حقاً كان واحداً من أهم رواد جيله.. استطاع ان يتربع علي عرش الميكروفون لأكثر من خمسين عاماً كمبدع متميز وإذاعي قدير.. يجيد فن الإذاعة وحرفية إدارة «الحوار»، ذلك هو الإذاعي الكبير طاهر أبو زيد الذي رحل منذ أيام عن عمر يناهز 88 عاماً مواليد إبريل 1922- قدم خلالها أشهر وأهم البرامج في تاريخ الإذاعات العربية منذ الخمسينات «جولة الميكروفون، رأي الشعب، لغتنا الجميلة، الندوة السياسية، مع مجلس الأمة، جرب حظك، وأخيراً أسبوعيات طاهر أبو زيد». قال عنه الكاتب الكبير أنيس منصور: طاهر أبو زيد لمن لا يعرفه نجم نجوم الإذاعة وأخفهم دماً وأشجعهم أيضاً، فهو الذي اكتشف وكشف لنا نجوماً تلمع ربما لا يراها أحد سواه في الفن والأدب والثقافة والحياة من خلال برنامجه الشهير «جرب حظك» صحيح ان الاسم ربما يكون بسيطاً ولا يعبر عن مضمونه- لكنه كان وللحق برنامجاً متميزاً ورائداً استطاع خلاله ان يقتحم المشاكل والقضايا ويدق أبواب الخطر ورؤوس المسئولين. الميلاد ولد محد طاهر مصطفي أبو زيد في 5 إبريل 1922 بمدينة طلخا- محافظة المنصورة ودرس هناك في المرحلة الثانوية ولم يكمل تعليمه الجامعي وقتها- حيث اشتغل وكيلاً للمحضرين، إلي أن التحق بكلية حقوق الإسكندرية بمساعدة رئيس محكمة طلخا وتخرج فيها عام 1948. أول يوم ميكروفون التحق طاهر أبو زيد بالإذاعة المصرية عام 1950-عقب نجاحه في الامتحان- الذي جاء بالنسبة له مصادفة حيث لم يكن يوماً يحلم بأن يكون مذيعاً. وانما جاء من الإسكندرية مرافقاً لصديق عمره «صبحي باسيلي» وتشاء الأقدار ان ينجح هو ويرسب صديقه؟! وكانت الإذاعة في تلك الفترة تضج بالمشاهير من الإذاعيين أمثال صفية المهندس، حسني الحديدي، عبدالوهاب يوسف، تماضر توفيق، أحمد طاهر، علي الراعي، أحمد حمروش، عباس أحمد، فهمي عمر، عواطف البدري، سعاد حسن، ويذكر طاهر أبو زيد أول يوم له أمام الميكروفون: كان يوم عيد الجهاد 13 نوفمبر 1950 حينما ذهب سعد زغلول وزملاؤه الثلاثة للمندوب السامي البريطاني لمؤتمر الصلح بعد الحرب العالمية وكان في استقبالهم بعد العودة مصطفي النحاس زعيم الأمة.. يسير في المواكب وبجواره الوزراء ويحيطهم رجال الشرطة من كل جانب يوجد كل الأحزاب الدستوريين والسعيديين ومصر الفتاة والإخوان والشيوعيين وجميعهم يرفعون لافتات تحية للزعماء. كان موكباً مهدلاً في شارع سليمان باشا- ورشحت من قبل كبير المذيعيين د. علي الراعي لتغطية الحدث علي الهواء مباشرة، وحدث ان اذعت المشهد بشكل أبهر الجميع في الإذاعة ومن وقتها أصبحت معلقاً علي الأحداث. جرب حظك في نفس العام قدم برنامجه «جرب حظك» خلفاً للراحل أحمد طاهر.. واستضاف من خلاله فرسانا غير معروفين من عامة الشعب في وقت كانت الإذاعة وقفاً علي المشاهير، ونجح فرسانه في التأثير علي المستمعين، ومن هنا بدأت شهرته واكتشف من خلال البرنامج عدداً كبيراً من المواهب أصبحوا نجوماً فيما بعد مثل سيد مكاوي، فايزة أححمد، صلاح جاهين، عبدالرحمن الأبنودي. الفن الشعبي يرجع للإذاعي طاهر أبو زيد الفضل في ان يكون أول من قدم برنامجاً عن الفن الشعبي والتراث في الإذاعة ، قدم خلاله المطربين الشعبيين محمد طه، أبو دراع.. أيضاً حلقات عن فن الموال، رسم الوشم، الملابس الشعبية، الفنون التراثية. عضو مجلس الأمة عقب حرب السويس وانتصار مصر في معارك القناة- قرر الرئيس جمال عبدالناصر عام 1957 إعادة تشكيل مجلس الأمة واجراء انتخابات جديدة، لذا قرر طاهر أبو زيد خوض الانتخابات وترشيح نفسه عن دائرة طلخا مسقط رأسه وبالفعل حقق نجاحاً ساحقاً بمساعدة زملائه الإذاعيين وعلي رأسهم آمال فهمي، فهمي عمر، صلاح زكي، عبدالتواب يوسف، إلي جانب حب الناس الذين تعلقوا به من خلال ميكروفون الإذاعة، وان كان معظمهم لم يلتق به مطلقاً. برامج المعلبات عندما عاد الإذاعي الكبير أحمد طاهر من ال BBC كان أول من نادي بخروج البرامج إلي الناس في الشارع علي الهواء مباشرة، في تلك الفترة قدم طاهر أبو زيد برامج استضاف خلالها عمر الجيزاوي، إسماعيل ياسين، عبدالغني السيد، حيث نزل معهم وبهم إلي الناس في الشوارع والمقاهي وداخل الموالد والمستشفيات والمزارع والجامعات والمصانع، ويعتبر برنامج «رأي الشعب» أول برنامج يتجول بين المحافظات ليعرض آراء الشعب ونواب مجلس الأمة في كل القضايا الجماهيرية، هذا البرنامج الذي تحول فيما بعد إلي برنامج تليفزيوني توك شو، واستضاف في أولي حلقاته الدكتور مصطفي خليل، وكان يشغل وقتها منصب وزير المواصلات. الإعلامي تولي الإذاعي طاهر أبو زيد رئاسة شبكة إذاعة الشرق الأوسط خلال الفترة من 1967- 1972، وفي عام 1974 كان أول مذيع مصري في إذاعة مونت كارلو.. وتعود إليه الريادة في تأسيس البرامج العربية بها. بعد خروجه للمعاش في عام 1982 ظل بعيداً عن الميكروفون لسنوات طويلة إلي ان أعاده مرة أخري الإذاعي عمر بطيشة عندما تولي رئاسة قطاع الإذاعة فقدم برنامجاً في عام 1997 قدم عبره تاريخ الإذاعة المصرية منذ نشأتها في عام 1934، حتي الآن. وفي عام 1998 قدم طاهر أبو زيد أولي حلقات برنامجه الجديد والمتجدد «أسبوعيات طاهر أبو زيد». ورغم مرور أكثر من عشر سنوات، ما زال يقدمه بمنتهي الحماس لحماية اللغة العربية التي جعلها قضيته الكبري من طغيان اللغات الأجنبية حتي عبر شاشة التليفزيون في عناوين البرامج، وهي القضية التي شغلت مئات المثقفين والكتاب والمبدعين. بقي أن نعلم أن القدير طاهر أبو زيد كان زوجاً للإعلامية والمذيعة التليفزيونية السابقة كاميليا الشنواني.