بما أنك تعيش في هذا الزمان فلابد وأنك تعلم أن الموقع الرسمي لأكبر شبكة عنكبوتية للعلاقات الاجتماعية " الفيس بوك" تضم ما يزيد علي خمسمائة مليون شخص، من 207 دول تغطي مساحة الكرة الأرضية من الجهات الأربع! هذا الموقع الالكتروني الاجتماعي أصبح هوس الناس وعشقهم ومزارهم اليومي منذ عام 2003، وبالتحديد في اليوم الذي انتهي فيه الشاب الأمريكي "مارك زوكيربيرج" من تصميم الموقع. "مارك زوكيربرج" هو أصغر ملياردير في العالم! وإذا كنت تريد أن تتعرف عليه بصورة افضل فعليك أن تقرأ الكتاب الذي وضعه "بين مينورخ "باسم ملياردير بالمصادفة، أو تشاهد الفيلم الذي أخرجه دافيد فينشر وكتب له السيناريو "آرون سوركين" باسم the social net work، وهو كما وصفه النقاد في أمريكا من افضل افلام الموسم السينمائي الحالي ويؤكدون أنه سوف يحصل علي عدة ترشيحات لجوائز الأوسكار لعام 2011. هناك فرق إذا طرحت علي أية شركة إنتاج مصرية فكرة أن تقدم فيلما عن شاب بسيط لا يزيد عمره علي عشرين عاما، يعمل في تصميم برامج الكمبيوتر،وتمكن من عمل موقع اجتماعي ينضم له ملايين البشر من جميع انحاء العالم، فسوف يلقون بك أنت والسيناريو والفكرة واللي "يتشددلك" في الشارع! فشركات الإنتاج عندنا في حالة تطاحن وشجار للحصول علي حق تقديم حياة "تحية كاريوكا "في مسلسل لرمضان القادم!ونجمات التليفزيون بيشدوا شعر بعض لتحصل كل منهن علي فرصة تقديم حياة الراقصة "بديعة مصابني" في مسلسل آخر، وفئة غيرهن يتآمرن ويتكتمن سرا رهيبا يخص تقديم حياة " كاميليا " في مسلسل ثالث! هذا بعد أن أتحفونا هذا العام بمسلسل "الحاجة زهرة وأزواجها الخمسة" ومسلسل البنت العبيطة اللي حاتموت ع الجواز، حتي أنها لا تتورع من خطف أي راجل ماشي في الشارع! أما حياة العلماء ورجال الفكر الذين قدموا للمجتمعات إنجازا حقيقيا أو أفكارا تساعد علي رقي الإنسان فهي مسألة ماتخصناش، ولايوليها أحد أي اهتمام وهذا الفرق بيننا وبين بلاد أخري تمجد أصحاب المواهب والإنجازات الحقيقية في جميع مجالات الحياة! الخطايا السبعة يقول المخرج دافيد فينشر صاحب افلام "الخطايا السبعة"، ونادي القتال وقضية بينيامين بوتين المحيرة وزودياك: إن تقديم حياة كاتب روائي أمر عسير للغاية، لأن الكاتب يقضي عمره بين الورق والأقلام والغوص في حياته العملية يحتاج جهدا خارقاً من كاتب السيناريو والمخرج لتقديم مرادف بصري لما يكتبه، حتي لا يصاب المشاهد بالضجر والملل، فما بال الحال ونحن بصدد تقديم فيلم يقوم بالأساس علي فكرة وضع تصميم لموقع الكتروني علي الإنترنت، فإن تصوير بطل الفيلم وهو قابع لساعات طويلة أمام جهاز الكمبيوتر،أو اقتحام عقله لنتابع كيف نبتت الفكرة في رأسه فهو أمر شديد الصعوبة حقا، وكان هذا هو التحدي الحقيقي الذي واجهناه أنا وكاتب السيناريو آرون سوركين! أصدقاء وأعداء أفيش فيلم THE SOCIAL NETWORK يحمل جملة شديدة الجمال، كما أنها معبرة عن لب الموضوع "حتي تحصل علي خمسمائة مليون صديق، فلابد وأن تتوقع أن تحصل أيضا علي قليل من الأعداء"! "مارك زوكيربرج "شاب في بداية العشرينات من عمره، يدرس في جامعة هارفارد وهو نحيف الجسم، مرتبك وفاشل في علاقاته الإنسانية وخاصة مع الجنس اللطيف، لا يهتم بمظهره، وأحيانا يفضل ارتداء "الشبشب" في قدميه حتي لو كان ذاهبا إلي لقاء رسمي، حيث يفضل راحة قدميه علي ان يبدو أنيقا ومهندما !ورغم انه يقضي معظم أوقاته امام شاشة الكمبيوتر فإنه إذا فتح فمه فلن يتوقف عن الكلام، وسوف يرهق من يسمعه بقدرته علي الجدل والنقاش الدائم! هذا الشاب النحيل يصبح فجأة صاحب أكبر مشروع علي شبكة الإنترنت، ويرتفع رصيده في البنوك من صفر إلي مئات الملايين، ثم الآلاف منها قبل مرور خمس سنوات علي بداية انطلاق مشروعه" الفيس بوك"! وهذا وحده كان كفيلا بدخوله في صراعات ومتاهات مع الأصدقاء الذين أصبحوا أعداء، وتبدأ أحداث الفيلم بالشاب "زوكيربيرج" ، ويقوم بدوره "جيس انسبيرج " في حوار جدلي مع فتاة يحبها، وينتهي الأمر بكلمات بذيئة تطلقها الفتاة في وجهه، فينهض من أمامها متجهًا إلي حجرته ويجلس أمام شاشة الكمبيوتر يفكر كيف ينتقم منها! ومع مساعدة بعض زملاء غرفته في المسكن الجامعي يتمكن من كتابة رأيه فيها علي مدونة تتحول الي موقع اجتماعي يشارك فيه الآخرون بالرأي والتعليق، ثم يقفز إلي ذهن الفتي فكرة جمع أكبر عدد من الأصدقاء وعمل وسيلة لتواصلهم بحيث يصبح هناك موقع يضم أناسًا من أماكن متفرقة من العالم يشاركون بعضهم في الأفكار والمعلومات، وبعض الصور والكليبات، وتبدأ المشكلة عندما يختلف الأصدقاء بعد أن يدركوا أن المشروع سوف يدر أموالا كثيرة،حيث يؤدي الجشع الي تبادل الاتهامات ومحاولة كل منهم أن يثبت أنه صاحب الفكرة أو مشارك فيها بالرأي، وتزداد الأزمة وتصل إلي القضاء بحثا عن حقوق الملكية الفكرية، ويكون خصوم زوكيربيرج هم الشقيقين التوأم كاميرون وتيلور وينكليفوس ويقوم بدروهما "آرمي مامير"، وروني كارا، ويتحول الاصدقاء فجأة الي خصوم ألداء! غلظة الرأسمالية يصور فيلم THE SOCIAL NET WORK غلظة وشراسة المجتمعات الرأسمالية،التي تخلق مواطنين يسعون للسلطة والمال مقابل خواء ارواحهم وبلادة مشاعرهم وعدم إحساسهم بالآخرين،ويشبه أحد النقاد فيلم دافيد فيشر بفيلم المواطن كين الذي قدمه أورسون وييلز في عام 1941 وكانت قصته تدور حول مليونير وصاحب مجموعة جرائد يومية ناجحة هو تشارليز فروستر كين الذي يقتل لاسباب مجهولة ويصبح حادث مقتله حديث المجتمع الأمريكي وتختلف حول تحليل شخصيته الآراء،إن تشارليز كين شديد الشبه بزوكيربيرج فكل منهما اصبح صاحب ثروة هائلة قبل أن يصل إلي الثلاثين من عمره، وكل منهما فقد حياته الاجتماعية وعلاقاته الانسانية من اجل طموحه الشخصي وتفرده وتميزه، ولكن زوكيريرج صاحب فكرة الفيس بوك لم يفقد حياته ولكنه فقد أية فرصة للتواصل الحقيقي مع أناس يعرفونه ويحبونه لشخصه، وينتهي الفيلم وقد كسب مالاً كثيرا وأثبت ملكيته لفكرته وقام بتسيجلها باسمه ومع ذلك فهو يجلس وحيدا أمام شاشة الكمبيوتر ينظر إلي صور الفتاة التي أحبها ولم يتمكن من التواصل معها مطلقا، واكتفي بمتابعة أخبارها علي الفيس بوك!