لحقت مملكة البحرين منذ الأسبوع الماضي بقائمة الدول التي تشهد امتداد شتاء الغضب العربي الذي انطلق من تونس ماراً بالعديد من الدول، وخرج الآلاف من أهالي البحرين إلي الشوارع للمطالبة بمزيد من الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. وجاء علي رأس هذه المطالب وضع دستور جديد للبلاد يتم بموجبه انتخاب الحكومة من قبل الشعب، وتحقيق تمثيل أكبر للشيعة الذين يمثلون ما بين 50 و70% من سكان المملكة التي تحكمها أقلية سنية والبالغ عددهم نحو 750 ألف نسمة. كما طالب المحتجون بتعديلات دستورية والإفراج عن معتقلين سياسيين واستقالة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي يرأس حكومة البحرين منذ عام 1971 وهو تاريخ استقلال البلاد. ودعا محتجون إلي يوم غضب في الرابع عشر من الشهر الجاري، واعتصم المئات من المتظاهرين في خيام في ميدان اللؤلؤة في العاصمة المنامة لاتخاذه قاعدة لاحتجاجات تستمر لفترة طويلة علي غرار ثورة 25 يناير في مصر. وقامت وزارة الداخلية البحرينية بإخلاء دوار اللؤلؤة وأغلقت جزءاً من الطريق الرئيسي بشكل مؤقت عن طرق نشر نحو 50 دبابة ومركبة مدرعة في محاولة لتفريق المتظاهرين. كما استخدمت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية في إطار محاولتها إنهاء الاحتجاجات المستمرة مما أسفر عن مقتل أربعة محتجين حتي الآن، واستمرت المواجهات في منطقة القفول غرب العاصمة البحرينية فيما ارتفع عدد الجرحي إلي أكثر من مائة جريح، وقدم وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة اعتذاراً رسمياً للشعب البحريني عن مقتل المتظاهرين الأربعة، وتعهد بمتابعة التحقيقات ومعاقبة المتسببين في عمليات العنف. وقال النائب في البرلمان البحريني علي الأسود، عضو جمعية الوفاق الإسلامية الشيعية المعارضة، إن هناك حالة طوارئ غير معلنة، وندد بما أطلق عليه "جريمة في حق الإنسانية" بسبب ما تردد حول استخدام قوات الشرطة الرصاص الحي ضد المتظاهرين، وأشار علي الأسود إلي ضرورة الإصلاح التي تنادي بها جمعية الوفاق وينادي بها المتظاهرون، و أضاف إن "الفكرة هي الملكية الدستورية وحكومة منتخبة والابتعاد عن المحسوبية، علي غرار الديمقراطيات العريقة". وكانت جمعية الوفاق الوطني قد أدانت أعمال العنف التي وقعت في دوار اللؤلؤة، وقال النائب البرلماني عن الكتلة، عبد الجليل خليل، إنه "أيا كان من اتخذ قرار مهاجمة الاحتجاج فإن هدفه كان القتل". كما نفي نواب عن الكتلة أي علاقة لمطالب المحتجين مع أي قوي خارجية، و قال أحدهم "أعلن المعتصمون وكتلة الوفاق وكل الجمعيات السياسية المعارضة أن مشروعها لا علاقة له مع أي جهة خارجية بل هو مشروع محلي مائة بالمائة. هذه الاحتجاجات ناتجة عن مجموعة الاحتقانات السياسية، لو عولجت بشكل موضوعي وتم الحوار حولها لاختفت هذه الاحتقانات". تحرك سني يؤيد النظام ودعا ملك البحرين حمد بن عيسي آل خليفة مجلسي الشعب والشوري بتقديم اقتراح تشريعات لإصلاح سياسي في البلاد لاحتواء الاحتجاجات التي وصفها البعض بأنها قد تؤدي إلي اقتتال طائفي حيث تم الإعلان عن تحرك سُني بعد صلاة يوم الجمعة الماضي احتجاجا علي التظاهرات الجارية في البلاد والتي توصف بأنها شيعية وليست مطلبية، وللتعبير عن رفض محاولة إقامة نظام شيعي علي أرض البحرين. وكان ملك البحرين قد اتهم كلا من سوريا و إيران و حزب الله بتمويل وتدريب المتطرفين البحرينيين الشيعة، غير أن صحيفة "الجارديان" البريطانية نشرت وثائق دبلوماسية أمريكية سرية، حصل عليها موقع "ويكيليكس" تنفي تدخل إيران في أحداث البحرين. كما نقلت صحيفة "الجارديان" البرقية المرسلة إلي واشنطن من قبل السفير الأمريكي في البحرين في العام 2009 ومفادها "أن الملك حمد يدرك أن البحرين لا يمكن أن تزدهر إذا حكمها بصورة قمعية، وقد شهدت دورتان انتخابيتان في المملكة الخليجية اندماج المعارضة الشيعية في العملية السياسية، في حين لا يزال الرفض الشيعي يقاطع العملية كما أن نفوذه ما زال محدوداً. لا يزال التمييز ضد الشيعة قائماً، ومع ذلك سعت حكومة البحرين للرد علي الانتقادات من خلال الانخراط مع حزب الوفاق، وزيادة الإنفاق العام علي المزيد من مشاريع الرعاية السكنية والاجتماعية، وطالما أن حزب الوفاق لا يزال مقتنعاً بفوائد المشاركة السياسية، فإن التوقعات لتحقيق الاستقرار في البحرين علي المدي الطويل أمر جيد". جمعية الوفاق تطالب بالاصلاح وكان الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، قد أكد أن المعارضة الشيعية لا تسعي لإقامة دولة دينية وإنما لإقامة ديمقراطية مدنية يكون فيها الشعب مصدر السلطة ولذلك لابد من وضع دستور جديد بدلاً من الدستور الذي أصدره ملك البحرين قبل نحو عشر سنوات بهدف احتواء الاضطرابات الشيعية التي شهدتها البلاد في التسعينات من القرن الماضي. غير أنه بموجب هذا الدستور يعين الملك الحكومة ونحو ثلثي الوزراء من أسرة آل خليفة الحاكمة، كما يعين الملك أعضاء مجلس الشوري الذين يقرون مشاريع القوانين، وعلقت جمعية الوفاق عضوية أعضائها في البرلمان البالغ عددهم 18 نائباً حتي يتم الاتفاق علي جدول زمني لتنفيذ الشروط الاصلاحية التي تقدمت بها جمعية الوفاق، ورجح بعض كوادر جمعية الوفاق أن يتم انهاء الاحتجاجات إذا ما تمت الاستجابة لمطالب الاصلاح. غير أن عضو جمعية العمل الإسلامية المعارضة في البحرين، جهاد محمد علي، أكد أن المتظاهرين يطالبون بإسقاط النظام بعد سقوط قتلي في دوار اللولؤة، ويصرون علي مواصلة التظاهرات لتحقيق هذا المطلب وليس فقط تحقيق الاصلاح السياسي الذي طالب به المحتجون في بداية تظاهراتهم. وسط هذه الأجواء، نقلت بعض المصادر أنه تم رصد أكثر من 100 مدرعة تابعة للقوات المسلحة القطرية تسير بتنسيق مع سيارات الحرس الوطني السعودي متجهة نحو طريق البحرين بالقرب من مدينة بقيق السعودية. وقال مقربون من وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز إن المملكة ستتدخل في حال خرجت الامور عن السيطرة في البحرين اثر اندلاع الاحتجاجات. يشار إلي أن ملك البحرين حمد بن عيسي آل خليفة علي علاقة قوية بالعائلة الحاكمة السعودية كما تربطه علاقة مصاهرة بالأمير نايف. وعبرت السعودية وجميع دول مجلس الخليج العربي عن الاستعداد لتقديم الدعم الكامل للبحرين. ونظم شيعة سعوديون احتجاجاً محدوداً في المنطقة الشرقية في بلدة العوامية قرب مدينة القطيف مركز الشيعة السعوديين علي الخليج للمطالبة بإطلاق سراح بعض من الشيعة ممن تحتجزهم السلطات في السجون دون محاكمة. عدم جدية الحوار وقال عضو الهيئة المركزية في المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين فاضل الزاتي في تصريح لقناة العالم الاخبارية إنه لا يقتنع بجدوي الحوار الذي يدعو إليه النظام في البحرين، وأضاف "نتحاور مع من له قابلية الحوار، اما من يعيش في الغابة فلا مجال للحوار معه، والحوار له قنوات اتخذناها ومشينا من خلالها، لكن السلطة تريد الحوار من اجل الحوار فقط وتضييع الوقت وتمييع القضايا. إذا كنا وبعد 40 سنة من حكم هذه الحكومة ورئيس الوزراء هذا غير مؤهلين لأن نحكم أنفسنا بأنفسنا وان ننتخب حكومة تمثلنا، فان ذلك دليل آخر علي فساد هذه الحكومة وفشلها، فكيف يمكن لهذه الحكومة أن تستمر". وطالب الزاتي الملك حمد بن خليفة بالوفاء بوعوده التي قطعها في ميثاق عام 2001 بإيجاد الملكية الدستورية. منذ اندلاع الاحتجاجات في البحرين، تنبأ لها كثير من المراقبين بالفشل لأسباب كثيرة أهمها البعد الطائفي للمطالب بالإضافة إلي حالة الترقب التي تسود دول الخليج الأخري وعلي رأسها السعودية والمتوقع أنها لن تتردد في استخدام القوة إذا ما اضطرت لمنع سقوط حكم آل خليفة ومنع امتداد النفوذ الإيراني. يذكر أن عائلة آل خليفة المنتمية لقبيلة بني عتبة التي طردت الفرس من الجزيرة، تحكم البحرين منذ عام 1783 . السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن تسير الاحتجاجات في البحرين نحو فتح حوار مع ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي ينظر إليه علي أنه رجل اصلاحي وبدأ بالفعل في إدارة حوار وطني مع المعارضة وعلي رأسها جمعية الوفاق الوطني الشيعية بزعامة الشيخ علي سلمان وجمعية وعد العلمانية بزعامة إبراهيم شريف وتعهد ولي العهد البحريني ببدء مرحلة جديدة، وأضاف "سنبحث كل قضايانا بكل صدق وأمانة. أريد أن نصل للتهدئة وكل الأطراف ستطرح آراءها. اليوم الأمور تعود لشكلها الطبيعي وواجب علينا حفظ الأمن والاستقرار خوفاً من الفتنة".