من بين جميع الأشكال والفنون انفردت السينما عن غيرها بسحر خاص غوي الكثيرين من أرقي العقول والأدمغة إلي أدناها من أسمي الطبقات الاجتماعية إلي أحطها أينما حلت وارتحلت لازمها الكثيرون بعقولهم وأفئدتهم وبسبب تأثيرها ترك الكثير من المثقفين في أنحاء العالم أقلامهم واستبدلوها بكاميرا تصوير معقدة ليصلوا برؤاهم ورؤيتهم إلي الناس ورغم جميع المحاولات الفنية والنقدية لتحويل السينما إلي عمل ثقافي بحت إلا أن الاعتبارات المادية والإنتاجية كان لها الكلمة العليا في صبغة هذا الفن وغني عن الذكر أن خريطة السينما الأمريكية يرسمها وينفذها شارع وول ستريت وليس النقاد والمثقفون والمبدعون ... في كثير من أدبيات النقد السينمائي التي تابعتها في أمريكا من خلال الصحف ومواقع الإنترنت وعي كثير منها هذه الحقيقة فتناول العمل الأدبي بالنقد أو المديح يختلف تماما عن الفيلم السينمائي فلايمكن فصل الفيلم السينمائي عن الظروف المحيطة فالرواية تكلف ورقا وحبرا لتخرج إلي النور ولكن الفيلم السينمائي الصغير يحتاج إلي تدفق الدولارات ليبدد أحجبة الظلمات وينير شاشات العرض الكبيرة في دور السينما والصغيرة في منازلنا إضافة إلي أن طبيعة الثقافة الأمريكية تهتم بالمتلقي والقيمة التجارية لا تنفصل تماما عن القيمة الفنية والقيمة الفنية لا تنفصل عن التجارية وتتحقق تلك الرؤية بشكل كبير في السينما فالذي يضمن نجاح السينما واستمرارها هو نجاحها التجاري لذا فإن النجاح الجماهيري للتجارب الوليدة يرسخ قيمة جمالية نافعة لدي المنتجين وقد استوعب كثير من الكتَّاب والمخرجين هناك ذلك الدرس جيدا فنجد علي مدار العام أعمالا ناجحة تجاريا وراقية فنيا فلم يتعال المخرجون أصحاب الرؤي الناضجة عن القيمة الربحية للفيلم ووضعوا الجمهور في أذهانهم ولم يترفع النقاد في كتاباتهم علي أن يقيموا هذه القيمة ويضمنوها رؤيتهم للعمل السينمائي من هذا المنطلق نرصد أهم ملامح السينما الأمريكية لهذا العام أفلام الإنيماشن .. توجه إلي سحر التاريخ واستنطاق الجمادات بعد أفلام الحركة التي تجري أحداثها ما بين عالم الأحلام والواقع المعاصر تتجه شركة ديزني إلي التاريخ لاستلهامه فهي تحضر الآن فيلم " متحف العجائب " عن مملكة سحرية فقدت في الستينات وسيعرض الفيلم قصرا عجائبيا ساحرا جلبت له مهندسين علي أعلي مستوي في الصورة مثل رولي كرومب وكلاود كووتس ليجلبوا سحرهم إلي هذا القصر الذي سيحوي أشباحا تعزف الألحان وستائر سحرية وكراس تنطق ويقول الخبراء ان المتحف الذي في القصر سيكون به أشياء لم تكن موجودة قط منذ نشأة والتزني وقد كلفت الشركة أحمد زابا والذي أبدي سعادته للكتابة بهذه الطريقة لوضع الخطط الأولية في الكتابة لهذا المشروع وستشكل كتابته العالم الذي ستجري فيه أحداث فيلم " متحف العجائب " الذي قد يغير اتجاه أفلام الحركة الأنيماشن في العقد القادم ولقد ردد موقع هوليوود أن ثمة تغيرا جذريا في قصص أفلام الحركة بوالتزني يطال أبطالها وحبكاتها في ظل منافسة حميمية ومحمومة بينها وبين شركة بيكسيل التي أنتجت فيلم توي ستوري أفلام النجم الأوحد كثرت الشائعات بعد فيلم التولايت أن سينما هوليوود ستتخلص من نظام النجم والاعتماد علي الشباب وأسرف بعض النقاد في سرد الأسباب وأدخلوا السياسة في ذلك لأن كثيرا من النجوم استغلوا نجوميتهم لمساندة العراق وفلسطين ولكن السنة لم تنته حتي ظهر فيلم توريست واحتفت به سينما هوليوود بل واعتبرت الفيلم لحظة تاريخية واعتبرت النجمين جوني ديب وجوليا روبرتس أفضل ثنائي في تاريخ هوليوود واحتفلت به في موقعها الرسمي علي الإنترنت بل هناك أفلام وضعت خصيصا للنجم مثل فيلم كل وحب وصلي فلقد راعي السينارست سحر روبرتس وحضورها الطاغي في كتابته وإخراجه واعتمد المنتج علي اسمها أيضا للترويج لفيلمه ورغم أن أغلب أفلام النجوم لم تحظ باحتفاء نقدي ( مثل فيلم توريست لجوني ديب وفيلم توم كروز نايت آند داي وفيلم جوليا روبرتس كل وحب وصل ) إلا أن المنتجين في أمريكا لايزالون يعتمدون علي نظام النجم في إنتاج أفلامهم وتنبؤنا كواليس فيلم نادي الروك المرشح له توم كروز إلي مدي سيطرة النجم علي الأفلام الأمريكية حيث ان التعديلات التي طالب بها النجم غيرت الكثير من الخطوط الدرامية للفيلم ولقد استجابت الشركة إلي تلك التعديلات هوليوود تتجه بعيدا عن الأفلام البسيطة والتقليدية middlebrow movies كان هذا هو عنوان لمقال نقدي في النيويورك تايم عدد 27 سبتمبر للناقد المعروف برووكس بارنز يرصد فيه أهم الملامح وأكثرها إيجابية في الفترة القادمة رأي أن الإيرادات العالية التي حققها فيلمي إنسيبشن و سوشيال نتوورك جعل القائمين علي الإنتاج في هوليوود يعيدون التفكير في تقديم أفلام عميقة ومركبة highbrow وذلك راجع إلي النشاط المتزايد لعشاق السينما وجمهورها علي الفيسبوك والتويتر وسائر المواقع الإلكترونية الذين عبروا فيه عن غضبهم إزاء تفاهة وسطحية السينما الأمريكية وارتفاع أسعار التذاكر وأن الأفلام التافهة والسطحية لم تلق قبولا أو تحظ بالإيرادات العالية وأضاف أن ذلك كانت رسالة قاسية لاستوديوهات هوليوود لتغير من استيراتيجية إنتاجها وذكر أن بعض الاستوديوهات بدأت تستجيب لتلك المتغيرات مثل سوني بيكتشر إنترتينمينت الذي أنتج فيلم " سوشيال نيتوورك " بدأ يراهن علي مخرجين مختلفين لديهم حساسيات جمالية خاصة تجاه السينما مثل فرانشيس الذي رشحته لإخراج جزء آخر من فيلم " سبايدر مان " تقول إيمي باسكال الرئيسة الشريكة في ستوديو سوني " نعتقد أن مستقبل المنتجين السينمائيين سيكون مع الأصوات الأصيلة فالأصالة جيدة والأشياء الجيدة تعتبر تجارية " أما شركة والتزني فقد كلفت ديفيد فينشر مخرج سوشيال نتوورك لمعالجة " 20000 فرسخ تحت الماء"وتعاقدت مع جوليرمو ديل تورو مخرج الفيلم الإسباني الشهير بانس لابيرينث علي فيلم جديد واعتبره ناقد التايمز أنه يصب في الاتجاه الجديد للسينما الأمريكية . النجوم يكتبون ويخرج ستشهد الفترة القادمة إقبالا من النجوم للكتابة والإخراج معا حيث يستعد الفنان الباتشينو حاليا لفيلم وايلد سالومي الذي يقوم بكتابته وإخراجه والفيلم مقتبس عن مسرحية سالومي لأوسكار وايلد وهي مسرحية مثيرة للجدل وقد منعت فور صدورها في بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر وتدور القصة حول الراقصة سالومي التي طالبت الملك برأس يوحنا المعمدان مقابل أن ترقص له وهذا ماحدث حيث أثارت هذه المسرحية ضجة كبيرة فور صدورها في فرنسا وسيقوم الباتشينو بتحويل المسرحية إلي فيلم تمتزج به الوثائقية بالروائية ويقدم فيه رؤية سياسية وأفكارا مثيرة تتعلق بالدين والجنس وتقوم الممثلة جيسيكا بدور سالومي ومن جهة أخري يستعد الفنان توم هانكس لإخراج فيلم لاري كراون ويشاركه في كتابة السيناريو نيافارادولس ويشارك فيه بجانب توم هانكس النجمة جوليا روبرتس وتاراجيبت هانسو ويدور الفيلم في إطار كوميدي حول رجل في منتصف العمر يترك وظيفته ويدخل الجامعة مرة أخري ويعيد اكتشاف نفسه ويجد في آخر الفيلم المعني الذي يحيا من أجله.. ولقد حددت الشركة المنتجة شهر يوليو 2011 موعدا لعرض الفيلم وطالت عدوي الإخراج الفنانة " أنجلينا جولي " حيث تعمل الآن علي فيلمها " قصة حب في البوسنة " الذي أثارت فكرته جدلا واسعا حتي من قبل أن تنتهي من كتابته وهو يدور حول علاقة حب بين فتاة بوسنية ومغتصبها الصربي وقد شوهد في بعض مواقع التصوير الفنان براد بيت وهو يرتدي الزي العسكري ويطلق النار وقيل إنها صورة تذكارية وقيل أيضا أنه سيظهر في بعض المشاهد في الفيلم وتردد أنها ستصور الفيلم مرتين مرة بالإنجليزية ومرة بالصربية والجدير بالذكر أن ميزانية الفيلم لاتتعدي 45 مليون دولار وسيتم التصوير في أماكن خارجية وقد رفضت أنجلينا جولي التصوير داخل الاستوديو وتم الاستعانة بممثلين من نفس المنطقة ويتقنوا لهجاتها وقد حددت أنجلينا جولي خريف هذا العام موعدا لاستكمال تصوير الفيلم . الاهتمام بالعمل الأدبي نلمح أخيرا إلي صفة أصبحت من معالم السينما الأمريكية والبريطانية وهي تحويل أعمال البيست سيللر إلي أعمال سينمائية أيا كان قيمتها الفنية لاستغلال نجاحها التجاري فلقد أصبحت وصفة نجاح سريعة وشبه مضمونة للمنتجين خاصة أعمال مثل هاري بوتر ومذكرات نارنيا الأمر الذي أصبح له انعكاسات علي معالجتها السينمائية حيث الجمهور المعجب بالرواية يتدافع إلي دور السينما وفي قلبه عشق لهذه الأعمال وفي عقله خيال للشخصيات والأحداث والمناخ العام الذي تدور فيه.. مما أجبر السيناريست علي المحافظة علي روح العمل الأدبي وأحداثه وشخصياته حتي لو جني في ذلك علي مفردات اللغة السينمائية فما يريده المنتجون هو استثمار لنجاح الرواية مما يعطي مساحة كبيرة للمخرجين والمصورين والمصممين في تحدي خيال القاريء وإبهاره بإمكانيات الصورة وتضيق المساحة جدا إلي حد الاختناق والموت علي السيناريست في معالجته للرواية والمحافظة علي الشخصيات بطبائعها والأحداث بوقائعها .