التقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن الثلاثاء الماضي, وهو اللقاء الخامس بينهما منذ تسلم نتنياهو لمهام منصبه في مارس من العام الماضي, وقد جاء اللقاء الأخير مغايرا للقاءات التي تمت قبل ذلك, فمن ناحية استبق البيت الأبيض الزيارة الأخيرة بقدر كبير من الاحتفاء, حيث جري الاتفاق علي ان ينزل رئيس الوزراء الإسرائيلي في' بلير هاوس' وتضمن برنامج الزيارة لقاءات موسعة, مؤتمرا صحفيا, لقاء لزوجة نتنياهو مع السيدة الأولي في البيت الأبيض, واحتفاء من أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي علي نحو غير مسبوق. هذه المظاهر لم تخف حقيقة أن أوباما كان واضحا ومحددا في موقفه, فمن ناحية أولي طلب أوباما من رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم استئناف البناء في المستوطنات بعد أن يحل موعد انتهاء التجميد في السادس والعشرين من سبتمبر المقبل, فلا يعلن استئناف البناء, ولا مطلوبا منه أن يجدد التجميد, فقط يلتزم بعدم البناء دون إعلان. ومن ناحية ثانية طلب أوباما من نتنياهو التوقف عن اقتحام أراضي السلطة الوطنية وتحديدا المنطقة' أ' التي تحضع للسيطرة المدنية والأمنية للسلطة الوطنية, والعمل علي نقل تدريجي للصلاحيات المدنية والأمنية للسلطة الوطنية في مناطق إضافية تمهيدا للوصول إلي الأوضاع التي كانت قائمة قبل28 سبتمبر2000, أي قبل انتفاضة الأقصي, وأفاض الرئيس الأمريكي في الحديث إيجابيا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض وأنه بات دعمهما أمرا مهما للغاية من أجل تشجيع فريق السلام في المنطقة. في نفس الوقت حرص أوباما علي تأكيد التزام واشنطن بأمن إسرائيل وعدم السماح بأي مساس بأمن الدولة العبرية, مع تعهد واضح بحماية سياسة الغموض التي تضربها إسرائيل حول برنامجها النووي, وتجميد مشروع إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي, أي أن الرئيس الأمريكي أفرغ فكرة عقد مؤتمر دولي علي طريق إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي, من أي محتوي حقيقي. وفي نفس الوقت يبدو أنه كان هناك تلميح أمريكي بمزيد من التحرك لمنع إيران من الوصول إلي السلاح النووي. ومن خلال قراءة ما تم خلال الزيارة بدا واضحا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قطع خطوات إضافية علي طريق الاقتراب من تسوية سياسية للقضية الفلسطينية, تبدأ بإعادة طرح معادلة العلاقات مع تل أبيب انطلاقا من الالتزام الاسرائيلي برؤية الإدارة الأمريكية التي تسعي إلي تسوية سياسية للقضية الفلسطينية, وأن كل المحاولات التي بذلها نتنياهو لابتزاز أوباما انتهت إلي الفشل, صحيح أن نتنياهو ذهب في الزيارة الخامسة وفي ذهنه أن أوباما سيكون مختلفا لأن انتخابات التجديد النصفي للكونجرس علي الأبواب وأن الحزب الديمقراطي في حاجة ماسة لأموال وأصوات اليهود, وهم مؤيد تقليدي للحزب, إلا أن الصحيح أيضا أن أوباما نجح في استقطاب تأييد يهودي من داخل إسرائيل وأيضا من يهود الولاياتالمتحدة, فمن داخل إسرائيل صدرت فتوي الحاخام عوفاديا يوسف التي تقول إن الحفاظ علي العلاقات المتميزة مع الولاياتالمتحدة مقدم علي استئناف البناء في المستوطنات, ومن يهود الولاياتالمتحدة حصل أوباما علي تأييد ودعم عدد كبير من الرموز اليهودية منها كبير موظفي البيت الأبيض' رام عمانويل', وحصل علي دعم متواصل من المنظمة اليهوية الجديدة جي ستريت التي برزت علي الساحة الأمريكية في مواجهة نشاط منظمة إيباك الداعمة لليمين الإسرائيلي. أيضا حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية علي قطع الطريق أمام نتنياهو لسلوك دروب المناورة, فأكدوا أن أوباما لديه رؤية واضحة وتصميم علي مواصلة السير علي طريق المفاوضات والانتقال إلي المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين للوصول إلي اتفاق نهائي علي دولة فلسطينية مستقلة في غضون عامين من الآن وقبل نهاية ولاياته الأولي, وأنه لهذه الأسباب مجتمعة احتفي أوباما بنتنياهو, وهو واثق من الحصول علي ما يريد. وإذا كان نتنياهو قد تراجع في اللحظات الأخيرة عن اصطحاب وزير الدفاع ورئيس حزب العمل, إيهود باراك معه في الزيارة, وهو الأمر الذي أصاب الجانب الأمريكي بالإحباط لأن إيهود باراك بدا مؤيدا لوجهات نظر الإدارة الأمريكية في الأسبوع السابق علي زيارة نتنياهو, عندما التقي ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في واشنطن, فإن الإدارة الأمريكية لديها من الاتصالات مع الأحزاب الإسرائيلية وتحديدا حزب كاديما ما يمكن من توفير الغالبية البرلمانية للحكومة الإسرائيلية في حال انسحاب حزب' إسرائيل بيتنا' بزعامة أفيجدور ليبرمان, كما أن للإدارة الأمريكية أوراق ضغط عديدة علي حكومة نتنياهو. باختصار يمكن القول إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما نجح في حصار نتنياهو علي مدار العام ونصف العام الماضي, ومارس عليه ضغوطا شديدة, طالبه بتجميد الاستيطان, وبدء مفاوضات غير مباشرة مع الفلسطينيين, سرب تهديدات علي لسان الأوروبيين بالتوجه إلي مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار جديد بإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة, أو أن يتم ذلك عبر مؤتمر دولي للسلام يعلن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ويعترف بها, ويغير جوهريا من طبيعة المفاوضات لتصبح بين دولتين إحداهما تحتل الأخري, واخترق المنظمات اليهودية في الولاياتالمتحدة, واستقطب عناصر من اليمين الديني في إسرائيل, هدد بتعرية السلاح النووي الإسرائيلي والتعامل المباشر معه عبر تضمين البيان الختامي لمؤتمر المراجعة الدورية لمعاهدة منع الانتشار النووي فقرة تشير إلي البرنامج النووي الإسرائيلي للمرة الأولي, والاستعداد للتعامل المباشر معه عبر التعهد بعقد مؤتمر دولي علي طريق إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي....وعندما وصلت الرسالة إلي نتنياهو واستوعبها, كان اللقاء الخامس الثلاثاء الماضي مغايرا, مختلفا, حيث لقي نتنياهو استقبال علي الطراز الملكي حسب وصف الإعلام الإسرائيلي. ويفترض أن تظهر نتائج ذلك في الأسابيع المقبلة, فهل يصمد هذا التحليل أم يطاح به, بكلمات أخري الأسابيع المفبلة ستكشف من استطاع ترويض الآخر نتنياهو أم أوباما ؟