"نعم نكتب لأننا نريدُ من الجرح أن يظل حيًا ومفتوحًا٬ نكتبُ لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج، ونحن لم نقل له بعد ما كنّا نشتهي قوله٬ نكتبُ بكل بساطة؛ لأننا لا نعرفُ كيفَ نكره الآخرين، ولربما لأننا لا نعرفُ أن نقولَ شيئا آخر".. واسيني الأعرج من روايته "طوق الياسمين". فهل تعاطى واسيني الأعرج للكتابة كان؛ لأنه لم يعرف أن يقول شيئا آخر؟ أم لأنه يصر على الحياة ويعتبر الكتابة سلاحًا يقاوم به الموت؟! واسيني الأعرج يعيش حاليًّا بين الجزائر وفرنسا أستاذًا في جامعتي السوربون والجزائر العاصمة نموذجا للكاتب كأغلب كتاب المغرب العربي الذي يعيش حالة اغتراب لغوية مثله مثل مالك حداد، حينما صرخ مباشرة بعد الاستقلال "الفرنسية منفاي، لذلك قررت أن أصمت، أكتب باللغة الفرنسية لأقول للفرنسيين إنني لست فرنسيا". ولد واسيني الأعرج في مثل هذا اليوم 8 أغسطس 1954 بقرية سيدي بوجنان الحدودية تلمسان، ويعتبر أحد أهمّ الأصوات الروائية في الوطن العربي٬ ونشر قصصه وأولى رواياته في الجزائر، ثم ذهب إلى دمشق حالمًا بلغة عربية كان دائم البحث عنها، وهو ذو خلفية فرانكوفونية، في دمشق في العشرينات من عمره، والتي منحته اللغة والحب والاعتراف من يومها، وبدأ النشر بين بيروتودمشق. يعد الأعرج من أغزر الكتاب الروائيين المغاربة إنتاجًا٬ منها رواية "الليلة السابعة بعد الألف" والتي حملت له آفاقا من الشهرة ولفتت إليه الأنظار٬ بينما اختيرت روايته حارسة الظلال "دون كيشوت في الجزائر" ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا، ونشرت في أكثر من خمس طبعات متتالية بما فيها طبعة الجيب الشعبية، البوابة الحمراء٬ وقائع من أوجاع رجل٬ طوق الياسمين٬ وقع الأحذية الخشنة٬ ما تبقّى من سيرة لخضر حمروش٬ نوار اللوز٬ مصرع أحلام مريم الوديعة٬ ضمير الغائب٬ سيرة سيدة المقام٬ ذاكرة الماء٬ مرايا الضّرير٬ شرفات بحر الشمال٬ مضيق المعطوبين٬ كتاب الأمير٬ البيت الأندلسي٬ رواية مملكة الفراشة. ينبعث تميز الأعرج من ارتياده آفاقا جديدة في الكتابة وبحث دائم ومستمر عن سبل تعبيرية جديدة وحية٬ أكثر الكتاب تجريبًا وبحثًا عن أشكال جديدة وموضوعات وقضايا غير مألوفة غالبًا، تستوحي التاريخ لقراءة الواقع مثلما تستنبط الأزمات المعاصرة الإنسانية، الفردية والجماعية. له أكثر من تجربة في طرح فكرة روائية واحدة في أكثر من جزء منها "رماد الشرق" التي وصل الجزء الثاني منها "الذئب الذي نبت في البراري" إلى القائمة الطويلة للبوكر 2014، وهي ملحمة طويلة، تتناول الشرق بالمعنى الحضاري في كل تحولاته، وقراءة لتاريخه، وهو ما قام به واسيني رغم أن المدى الزمني للرواية يتناول مائة سنة من الحركة والنشاط والحروب والخوف والانتصارات الصغيرة، فهو لا يعيد إنتاج التاريخ؛ ولكنه يواجهه بالأدب. كرّس الأعرج للمرأة أعمالًا أدبية عدّة مثل "أنثى السراب، أصابع لوليتا، مملكة الفراشة٬ أحلام وديعة٬ مملكة الفراشات"، وعمل على هذه "الموتيفة" منذ بداياته الأولى، وربما كان هذا لظروف الوسط النسائي الذي نشأ بين جنباته؛ لأنّ رجال العائلة، إما استشهدوا أو التحقوا بالمقاومة في الجبال إبان الثورة، أو هاجروا طلبًا للعيش والعمل في فرنسا٬ رأي كيف تُسرق طفولة الصبايا وتشيخ النساء سريعًا، وكيف تخلق المرأة وسائل العيش، وكيف تقاوم باستماتة الذكورية المتيبسة والظالمة. عاش يوميات أمه وأخواته الثلاث، وهي يوميات قاسية٬ أمّه ظلت بعقلية نشطة، كتلة من الحيوية حتى رحيلها عن عمر يناهز التسعين عامًا، كانت رمزًا حيًّا للمقاومة والفعل النسائي الحقيقي٬ امرأة لا تعمل مع خمسة أبناء وزوج يستشهد تحت التعذيب، هذا النموذج من المرأة شغل عقل واسيني كثيرًا. حصل واسينى الأعرج على الكثير من الجوائز، منها: جائزة الرواية الجزائرية عن مجمل أعماله عام 2001، كما حصل على جائزة المكتبيين الكبرى عام 2006 عن روايته "كتاب الأمير"، كما حصل على جائزة الشيخ زايد للاداب عام 2007٬ كما فازت رواية "أصابع لوليتا" بجائزة الإبداع الأدبي والتي تمنحها مؤسسة الفكر العربي. وجاء في حيثيات الجائزة: "لكونها تضع القارئ في صميم الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي العربي راهنًا، وتطرح قضايا عدّة: العنف والإرهاب، الاضطهاد السياسي، المنفى والهوية، الحب والمرأة، كذلك مسألة الكتابة والعلاقة باللغة. وكلّ ذلك من خلال تقنيات سرديّة فيها من الجدّة والإبداع ما يستحقّ التنويه، وفيها من التناصّ واستلهام الأدب العالمي ما يهيّئها للاحتفاء بها كتجربة إبداعية روائية٬ أصابع لوليتا من العنوان إلى الصفحة الأخيرة تشي بنيّة واضحة لدى كاتبها بإيصال رسالة إيمان بحوار الثقافات، كما تعبّر عن قناعة لديه بأنّ الثقافة هي نتاج إنساني جامع، وأن هموم البشر ومشكلاتهم وتطلّعاتهم واحدة مهما تنوّعت تمظهراتها ". تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية من بينها: الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الدنماركية، العبرية، الإنجليزية والإسبانية.