في ظل الأجواء المتشائمة التي سبقت استئناف المفاوضات المباشرة في الشرق الاوسط، وما زالت ترافقها حتي الان، بات من المناسب بالنسبة للكثيرين الاحتفاء باستمرار تلك المفاوضات ليوم اضافي، بما يبعث علي الأمل، رغم عدم إنجاز شيء حتي الآن. وفي الجولات الثلاث التي جرت حتي كتابة هذه السطور، في واشنطن وشرم الشيخ والقدس، كانت المسألة الأكثر بروزا، بخلاف الاحضان والابتسامات امام الكاميرات، هي الخلاف حول فكرة مد قرار تجميد البناء في المستوطنات، إذ يدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ان ائتلافه الحكومي سينهار اذا تم تمديد قرار التجميد، بينما اعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس انه سينسحب من المفاوضات المباشرة فورا في حالة استئناف الاستيطان، بل وزاد علي ذلك بالتلميح الي انه سيستقيل من منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية، ليترك الساحة بكل ما فيها من عبث! وأبرزت الصحف الإسرائيلية اهم الانتقادات التي وجهها الرئيس حسني مبارك لإسرائيل، خلال مقابلة أجرتها معه القناة الأولي بالتليفزيون الإسرائيلي في شرم الشيخ، وبثها مطلع الاسبوع الحالي، وتضمنت تحذيراته من ان استئناف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية سوف ينال من فرص إقامة الدولة الفلسطينية ويزيد من الإرهاب وأعمال العنف ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة في كل انحاء الشرق الأوسط، مؤكدا ان مد تجميد البناء ومفاوضات جادة قادرة علي التوصل إلي اتفاق اطار بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال شهور قليلة. وأكد مبارك أن الأمر بحاجة إلي قرارات شجاعة وأنه يعتقد ان نتنياهو قادر علي اتخاذها، كما دعا إسرائيل الي التوقيع علي اتفاقية الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل. وانتقد مبارك حديث الإسرائيليين عن الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وقال: لا يوجد شيء كذلك في كل انحاء العالم، وفي إسرائيل هناك اغلبية يهودية كما في مصر هناك اغلبية من المسلمين وهناك ايضا مسيحيون ويهود ايضا.. وعندما سعت كوسوفو الي ان تكون دولة، ثار العالم وقال لا نريد دولة اسلامية في قلب أوروبا! وحظي مبارك باهتمام وسائل الاعلام الإسرائيلية ايضا بعد تسليط الاضواء علي رسالة بعثها الزعيم الروحي لحركة شاس اليهودية الحاخام عوفاديا يوسف الي الرئيس مبارك، أعرب فيها عن دعمه دون أي تحفظ لعملية السلام، بعد اسابيع قليلة من ضجة اثارها عوفاديا حين لعن الفلسطينيين وأبومازن علي الملأ، ودعي بموتهم اجمعين! وذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" ان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز توجه الي الحاخام عوفاديا منذ أيام قليلة وطلب منه ان يعلن علي الملأ وبوضوح دعمه لعملية السلام، بما يجعل من حركة شاس شريكا كاملا في تلك العملية. وورد في الخطاب الذي ارسله عوفاديا الي مبارك: "نأمل ان يكون هناك سلام دائم مع كل جيراننا، ونحن نشكركم سيادة الرئيس علي تدخلكم المباشر في عملية السلام بمنطقتنا، فهو امر سيساهم بلا شك في دعم ودفع هذه العملية المهمة". وأضاف زعيم شاس: "انني اشد علي يديكم وابارك زعماء وشعوب مصر والاردن وفلسطين الذين يشاركون ويسعون الي نجاح هذه المفاوضات المهمة لتحقيق السلام في منطقتنا ومنع سفك الدماء". تجميد الاستيطان من جانبها ذكرت صحيفة "هآرتس" أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطا علي نتنياهو وأبومازن كي يتوصلا الي حل متفق عليه بينهما حول استمرار تجميد البناء في المستوطنات. وأضافت أن وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، طرحت في لقاء شرم الشيخ مقترحات في موضوع التجميد، ولكن لم يتحقق أي انجاز. أحد المقترحات التي طرحتها الإدارة الأمريكية هي الشروع فورا في محادثات ماراثونية حول مسألة حدود الدولة الفلسطينية، وفق جدول زمني محدد لا يزيد عن 3 أشهر. في المقابل يوافق الفلسطينيون علي مواصلة المحادثات رغم انتهاء التجميد. وتري الإدارة الأمريكية، حسب الصحيفة أنّ ترسيم الحدود سيوضح أين مسموح لإسرائيل أن تبني وأين ينبغي تجميد البناء؟، لان هذه المستوطنات لن تكون جزءا من إسرائيل في اتفاق مستقبلي. وقالت الصحيفة إن الفلسطينيين يؤيدون الاقتراح الأمريكي بشأن ترسيم الحدود كمرحلة اولي في المحادثات، ولكن نتنياهو يرفض في هذه المرحلة هذا الاقتراح تماما. بينما ذكرت صحيفة معاريف ان رئيسي الفريقين المفاوضين لمحادثات السلام، المحامي اسحق مولكو، وصائب عريقات، سيسافران هذا الأسبوع لمقابلة السيناتور جورج ميتشل ومسئولين كبار آخرين في البيت الابيض ووزارة الخارجية الأمريكية، إذ تطلب الادارة من الطرفين بلورة اقتراحات حل وسط في موضوع استمرار تجميد البناء في المستوطنات، والذي ينتهي مفعوله في 26 سبتمبر الحالي. وقالت الصحيفة إن أبومازن وعريقات اقترحا علي نتنياهو عدة حلول توفيقية في مسألة التجميد، أحدها تمديد التجميد في كل الضفة الغربية بثلاثة اشهر، علي ان تجري بالتوازي مفاوضات ماراثونية في موضوع حدود إسرائيل والدولة الفلسطينية، ليكون بوسع إسرائيل بعد ذلك ان تستأنف البناء حسب الحدود المتفق عليها، لكن نتنياهو رفض تمديد التجميد ورفض البحث في موضوع الحدود قبل بحث الترتيبات الأمنية. بالتوازي مع وجود اعضاء الفريقين المفاوضين في واشنطن، يعتزم السفر إلي الولاياتالمتحدة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزير الدفاع ايهود باراك. وهناك سيلتقي بيريز رئيس السلطة أبا مازن في ندوة للزعماء العرب تعقد في مؤتمر دولي بنيويورك. ويلتقي باراك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والامين العام للامم المتحدة ومسئولين كبار في البيت الابيض ووزارة الدفاع الامريكية. وواضح ان الأمر يتعلق بنوع من الحملة الإسرائيلية للضغط علي الامريكيين والتأثير علي مواقفهم في المفاوضات، فاين العرب من ذلك؟! جس نبض يتفق أغلب المحللين الإسرائيليين علي عدم تصديق أن نتنياهو يسير نحو السلام الحقيقي فعلا، خاصة حين يتساءلون في اندهاش: وهل بوسع نتنياهو ان ينجح فيما فشل فيه باراك؟! ولم يخل الامر من محاولات لجس النبض، عبر الاشارة الي ان نتنياهو يقترح التوصل الي اتفاق اطار الان، يجري تنفيذه خلال فترة تتراوح بين 20 الي 30 سنة، أي انه يبيع الهواء، يبيع ورقة فقط، علي ان يكون التطبيق بعد وفاته هو وكل من معه تقريبا! والحجة المعتادة لهم: انقسام الفلسطينيين بين فتح وحماس، وبين الضفة الغربيةوغزة. وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية ان ثمة خطة حقيقية يجري إعدادها في الغرف المغلقة، تحت شعار الانطواء الامني. وفي هذه الخطة تسحب إسرائيل المستوطنين والمستوطنات التي خلف جدار الفصل الي داخل الكتل، في حين لن يغادر الجيش الإسرائيلي ولا المخابرات، بدعوي ضمان استمرار السيطرة الامنية، ولكن الخروج من الوريد الفلسطيني في كل ما يتعلق بالسيطرة المدنية وفك عدد غير قليل من المستوطنات. بينما خرجت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بمقالة افتتاحية وبخت فيها نتنياهو، تحت عنوان "التجميد كاختبار"، وقالت: "علي نتنياهو ان يفهم بان التوسع الاستيطاني لا يستوي مع حل الدولتين، الذي وعد هو بدفعه الي الامام، وان التصدي لضغوط اليمين هو اختبار لزعامته. وعليه ان يعلم ان الازمة حول تجميد البناء في فترة المفاوضات لا تعد شيئا بالقياس الي التحديات التي تنتظر نتنياهو في المداولات الجوهرية. اذا ما كان نتنياهو بالفعل معنيا بالوصول في غضون سنة الي اتفاق دائم، كما صرح، فسيكون عليه ان يتخذ قريبا قرارات حاسمة قاسية اكثر باضعاف. إذا لم يكن يرغب أو يستطيع، التصدي لشركائه من اليمين في اختبار التجميد المؤقت والجزئي للبناء في المناطق، فكيف سيقف في وجه الضغوط، حين تحين ساعة القرار باخلاء عشرات المستوطنات وعشرات الاف المستوطنين؟". في المقابل، دعت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية الي ان تقوم إسرائيل بتهديد أبي مازن بتسليم الضفة الغربية لحركة حماس! واشاد الكاتب الإسرائيلي "جي باخور" بسيطرة حماس علي قطاع غزة، والاستقرار الذي فرضته هناك، فيقول: "الاستقرار الذي حصلنا عليه أقل ثمنا بكثير من الاستقرار الذي يبدي أبومازن الاستعداد لبيعه لنا بثمن الاغراق باللاجئين، ونقل القدس إلي يديه وإعادة كل المناطق". ودعا باخور الي تهديد أبومازن بأنه إذا لم يستجب لمطالب إسرائيل، فان إسرائيل ستخلي من طرف واحد معظم المناطق الفلسطينية، وتضم لنفسها الكتل الاستيطانية ومنطقة البلدة القديمة في القدس، "وتتركك انت ونظامك لرحمة حماس والاردن"، بما يعني تصفية السلطة علي أيدي حماس خلال بضعة اسابيع. ومضي باخور في تصوره قائلا: "إسرائيل ستبقي لنفسها معظم أراضي غور الأردن، ولكن ستسمح بفتحة حرة بين إمارة حماس والاردن. بمعني، لن يتواجد جنود إسرائيليون في جسر اللنبي. هذا الامر سيسمح بمخرج لهذه الامارة الاسلامية نحو العالم، عبر الاردن، الذي يتعين عليه أن يتحمل العبء، مثل مصر في غزة. إسرائيل ستغلق، والاردن سيكون ملزما بان ينفتح لمساعدة "إخوانه" الفلسطينيين. وهكذا يقع الاردن ضحية خطابه نفسه المؤيد للفلسطينيين، مثلما حصل مع المصريين في غزة".