كتبت سحر النادى ممكن من فضلك تتوقف لثوان وتفكر جديا في أسلوب حياتك وتجيب عن هذا السؤال البسيط؟ ستكتشف أنك لتستطيع الإجابة عن هذا السؤال بأمانة فلا بد ستسأل نفسك سؤالا آخر: وما هي الديمقراطية أصلا؟ هل هي إيمانك بأهمية الانتخابات والمشاركة فيها؟ أم حتمية إشراك جميع التيارات في الحياة السياسية وعدم إقصاء أي منها؟ أم القبول برأي الأغلبية؟ الواقع أن الديمقراطية الحقيقية ليست مجرد مصطلح متعلق بالممارسات السياسية المتعلقة بالأحزاب وصناديق الاقتراع وانتخاب مرشحي مجلس الشعب ورئيس الجمهورية فقط، وإنما الديمقراطية الحقيقية هي أسلوب حياة متكامل نعيش به كأفراد كل يوم، في أعمالنا وبيوتنا وعلاقاتنا مع أصدقائنا وجيراننا. فمثلا، كيف تتخذ القرارات في بيتكم؟ هل أنت أو أحد أفراد الأسرة هو الآمر الناهي بدون نقاش؟ أم أن هناك حوار أسري حتى مع ميدو آخر العنقود؟ أم أن المحروس ميدو رأيه دائما يمشى على العائلة كلها؟ وفي اجتماعات اتحاد الملاك في عمارتك أو في اللجان المختلفة في النادي الذي تنتمي إليه أو النقابة التي تحمل عضويتها، كيف حال الحوار؟ هل تعرف كيف تعبر عن رأيك وتختلف دون أن تعادي المختلفين معك وتفقد صداقتهم؟ هل تقاطع الناس قبل أن يكملوا كلامهم لتعبر عن رأيك المختلف معهم؟ وهل لو أصروا على رأيهم وحاولوا تدعيمه بالأدلة ليوضحوا وجهة نظرهم يعلو صوتك وتفقد أعصابك وتعتبر الموضوع مسألة كرامة شخصية؟ أقول هذا الكلام وعيني على ما يحدث أمامنا يوميا من إهدار لأبسط المفاهيم الديمقراطية التي تحتم علينا اختيار المشاركة وليس المقاطعة، والحوار المهذب وليس العراك والخناقات، واحترام الرأي الآخر مهما كان وليس فرض الرأي بالعافية، وكذلك الاعتراف بقلة الخبرة وطلب مشورة من يعرف أكثر دون أن يتحول ذلك لمسألة كرامة، ويتحول كل واحد فينا إلى "أبو العريف" الذي يفهم ويفتي في كل شئ. فمثلا المقاطعة ورفض الحوار تعبر عن قلة خبرة سياسية لأن من يفعل ذلك يفقد صوته ويترك الساحة للمنافسين باختياره ويبتعد عن صدارة المشهد. المقاطعة معناها ترك فرصة ذهبية لعرض المطالب ومناقشة المشاكل وعرض الحلول. وتعني أيضا قلة الحيلة، فهي تشبه طفل لا يجيد اللعبة التي يلعبها أصحابه فيفتعل الغضب و"يعمل مقموص" ويقول "مش لاعب" كأنه يعاقبهم على خيبته، بينما هو في الحقيقة يعاقب نفسه بالعزلة الاختيارية. الحل أن يشترك ويتعب ويتعلم كيف ينتزع الإعجاب والتصفيق بدلا من استدرار التعاطف والشفقة. فمثلا: ماذا حدث حينما أصر النظام المخلوع على تسمية جماعة موجودة بالفعل وقوية "المحظورة" ورفض الحوار معها؟ فجأة أصبح هو المحظور وانتهى زمنه وبقيت الجماعة وأصبحت واقعا. هل هناك من "شباب الثورة" من لم يتعلم هذا الدرس السياسي المهم بعد؟ من لا يعرف ما هي الديمقراطية ولا يمارسها في حياته اليومية فلن يكون مؤهلا ليمثلها أو ليطالب بها لشعبنا بأكمله، ومن لا يعرف من الحوار غير الضوضاء والتمرد والاعتراض المستمر بدون تقديم الحلول البديلة والمشاركة الفعالة في تطبيقها فلن يكسب أي أرض ولن يحقق أي مطالب، بل سيضرنا جميعا برعونته. نفس الكلام ينطبق على الإعلام الذي أصبح مؤخرا عبئا على الثورة ومصدر إحراج لها. فالاستهزاء بالضيوف والتوبيخ العلني والأفكار المتدنية والشتائم القبيحة على الملأ ليست ديمقراطية أو حرية رأي إنما هي فقر أخلاقي ومراهقة مهنية أشبه بفرحة "عيّل" تركه أهله في البيت وحيدا فعاث فيه فسادا بدون حسيب ولا رقيب. هل تذكرون مثلا ما حدث عندما تجاوزت وسائل الإعلام الغربية حدود الاحترام في التعامل مع الإسلام تحت زعم حرية التعبير؟ ثرتم وغضبتم أيها الإعلاميون وقلتم أن حرية التعبير تقف حدودها عند إيذاء الآخرين، فلماذا ترتكبون الآن نفس الحماقة؟ تخطي قواعد الاحترام والمهنية في الحوار ليست حرية وإنما إساءة أدب تنتقص من رصيدكم وتفقدكم جمهوركم، وتمتهن الديمقراطية التي تزعمون الدفاع عنها. والأهم من ذلك ماذا تستفيد مصر من التطاول والسوقية وانعدام آداب الحوار البناء؟ كيف نرسي قواعد الديمقراطية الحقة في مثل هذه الأجواء المريضة؟ هل فعلا هدفنا جميعا مصلحة مصر، أم أن منا من لا هم له إلا مجرد الظهور الإعلامي وتصفية الحسابات الشخصية والانتصار للكرامة؟ ثم يزيد الطين بلة أن يخرج علينا من ينفي تهمة الجهل عن نفسه ويلصقها بنا قائلا أننا "شعب غير جاهز للديمقراطية"!! يا هذا، ألا تعي أن الشعب الذي تتهمه هو الذي أعطاك الفرصة أصلا لتتحدث وتسمعنا صوتك النشاز؟ أفضل لك أن تجد شئ مفيد تفعله غير مجرد الكلام، أما نحن فيجب أن نعتبر هذا القول القبيح سبا علنيا يعاقب عليه القانون، فتصبح مقولة إن الشعب المصري غير مستعد للديمقراطية جناية اسمها "تهمة العيب في الذات الشعبية" (على وزن العيب في الذات الملكية كده) بحيث نضمن أن يبقى هذا الشعب العظيم على عرشه بدون أن يتجرأ عليه كل اللي يسوى... واللي الشعب هو اللي عمل له ثمن! —– * سحر النادي مستشارة ومدربة وكاتبة متخصصة في مهارات التواصل الفعال والحوار بين الثقافات، تمتد خبرتها لأكثر من 20 عاما من المشاركة في الفعاليات الدولية والإعلام المرئي والمكتوب والإلكتروني. وقد قامت بتدريس العديد من البرامج التدريبية وورش العمل والمحاضرات للجماهير متعددة الجنسيات في 25 بلدا حول العالم واستضافتها وسائل الإعلام الدولية وظهرت على أغلفة مجلات أوروبية كنموذج للمرأة القائدة وتم اختيارها من بين القيادات النسائية في العالم من جامعة سانتا كلارا بكاليفورنيا