان من المنتظر أن يلقي قصيدة أمام الأمير الذي عرف بموهبته، وكان من ضمن البروتوكولات أن يدخل الضيف ويقبل يد الأمير، ولكن الصبي المشاغب صنوع رفض أمر أبيه بتقبيل يد الأمير، حيث تقدم في كبرياء متوجها إلي الأمير، وقال في أنفة: «لا أدري لماذا يريد والدي مني أن أقبل يدكم الملكية.. هل أنت إمام أو قسيس أو حاخام؟ لا.. إنني إنسان مثلك، لا بل أنا أعرف قرض الشعر وأنت لا تعرفه!. ورغم أن هذه الكلمات وإن كانت قد نزلت علي أبيه وكل الحضور نزول الصاعقة إلا أنها كانت مفرقا من مفارق الطرق التي صادفت حياته فقد بدت علي الأمير اللماح علامات السرور وطار فرحا بيعقوب ثم أمر بإرساله علي نفقته إلي أوروبا لتكملة تعليمه، وبعد أن ذهب صنوع إلي أوروبا وبعد أن جمع حصيلة كبيرة من الثقافة عاد إلي مصر ولكنه فوجئ بموت الأمير وكذلك أبيه فوجد نفسه مسئولا عن أسرة فاضطر للعمل بالتدريس بإحدي المدارس وذلك ليقيم أوده وأود عائلته في الوقت الذي وجد فيه متنفسا لدراسة اللغات التي كان يعشقها، وتؤكد المصادر أن «أبونظارة» كان وهو في سن الأربعين يجيد العبرية والانجليزية والفرنسيةوالتركية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والإسبانية والمجرية والروسية والبولونية بالإضافة إلي العربية. علم الرقص ويصف محرر جريدة «ستر دي ريفيو» الانجليزية طرائق العيش التي اتبعها أبونظارة فيذكر إنه كان ينتقل من قصر إلي قصر ومن خان إلي آخر ليعلم أبناء الباشوات والأمراء اللغات والرسم والموسيقي والحساب ويجزم المحرر بأن يعقوب كان أيضا أستاذا في علم الرقص - وهو ما ظهر بعد ذلك حينما أنشأ صنوع أول فرقة مسرحية في العالم العربي - ويذكر يعقوب من البيانات ما يؤكد الكلام ويزيده تفصيلا فيروي أن بعض الشخصيات المدنية والعسكرية التي كانت تحكم مصر في أواخر القرن التاسع عشر قد تلقت عنه دروسا خصوصية وتتلمذت عليه في المدارس الحرة والأميرية، حيث أمضي بضع سنين مدرسا أول في المهندسخانة، وعضوا في لجنة امتحان المدارس الأميرية. وفي مرحلة تالية بدأ أبونظارة في تأليف التمثيليات ليشبع بها نفسه المطبوعة علي الحكاية والرواية وكان نجاح تمثيلياته الإيطالية الثلاث حافزا له علي المضي فيما أهله له طبعه، فعزم علي أن يقيم مسرحا قوميا مصريا وهو عمل فني لم يسبقه إليه أحد في مصر أو في البلدان العربية وبالفعل نجح في ذلك مع بداية عام 1870م. ويذكر أبونظارة أن مسرحه ظل يعمل سنتين عرض فيهما اثنتين وثلاثين تمثيلية من تأليفه بعدها دعاه الخديوي إسماعيل وفرقته ليمثل علي مسرحه الخاص بالقصر وقد عرض علي الخشبة الملكية ثلاث مسرحيات هي: «آنسة علي الموضة»، و«غندور مصر»، و«الضرتان»، وكانت كلها من نوع الملهاة الأخلاقية، وبعد مشاهدة الخديوي الملهاة الأولي والثانية استدعي يعقوب أمام رجال حاشيته وقال له علي الملأ: «أنت موليير مصر وسيخلد اسمك»، بيد أنه عندما شاهد الملهاة الثالثة «الضرتان» والتي كانت تفضح مساوئ تعدد الزوجات انقلب عليه وقال له بلهجة تهكمية: «سيدي موليير إن كانت كليتاك لا تحتملان إرضاء أكثر من امرأة واحدة فلا تجعل الغير يفعل مثلك». وشاية إنجليزية وبعد أكثر من مائتي عرض لمسرحياته طلب منه إسماعيل أن يمثل ثلاث قطع في حفلة ساهرة كبري وقد نال صنوع ومسرحه إعجاب الحاضرين وعلي رأسهم الخديو الذي صفق له بحرارة، غير أن كبار الجالية الانجليزية الذين حضروا السهرة وشوا بأبي نظارة عند الخديو واقنعوه بأسلوبهم «الثعباني» بأن التمثيليات التي يقدمها صنوع تحمل مضمونا لاذعا وتلميحات وإيماءات خبيثة ضد سياسته وسياسة القصر والحكومةومن ثم فهي خطر كبير علي نظام الحكم ومقدرات البلاد، فما كان من إسماعيل إلا أن أمر بإغلاق مسرح صنوع وبدأ منذ ذلك العهد اضطهاد أبي نظارة. وفجأة وجد يعقوب صنوع نفسه من غير قلم أو قرطاس واحتبست في صدره الأفكار والآراء فحزن حزناً شديدا فرأي أصدقاؤه المقربون من القصر أن ينصحوا له بأن يخفف من حدة الخصومة مع الخديو، واستمع أبونظارة إلي نصحهم فاعتكف شهرين مظهرا ندمه لولي النعم علي ما بدر منه وكان ذلك وسيلته الوحيدة لارضاء إسماعيل هذا الرضاء الذي قد أذن له بأن يصدر مجلته «أبونظارة» ليحيا فيها يعقوب ما بقي الكون وبقي في الكون إنسان. أبونظارة زرقاء ويشير صنوع إلي الظروف التي أوحت باسم مجلته فيذكر أنه اجتمع طويلا بالأفغاني ومحمد عبده لاختيار الاسم المناسب ولكن بعد الاجتماع الطويل ترك الاجتماع دون الوصول إلي اسم وخرج إلي الشارع فأحاط به «المكارية» وتنافسوا حول من يوصل يعقوب بحماره وراح كل واحد منهم يصيح: «ده يا أبونظارة.. ده يا أبو نظارة»! فأعجب الاسم صنوع فقرر أن يكون هو عنوان صحيفته الناشئة. ولكن أبا نظارة لم يسكن بل راح يمارس نقده اللاذع ضد الأوضاع وسياسة الحكومة، بل لقد طالت كرابيجه الزجلية والشعرية الخديو نفسه فغضب عليه مرة أخري ثم قرر غلق الصحيفة والتخلص من صاحبها بنفيه إلي باريس. وفي باريس لم يهدأ يعقوب بل راح يمارس نشاطاته في كل المنتديات يحاضر ويلقي الشعر ويكتب في الصحف فانتزع إعجاب أهل الرأي في فرنسا فهو فنان متعدد المواهب يجيد الموسيقي كما كان ينظم الشعر- والشعر الفرنسي خاصة - مما جعل أحد الصحفيين الفرنسيين الكبار يقول فيه: «لست أدري أن مقدرا لصنوع أن يكسب القضية التي يدافع عنها أم لا، ولذلك فلست هنا بصدد مدحه أو قدحه، غير أننا لا نلتقي كثيرا برجل مثل أبونظارة له طابع مستقل قائم بذاته، وعزيمة لا تعرف الوهن أو الهزيمة». واستمر صنوع في مسيرته حيث انشأ عددا من الصحف في فرنسا حتي عاد إلي مصر فأصدر عددا آخر من الصحف والمجلات مثل: «النظارات المصرية»، و«أبوصفارة»، و«أبوزمارة» و«الحاوي» وغيرها. ولم يتوقف إلا بعد أن كف بصره وثقل عليه المرض فأمضي في سريره نحو سنتين يجاهد في سبيل الحياة من غير نتيجة حتي نزل به قضاء الله في سنة 1912م فنعته الصحف ووكالات الأنباء في العالم كله.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.