تحتفل مصر اليوم بعيد العلم وسط اهتمام واضح على المستوى الرسمي بالعلاقة الوثيقة بين التعليم والبحث العلمي والثقافة، فيما يأتي هذا اليوم بعد ايام قليلة من رحيل المفكر التربوي المصري الدكتور حامد عمار وهو أحد الآباء الثقافيين المصريين المعاصرين وصاحب مقولة: "التعليم والثقافة والإعلام مثلث بناء البشر في أي مجتمع" ولعل روحه حاضرة في هذا اليوم بكل مايعنيه من تجسيد لرؤاه الثقافية. وفيما يوصف الراحل العظيم الدكتور حامد عمار "بشيخ التربويين المصريين"، فإن الرجل كان مفكرا مصريا في مجاله وصاحب رؤى وطنية بالدرجة الأولى إضافة لمناقب شخصية يعرفها كل من اسعده الحظ بالاقتراب منه. وحصل الدكتور حامد عمار ابن أسوان في أقصى الجنوب المصري على درجة الدكتوراه من معهد لندن للتربية عام 1952، فيما كان مسقط رأسه في بلدة "سلوا" الأسوانية في قلب اطروحة الدكتوراه التي اهتمت بإشكالية عدم تكافؤ فرص التعليم تعبيرا عن نهج تميز به وهو الانشغال والاشتغال على القضايا المصرية والعربية بمنظور نقدي وطني للواقع الاجتماعي من أجل البناء والتنمية المستدامة. ورأى استاذ اصول التربية حامد عمار أن التعليم الجيد في مصر يعني "ثقافة قوية وفاعلة تسهم في بناء الحضارة العالمية"، كما أن هذا التعليم يعني تنمية اقتصادية وبشرية تنتشلنا من هوة التخلف، معتبرا أن "مشكلاتنا ترجع لعدم وجود نظام تعليمي فعال يسهم في بناء إنسان مصري متحضر يعتمد العقل في حل مشاكله ولا يعتد بالخرافة". وصاحب "دراسات في التغير الحضاري والفكر التربوي"، أو هذا الأب الثقافي المصري المعاصر في التربية والاجتماع والتاريخ والتنمية البشرية كان يؤكد دوما على أهمية مجانية التعليم لأنه اهتم على وجه الخصوص بالفقراء، أو "ملح الأرض المصرية" من البشر الذين يعانون من ظروف اقتصادية ليست بالمريحة أو الميسرة. وحامد عمار هو صاحب الدراسات العميقة والثرية عن "الشخصية الفهلوية" في سياق جهده المعرفي الثقافي الوطني لتحديد وتوصيف هذه الشخصية التي كانت من أسباب الهزيمة في حرب الخامس من يونيو 1967 ولها أيضا اثارها المدمرة في المجالين السياسي والاقتصادي حتى يمكن القول أنه في طليعة من صاغوا هذا المفهوم في إطار دراسة علمية متكاملة كان عنوانها "التربية والنمط الاجتماعي والشخصية". ف"الخصال الفهلوية" تجعلنا عاجزين عن تقبل الحقيقة والواقع، لا وفقا لما تفرضه الظروف الحرجة من تصرف سريع وتضطرنا لاخفاء العيوب والفشل والنقائص كما أن من سماتها نزوعها إلى الحماس المفاجئ والاقدام العنيف والاستهانة بالصعاب في أول الطريق ثم انطفاء وفتور الهمة عندما يتبين "للفهلوي" أن الأمر يستدعي المثابرة والجلد والعمل المنتظم الذي لا تظهر نتائجه الا ببطء وعلى شكل تراكمي، كما يوضح المفكر السوري صادق جلال العظم استنادا للمفهوم الذي صكه المفكر المصري حامد عمار بشأن "الشخصية الفهلوية". ونال حامد عمار عن جدارة واستحقاق جائزة النيل عام 2009 وقبلها كان قد حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1996، فيما لم يتوان عن التأكيد على الحق في التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان المصري وباعتبار أن التعليم يشكل "نافذة الأمل" للعيش الكريم والتقدم. ومن هنا لم يكن من الغريب أن تشارك رموز من كل الأطياف الوطنية المصرية يتقدمهم رئيس الوزراء إبراهيم محلب في تقديم واجب العزاء مساء امس الأول "الخميس" في هذا المفكر التربوي المصري العظيم وصاحب السيرة الذاتية "خطى اجتزناها" التي تحدث فيها بكل الصراحة عن ظروف نشأته القاسية جراء الظروف الاقتصادية الصعبة وتغلبه على هذه التحديات بالثقافة والعلم والتعليم. ولعل الأكثر أهمية من القرار النبيل الذي اتخذه وزير التربية والتعليم الدكتور محمود أبو النصر بإطلاق اسم حامد عمار على أول مدرسة جديدة يتم تجهيزها بكل من محافظة القاهرة ومحافظة أسوان هو السعي الحثيث لتحقيق أفكار "صاحب دعوة التعليم للجميع" تماما كدعوة الأب الثقافي المصري الجليل وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بأن يكون التعليم في مصر كالماء والهواء.