تشهد منطقة الشرق الأوسط مجموعة من التحركات، يعتبرها البعض تمهيدا لنوع من الحراك القادم، بعد طول سكون، لعل أبرزها لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، في السادس من يوليو، بعد حديث علني عن عدم قبول دولي وأمريكي لاستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض علي غزة، وبعد أحداث العدوان الإسرائيلي علي أسطول الحرية، علي مرأي ومسمع من العالم كله، في موقف سبب الكثير من الحرج لإسرائيل وحليفها الأمريكي. وياتي اللقاء في ظل حديث عن احتياج كل منهما للآخر. وعلي الجانب الآخر يتنسم البعض رائحة مصالحة قريبة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين. أضف إلي ذلك تزايد ضغط داخلي في إسرائيل يدفع باتجاه ابرام صفقة تبادل الأسري مع حركة حماس من أجل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الاسير جلعاد شاليط. قال السفير الإسرائيلي لدي الولاياتالمتحدة، مايكل اورن، إن أزمة العلاقات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة ما زالت مستمرة، بل انها تتفاقم. وأوضح، خلال تقييم للوضع عرضه بوزارة الخارجية الإسرائيلية، أن إسرائيل والولاياتالمتحدة تتباعدان عن بعضهما البعض بمرور الوقت، وان العلاقات بينهما تزداد تعقيدا. وقال اورن أن أوباما يختلف عن سابقيه - جورج بوش وبيل كلينتون - في أنه لا يتعامل مع إسرائيل من منطلقات تاريخية وايديولوجية مثلهما، وانما يتعامل معها بلغة المصالح و"التفكير البارد". وأضاف اورن أن علاقاته بطاقم الادارة الأمريكية "طيبة"، ولكن أوباما يدير الأمور بطريقة مركزية للغاية ومن الصعب التاثير عليه، لانه يتصرف بطريقة "ون مان شو"، أي "عرض الرجل الواحد". واكد السفير الإسرائيلي لدي واشنطون أن العدوان الإسرائيلي علي اسطول الحرية آثار موجة معادية بشدة لإسرائيل في الولاياتالمتحدة، بل وبين من يعرفون بانهم "أصدقاء قريبون لإسرائيل"، بعد وقت قصير من وصول شرائط التصوير من علي متن الأسطول الذي كان يستهدف كسر الحصار علي غزة، وبث محتوياته في وسائل الاعلام الأمريكية، إذ بدأ فورا تغير الراي العام الأمريكي ضد إسرائيل. وأشار أورن إلي انه أجري 20 حديثا ولقاء مع وسائل الاعلام الأمريكية لترويج وجهة النظر الإسرائيلية في موضوع العدوان علي اسطول الحرية. العسكرية جيدة واذا كانت العلاقات السياسية متوترة، فلا يبدو الامر كذلك علي صعيد العلاقات العسكرية بين واشنطن وتل ابيب، فمسئولو البلدين لا يتوقفون عن تبادل زيارات العمل، لعل آخرها زيارة رئيس الهيئات المشتركة في الجيش الأمريكي الادميرال مايكل مالان، إلي إسرائيل، مطلع الاسبوع الحالي، حيث يلتقي مسئولو المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وعلي رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، الذي عاد الاسبوع الماضي من زيارة إلي الولاياتالمتحدة، ورئيس الاركان بجيش الاحتلال الإسرائيلي جابي اشكنازي. ووصل في اليوم نفسه إلي إسرائيل رئيس لجنة الشئون الخارجية في الكونجرس الأمريكي جون كاري. ويتحدث الإسرائيليون عن أن مالان رجل قريب منهم، وانه قادر علي تحسين صورة إسرائيل والدفاع عنها امام الإدارة الأمريكية في أحداث العدوان الإسرائيلي علي اسطول الحرية. وأشارت صحيفة هارتس الإسرائيلية إلي أن وزارتي الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والإسرائيلية ادارتا حوارا استراتيجيا الأسبوع الماضي في تل أبيب، حول التعهد الأمريكي للحفاظ علي تفوق الجيش الإسرائيلي علي كل الجيوش العربي مجتمعة! وخلال الاسبوع الحالي يصل إلي إسرائيل ايضا المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل، في جولة خامسة من مفاوضات التقريب بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ورغم أن الفلسطينيين يرفضون استئناف المفاوضات المباشرة حتي الان، التقي مسئول فلسطيني مع آخر إسرائيلي، في لقاء علني أمام كاميرات التصوير، لاول مرة منذ فترة طويلة، لبحث مستقبل المسيرة السياسية. فقد التقي رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات مع الوزير الإسرائيلي دان ميريدور، في نيويورك، مع سفراء 15 دولة، هي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ومع قادة الجاليتين اليهودية والفلسطينية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحت إشراف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة تيري لارسن، الذي يرأس المعهد الدولي للسلام. وانتقد عريقات ومريدور مباحثات التقريب بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأكدا أن هذه المباحثات تسببت فقط في زيادة الهوة والتباعد، وليس التقريب، بين الجانبين. ودعا الاثنان إلي استئناف المفاوضات المباشرة والجدية فورا من اجل التوصل إلي اتفاق سلام. أوباما في ورطة علي الجانب الأمريكي، يجري الحديث عن أن أوباما متحفز للقاء نتنياهو لانتزاع انجاز سياسي منه، يحتاجه الرئيس الأمريكي في هذا التوقيت، علي صعيده الداخلي. وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الاطاحة بالجنرال ستانلي ماكريستال من قيادة القوات الأمريكية في افغانستان اوقفت هبوط شعبية أوباما في استطلاعات الرأي العام بين الأمريكيين، وسوف يؤثر ذلك علي مصير رئاسة أوباما وعلي طريقة تعامله مع ملفين رئيسيين لاسرائيل هما ملفا عملية السلام والبرنامج النووي الإيراني. ويقول المعلق الإسرائيلي امير اورن، في مقال له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن أوباما سيجد صعوبة في قضاء النصف الثاني من فترته الرئاسية إذا عاني حزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس، المزمع إجراؤها في نوفمبر. وخلال عام بعد ذلك سيكون علي أوباما أن يضع حدا لحيرته واضطرابه إذا اراد أن يخوض الانتخابات الرئاسية للفوز بفترة رئاسية ثانية عام 2012، ولذلك عليه أن يحقق اية انتصارات، في ظل تدهور الاوضاع في افغانستان، وجمود العملية السياسية في الشرق الاوسط، وتدهور آخر في العراق، وانفلات للملف الايراني. بينما يقول الوزير الإسرائيلي الاسبق يوسي بيلين أن لقاء أوباما ونتيناهو يمثل لقاء خصمين، يمثلان تصورين متناقضين ومصالح سياسية متناقضة. وتوقع أن يطلب أوباما تعهدا من نتنياهو بعدم اصدار الحكومة الإسرائيلية مشروعا جديدا لاستئناف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية في 26 سبتمبر، موعد انتهاء الشهور الستة المتفق عليها لتجميد الاستيطان. وأشار بيلين إلي أن أوباما طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألا يفاجئه في الأممالمتحدة باقتراح يدعو إلي الاعتراف بدولة فلسطينية، سيطلب إلي نتنياهو ألا يبدأ البناء. وقال إن نتنياهو، من جانبه، سيطلب تعهدا بألا يفاجئه أوباما بخطة سلام تكون بديلا للمفاوضات. ولخص بيلين طبيعة الموقف بالنسبة لأوباما، قائلا انه "بعيد عن الانتصار علي طالبان في افغانستان، ويقترب من موعد الانسحاب من العراق دون أن تنجح بغداد في انشاء حكومة بعد الانتخابات، وعندما تهدد ايران بالسيطرة علي العراق علي نحو غير مباشر، يكون أوباما أشد احتياجا مما كان دائما إلي تحقيق تقدم في الشرق الاوسط، وتنتظره في نوفمبر انتخابات مجلس النواب، وهو بحاجة إلي معجزة فقط للحيلولة دون خسارته". ولم يستبعد بيلين أن يعاود أوباما طرح فكرته الجديدة القديمة، التي عاد الحديث عنها هذه الأيام في البيت الابيض، وهي عقد مؤتمر دولي يشبه مؤتمر مدريد، ويتوقع البعض عدم قدرة نتنياهو علي رفض الاقتراح. وينبع ذلك كله من احتياج كل منهما للاخر، فأوباما يحتاج لنتنياهو من اجل تحقيق أي انتصار في الشرق الاوسط يقدمه الرئيس الأمريكي لدعم موقف حزبه في انتخابات الكونجرس ودعم موقفه الشخصي في انتخابات الرئاسة القادمة. ونتنياهو في حاجة إلي أوباما بعد أن اصبحت إسرائيل دولة مكروهة ومنفية ومعزولة في كل انحاء العالم بعد احداث العدوان الإسرائيل علي أسطول الحرية، فضلا عن بدء تزايد الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الداخل عبر اتهامه بافساد العلاقات مع الحليف الأمريكي. مصالحة ضرورية علي الجانب الفلسطيني يتوقع الكثيرون اقتراب تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، في ظل ما يمكن التعبير عنه بأن حركة فتح أدركت أخيرا حقيقة ضعفها وقوة حركة حماس التي لا يمكن ازالتها او تهميشها، بينما اكتسبت حركة حماس بعض النضج السياسي الذي جعلها تدرك اكثر من ذي قبل كيفية ادارة اللعبة السياسية. وبدا ذلك واضحا في اسلوب حماس الذي انتقل من اطلاق الصواريخ علي المستوطنات الاسرائيلية، إلي تأليب الراي العام العالمي ضد إسرائيل، والترويج إلي القضية الفلسطينية باعتبارها مأساة انسانية وليست مجرد خلاف او ازمة سياسية. ومن هنا ركزت حماس علي الدعوة لأي جهد يستهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض علي غزة، حتي سقطت إسرائيل في الفخ بغبائها، وثار العالم ضدها وعرف وجهها القبيح علي حقيقته، أكثر مما فعل في أي وقت سابق، خلال العدوان الإسرائيلي العسكري علي غزة. وبدا ثمة نصر اضافي يلوح لحركة حماس في الافق، عبر تزايد الضغط الداخلي في إسرائيل لمطالبة حكومة نتنياهو بالإسراع في إتمام صفقة تبادل الأسري مع حماس من أجل إطلاق الجندي الإسرائيلي الاسير جلعاد شاليط بعد 4 سنوات من أسره. وباتت هناك اغلبية في الشارع الإسرائيلي تؤيد اتمام الصفقة وتنفيذ كل مطالب حماس.. لعلها الخبرة في ادارة شئون الحكم والسياسة، ولا تنسوا دور اردوغان، فقد نسينا أن نتحدث عنه!