لا ينسي سكان ستوكهولم يوم 29(يوليو) 2007 عندما فوجئوا بآلاف العراقيين يحتلون الساحة المركزية للمدينة راقصين ومغنين احتفالا بفوز منتخبهم لكرة القدم ببطولة آسيا. كانت تلك أول مرة تبين فيها الجالية العراقية ثقلها العددي. فالسويد كانت علي الدوام الوجهة المفضلة للاجئين العراقيين وذلك لنظامها الاجتماعي الراقي وتقاليدها التي تتميز باحترام إنسانية الانسان مهما كان جنسه وسنه وطبقته، إضافة الي خاصية المساواة التامة في الحقوق بين المواطن السويدي والمقيم الأجنبي. فبدأت موجاتهم بالتدفق علي هذه البلاد منذ الثمانينات. ثم حصلت الطفرة العددية خلال التسعينات حين دفع الحصار الاقتصادي الدولي علي العراق، الذي صعّب شروط الحياة فيه بشدة الكثيرين من أبنائه الي الهجرة. وعندما قلّ عددهم في الأشهر الأولي من الاحتلال الأمريكي كان ذلك إشارة الي حالة الترقب التي سادت المزاج العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين. غير ان ما أعقب ذلك من أحداث دموية لم تجعل العراقيين يعودون الي طلب اللجوء في السويد وحسب وإنما بأعداد أكبر بكثير مما في العهد السابق، حتي فاق عددهم اليوم 120 ألفاً كما أعلن وزير الهجرة، ليصبحوا ثاني أكبر جالية أجنبية بعد الفنلنديين. يتوزع العراقيون علي عدة تجمعات في البلاد تعكس في تمايزها تمايز العراقيين أنفسهم. ففي العاصمة ستوكهولم تعتبر ضاحية سودرتاليا من أقدم التجمعات العراقية، وهي تضم في غالبيتها الأسر المسيحية التي بدأت بالهجرة من العراق منذ الثمانينات ولحق بها أقرباؤها خلال العقود الأخيرة، لذلك يمكن وصفها بتجمع عشائري للأسر المسيحية الشرقية حيث يستقر هناك أيضا سريان سوريا وأرمن تركيا ومسيحيو لبنان وغيرهم. وقد اشتهر اسمها في الأخبار بوصفها الضاحية التي استقبلت لوحدها من العراقيين الهاربين من الحرب الأخيرة أكثر مما استقبلته أمريكا نفسها التي شنت هذه الحرب. ثمة تجمعات أخري للعراقيين في العاصمة، منها "العراق الصغير" كما توصف ضاحية تينستا. أما في عموم السويد فتعتبر مدينة مالمو علي الساحل الجنوبي ثاني أكثر المدن ازدحاما بهم وبالعرب عموما. وفي مدينة جوتنبرج، المركز الثقافي العريق الشهير، يتجمع العراقيون في حي هَمَر كولن الذي يرتبط اسمه بكرنفال سنوي يحرص العراقيون علي المشاركة فيه حيث تعرض كل مجموعة إثنية فنونها الفلكلورية وثقافتها وأطعمتها في صالات الحي وشوارعه لثلاثة أيام متتالية. أصناف وأجيال عند التمعن في أوضاع عراقيي السويد ومواقعهم الاجتماعية وحتي سلوكهم لا مناص من ملاحظة اختلافات واسعة. فاذا كان من الممكن وصف أبناء جالية ما بوصف معين فإن هذا يتعذر مع العراقيين. انهم خليط كبير يضم كل ما أنتجته المراحل السياسية والاجتماعية في العراق خلال الثلاثين سنة الأخيرة. يقول السيد حبيب محمد تقي ان هذه الاختلافات فيما بين العراقيين هنا هي انعكاس لاختلاف أصنافهم في البلد الأم. يعيش السيد حبيب هنا منذ 23 سنة، ويعمل مترجما منذ مدة طويلة، ما أتاح له التعرف علي عشرات النماذج من العراقيين والعرب الذين تولي الترجمة بينهم وبين الادارات السويدية. ومن وحي هذه الخبرة يقول: يمكن تصنيف عراقيي السويد الي ثلاثة أصناف تعود الي ثلاث موجات قدمت الي هنا. الموجة الأولي هي التي قدمت في نهاية السبعينات وطوال الثمانينات، وجُلّها من السياسيين الفارين من نظام صدام. نسبة جيدة من هؤلاء هم من ذوي التعليم العالي، واستفادت الدولة السويدية من كفاءاتهم. الموجة الثانية التي وصلت إبان الحصار الاقتصادي في التسعينات هي خليط لا يجمع بينهم سوي الهروب من وضع بائس، فتجد بينهم الجيد والرديء وحتي رجال المخابرات الذين كان النظام العراقي يدسّهم بين اللاجئين! أما الموجة الأخيرة التي صارت تصل منذ 2003 والي اليوم فتضم في نسبة كبيرة منها ما أنتجته أجواء الحرب والانهيار الاجتماعي الشامل، بما في ذلك من أمراض الشخصية وانحرافاتها. ثقافة عراقية في السويد تعكس التجمعات العراقية في السويد التعددية الاثنية والدينية والسياسية التي في الوطن الأم. فاذا لم تكن الجمعية مختصة بقومية أو بأتباع ديانة من ديانات الرافدين العديدة فإن هذا يعني انها مختصة باتجاه سياسي علماني معين! وكان اتحاد الجمعيات العراقية قد تأسس سنة 1995 ليضم عددا من الجمعيات التي كانت موجودة قبل ذلك وفي عدة مدن، وهو اليوم يضم 56 جمعية في 49 مدينة. يجدر بالذكر ان العديد من هذه الجمعيات لا يقتصر دورها علي رعاية شئون الأفراد الذين تمثلهم وإنما تنظم فعاليات ثقافية كثيرة ومهمة. فالأسبوع الثقافي العراقي مثلاً يقام سنوياً متضمناً معارض فنية وأمسيات أدبية وحفلات موسيقية. وكثيرا ما يدعي أبرز شعراء العراق لاحياء أماس في المدن السويدية يحضرها المئات من الجمهور العراقي المعروف أصلاً بثقافته والذي أنقذته المنافي من التردي الثقافي المريع الحاصل في الوطن اليوم. هناك فرق موسيقية عديدة هنا بلغات مختلف القوميات الموجودة في العراق، لكن فرقة واحدة فقط أقامت اتصالاً موسيقيا وروحياً بين الفن الشرقي والمستمع الغربي، هي فرقة سومر المختلطة والتي تؤدي فيها فنانات سويديات أغاني عربية! وهي ظاهرة جديرة بأن نخصص لها تحقيقا قادما. الاندماج ان ضعف اندماج العراقيين في الحياة الاقتصادية والثقافية السويدية هو مع الأسف حقيقة متداولة. فرغم عددهم الكبير، ورغم وجود حوالي 300 طبيب عراقي يعمل في السويد كما ذكر وزير الشئون الاجتماعية، إلا ان نسبة غير قليلة من العراقيين تجد نفسها في مكان بعيد عن طموحاتها أو عن الصورة التي كانت تحملها عن "الحياة في السويد". وهم لا ينكرون هذه المشكلة ولكنهم يعزونها الي سببين رئيسيين: العنصرية في سوق العمل، وشرط إتقان اللغة السويدية للحصول علي عمل أو تعليم، وهي لغة لها خصوصيتها ولكن ما يضعف الرغبة في تعلمها هو محليتها فلا يتكلم بها سوي ال 9 ملايين إنسان الذين يعيشون هنا مما يولد إحساساً لدي البعض بأنهم يضيعون معها وقتهم. يجمع كثير من العراقيين المقيمين علي ان السويد من أجمل بلاد العالم، لاسيما في الصيف والربيع، وعلي أن فيها أفضل نظام اجتماعي يمكن أن يوجده البشر. ولكن انطوائية أهل البلد بشكل عام، وعنصريتهم مع الأجانب، تخلقان لدي المهاجرين إحباطاً لم يكونوا يتوقعونه. ومع ذلك فالعنصرية هنا أقل بكثير منها في الدانمارك مثلاً أو في هولندا. كما ان هناك أيضاً نسبة جيدة من السويديين المنفتحين علي غيرهم بل وحتي المناصرين للقضايا العربية، حتي ان آلافاً منهم خرجوا عن بكرة أبيهم الي شوارع ستوكهولم هاتفين ضد إسرائيل إثر الهجوم علي سفينة كسر الحصار عن غزة.