فقدت مصر والعالم العربى «ابن أسوان» الأستاذ الدكتور حامد عمار رائد التربية والاجتماع والتاريخ والتنمية البشرية وجه مصرى أصيل من سنوات الزمن الجميل الذى رحل عن عمر يناهز 39 سنة. أطلقوا عليه لقب «شيخ التربويين» فى مصر والعالم العربى بسبب رصيده العلمى الكبير وإسهاماته الدائمة فى بناء عقل المجتمع. مزج دراسته بين دوائر الاجتماع والتاريخ والتربية انحاز فى رحلته إلى هموم الوطن والمواطن البسيط تبنى الدعوة إلى«التعليم للجميع». ولد بقرية سلوا بحرى مركز كوم امبو بمحافظة أسوان فى 25 فبراير 1921، استطاع أن يقفز فوق حواجز الفقر بالصعود الدراسى والتفوق فهو أول طفل فى قريته التى تقع فى حضن الجبل يلتحق بالتعليم بدلا من الاكتفاء بالكتاب وحفظ القرآن كأقرانه، وينال لقب أفندى. ويكون ترتيبه السادس على مستوى مصر فى البكالوريا (الثانوية العامة) التى حصل عليها من مدرسة فؤاد الأول الثانوية بسوهاج 1973، وحصل على ليسانس الآداب من جامعة الملك فؤاد الأول بالقاهرة 1941، ثم ماجستير التربية جامعة لندن 1949، ودكتوراه الفلسفة فى التربية جامعة لندن 1952، عن التنشئة الاجتماعية فى قرية سلوا بمصر، وهى أول رسالة دكتوراه لمبعوث مصرى إلى الجامعات البريطانية يتم نشرها فى علم التربية ومازالت حتى الآن مرجعا للباحثين. عمل مدرسا ثم أستاذا مساعدا ثم أستاذًا وأستاذا متفرغا بكلية التربية جامعة عين شمس 1952. رحلة عطاء بالغة العمق قطعها د. حامد عمار خلفت تجارب وخبرات وتراكما معرفيا وتلاميذ ومريدين فى كل مكان سواء فى عمله بالجامعة أو فى الأممالمتحدة فقد عمل مستشارا إقليميا للأمم المتحدة لتنمية الموارد البشرية ببيروت 1970 1986، وعضوا بالمجمع المصرى. وعضو منتدى الفكر العربى بعمان بالأردن. مؤلفا ومترجما لعدة كتب فى التربية وقضايا المجتمع وتعد مؤلفاته مرجعا فى الجامعات العربية والأجنبية خاصة فى علم التربية. حاصل على جائزة الدولة التقديرية مرتين عام 1994 وعام 2008، وجائزة الكويت للتقدم العلمى 1995، والجائزة التقديرية من المنظمة العربية للتعليم والثقافة والعلوم عام 2000 درع المجلس الأعلى للثقافة للعطاء المتميز فى العلوم التربوية خلال نصف قرن عام 2007، وهو واحد من القادة الأكاديميين الذين يشار إليهم بالبنان وواحد من المتخصصين فى التربية فى مصر والعالم العربى. وخبير يتقد حماسا فى الدعوة للتعليم للجميع وهو صاحب مشروع وطنى وقومى فى التعليم ينطلق من فلسفة تقول: إن البشر هم أهم ثروات مصر على الإطلاق وأن هذه الثروة لو أحسن استخدامها وصقلها بمقدورها إعادة صياغة مستقبلنا والانطلاق إلى آفاق التقدم والازدهار الشامل. وتبنى د. حامد عمار أفكارامنهاأن التعليم أولا وأخيرا رسالة تقضى لمن يقوم عليها الإخلاص وإنكار الذات والمعرفة بكل ما يجرى فى العالم. ورصد د. عمار القيم السلبية التى ينبغى أن نتخلص منها فورا لينصلح حال تعليمنا، وكذلك تحديد القيم الإيجابية التى ينبغى أن نركز عليها وتنميتها ويربط حامد عمار التعليم بكل سلوكيات حياتنا بداية من المأكل وحتى نظام المرور فكل مشكلاتنا مترتبة على عدم وجود نظام تعليمى فعال يسهم فى بناء إنسان مصرى متحضر يعتمد العقل فى حل مشكلته، ولا يعتد بالخرافة. فالتعليم القوى يعنى ثقافة قوية يسهم فى الحضارة العالمية، وتوفى قيمتها ومتطلباتها وتعنى تنمية اقتصادية وبشرية تنتشلنا من هوة التخلف. من آرائه حول شباب مصر قال د. عمار إن الشباب يفتقد هذه الأيام القدوة والمبادئ والمثل العليا. وأن مشكلة الشباب مرتبطة بالسياق الاجتماعى والثقافى والسياسى الذى يعيش فيه وشباب اليوم يفتقد بصفة خاصة إلى الهدف القومى العام. فى أيامنا مثلا كان هناك هدف قومى واضح: الاستقلال والتحرر من القوى الأجنبية، ومن ثم كانت هناك قدوة ومبادئ ومثل عليا ومشاعر قومية جارفة. اليوم لا يستطيع الشباب أن يعى هذه الأمور فصار كل همه البحث عن المال والربح ومحاولة اكتناز ما يمكن من مصادر الثروة المادية، ويحسب له ثورة 25 يناير التى كانت مفاجأة للعالم أجمع ويجب عليه أن يهدأ ليحصد فوائد الثورة؟! وحول إصلاح التعليم قال د. حامد عمار: التعليم مسئولية الدولة فى المقام الأول ويجب أن يظل دائما قطاعا سياديا كالقوات المسلحة والشرطة والسياسة الخارجية. ويقول د. عمار أن المعونات والقروض الأجنبية أصبحت المحرك لمعظم جهود تطوير التعليم فى مصر، والتى يتحمس لها عملاء إزاحة الدولة، وفى الوقت نفسه يغترف أموالها دعاة تحرير التعليم ويتساءل: هل هذه المعونات التى تمثل الجانب الناعم من الضغوط الأجنبية لمحاربة الإرهاب وسيلة ناجحة نظرا لزعمهم بأن نظم التعليم فى مصر تولد العنف والكراهية للغرب أم أنه إلى جانب ذلك تمثل سعيا إلى قولبة الثقافة فى مصر فى قالب متأمرك؟ وما يقال عن تدنى مستوى العالم سببه فى المقام الأول ارتفاع كثافة الفصول والمدرجات، وليس مبدأ مجانية التعليم والأمر المهم إعداد المعلم إعدادا جيدا وتحسين أحواله فهو حلقة أساسية فى العملية التعليمية. رحم الله الدكتور حامد عمار رائد من رواد الفكر وعلم من أعلام الصعيد. صاحب فكر مستنير.