على خطى جيرانها، السنغال تشهر الكارت الأحمر في وجه الجيش الفرنسي    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    برشلونة يحسم موقفه من رحيل أراوخو إلى بايرن ميونخ    طقس اليوم: موجة حارة.. وعظمى القاهرة 35 درجة    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    الدولار يواصل السقوط ويتجه لتسجيل انخفاض أسبوعي وسط مؤشرات على تباطؤ في أمريكا    ارتفاع سعر الذهب اليوم في الأسواق    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    شقيق ضحية عصام صاصا:"عايز حق أخويا"    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة.. موجة حارة وارتفاع درجات الحرارة    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    باسم سمرة يروج لفيلمه الجديد «اللعب مع العيال»: «انتظروني في عيد الاضحى»    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    موعد مباراة ضمك والفيحاء في الدوري السعودي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    بسبب زيادة حوادث الطرق.. الأبرياء يدفعون ثمن جرائم جنون السرعة    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    كندا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب انتهاكات    وزير الدفاع الأمريكي يؤكد ضرورة حماية المدنيين قبل أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    وقوع زلازل عنيفة بدءا من اليوم: تستمر حتى 23 مايو    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    أضرار السكريات،على الأطفال    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي يعقوب : البداية أن يؤمن الشعب المصري بنفسه

روزاليوسف تنفرد بأول حوار طويل مع السير د. مجدى يعقوب بعد حصوله على قلادة النيل :
بداية الطريق.. أن يؤمن الشعب المصري بنفسه

د. مجدى يعقوب
ليس أمرا قليلا أن تواتيك فرصة إجراء حوار طويل مع رجل مثل الدكتور مجدي يعقوب بعد ساعات قليلة من قيام رئيس الدولة بمنحه أعلي تكريم في مصر، وليس شيئا سهلا أن يكون لقاؤك ب (ملك القلوب) صاحب «قلادة النيل» داخل أعز مكان لديه في بلده.. مركز القلب الذي أنشأه بأسوان.. ليس شيئا سهلا لأنك ستشعر أن كل دقيقة تقضيها معه وأنت تجري الحوار يحتاجها أكثر منك كثيرا مريض يرقد في غرفة ملاصقة لك، رجاؤه في الحياة متعلق بأصابع هذا الجراح المصري العالمي الدكتور مجدي يعقوب، الذي منحه الشعب الإنجليزي جائزة «فخر بريطانيا» والذي هو بالتأكيد قبل «قلادة النيل» وبعدها.. فخر مصر.
المسافة من القاهرة إلي أسوان 879 كيلومتر تقطعها الطائرة في ساعة ونصف الساعة تمر سريعًا إذا كنت علي موعد مع شخصية ملهمة مثل دكتور «يعقوب».. كنا أربعة صحفيين من «روزاليوسف»، .. جيلان، كل منهما يحمل تصورا عن الرجل ونظرة خاصة له وعشرات الأسئلة التي يريد أن يطرحها عليه. وحين دخل علينا في الغرفة الصغيرة التي كنا ننتظره فيها كان يرتدي «سويتر» فوق الزي الطبي.. ابتسم بود وشكرنا علي الحضور إليه واعتذرنا مقدما عن الوقت الذي سنقتطعه من حق مرضاه.
كل سؤال تسأله لمجدي يعقوب سيقودك إلي «القلب» بمعناه الطبي والمعنوي، فهو كجراح مغرم بمهنته إلي حد الوله.. تملك عليه كل حياته .. وهو كإنسان يحمل علي كتفيه خبرة 76 عاما، أصبح كنزا للحكمة، فكل إجابة منه تصل إلي جوهر الأشياء.. إلي قلبها.. ولا تخلو علي بساطتها من فلسفة عميقة لدرجة لابد أن تستدعي معها التعبير المصري الشهير والقديم جدا الذي يطلق علي الطبيب اسم (الحكيم) عن صدق وبلاغة شعبية مدهشة.
علي مائدة صغيرة جدا بدأ حوارنا معه والذي أصر علي أن يكون في حضور طبيبين من جيلين مختلفين هما مساعداه التنفيذيان. د. وائل عبد العال ود. أحمد الجندي. وقبل أن نسأل قال لنا: هما أحق مني بالحوار.. اعتبروهما يمثلان كل من يعملون معي.. أنا لا أنجح وحدي وأكثر معني منحني الثقة في الكلمة التي قالها الرئيس مبارك أثناء تكريمي هي أن هذا التكريم «تكريم للعلم».
سألناه.. هذا الشعور بالثقة يا دكتور وصلنا بالفعل ونعتقد أنه وصل إلي ملايين المصريين فتكريمك يعني أن طريق الجهد والكفاءة والإصرار والعلم ليس سرابا وأنه يمكن أن يصل بالإنسان إلي أعلي نقطة في طموحه ونعتقد أن هذه الثقة جاءت في وقتها، فهناك نوع من الشك لدي المواطن المصري في قدراته وقدرات مجتمعه.. هناك نوع من اهتزاز الثقة. هل توافقنا علي هذا؟
- نعم أوافق، وإذا طبقت ذلك علي مجال تخصصي أقول أن الثقة بين المرضي والأطباء في مصر أقل بكثير من أي مكان في العالم، وهذا شيء محزن لأنه من المفترض أن يكون الشغل الشاغل للأطباء المحاربة من أجل المريض.. ليكونوا حماة المرضي. وفي طب القلب وجراحة القلب بالذات الثقة يجب أن تكون عمياء، حيث يسلم المريض نفسه تماما للطبيب ويجب أن يؤمن أنه سيفعل كل ما في استطاعته.. وفي المقابل يجب أن يشعر الطبيب بهذه الثقة من جانب المريض لتكون لديه دوافع وطاقة كي يفعل المستحيل من أجله، لكن هذه الثقة في نفس الوقت تشكل مسئولية ضخمة عليه.. ستسألونني طبعا: ولماذا هذه الثقة غير متوافرة في مصر؟
بالتأكيد
- سأقول لكم أنني لا أعرف لكن هناك أناسا (زي الفل) جالسين أمامكم. (مشيرا إلي الدكتور وائل والدكتور أحمد).
نعرف أن في المجتمع المصري نماذج مشهورة وأخري لا يعرف الناس عنها شيئا تدفع للثقة لكن المجتمع لا يشعر بهذا.
- ربما لأن المعاناة لسنوات طويلة فعلت هذا في الناس، لكن هذه الثقة لابد أن تعود.
دكتور مجدي أنت مصري تعاملت عبر سنوات طويلة مع عمق الشخصية المصرية بفئاتها المختلفة ونظرت إليها عن بعد وأنت تعمل في الخارج، فضلا عن أنك بحكم عملك تتعامل مع الإنسان في أضعف لحظاته وأصدقها أيضا.. هل تري تغيرات عنيفة أصابت عمق الشخصية المصرية؟
- من الظلم أن أقارن مقارنة حادة بين الناس في مصر زمان والآن لأن النتيجة السريعة قد تأتي في صالح القديم، لكننا نكون قد أغفلنا أشياء كثيرة مضيئة أراها وألمسها كل يوم.. علي الأقل من خلال النماذج التي تعمل معي، لكنني علي أي حال قد لا أكون مؤهلا للحكم بدقة علي هذه التغيرات لأنني لم أعش في مصر كثيرا.
بالعكس أنت خرجت من البلد وعدت إليها فربما تلمس أنت تغيرات لا نلمسها نحن - لديكم كل الحق.. ولكن لاحظوا أنني رجل يعمل طوال الوقت «داخل الصندوق» وتركيزي كله ينصب علي تفاصيل مهنتي، وفي كثير من الأحيان لا أري غيرها أو لتقولوا أنني لا أري العالم إلا من خلالها.
دعنا نتحدث من خلال مهنتك .. هل تري أن شبابا مثل الذين يعملون في فريقك الطبي ولديهم كفاءة مؤكدة يملكون نفس الفرص والقدرة علي الطموح كنظرائهم في الخارج؟.. هل لديهم نفس الإحساس بقيمة العلم؟.. هل هم مثلك تربي وجدانهم علي أن المهنة ليست فنا فقط لكنها رسالة أيضا؟
- المؤكد أن هناك اختلافات شخصية، ولكن معكم الآن نموذجين من جيلين.. الدكتور أحمد.. تحدثوا معه.. اسألوه.. إنه طبيب مصري عمره 26 سنة حصل علي زمالة الكلية الملكية من إنجلترا وحصل علي الماجستير ويشتغل ليلا نهارا هنا.. اسألوه وهو يقول لكم إذا كان هناك ناس في مصر يؤمنون بالعلم أم لا.. كذلك الدكتور وائل.. هو طبيب يعمل منذ فترة طويلة علي خدمة الناس وإعداد القوافل ويعلم الناس في آسيا وأفريقيا ومناطق كثيرة حول العالم.
هناك إحساس عام بأن الجيد والكفء أصبح قليلا في مصر ودعنا نعود إلي تجربتك الشخصية وقل لنا كيف تري هذا الأمر؟ وما المعايير التي يجب توافرها فيمن يمكن أن يعملوا مع «السير» مجدي يعقوب.. وما هي الشخصيات التي يمكن أن تحبطك؟
- لدينا هنا معايير اختيار صارمة نضعها ثم نبحث عن الناس.. نجد كفاءات، لكن عددها يكون أقل من توقعاتنا ولا أختار بمفردي لكن يكون معي الشباب الذين أثق بهم ويشاركني أيضا شخصيات من الخارج حتي يلفتوا انتباهي إذا فاتني شيء.. نخطئ أحيانا، لكننا في النهاية نجد الكفاءات.
--
بكلمات قليلة أجاب الدكتور مجدي يعقوب عن سؤالنا لكن هذه الكلمات تحمل معاني مهمة وعميقة فهو يقول ببساطة أن أي عمل جاد تلزمه (معايير صارمة) ثم مشاركة في اتخاذ القرار، وأن الخطأ شيء طبيعي ولا يجب أن يدفع للإحباط وفي النهاية فإن من يبحث بجدية عن شيء سيصل له.
ملاحظة غير مهمة: مساعدا د. مجدي (الدكتور وائل عبد العال) و(الدكتور أحمد الجندي) مسلمان وكذلك منسقة أعماله السيدة (أنيسة حسونة) ابنة وزير العدل الأسبق (عصام الدين حسونة).
ملاحظة مهمة: زوجة د. يعقوب ألمانية ليست إنجليزية ولا أمريكية أي أن الحب كان دافعه للزواج وليس مناخ العمل أو مكان الإقامة.. وهو لم يدفع أولاده لاقتحام مجال الطب عنوة فابنه الوحيد (اندرو) طيار و(لويزا) إخصائية اجتماعية و(صوفي) هي الطبيبة الوحيدة بينهم.
قلنا له: هل يسألك أولادك عن بعض الأحداث التي تقع في مصر أحيانا وتدعو للانزعاج كما حدث بالإسكندرية ليلة رأس السنة؟
- سأقول لكم إجابة ربما تستغربونها.. العلم في حياة رجل مثلي، وبالتالي في حياة القريبين مني أكبر من أي شيء ومن أي أحداث فنحن ننظر إليه علي أنه رحلة بحث عن الحقيقة وإذا وصل هذا المعني إلي جميع الناس وسعوا جميعا إلي الحقيقة سيتفقون.. ولن تجدوا طيشا هنا أو توترا هناك.. قدماء المصريين وصلوا إلي هذا المعني وأتصور أن أعمق ما في حضارتهم أنهم أخذوا العلم جسرا للوصول إلي الحقيقة الكلية فعاشوا حتي الآن.
من خلال رحلتك الطويلة كعالم يبحث عن الحقيقة.. متي يشعر الطبيب بالرضا عن نفسه ومتي يشعر أنه عاجز؟
- قد يعتقد بعض الناس أن حياة رجل مثلي مسلسل من السعادة والنجاح، لكن الأمر ليس كذلك تماما وأنا أدرك أن هذه هي طبيعة الأشياء، ولكن هناك أمرين يجعلان الطبيب يشعر بالرضا والسعادة.. الطبيب يسعد جدا عندما يري مريضا يتحسن وعندما يري اكتشافا جديدا.. عندما يري نورا جديدا يساعد الناس فيكون هناك نور ودفء.. الاكتشافات الجديدة تسبب سعادة ضخمة وتحقق اتفاقا بين كل من يعملون.. أما الشعور الحقيقي بالعجز بالنسبة للطبيب فيتحقق بقسوة عندما يفشل أمام عدوان: الجهل والمرض.
دكتور مجدي.. الآن وأنت حاصل علي لقب رفيع في بريطانيا وأعلي تكريم يمكن أن يحصل عليه مصري في بلده.. في هذه اللحظة تحديدا كيف تري الفارق بين طبيب الامتياز مجدي يعقوب والسير مجدي يعقوب الحاصل علي «قلادة النيل»؟
- رأيت في حياتي أكثر مما يمكن أن يتوقعه أي إنسان.. أجمل الأشياء وأسوأ الأشياء.. وبمرور السنوات اكتشفت أنك لا يمكن مهما أوتيت من ذكاء أو بعد نظر أن تكتشف حقيقة الشيء وهو يحدث لك.. انتظر فقد تكتشف أن الأشياء التي اعتبرتها في لحظة ما أسوأ ما حدث لك هي في حقيقتها أفضل ما حدث لك، وستكتشف أنه لا يوجد ما يسمي نقاط التحول الحادة التي تغير مسارات البشر.. في حياتي هناك أشياء أحزنتني لدرجة أنني تصورت أنها ستحطم حياتي مثل ألا يتم تعييني في مكان معين.. ومع مسار الحياة اكتشفت أن هذا أفضل ما حدث لي.. وإذا كان لي أن أقدم نصيحة لأي شاب الآن فستكون «كن كامل الإيمان بما تفعله ولا تفكر في نتائجه اللحظية»، وإذا لم تؤمن بشيء فلا تقدم عليه أصلا.
من الشعارات الشهيرة التي رفعتها الولايات المتحدة الأمريكية في وقت ما شعار «أمة في خطر» الذي كان متعلقا بالتعليم والعلم.. ألسنا في مصر أحوج ما نكون الآن لرفع هذا الشعار؟
- من أين سيأتي الشعار؟ الشعب نفسه هو الذي يجب أن يؤمن بنفسه.. الحكومة تساعد كما نري لكن من السيئ جدا أن يكون الشعب اعتماديا علي الحكومة.. الحكومة عليها أن تؤكله وعليها أن تلبسه وهو لا يريد أن يعمل.. ما حدث في جميع أنحاء العالم المتقدم هو أن الشعوب هي التي بدأت بإصلاح نفسها.. الناس دائما ما تستسهل إلقاء اللوم بعيدا عنها، لماذا لا نسمع شخصا يقول: «هذه غلطتي أنا؟» .. لماذا ننتظر دائما أن يسوقنا أحد إلي طريق ما ويتحمل العبء عنا؟.. تحضرني هنا قصة لابد أن أذكرها.. «مجلة Nature أشهر مجلة علمية في العالم توالت عليها تقارير مدهشة عن اكتشافات مهمة من مركز اليابان لعلوم الفضاء وكان (مادوكس) هو رئيس تحرير هذه المجلة الذي بالمناسبة كانت تربطني به علاقة طيبة قبل رحيله.
قرر (مادوكس) وكان ذلك منذ35 عاما أن يركب أول طائرة ويذهب لليابان ليري ماذا يفعل هؤلاء؟
هكذا بدون مقدمات.. وصل إلي اليابان وذهب للمركز وطرق علي الباب فخرج له شخص ما وسأله عما يريد.. فعرفه بنفسه: «أنا رئيس تحرير nature» فلم يبد هذا الشخص اهتماما وكرر عليه السؤال: «ماذا تريد؟» فقال له (مادوكس): «أرني رئيسك» فأجاب عليه ذلك الشخص: «ليس لدينا رئيس» فسأله (مادوكس) «كيف تحققون كل هذه الإنجازات بدون رئيس؟».. أجابه الرجل: «نحن لدينا ثقافة وليس لدينا قائد».
أي أنه قال له «الثقافة هي القائد»؟
- بالضبط.
استضفنا منذ أشهر قليلة في «روزاليوسف» سياسيا مصريا شابا هو د. محمود محيي الدين في لحظة كان يترك فيها منصبه كوزير للاستثمار مغادرا إلي الولايات المتحدة الأمريكية في منصب مدير البنك الدولي ولفت انتباهنا أنه قال لمجموعة كبيرة من الشباب كانوا حاضرين للحوار: أنصح كل شاب بأن يخرج من مصر ثم يعود إليها.. هل توافق علي هذه النظرية؟
- لا، إنما أميل أكثر إلي نظرية الدمج بينهما بمعني أن تخرج فقط في مهمة محددة للتعلم أو اكتساب الخبرة والتجربة.. فترات قصيرة لكن مكانك هنا.. وفي حدود ما أعمل أمزج فعلا بين النظريتين، فنحن هنا في مركز القلب في أسوان نحضر كبار الخبراء في العالم.. هؤلاء الذين تقرأ عنهم في الكتب لتدريب الشباب في مواقعهم، لكن بعد فترة هؤلاء الشباب يحتاجون إلي أن يذهبوا هم ليعايشوا أجواء العمل في الخارج، ونحن نوفر لبعضهم فرصة السفر، لكن التعليم الأساسي يكون هنا.
إذن.. الشاب الذي يظل هنا لا يخسر؟
- لا.. لن يخسر.
--
في مركز القلب بأسوان الذي أسسه الدكتور مجدي 22 طبيبا وطبيبة هم فريقه المعاون منهم 15 مصريا و7 أجانب جميعهم يتواجدون في السابعة صباحا وحين يحضر في الثامنة صباحا بالدقيقة ليقوم بمرور عام علي جميع الحالات بنفسه يكونون معه كل فيما يخصه.. هو وهم يعرفون بدقة متي يبدأ يومهم مع قلوب المرضي، لكنهم لا يعرفون متي ينتهي اليوم.
قابلنا بعضا من أعضاء هذا الفريق المجتهد خلال لقائنا بالدكتور مجدي..كنا نجلس معه في الطابق الثاني من المركز بينما تدخل علينا من حين إلي آخر الدكتورة «كارين» التي تجري الجراحات بالتوازي مع الدكتور مجدي، تتبادل بعض التقارير الطبية مع الدكتور وائل عبد العال، وفي الطابق الأرضي كانت الدكتورة «مي حمدي السيد» تمارس عملها الدقيق بحماس وهدوء في إجراء قسطرة لقلب رضيعة عمرها 4 أشهر، بينما ينتظر عدد من المرضي، وفق ترتيب منظم ليناظرهم الدكتور مجدي خلال أيام وجوده الحالية في أسوان.. التلاميذ والأستاذ كأنهم شخص واحد وروح واحدة لديها رغبة أكيدة في العطاء للآخرين.
سألناه.. أبناؤك في الطب مشحونون بك وأنت فخور بهم لكننا نريد أن نعرف من هم مرشدوك الروحيون؟ ما الشخصيات التي كانت ملهمة بالنسبة لك؟
- كثيرون ألهموني.. «بيتر مادون» الذي جمع بين الطب والفلسفة و«كارول بابر» العالم صاحب المؤلفات المهمة عن صحة البحث العلمي.. كذلك «بيتر كوخ» الذي اكتشف جرثومة «السل» ذلك العالم الذي سمع عن أن هناك وباء الكوليرا في مصر، وكان وقتها في برلين فركب أول باخرة وجاء إلي مصر فنجح في مهمته وزاد عليها أن اكتشف جرثومة السل أيضا.. «تيودور بلهارس» الذي جاء إلي مصر ليجري أبحاثه العميقة والتي غيرت خريطة الطب حول مرض البلهارسيا.. هذه كلها نماذج لأشخاص تعلمت منهم كيف يجب أن يكون للإنسان هدف.
ومن المصريين هناك العالم الكبير د. سيد عفت، وكذلك الدكتور «علي حسن» وهو عالم كبير في البيوكميستري كان يسافر إلي الصعيد ليدرس أنماط الطعام التي يتناولها الناس.. زوجته «مسز علي حسن» تبنتني عندما كنت في إنجلترا. كانت امرأة جبارة ووجدتني صغيرا غلبانا مازلت أتحسس طريقي في بدايته فقالت لي «باين عليك ضايع» واهتمت بي ورعتني وأخذت تنصحني «لا تنهك نفسك في العمل أكثر من اللازم» كأنها والدتي.
إذا كان التعليم هو بداية الطريق إلي العلم الذي - كما قلت لنا - يقود إلي الحقيقة فما النقاط التي توصي بها لإصلاح التعليم في مصر؟
- أعتقد أن أول عامل هو أن الشباب يجب أن يؤمنوا بالعلم ويبذلوا مجهودا في البحث عنه.. الأمر الثاني يجب أن يكون هناك SYSTEM ويجب أن يكون لدينا TIME MANAGEMENT أي «فن إدارة الوقت»، لأننا نهدر كثيرا من الوقت، ثالثا يجب أن نعمل كلنا معا.. وأضرب مثالا من قلب المركز هنا.. الإدارة والتنظيم وتوحيد الهدف جعلوا المكان منطقة جذب لخيرة العلماء لدرجة أننا نفاجأ بأطباء كبار يرغبون في العمل معنا من أوكسفورد ومن كمبريدج ومن كبري الجامعات حول العالم.. رابعا يجب أن تكون هناك فلسفة للعلم والعمل، ولا يكونا مجرد تحصيل معلومات أو أداء مهني. يجب أن نعرف لماذا نفعل هذا وإلي أين سنصل وما الهدف من ذلك؟ وما الفكرة الكبري التي نسعي إليها من وراء عملنا أو تعليمنا.
هل تعتقد أن مناخ العمل في مصر يسمح بهذا؟
- فكرت في مسألة المنافسة السلبية هذه كثيرا في الماضي، وخلاصة تجربتي أن عليك أن ترمح كالحصان لا تنظر يمينك ولا شمالك ولا تقول «سأكعبل» فلان أو أعطل علان.. علي مستوي ما أفعله هنا مثلا.. يهمنا أن نكون أفضل اسم في العالم ، لكن هذا لا يمنع أننا نحرص علي نشر كل نتائج أبحاثنا ليستفيد منها الآخرون حتي لو كانوا منافسين، وأعتقد أن هذا مناخ يدفع إلي كل ما هو إيجابي.
--
كانت الساعة قد جاوزت السابعة مساء بقليل حين انتهي حوارنا مع الدكتور مجدي يعقوب وغادرنا مسرعا استعدادا للجراحة التالية.. الدكتور مجدي أنهي عمله في ذلك اليوم في حوالي الحادية عشرة ونصف مساءً بهذه الجراحة التي كانت لإصلاح عيب خلقي أدي إلي انعكاس شرايين في قلب طفلة عمرها 7 شهور.. قبلها علي مدار اليوم كان قد أجري جراحتين: الأولي لمريضة عمرها 39 سنة تعاني تضخما وراثيا في عضلة القلب، حيث قام بإزالة ضيق أسفل الشريان الأورطي.
والثانية عملية مركبة لنقل الشريان الرئوي مكان الشريان الأورطي وهو أحد الأطباء العالميين القلائل الذين طوروا هذه الجراحة.
لقطة في الختام : حين غادر الدكتور يعقوب المركز متوجها إلي الفندق الذي يقيم به في أسوان لم يكن بصحبته أحد ولم تكن في انتظاره سيارة.. كان في طريقه إلي الخارج لإيقاف تاكسي حين التف حوله بعض المواطنين في سيارة ميكروباص وأصروا علي توصيله.. وقد حدث.

د. يعقوب.. تركيز قبل الإجابة على كل سؤال
حوار ساخن مع روزاليوسف بين جراحتين
داخل المركز د. مى حمدى السيد.. قسطره لرضيعه عمرها 4 أشهر
د. كارين
د. وائل
د. أحمد
بعد الحوار.. قبل أن ينطلق للجراحة التالية
إلى الفندق.. فى ميكروباص
مهموم بعمله
يقاوم الإنهاك
هناك أمل دائما


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.