إستعرض الكاتب الكبير "توماس فريدمان" المشهد السياسي الحالي في مصر في مقاله يوم الثلاثاء بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، واصفا الوضع في مصر بأنه قريب من حافة الهاوية. يستهل فريدمان مقاله بعرض المشهد الحالي في مصر قائلا: "جميع الصور من القاهرة مثيرة للقلق هذه الأيام، لا شيء يمكن أن يكون أسوأ من صور العديد من الضحايا والمصابين المدنيين. ولكن كانت هناك لقطات مزعجة أخرى من الاسبوع الماضي تظهر عربة للشرطة المصرية تسقط من أعلى كوبرى 6 أكتوبر. اختلفت التقارير الإخبارية حول ما اذا كان قد تم دفع السيارة من قبل المتظاهرين أو أن سبب سقوطها هو ذعر السائق. وفي كلتا الحالتين، فقد لحقت أضرار بالجسر بشكل سيئ، ومصير ركاب السيارة مجهول." و يكمل فريدمان: "هذه الصور هي نموذج مصغر لهذا البلد الذي وصل بالفعل لحالة متدهورة، وهي بلد تواجه بالفعل تحديات بيئية و سكانية هائلة، وبالفعل في حاجة ماسة للتنمية والإصلا. من الذي سيدفع فاتورة الخسائر البشرية والمادية اللتي تلحقها مصر بنفسها الآن؟ البلايين من الدولارات من دول الخليج لا يمكن أن تدعم بلد تعداده 85 مليون شخص إلى أجل غير مسمى. إن ما يفعله المصريون في وطنهم هو محض جنون ." ويستعرض فريدمان المشهد السياسي قائلا: "الأكثر إحباطا أن اختيارات القيادة الحالية غير مقنعة. فالمصريون الآن يختارون بين العسكرية التي يبدو أنها تريد أن تأخذ مصر إلى عام 1952، عندما قام الجيش بالستيلاء على السلطة – وأودع الإخوان المسلمين في السجون – والإخوان المسلمون، الذين يريدون أن يعودوا إلى عام 622،حيث كان مجتمعا مكافحا للتعددية، مناهضا للمرأة، تسيطر عليه الشريعة – كما لو أن هذا هو حل جمبع المشاكل في مصر." ويعرض فريدمان رأي الكاتب و المحلل السياسي رامي خوري اللذي كتب في بيروت ديلي ستار في الأسبوع الماضي قائلا "الدرس المستفاد من مصر اليوم هو أن أقوى مؤسستين و أكثرهما تأثيرا- الإخوان المسلمون والقوات المسلحة – كلاهما أثبت أنه غير كفء في مجال الحكم، ليس لأنهم لا يملكون الأفراد المؤهلين ولا الأنصار الأذكياء؛ فلديهم الكثير من هؤلاء. بل لأن الفكر العسكري أو الروحي مناسب لعوالم أخرى من الحكم لا تستوجب توفير الخدمات و فرص العمل بالنسبة للملايين من الناس من مختلف الأديان والمذاهب والأعراق بشكل متساوي. عدم وجود بديل منظم ذو مصداقية بين المواطنين هو إلى حد كبير نتيجة للكيفية التي يسيطر بها ضباط الجيش وأعضاء القبائل والمتطرفين الدينيين على الحياة العربية منذ عقود". ويقارن فريدمان بين تجربة الديمقراطية في العالم العربي مع شعوب أخرى بقوله" أوروبا الشرقية كان لها تجربة مع الديمقراطية البرلمانية في الفترة ما بين الحربين العالميتين. ولذلك عندما سقطت الشيوعية في عام 1989، بمساعدة من الاتحاد الأوروبي،كان النحول للرأسمالية الديمقراطية سهلا. وعلى جانب آخر، عاش الشرق آسيويون عقودا تحت حكام مستبدين، ولكن، على عكس شعوب العالم العربي، معظمهم حداثيين، ركزوا على بناء البنية التحتية، والتعليم، وريادة الأعمال والاقتصاديات التي يقودها التصدير والتي أنتجت في نهاية المطاف طبقات وسطى واسعة جدا انتزعت حريتها وتعليما بشكل سلمي نسبيا من الجنرالات." "أما العالم العربي فليس لديه جذور الديمقراطية التي يمكن أن تزهر بسرعة، ولم يكن لديهم ديكتاتوريات حداثية لتبني طبقات وسطى متعلمة يمكن أن تسيطر تدريجيا. و لم يكن لديهم الاتحاد الاوروبي ليكون بمثابة المغناطيس والنموذج. لذلك عندما انكشف غطاء الديكتاتورية مع الربيع العربي، لم يكن هناك حركة تقدمية ذات قاعدة عريضة للمنافسة بفعالية نفس النظام القديم : العسكر و الإخوان المسلمون." ويستطرد فريدمان: "أنا أفهم لماذا تحول العديد من المصريين ضد الإخوان. لقد كانوا بسرقون ثورتهم لحساب أجندتهم الخاصة. ولكن أفضل طريقة كان بمكن للجيش بها أن يبرر إسقاطه للإخوان هي أن يعين حكومة تضع مصر فعلا في مسيرة طويلة للتحديث، وتنظيم المشاريع، ومحو الأمية للنساء و تضع سياسات توافقية وشاملة – حتى للإسلاميين – وليس أن يضع حكومة كأنها تسير في مسيرة عسكرية بأمر الجنرالات." ويوضح فريدمان رأيه في القيادة المصرية الحالية بقوله: "الجنرال عبد الفتاح السيسي عين حكومة بها بعض الخيارات الجيدة، و كان من المحتمل فعلا أن تنتج هذه الحكومة طريقا ثالثا. ولكن قبل أن تتمكن من اتخاذ خطوة واحدة، شن الجيش والشرطة حملة لقطع رأس جماعة الإخوان، تلك الحملة اللتي نتج عنها قتل عشوائي للمئات من لعزل. الإخوان أثاروا بعضا من هذا العنف وكانوا سعداء أن يكون هناك بعض "الشهداء" لنزع الشرعية عن استيلاء الجيش على السلطة وتحويل الأنظار عن سوء أداء الجماعة نفسها في الحكم، كما أحرق المتعاطفين مع الإخوان ما يقرب من 40 كنيسة وقتلوا العديد من أفراد الشرطة." ويختتم فريدمان مقالع قائلا: " لذلك، مرة أخرى، المصريون واصدقائهم في الخارج يجري استقطابهم حاليا بين نفس الخيارين السيئين. لقد تأخر الوقت. يجب على السيسي أن يتراجع قليلا ويمكن مجلس الوزراء المعين من انتاج الطريق الثالث – وهو تحديث حقيقي و حكومة شاملة. وهذا ما نادت به الثورة في 2011 . لو حول السيسي مصر عن هذا الهدف، كما فعل الإخوان، فإن طموحه إذا هو أن يكون ناصر آخر وليس مانديلا. مصر تتجه إلى الغرق، تماما كسيارة الشرطة اللتي هبطت في النيل."