استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    أسعار اللحوم بالأسواق اليوم السبت    سعر الدولار اليوم السبت 27 أبريل.. اعرف الجديد بالسوق السوداء    حماس: رد إسرائيل الرسمي على موقف الحركة من المفاوضات وصل    حماس: سنقدم ردنا على المقترح الإسرائيلي حال الانتهاء من دراسته    خلال هجمات ليلية.. روسيا وأوكرانيا تتبادلان إسقاط المسيرات والصواريخ    الرئيس العراقي يدين الهجوم على حقل كورمور للغاز ويدعو إلى اتخاذ إجراءات وقائية    نبيل الحلفاوي يوجه رسالة إلى لاعب الأهلي أكرم توفيق حول لقاء مازيمبي    توقعات الطقس لليوم السبت 27-4-2024.. طقس حار وأمطار متفرقة في بعض المناطق    الكشف قضية طفل شبرا الخيمة.. "تجارة الأعضاء عبر الإنترنت والدارك ويب"    دينا فؤاد: مسلسل "الإختيار" الأقرب إلى قلبي.. وتكريم الرئيس السيسي "أجمل لحظات حياتي"    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    أسوان والأقصر.. وقف الملاحة النهرية في النيل وبحيرة ناصر لسوء الأحوال الجوية    حدث ليلا.. مظاهرات تجتاح أوروبا دعما لغزة ومحاكمة دولية تنتظر إسرائيل    الشرطة الألمانية تفض بالقوة اعتصاما داعما لفلسطين في برلين    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    حدث بالفن|شريهان تعتذر لبدرية طلبة وفنان يتخلى عن تشجيع النادي الأهلي لهذا السبب    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    علي فرج يهزم مصطفى عسل ويتوج بلقب بطولة الجونة الدولية للإسكواش    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيلسوف الإسلامي موسي بن ميمون القابع في بلاط الناصر صلاح الدين هو نفسه الصهيوني فاتح باب الاستيطان في فلسطين
نشر في القاهرة يوم 30 - 11 - 2010

يختلف البحث في قضايا تاريخ الفكر عنه في قضايا التاريخ.
البحث في قضايا التاريخ يشبه البحث الجنائي حيث يتوجب إثبات الوقائع بالدليل الذي لا يقبل التأويل أما قضايا الفكر فيكفي إثبات تطابق الأفكار لإثبات أن ثمة مصدرا واحدا لها.
الماركسية في أمريكا اللاتينية في أقصي الجنوب الغربي للعالم هي نفسها ماركسية روسيا في أقصي الشمال الشرقي ولا حاجة بنا للبحث عن أول من تبني هذه الفكرة هنا أو هناك رغم أن كارل ماركس كان أوروبيا ألمانيا.
من المعلوم أن كتاب (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد) للشيخ محمد بدر عبدالوهاب هو مجرد تلخيص لكتاب ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم: مخالفة أصحاب الجحيم)، ويمكن لمن أراد التأكد أن يقارن بين الكتاب الأصل (الاقتضاء) والكتاب الملخص (التوحيد)!!
لكن من أين اقتبس ابن تيمية نظريته التوحيدية التي لم يسبقه بها أحد من الأولين وخالفها أغلب الآخرين بل وانتفض عليه أهل زمانه وأودعوه السجون والمعتقلات؟!
في اعتقادنا أن ابن تيمية وأتباعه إلي يومنا هذا قاموا وبنجاح لا نظير له بدور ناقل الردي علي ظهره من موضع إلي موضع لرأي يحدثه بعد رأي من خلال إلصاق ما لا يلتصق وتقريب ما لا يمكن له أن يتقارب أو يلتحم، أما سر نجاحهم المدوي فهو أن هذه الأمة كانت ومازالت ترفض قيادة ذوي البصر والبصيرة وتري أن الشروخ والفوالق التي تمزق شمل الأمة وتفتت كيانها هي الضمان الأكيد للوحدة والمنعة!!
لنطرح السؤال بصورة مختلفة قليلة........
عاش ابن تيمية في الفترة من نهاية القرن السابع الهجري وحتي القرن الثامن الهجري (661 - 728 ه) وقبل هذا كان هناك العديد من الكتب التي طرحت تصورا للعقيدة الإسلامية دار النقاش فيها حول صفات الذات الإلهية والجبر والاختيار لكن لم يرد فيها تناول لمسألة التوسل والوسيلة باعتبارها من القضايا العقدية.
فمن أين جاء ابن تيمية بهذه القضية وانفرد باعتبار التوسل شركا مخرجا من الملة مضيفا لذلك ضرورة هدم أضرحة الأنبياء والأئمة بعد أن أعلنها أصناما وأوثانا تعبد من دون الله؟!
ولد ابن ميمون عام 1135 ميلادية الموافق لعام 529 هجرية وجاء إلي مصر قبل سقوط الدولة الفاطمية ببضعة أعوام وتوفي عام 1204 ميلادية الموافق 600 هجرية أي بعد ما يقارب من 35 عاما أمضاها في بلاط الدولة الأيوبية طبيبا ومستشارا بل وواضعا لأساس الدولة الصهيونية المعاصرة وقبل مولد ابن تيمية بستين سنة فقط لا غير.
(اختير ابن ميمون طبيباً خاصاً لنور الدين علي أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين. واستخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد).
يقول عبد اللطيف البغدادي الذي زار مصر في هذه الفترة، في كتابه (الإفادة والاعتبار): وكان قصدي في مصر ثلاثة أنفس ياسين السيمياوي والرئيس موسي ابن ميمون اليهودي وأبو القاسم الشارعي، وجاءني موسي فوجدته فاضلا في الغاية قد غلب عليه حب الرئاسة وخدم أرباب الدنيا وعمل كتابا في الطب كما عمل كتابا لليهود سماه كتاب (الدلالة) ولعن من يكتبه بغير اللسان العبراني (ووقفت عليه فوجدته كتاب سوء يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها) لاحظ!!.
كان ابن ميمون طبيب البلاط الأيوبي وهي مكانة رفيعة جعلته صاحب كلمة مسموعة وشفاعة مقبولة لديهم.
التوحيد الميموني
يقول ابن ميمون في كتابه (دلالة الحائرين):
معلوم أن أبانا إبراهيم عليه السلام نشأ في ملة الصابئة ومذهبهم أن ليس ثمة إله إلا الكواكب وأن الشمس هي الإله الأعظم وكذلك أيضا قالوا إن سائر السبعة كواكب آلهة، لكن النيرين أعظم، كما قالوا بقدم العالم وزعموا بأن آدم مولود من ذكر وأنثي ولكنهم يعظمونه ويقولون أنه كان نبيا رسول القمر.
وبحسب تلك الآراء أقام الصابئة الأصنام للكواكب أصنام الذهب للشمس وأصنام الفضة للقمر وقسموا المعادن والأقاليم للكواكب وبنوا الهياكل واتخذوا فيها الأصنام وزعموا أن قوي الكواكب تفيض علي تلك الأصنام فتتكلم تلك الأصنام وتفهم وتعقل وتوحي للناس وتعلم الناس منافعهم.
كذلك قالوا في الأشجار التي هي من قسمة هذه الكواكب إذ أفردت تلك الشجرة لذلك الكوكب وغرست به وفعل لها وفعل بها كذا فاضت روحانية ذلك الكوكب علي تلك الشجرة وتوحي للناس وتكلمهم في النوم، تجد كل ذلك منصوصا في كتبهم التي أنبهك عليها وهؤلاء كانوا أنبياء البعل وأنبياء العشتروات المذكورين عندنا الذين تمكنت عندهم هذه الآراء حتي تركوا الرب ونادوا أيها البعل أجبنا. كل هذه لشهرة تلك الآراء وفشاء الجهل وكثر هذيان العالم حينئذ في هذا النوع من الخيالات فنشأت فيها آراء وصار منهم مشعوذ ومتفائل وساحر ومن يرقي رقية ومن يسأل جانا أو تابعه ومن يستشير الموتي.
وقد بينا كيف قام أبونا إبراهيم بنقض تلك الآراء حتي نبئ فكمل الغرض فأمر بقتل هؤلاء ومحو آثارهم واستئصال شأفتهم وهدم مذابحهم ومنع من تبع شيئاً من سيرهم تلك.
وقد علمت من نصوص التوراة في عدة مواضع أن القصد الأول من الشريعة كلها إزالة عبادة الأصنام ومحو أثرها وكل ما يتعلق بها حتي ذكرها وكل ما يؤدي إلي شيء من أعمالها مثل الجان والتابعة والإمرار من النار والعراف والمشعوذ والمتفائل والساحر ومن يرقي رقية ويستشير الموتي والتحذير من التشبه بشيء من أعمالهم هذه.
فما أعظم كل فريضة تخلصنا من هذه الغلطة العظيمة وتردنا إلي الاعتقاد الصحيح وهو أن ثم إلها خالق كل هذه وهو الذي ينبغي أن يعبد ويحب ويخاف لا تلك المظنون بها أنها آلهة وأن هذا الإله الحق لا يحتاج في القرب منه وحصول رضاه لأمور فيها مشقة بوجه.
ويواصل ابن ميمون: إن كثيرا من الشرائع إنما بين لي معناها وعرفني عللها وقوفي علي مذاهب الصابئة وآرائهم وأعمالهم وعبادتهم وقرائتي لكتبهم وأكبر كتاب لذلك هو كتاب (الفلاحة النبطية لابن وحشية، وهذا الكتاب مملوء من هذيانات عابدي الصنم ومما تميل إليه أنفس العوام مثل الطلسمات واستنزال الروحانيات والسحر والجن والغيلان التي تأوي البراري....
فهذه كلها هي أسفار عبادة الصنم التي أخرجت للسان العربي وهي مشتملة علي أكثر آراء الصابئة وأعمالهم المشهور بعضها في العالم أعني بنيان الهياكل واتخاذ الصور من المسبوكات والحجارة فيها وبنيان المذابح والتقريب عليها إما ذبائح أو طعام أو اجتماع للصلوات ويجعلون فيها مواضع معظمة جدا يسمونها هيكل الصورة العقلية.....
ومعرفة تلك الآراء وتلك الأعمال هو باب كبير جدا في تعليل الفرائض لأن شريعتنا كلها أصلا وقطبها الذي عليه تدور هو محو تلك الآراء من الأذهان وتلك الآثار من الوجود لمحوها من الأذهان ولمحوها من الوجود قال: تنقضون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتمحون أسماءهم من تلك المواضع . انتهي
من حق القارئ أن يتساءل عن الفائدة من هذا العرض لآراء هذا الحاخام اليهودي الذي يتحدث عن الصابئة ومعتقداتهم في حين يقودنا البحث إلي أن الأفكار التي طرحها هذا اليهودي الصهيوني (الذي تمكن ومن خلال موقعه في البلاط الأيوبي أن يؤسس للوجود اليهودي في فلسطين)، كانت وما زالت بالغة التأثير في الواقع المعاصر للعالم الإسلامي والدليل علي ذلك هو خفة العقل التي يتحدث بها بعض المؤرخين عن ابن ميمون (الفيلسوف المسلم) ومن بين هؤلاء كاتب كبير كتب أن موسي بن ميمون عاش في المحيط العربي والإسلامي، بعد فيلون بستة قرون، وُلِد في قرطبة سنة 1135 ميلادية، وتوفي في القاهرة سنة 1204 ميلادية، واشتهر بأنه أهم شخصية يهودية خلال العصور الوسطي، كما اشتهر كتابه دلالة الحائرين بأنه واحدٌ من أهم الكتب التي دوَّنها اليهود.
كان ابن ميمون قد تلقَّي العلم علي يد ثلاثةٍ من العلماء المسلمين، فتلقَّي مباشرةً من ابن الأفلح ومن أحد تلاميذ ابن الصائغ .. وتلقي من ابن رشد بشكلٍ غير مباشر، حين عكف -كما يذكر ابن ميمون نفسه- علي دراسة مؤلفات ابن رشد طيلة ثلاث عشرة سنة .
والمطالِعُ في أحد أهم كُتب ابن ميمون : «دلالة الحائرين» لا يجد إلا صدي لأفكار فلاسفة الإسلام وعلماء الكلام - خاصةً الأشاعرة - ولذلك فحين ألَّف إسرائيل ولفنسون كتابه موسي بن ميمون حياته ومصنفاته وهو الكتابُ المنشور بالعربية في القاهرة سنة 1936 م كتب الشيخ مصطفي عبد الرزاق مقدمة الكتاب فقال فيها: إن موسي بن ميمون يعدُّ من الفلاسفة المسلمين! ثم ذكر العديد من الأدلة المؤيدة لذلك ..
وفي مقدمة تحقيقه لكتاب "دلالة الحائرين" يقول الدكتور/ حسين آتاي: إذا أخذنا في الاعتبار أنَّ الشهرستاني قد عدَّ حنين بن إسحاق النصراني، فيلسوفاً إسلامياً؛ فإنه لاوجهَ للتفرقة بينه وبين موسي بن ميمون الإسرائيلي .. وكما يعتبر الفلاسفة اليهود المشاركون في الفلسفة الغربية- يقصد أمثال: اسبينوزا وكارل ماركس وبرجسون - في بلاد الغرب، فلاسفةً غربيين؛ فإن الفلاسفة اليهود والنصاري الذين شاركوا في الفلسفة الإسلامية وعاشوا في العالم الإسلامي آنذاك يعتبرون فلاسفةً إسلاميين ؛ فمحمد أبو بكر بن زكريا الرازي مع أنه كان لا يعتنق ديناً ما، فقد اعتُبر من بين فلاسفة المسلمين. وعلي ذلك، فالفلاسفة أمثال موسي بن ميمون لا يعتبرون فلاسفةً من ناحية الشكل فحسب، لمجرد انتسابهم للمجتمع الإسلامي، بل لمشاركتهم في ثقافةِ ذلك المجتمع أيضاً؛ لذلك فموسي بن ميمون فيلسوف إسلامي من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع، لأنه نشأ في ذلك المناخ الفكري، فساهم فيه وأضاف إليه بقدر ما أخذ منه. وقولنا إنه فيلسوفٌ إسلامي، لايعني أننا نقول بأنه مسلمٌ آمن بالإسلام ديناً - كان موسي بن ميمون قد أشهر إسلامه وهو في المغرب ثم ارتد في مصر -بل هو فيلسوفٌ إسلامي بالمعني الثقافي الحضاري فحسب. والدارس للثقافة الإسلامية ولا يزال الكلام هنا للدكتور آتاي حين يقرأ كتابه "دلالة الحائرين" يري أن موسي بن ميمون حتي في مناقشاته لنصوص التوراة، إنما يصدر عن فكرٍ وثقافةٍ إسلامية ، وأنه عندما ينتقد المتكلمين المسلمين يكون نقدُه لهم بأسلوبٍ خالٍ من الشدة التي ينتقد بها المتكلمون المسلمون بعضهم بعضاً ، وأنه ينقد بني دينه بشكلٍ أشد..إذن، فابن ميمون ىُعتبر فيلسوفاً إسلامياً.
هنيئا لنا بابن ميمون وابن زيدان رضي الله عنهما!!
إنه فيلسوف من فلاسفة الإسلام - كما يزعم الشيخ مصطفي عبد الرازق - في تقديمه لكتاب (إسرائيل ولفنسون) عن ابن ميمون الذي أطنب فقال: (أبو عمران موسي بن ميمون فيلسوف من فلاسفة الإسلام فإن المشتغلين في ظل الإسلام بذلك اللون من الألوان البحث النظري مسلمين وغير مسلمين يسمون منذ أزمان فلاسفة الإسلام .
إنه إذًا (فيلسوف من فلاسفة الإسلام) كما يقول هؤلاء البسطاء (تأثرا؟! وتأثيرا وهذا مؤكد) وهنيئا للصهاينة بأعداء يقود مسارهم الفكري حفنة من الحمقي والمغفلين.
الرجل كما وصفه عبد اللطيف البغدادي (يريد أن يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها) والوصف الصحيح لما قدمه الرجل في كتابه (يريد أن يفسد العقائد بما يوهم أنه يصلحها لا بما ىَظن أو ىُظن) فهؤلاء الخبثاء ليسوا حمقي أو مغفلين مثل قادة الفكر العربي المعاصر الذين لا يعنيهم إلا حصتهم من الشهرة والمال!!.
لقد جاء الرجل في موعده مع التاريخ الذي كان يشهد في ذلك الوقت أبشع عملية إبادة للحجر والبشر والعقل الإسلامي علي يد القائد الأيوبي يوسف بن أيوب حيث تمثل هذا في القضاء علي الدولة الفاطمية وتصفية موجوداتها ومنتجاتها الفكرية والثقافية والعقلية وتمهيد الأرض أمام إقامة الكيان الصهيوني في الأرض الفلسطينية المقدسة، تلك المهمة التي لا يمكن لها أن تكتمل إلا من خلال تهويد المسيحية والإسلام.
لقد أضحي تهويد المسيحية الغربية الآن حقيقة واقعة يعرفها قراء الصحف والمجلات الذين يقرءون يوميا مصطلح (المسيحية الصهيونية).
أما تهويد الإسلام أو الاختراق الصهيوني للإسلام فهو ذلك اللغز الذي ما زال يحتاج إلي من يفك رموزه وهذا ما نحاول القيام به في هذا الكتاب.
كيف يمكن أن يكون الصهيوني موسي بن ميمون القابع في بلاط صلاح الدين (حامي حمي العروبة والإسلام!!) (فيلسوفا مسلما) وهو في نفس الوقت (فاتح باب الاستيطان الصهيوني في فلسطين ومؤسس الهيكل الثالث).
إنها البلاهة بعينها وإن أردت الدقة قلت إنها الخيانة بعينها ولا عجب أن ينجح الصهاينة الآن في التلاعب بقادة أمة لا تعي ولا تقرأ وإن قرأت لا تفهم ناهيك عن أنها لا تعتبر بما لحق بها من مآس قريبة أو بعيدة.
من هم الصابئة؟!
تري من هؤلاء الذين يقصدهم ابن ميمون بالصابئة المسئولين عن خراب العالم وفساد العقائد والذين يتعين محو آرائهم من الأذهان وآثارهم من الوجود محوا لها من الأذهان والوجود؟ ومن هؤلاء الذين يتعين نقض مذابحهم وكسر أنصابهم ومحو أسمائهم من تلك المواضع؟!
هل كان هناك ثمة وجود للصابئة في مصر التي كانت فاطمية عند وصول ذلك الصهيوني ثم أضحت أيوبية فكان أن احتفي به الأيوبيون في نفس الوقت الذي طرد فيه مئات الآلاف من المصريين إلي المنافي والفيافي والقفار والهند وجنوب أسوان؟!
الجواب واضح ولا يمكن أن يفهمه إلا من تمرس علي الاستماع للصهاينة المعاصرين الذين يصرحون بشيء ويقصدون شيئا آخر لمجرد وجود تماثل معه في بعض الصور والأشكال.
الصابئة الذين يقصدهم مستشار صلاح الدين يوسف بن أيوب وطبيبه الخاص، هم المسلمون وهو المصطلح القديم المستخدم من قبل قريش في وصف المسلمين الأوائل، تماما مثلما يصف الصهاينة المعاصرون المقاومين بالإرهابيين والمخربين.
يقول أبو أنس ماجد البنكاني في كتابه عن الصابئة: أصبحت هذه الكلمة علماً لكل من أسلم وتبع النبي محمد حيث كان كفار قريش يسمون من أسلم بالصابئ. ألا تري أنه لما بعث محمد وصفه المشركون بالصابئ وربما دعوه بابن أبي كبشة الذي هو أحد أجداد آمنة الزهرية أم النبي كان أظهر عبادة الكواكب في قومه فزعموا أن النبي ورث ذلك منه!!. وفي حديث عمران بن حصين أنهم كانوا في سفر مع النبي ونفد ماؤهم فابتغوا الماء فلقوا امرأة بين مزادتين علي بعير فقالوا لها انطلقي إلي رسول الله فقالت الذي يقال له الصابئ؟ قالوا هو الذي تعنين، وساق حديث تكثير الماء.
وكانوا يسمون المسلمين الصباة كما ورد في خبر سعد بن معاذ أنه كان صديقا لأمية بن خلف وكان سعد إذا مر بمكة نزل علي أمية فلما هاجر النبي إلي المدينة انطلق سعد ذات يوم معتمرا فنزل علي أمية بمكة وقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت فخرج به فلقيهما أبو جهل فقال لأمية يا أبا صفوان من هذا معك قال سعد فقال له أبو جهل ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد أويتم الصباة.
كما يروي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قصة بالغة الدلالة تظهر أن التيار الأموي القرشي المعادي للإسلام كان يري أن الدعوة التي حملها رسول الله محمد صلي الله عليه وآله تمثل امتدادا للدعوة الصابئية التي حملها جد النبي لأمه (أبو كبشة) الذي نسب إلي المعتقد الصابئي.
قال ابن أبي الحديد: روي الزبير بن بكار في (الموفقيات) وهو غير متهم علي معاوية ولا منسوب إلي اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي عليه السلام، والانحراف عنه: قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي علي معاوية فكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يري منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: مالي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم، قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به. إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلي إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقي لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتي هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: (أشهد أن محمدا رسول الله)، فأي عملي يبقي، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلا دفنا دفنا.
الصابئة إذًا في الوجدان السياسي الأموي المعادي للنبي وأهل بيته ممن حاربوا نبي الإسلام قبل الفتح وبعد الفتح ويوم صفين هم المسلمون وعلي رأسهم محمد بن عبد الله (ابن أبي كبشة) رأس الصابئة!!
ومن المفيد أيضا أن يطلع القارئ علي ما ورد في موقع التاريخ المسيحي تحت عنوان (مكة "مقة" معابد الله إله القمر الوثني) حيث يفتري هؤلاء علي نبينا صلوات الله عليه زاعمين أن المسلمين يعبدون إله القمر ويمكن لمن أراد المزيد أن يطلع علي الرابط التالي:http://www.coptichistory.org/new_page_196.htm
لا يحتاج المرء أن يكون عبقريا ليدرك أن الصابئة الذين نوه عنهم (الفيلسوف المسلم) ابن ميمون ودعا لإبادتهم وتحطيم أصنامهم من الوجود هم نحن المسلمون!!!.
كان علي السذج الذين أوردنا مدائحهم سابقا لابن ميمون أن ينتبهوا أن هذا اليهودي وجريا علي عادة أسلافه ممن حاربوا نبينا محمدا صلي الله عليه وآله يجمع بين خصلتين: الأولي إنكاره للنبوة المحمدية والثانية عداؤه لها وهو في ذلك يختلف عن غيره من أهل الكتاب ممن اكتفوا برفض الاعتراف ولم يتجاوز الأمر بهم إلي حد العداء الصريح.
ابن تيمية ينقل عن ابن ميمون
ننتقل إلي ابن تيمية (شيخ الإسلام) المزعوم وهو يكرر وينقل عن ابن ميمون ربما بصورة حرفية واقرءوا النص التالي نقلا عن كتاب اقتضاء الصراط المستقيم: (وكذلك نهي عن اتخاذ القبور مساجد وإن كان المصلي عندها لا يصلي إلا لله لئلا يفضي ذلك إلي دعاء المقبورين والصلاة لهم وكلا الأمرين قد وقع فإن من الناس من يسجد للشمس وغيرها من الكواكب ويدعو لها بأنواع الأدعية والتعزيمات ويلبس لها من اللباس والخواتم ما يظن مناسبته لها ويتحري الأوقات والأمكنة والأبخرة المناسبة لها في زعمه وهذا من أعظم أسباب الشرك الذي ضل به كثير من الأولين والآخرين حتي شاع ذلك في كثير ممن ينتسب إلي الإسلام وصنف فيه بعض المشهورين كتابا سماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم علي مذهب المشركين من الهند والصابئين والمشركين من العرب وغيرهم مثل طمطم الهندي وملكوشا البابلي وابن وحشية وأبي معشر البلخي وثابت بن قرة وأمثالهم ممن دخل في الشرك وآمن بالجبت والطاغوت وهم منتسبون إلي أهل الإسلام (لاحظ أن نفس هذه الأسماء وردت في دلالة الحائرين وأنه يدرجهم في إطار الإسلام بينما يسميهم ابن ميمون بالصابئة)، كما قال تعالي (ألم تر إلي الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) وقد قال غير واحد من السلف: الجبت السحر والطاغوت الأوثان وبعضهم قال الشيطان وكلاهما حق، وهؤلاء يجمعون بين الجبت الذي هو السحر و الشرك الذي هو عبادة الطاغوت كما يجمعون بين السحر وعبادة الكواكب وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام بل ودين جميع الرسل أنه شرك محرم بل هذا من أعظم أنواع الشرك الذي بعثت الرسل بالنهي عنه ومخاطبة إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه لقومه كانت في نحو هذا الشرك وكذلك قوله تعالي (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض) إلي قوله تعالي (إن ربك عليم حكيم) فإن إبراهيم عليه السلام سلك هذه السبيل لأن قومه كانوا يتخذون الكوكب أربابا يدعونها ويسألونها ولم يكونوا هم ولا أحد من العقلاء يعتقد أن كوكبا من الكواكب خلق السموات والأرض وإنما كانوا يدعونها من دون الله علي مذهب هؤلاء المشركين.
فيلبي يكمل المسيرة
تدمير معالم النبوة وآثارها (الوثنية الصابئية) شكلت سببا رئيسيا للهجمة الوهابية التدميرية علي معالم الحضارة الإسلامية هو ما أعلنه سانت جون (عبد الله) فيلبي رجل المخابرات الإنجليزي الذي أشرف بنفسه علي هدم كل الأضرحة والقباب في الحجاز قائلا (إن ذلك سيجعل الأجيال القادمة تنسي الوقائع التاريخية المرتبطة بهذه الأماكن).
من حقنا ومن واجبنا أن نستفسر من ابن تيمية عن سر هذا التطابق الذي يكاد أن يكون حرفيا بين كلامه وكلام ابن ميمون حتي أن التطابق وربما الاقتباس يصل إلي اقتباس المراجع فكلاهما يقتبس من ابن وحشية وهذا يجعل منه حجة علي الصابئة المسلمين وذاك يجعله حجة علي المسلمين الصابئة.
ولا شك أن لابن تيمية ميزة يتفوق بها علي ابن ميمون وقدرة أكبر علي تحقيق الغرض الأساسي كونه (شيخا للإسلام) ومن ثم فهو لن يعاني صعوبة إدراج المسلمين في خانة المشركين وعبدة الأوثان تمهيدا لتوجيه الضربة القاضية لهم وهي هدم أوثانهم ومحوها من الأذهان هذا طبعا بعد تحديد هذه الأوثان التي سيتضح بعد قليل أنها أضرحة الأنبياء والأئمة تمهيدا لإزالتها نهائيا من الأذهان والقلوب ليسود الأرض (التوحيد الذي هو حق الله علي العبيد).
يمتاز ابن تيمية بقدرة علي أسلمة أفكار ابن ميمون من خلال استخدام كلمة (أو) الساحرة........
وتأمل هذا النص التيموي:
(والخليل صلوات الله عليه أنكر شركهم بعبادة الكواكب العلوية وشركهم بعبادة الأوثان التي هي تماثيل وطلاسم لتلك الكواكب أو هي تماثيل لمن مات من الأنبياء والصالحين وغيرهم وكسر الأصنام)
فالتماثيل هي طلاسم لتلك الكواكب أو لمن مات من الأنبياء.
هل هي للكواكب أم للأنبياء؟!
إما هذه أو تلك!! ولكنه علي كل حال فن الأسلمة عبر الدحرجة والاستغفال!!
إنه فن أسلمة الأفكار الصهيونية الميمونية عبر دحرجة المعاني والتلاعب بالألفاظ وعلي القارئ الغبي أن يأخذ كلام ابن تيمية (أو) كلام ابن ميمون وكلاهما يخلط بين الكواكب والأنبياء وبين المسلمين والصابئة اعتمادا علي فلاسفة آخر الزمان الذين يأخذون هذه الكلام السام علي علاته رغم أن هذه الاتهامات لا تخص المسلمين من قريب أو بعيد ولكن شيخ الإسلام قام باسلمته ودحرجة كرة النار إلي عقر دارنا لتحرقنا وتحرق كل الأغبياء الذين يحسنون ظنا بالصهاينة وأزلامهم حتي ولو تلقبوا بألقاب الإسلام والإسلام منهم براء.
فقط كل ما هو مطلوب منك أيها المسلم أن تقبل أن توصف من قِبل ابن ميمون أو نتنياهو بأنك صابئي إرهابي مشرك نجس وأن اليهود وحدهم هم شعب الله المختار.
الذي نخلص إليه أن ابن تيمية قد اقتبس أفكار ابن ميمون بوعي أو من دون وعي وهي الأفكار التي تري المسلمين جماعة صابئية منشقة تعبد النجوم والكواكب والقمر وتتقرب إلي آلهتها بتقديس حفنة من الرموز وتقيم لها الهياكل والأضرحة التي هي عنوان الكفر والوثنية وهي أضرحة النبي وأهل بيته وأن هذه الرموز يتعين محوها من الوجود والأذهان وهو ما (سيجعل الأجيال القادمة تنسي الوقائع التاريخية المرتبطة بهذه الأماكن) كما قال فيلبي ومن قبله ابن تيمية ومن قبله ابن ميمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.