[محمد فكري الجزار]من بين ثلاثة عشر مرشحًا، تم الفرز الأول فبقي اثنان، ويزعمون أن الصناديق استبعدت الآخرين، وهم أصلا لم يكونوا مرشحين إلا لهذا الاستبعاد، فقد كان يجب أن يكون الاختيار من بين قوى ما قبل الثورة، نفس القوى التي اشتركت في صناعة السياسة المصرية تحت سلطة فجور النظام السابق ومظلة تزويره : الإخوان المسلمون والحزب الوطني. وعبر تعاقدات نصف معلنة بين الاثنين، كان لابد من أن تعود الكرة إلى نقطة البداية بالرغم من عدم احتساب الهدف الثوري، ولم يأس الإخوان المسلمون على هذا الهدف، وارتضوا أن يحتكموا لضحيتهم مرة أخرى عارفين أنهم وممثلو النظام القديم المستمر يحتكمون إلى من يمكن العبث معه، وأنهما معا احترفا قواعد هذا العبث. وقد يندهش البعض الكثير من هؤلاء الذين لا يدخلون ضمن الكتلة التصويتية الأمية، سواء الأمية الفعلية أو الأمية السياسية، سيندهش من دخول الإخوان المسلمين تحت الحكم السابق، ولن أفيض في تاريخ النفاق السياسي لكل الأنظمة الذي سطرته بيانات الإخوان ومواقفهم حتى صار تاريخا خاصا بهم.. لن أفيض في هذا الأمر، ففي المنطق الغناء، إذ إن سلطة ديكتاتورية مطلقة حين تختار من يلعب دور معارضتها، دون أية أخلاقية كما هي تلك الديكتاتورية بلا أية أخلاقية كذلك، ستختار – ولابد – الأكثر جدارة بها وبأهدافها، وجدارة الإخوان تعود إلى أن لهم – ككل المنافقين في التاريخ – هدفان متعارضان، أحدهما ظاهر والآخر باطن. أما الظاهر، فكان الوجود في المشهد السياسي بأي ثمن، ويتوسلون لذلك برغبة الديكتاتورية المتأصلة فيها أن تظهر بمظهر نقيضتها "الديمقراطية"، وهنا حضرت المساومات والتنازلات، ولم يكن فرح الديكتاتورية بهذه وتلك من هؤلاء تحديدا بأقل من فرح المنافقين المتأسلمين بنجاح صفقتهم التي أخذت تتصاعد منذ برلمان 1990 إلى برلمان 2005 لتصل مكاسب الصفقة إلى 88 برلمانيا إخوانيا، ولولا الثورة، لكان العدد مرشحا للزيادة، فكلما ازدادت الديكتاتورية ضعفا بسبب ممارساتها لجأت إلى تعاقداتها مع الطرف الآخر الذي يلبس قناع المعارضة. وأما الباطن، فتحرير حركتهم في الشارع الشعبي ليؤسسون مؤسساتهم التعليمية والصحية والاقتصادية وحتى الدعوية، وبالتالي يحققون ارتباطا مصلحيا بينهم وبين طبقات نزلت تحت خط الفقر بسبب سياسات النظام القديم (المستمر). وكان عقل الشيطان/التنظيم "العالمي" للإخوان يتقن ضبط العلاقة بين الظاهر والباطن في كل منعطف مرحلي. وحده المنافق شديد الحساسية تجاه المتغيرات، ولم تكن الثورة المصرية عند الإخوان أكثر من متغير يجب توفيق الأوضاع معه، ومن هنا فقد تذبذبت مواقفهم من البدايات، غير أن الحل كان جاهزا وعبقريا وتمثل في الفرق بين الصفة الشخصية والصفة التنظيمية للإخواني الواحد، فتم تقديم شباب الإخوان إلى محرقة الميدان بصفتهم الشخصية، واحتفظوا بمساوماتهم وتنازلاتهم وتعاقداتهم مع عمر سليمان ومرورا بالعسكري (وانتهاء الآن بمداعبة الثوار) احتفظوا بكل ذلك للصفة الرسمية. وتحقق الهدف، أو هكذا يتخيلون، فقد أسفر النفاق الإخواني عن النتيجة المرجوة، سواء لهم أو للعسكري، أعني استعادة لحظة ما قبل الثورة، وحصر التنافس بينهم، وبينهم وحدهم، وبين النظام القديم (المستمر).. وهكذا لم تفاجئني مطلقا نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، كما لن أفاجأ بانتصار النظام وترضية المعارضين نفاقيا، أو إنجاز تعاقد شيطاني جديد تماما على التاريخ بين الإخوان والعسكري بجامع الضغط