بضعة أيام الآن وتفكيري مشتت، لا أستطيع اتخاذ موقف واضح من الدعوات التي تصلني للمشاركة في مظاهرات يوم الجمعة السابع والعشرين من مايو الجاري أو (ثورة الغضب الثانية)، وأخذت أفكر وأقلّب في الأمر من عدة زوايا مستدعياً ذكرياتي عن مشاركتي في (ثورة الغضب الأولى). بعد "تخلي" مبارك عن السلطة طالبنا بمحاكمته هو وأعوانه، وارتضينا بألا نعقد محاكم ثورة وأن ندع القانون يسلك مساره الطبيعي في محاكمتهم، الآن نريد "الآن" أن نعدمهم بلا محاكمة!! توافقنا حول تفويض المجلس العسكري لإدارة البلاد، وبعد الاستفتاء على الدستور "ارتضينا" واتفقنا مسبقاً على احترام نتيجته أياً كانت، واتفقنا على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ووضع دستور للبلاد حسب جدول زمني محدد، الآن ننادي ببطلان الاستفتاء، وعزل المجلس العسكري وتعيين مجلس رئاسي، وتأجيل الانتخابات ووضع الدستور قبل إجرائها!! اتفقنا على لم الشمل وعلى بدأ الحوار الوطني بين مختلف الطوائف والكتل، ثم بدأنا في النبذ واللفظ والتصنيف والانقسام، وفي الضرب تحت الحزام!! اتفقنا على الديمقراطية والاستماع للرأي والرأي الآخر، والآن يتم احتكار الرأي، فمن يتفق معي بطل قومي، ومن يختلف معي في الرأي عدو للثورة وخائن للوطن!! وزيادة في حالات التناقض والازدواجية، والفوضى والانقسام التي نعيشها تجد من يعارض مواد الإعلان الدستوري، ويرشح نفسه رئيساً!، وتجد "ائتلاف" الثوار يتحول إلى "ائتلافات"!، وتجد أحزاباً وجماعات تتلون لتفسح لها مكاناً حول المائدة!، وتجد من يقطع الطريق ومن يخرب المنشآت ومن يقتحم السفارات الأجنبية، ويبررون ذلك بأنهم يمارسون حقوقهم الدستورية!. وكأننا لم نقم بثورة، وعدنا كما كنا نعادي ونضرب، ونقمع ونحتكر الرأي، نختلف وننقسم، نتلوّن وننافق ونداهن ونكذب على أنفسنا قبل الآخرين، نقبل بنود ثم نعارضها، ونعارض بنود ثم نعود ونقبلها!. الكل يبحث عن مصالح ومكاسب شخصية، وابتعدنا عن الصالح العام، والكل أصبح "وطني". وفي النهاية توصلت إلى قرار .. أنني أرفض وأعارض تماماً فكرة ثورة الغضب الثانية، ولكنني سوف أذهب إلى الميدان! فأنا لا أراها ثورة "ثانية" بل هي ثورة مستقلة بذاتها، تُلغي الثورة "الأولى" بمكتسباتها، وتبدأ من جديد بشعارات جديدة ومطالب جديدة، ومواجهات وصراعات جديدة، لن تكون هذه الثورة جزءاً مكملاً لثورة 25 يناير، وإنما هي ثورة جديدة بمشهد جديد، ربما يحمل هذا المشهد لمصر بداية جديدة، وربما يكون مشهد النهاية، وفي كلتا الحالتين هذا مشهد لن أريد أن أفوته.