بجانب قضايا الأمن والاقتصاد، توقعت أن تتصدر قضية مياه النيل قائمة برنامج رئيس الوزراء الجديد ابراهيم محلب، خاصة أنها تدخل فى صميم أمن مصر و اقتصادها، علما بأن (86%) من مواردنا النيلية تأتى من اثيوبيا، التى تريد الآن استخدام جزء من هذه المياه فى اقامة سد النهضة، بهدف توليد الطاقة اللازمة لمشروعاتها الانتاجية والخدمية. وما يشعل جذوة ردود الأفعال المصرية لمبادرات دول حوض النيل، هى صورة البلدان التى لم تعد ذاتها فى عام 1959، حين تم توقيع اتفاقية استغلال مياه النيل بين مصر والسودان. ايامها، كانت مصر لا تزال دولة يقوم اقتصادها على الزراعة بالدرجة الأولى، لكن هذه الصورة تغيرت تاليا، مع تضاعف عدد السكان، وعدم تغير حصة مصر من هذه المياه، وتقلص مساهمة الزراعة فى اجمالى الدخل القومى، ونمو الاقتصاد المصرى والقوة العاملة بعيدا عن القاعدة الزراعية التقليدية. أما اثيوبيا، فادعاؤها قائم على أن عرقلة تطورها، بالحد من "حقها" فى مياه النيل، وهو مسألة عادلة، وأن الحقوق المكتسبة ينبغى أن تفسح الطريق للقسمة العادلة. وفى سياق تغير الصورة فى هذين البلدين، تكاد افريقيا أن تخلو من أى دور أو مكانة مصرية، فيما وفد إليها مؤخراً الصينيون و الأتراك و الايرانيون و الايطاليون، بخلاف التواجد الفرنسى و الامريكى والاسرائيلى هناك. ويقوم الفكر السياسى المصرى حول الحقوق الحصرية بشأن النيل، اعتمادا على تاريخ استخدام المصرين لمياهه منذ الآف السنين، وكذلك من الاتفاقيات الدولية الموقّعة فى القرن الماضى، و التى أشارت إليها الاتفاقية المصرية السودانية البريطانية لعام 1929، و أكدتها اتفاقية عام 1959. وكانت مصر، تقليديا، تجابه مطالب دول الحوض، و اثيوبيا تحديدًا، بالاشارة الى أن المطر الوفير يسقط فى اثيوبيا، و الى حدّ ما فى السودان، فى حين أنها محرومة منه، و أن هاتين الدولتين يمكنهما الاعتماد على الامطار فى تطوير الزراعة. غير أن هذا التصور لا يعالج قضية بناء السدود و الخزانات لتوليد الطاقة، ولا يعالج حقيقة أن سقوط الامطار عادة ما يكون موسميا الى درجة كبيرة، وغير متساو فى توزيعه. ما الحل إذن؟ الحل هو أن يكون جيران مصر فى المنبع، بمثابة الأسواق الطبيعية للبضاعة والخدمات المصرية، مع اعتبار أن مصر تمثل أقوى اقتصاد فى حوض النيل، وأنها تتقدم على جيرانها بمواردها البشرية المتعلمة، و تطورها الصناعى، و خدماتها فى مجال التقنيات المتطورة. نحتاج اذن من الحكومة الجديدة، أن تفكر بالدفع فى هذا الاتجاه، مع تقوية علاقاتها مع دول الحوض سياسيا واقتصاديا، وربط شبكة كهرباء معها، اضافة الى التأكيد على الاستخدام المسئول للمياه، والافادة من المياه الجوفية. وفى المجمل، على هذه الحكومة أن تعمل على عودة مصر الى افريقيا، وفق رؤية مصرية طويلة الأمد.