بعيدا عن الدور الذي تلعبه المؤسسات التابعة للدولة في نشر الثقافة الفنية، أصبح لمؤسسات المجتمع المدني دور مهم يكاد يكون مساويا لدورمؤسسات الدولة في نشر هذا النوع من الثقافة، وجمعية الشباب الموسيقي المصري واحدة من تلك المؤسسات المدنية التي تأسست عام 1985 علي يد الدكتورة سمحة الخولي رئيس أكاديمية الفنون الأسبق، لخدمة المجال الثقافي والفني، لتكون ملتقي لجميع المهتمين بأنواع الفنون والثقافة علي أن يكون العمل فيها تطوعي، هادفةًً الي اكتشاف المواهب وتوظيف طاقاتهم بتنظيم الحفلات والندوات والمسابقات للتعبير عن ابداعات أجيال متعددة. وكانت مسابقة "شوبان" الأولي في مصر واحدة من المسابقات التي نظمتها هذه الجمعية بالتعاون مع سفارة بولندا والمركز الثقافي القومي (دار الأوبرا)، بغرض إلقاء الضوء علي الموهوبين في العزف علي آلة البيانو في الوطن العربي من المتخصصين أو الهواة في هذا المجال، والتثاقف بين مصر وبولندا من خلال الموسيقي. وقد وافق الرابع والعشرون من نوفمبر حفل توزيع الجوائز علي الفائزين، أعقبه حفل من فاصلين الأول منه خصص لعزف الفائزين لبعض مؤلفات شوبان من مازوركات، وليليات، والفاصل الثاني قدمت فرقة "زيسبول بولسكي" مجموعة من الأعمال الفلكلورية لبولندا ودول أخري، وكان ذلك علي خشبة المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية. فرنسوا فريدريك شوبان هو أحد أهم الموسيقيين البولنديين الذي ولد بمدينة صغيرة بالقرب من وارسو في فبراير عام1810 لأم بولندية وأب من أصل فرنسي، وبالرغم من أن حياته كانت قصيرة جدا حيث توفي متأثرا بمرض درن الحنجرة عام 1948 الا أن انجازه الموسيقي كان كبيرا. فقد بدأ التأليف الموسيقي في سن الخامسة عشرة وحتي العام الأخير من وفاته، تاركا العديد من الكونشرتوات، والصوناتات، والبالادات، والفانتازيا، والليليات، وكم هائل من الدراسات التي تعالج قصور ما في العزف علي آلة البيانو، وبعض المؤلفات المستنبطة من التراث الشعبي البولندي مثل الفالسات، والبولونيزات، والمازوركات. وقد اتسمت موسيقي شوبان بالغنائية الشديدة، واستخدامه الزخارف اللحنية بكثرة، والتعبير عن حالات انفعالية مختلفة داخل المؤلفة الواحدة بالتظليلات الصوتية المتنوعة بين والشدة واللين، والبطء والسرعة، والتصاعد أو الخفوت التدريجي في العزف.. وغيرها من جماليات التظليل الصوتي التي تخدم المؤلفة الموسيقية. مسابقة شوبان الأولي أطلق د. فوزي الشامي رئيس مجلس ادارة جمعية الشباب الموسيقي المصري فكرة تنظيم مسابقة شوبان الأولي في مصر تخليدا لذكري ميلاد شوبان المائتين، وساعده هيئة تنظيم المسابقة المكونة من الملحق الثقافي بسفارة بولندا مارشين ستيزنسكي، د. حنان رشدي، د. غادة شاكر، د. ايمان نور الدين وجميعهن أساتذة في قسم البيانو بكونسرفتوار القاهرة، وأخيرا د. نهلة مطر مؤلفة موسيقية وأستاذ مساعد بقسم النظريات والتأليف بكلية التربية الموسيقية. وقد بدأت فعاليات المسابقة من فبراير حيث تقدم مجموعة المتسابقين بعزف مؤلفات شوبان علي آلة البيانو علي خشبة المسرح الصغير بدار الأوبرا، تبعها تصفيات المسابقة من 13 إلي 15 نوفمبر لكل مرحلة، المرحلة الأولي وهم جيل الطلائع والذين تتراوح أعمارهم من بداية سن العزف علي آلة البيانو وحتي سن الثامنة عشرة، والمجموعة الثانية وهي التي تتراوح أعمارها من الثامنة عشرة وحتي الخامسة والعشرين. وقد تكونت لجنة التحكيم للمسابقة من: د. رمزي يسي رئيسا، د. فوزي الشامي، د. طارق شرارة أعضاء. وفاز في هذه المسابقة من مجموعة الطلائع كل من: سليمان عبد الحميد الشيخ طالب بمدرسة الليسيه با?سكندرية بالجائزة الأولي، سامر وحيد لطفي شنودة طالب بمدرسة سانت فاطيما مدينة نصر بالجائزة الثانية، أما الجائزة الثالثة فكانت بالمناصفة بين اسلام شامل،ونغامية صفوت من كونسرفتوار القاهرة، ويوسف محمد. ومن المجموعة الثانية والتي تمثل جيل الشباب فقد فاز بالجوائز كل من: إسراء محمد علي، وخلود صفوان من كونسرفتوار القاهرة مناصفة بالجائزة الأولي، ثريا محمد شداد من السودان طالبة بكونسرفتوار القاهرة بالجائزة الثانية، ومجد محمود سليمان طبيبة أسنان من سوريا بالجائزة الثالثة. وجوائز الفائزين عبارة عن منحة دراسية في الربيع القادم في بولندا لمدة أسبوع، وشهادات تقدير وهدايا للمتسابقين، الي جانب عزف المتسابقين في سلسلة من الحفلات التي ستنظمها جمعية الشباب الموسيقي المصري. موسيقي الفلكلور البولندي القسم الثاني من حفل توزيع الجوائز علي الفائزين في المسابقة قدمته فرقة "زيسبول بولسكي" المكونة من ثمانية أفراد، كل منهم يجد العزف علي آلة أو أكثر الي جانب الغناء، وقد تأسست الفرقة منذ عام 1994م وحققت نجاحات عديدة علي مستوي العالم منها اليابان، بلجيكا، فرنسا، بلغاريا، النمسا، كما أن لها ست أسطوانات مدمجة في الأسواق العالمية. وهدف الفرقة التوثيق للتراث الفلكلوري في بولندا وبعض الدول الأخري، ولهذا فالفرقة تستخدم الآلات الشعبية الأصلية فقط. "ماريا بومينوفسكا" هي رئيسة الفرقة، خريجة أكاديمية شوبان ببولندا وعازفة تشيللو، وتجيد العزف علي أكثر من آلة وترية منها "السارانجي" الهندية، وقد أعادت تصنيع بعض الآلات الشعبية المندثرة مثل آلة "الفيدل" و "السوكا" اللذين تواجدا في القرن السادس عشر. والآلات الأساسية للفرقة هي "الفيولينة" وهي الآلة الأساسية في الموسيقي البولندية، "الفلوت الصغير"، "الدولسيمر" وهي آلة تشبه السنطور والقانون ويصدر منها الصوت عن طريق طرق أوتارها بعصاوين من المعدن، "هاردي جوردي" وهي آلة وترية لها شكل خاص يصدر الصوت منها عن طريق دوران الإسطوانة التي علي يمين الآلة بيد العازف اليمني، بينما يده اليسري تعفق الأوتار علي المساحة الخشبية المحددة للعفق، "الباص" وهي عبارة عن آلة تشيللو ولكنها أصغر حجما منه ومثبت عليها ثلاثة أوتار فقط، وأخيرا "الطبول " ومنها الدربكة أو الطبلة، وأنواع مختلفة من الدفوف، والرق. وقد قدمت الفرقة ست عشرة مقطوعة موسيقية بعضها من التراث البولندي منها أغنيتان هما "هيج سو جاني، وسوسنا"، وبعض مازوركات شوبان، وبعض المؤلفات الخاصة للفرقة المستوحاة من موسيقي الفلكلور العالمي مثل الفلكلور البلغاري، والفلكلور العربي والتي استخدم فيها ايقاع "الدويك" أو المقسوم البطئ فيها، والفلكلور الأرميني والتي استخدم فيها آلة "الدودوك" وهي احدي آلات النفخ الخشبية التي لها صوت خاص يشبه الأوبوا، والفلكلور الصيني واستخدم فيها آلة الرباب الصيني ذي الوترين، والفلكلور الأفريقي وفيها استخدم آلة الماريمبا الأفريقية بشكلها البدائي، الي جانب آلات أخري مثل "الهارمونيكا" في المؤلفة الأخيرة. وهنا نجد أن الفرقة اعتمدت علي عنصر الفلكلور في الشكل حيث ظهور أعضاء الفرق بملابسهم الشعبية البولندية، ونوعية الآلات أيضا. أما علي مستوي المضمون الموسيقي في المؤلفات فقد راعت الفرقة تقديم الإيقاعات الشعبية مثل إيقاع الفالس الذي يعد إيقاعا شعبيا في بولندا، وايقاع المقسوم البطئ العربي، وغيرها من الإيقاعات الشعبية. كذلك راعت مؤلفة الأعمال الموسيقية للفرقة وهي رئيسة الفرقة "ماريا بومينوفسكا" اختيار استلهام موسيقي مؤلفاتها من الألحان والأغنيات الشعبية في العالم، فإتسمت بالجمل الموسيقية البسيطة ذات الطابع الخفيف المرح. أما عن الغناء الذي تقاطع مع خطوط العزف علي الآلات فقد اعتمد علي الغناء الجماعي في أغلبه، وهذا لا ينفي وجود بعض المقاطع الغنائية الفردية التي يتبعها ترديدات الغناء الجماعة أيضا. ومن هنا نجد أن فرقة "زيسبول بولسكي" اعتمدت علي إبراز عنصري الشكل والمضمون الفلكلوري فيما تقدمه، وقد لاقت الفرقة تجاوبا من الجمهور المصري.