تركيا هددت بالثأر من مصالح فرنسا كانت تركيا قد هددت باثأر من المصالح الاقتصادية الفرنسية إذا وافقت الجمعية الوطنية على مشروع قانون يجرم إنكار المذابح التي وقعت خلال ترحيل السكان الأرمن في آسيا الصغرى في عام 1915 واعتبارها نوعا من الإبادة. ولا ينكر الأتراك العدد الكبير من الأرمن الذين قتلوا، لكنهم يقولون إن ترحيلهم كان لضرورة عسكرية في وقت كان فيه الجيش الروسي يتقدم نحو منطقة أرمينيا القديمة، بينما كان الجيش التركي في الغرب يقاوم محاولة من جانب الحلفاء لإجبار الأتراك ودفعهم نحو منطقة المضيق. الموقف التركي –بناء على ذلك- هو أنه لم يكن هناك تعمد للقضاء على الأرمن مما قد يبرر الاتهام بارتكاب جريمة إبادة. عدد الضحايا وهناك –إضافة إلى ذلك- خلاف حول عدد الضحايا الأرمن. إذ يقول القوميون الأرمن إن نحو مليون و500 ألف أرمني قتلوا، بينما يقول الأتراك إن عدد من قتل من الأرمن لا يتجاوز 600 ألف أرمني قتل أغلبهم بسبب المرض والفاقة. أما عدد المسلمين (من الأتراك والأكراد) الذين قتلوا في المنطقة ذاتها على يد الأرمن فيفوق عدد ضحايا الأرمن بكثير. لقد كان قرار دخول الإمبراطورية العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا في عام 1914 مأساة بالنسبة للأرمن الذي كان يعيش ما يقرب من نصفهم في منطقة القوقاز الجنوبية الروسية، بينما كان النصف الآخر منهم يعيش على أراضي الإمبراطورية العثمانية. لقد كانت هناك وحدات أرمنية من المتطوعين تقاتل بجانب الجيش الروسي في القوقاز. وقد حدث التمرد الأرمني في مؤخرة الجبهة العثمانية الأمامية. رأي الأتراك يقول المفكرون الأتراك الأحرار اليوم إن هذا لا يبرر الترحيل الجماعي للسكان الأرمن، وإنه كان ثمة الكثير مما يمكن فعله لحماية المرحلين. أما رأي بقية الأتراك فهو رفض اتهام الإبادة. ويقول منتقدو مشروع القانون الفرنسي إن الأمر يتعلق أكثر بالمؤرخين للبت فيه ومعرفة الحقيقة التاريخية وليس للنواب البرلمانيين. وكلما عرض مثل هذا المشروع لوصف مذابح الأرمن التي وقعت عام 1915 بأنها إبادة جماعية في البرلمانات الغربية كانت تركيا تقول إن الأمر برمته ينبغي إحالته إلى لجنة دولية من المؤرخين. لكن الاتفاق على تشكيل مثل تلك اللجنة يبدو مستحيلا. لم تُوقف التهديدات التركية عدة برلمانات أوربية عن إدانة مذابح الأرمن ووصفها بالإبادة، لكن الإدارة الأمريكية تمكنت من منع الكونغرس الأمريكي من تمرير مثل هذا القانون. وبينما تحرص الولاياتالمتحدة على حماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث لا تريد إبعاد حليف لها مثل تركيا، فإن فرنسا تعرض مصالحها الاقتصادية للخطر. تضرر المصالح الفرنسية ففرنسا هي ثالث أكبر مستثمر أجنبي في تركيا، وقد بلغت صادراتها لتركيا في العام الماضي نحو ستة مليارات يورو. وقد ألمح المسؤولون الفرنسيون إلى أن أي تمييز تركي ضد فرنسا سيكون عملا غير قانوني بناء على قواعد منظمة التجارة العالمية التي تنتمي كل من تركيا وفرنسا إلى عضويتها، وقواعد الاتفاقية الجمركية المشتركة بين تركيا والاتحاد الأوربي. ولكن إثبات التمييز أمر صعب خاصة في حالة عقود البنية التحتية الضخمة التي تهتم بها فرنسا – من قبيل أنظمة السكة الحديد السريعة، وإنشاء محطات الطاقة النووية، وبيع طائرات الركاب المدنية والطائرات العسكرية، وأشياء أخرى في مجالات تخصص الصناعات الفرنسية. وعلاوة على ذلك، فليس هناك ما يمنع الشركات التركية الخاصة أو الأفراد من مقاطعة البضائع والخدمات الفرنسية. الأمر المهم بالنسبة للحكومة التركية هو أن تبرهن أن نمو البلاد وقوتها وسجل نموها الاقتصادي يمكن أن يتحول إلى ميزة دبلوماسية. إن تزعم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للجبهة المعارضة لانضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوربي يعني أن تركيا لن تفقد أي شيء إذا ما اضطرت إلى مواجهته مباشرة. ولن تفقد تركيا الكثير إذا ما توقفت فرنسا عن مساعدة تركيا والتأثير في مصالحها في قبرص أو الشرق الأوسط، في الوقت الذي تفوق فيه مساهمة تركيا في حلف شمال الأطلسي مساهمة فرنسا. ليست أول مرة وليست هذه هي المرة الأولى التي تسبب فيها مسألة المذابح الأرمنية مشكلات بين فرنسا وتركيا. فقد سبق أن وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يعترف بأن المذابح الأرمنية عمل من أعمال الإبادة، ولكن الجمعية لم تفرض عقوبة أو غرامة على من ينكر هذا، كما حدث هذه المرة، وقد استدعت تركيا آنذاك سفيرها في باريس. وفي مناسبة أخرى ترك القنصل العام التركي مارسيليا عندما أميط اللثام عن نصب تذكاري لضحايا مذابح الأرمن في المدينة. وكان هناك وقتها -مع ذلك- قدر كاف من المصالح المشتركة لضمان استمرار تحسن العلاقات بين البلدين تدريجيا. ومن المحتمل أن يحدث هذا الأمر هذه المرة على المدى الطويل إن لم يكن قبل ذلك. لكن تأثر المصالح الفرنسية على المدى القصير أمر لا يمكن تفاديه فيما يبدو.