يعشش الحزن في شقوق الحارات، يخرج ليلا يزحف يوزع الأنات على أعتاب البيوت التي مالت من طول ما صمدت أمام رياح الزمن، نور خافت في العيون والمصابيح ودروب متداخلة يتوه فيها من لا تعرفها خطاه، أسماء متشابهة لا يميز أصحابها عن بعضهم سوى عدد المرات التي نطقت فيها ألسنتهم الآه. من داخل حارة عبدالسميع بشارع محمد وهبة، بمنطقة الساحل في شبرا مصر، كان عم أحمد عبدالفتاح 55 عاماً حاضرا بجسده على الرصيف وأبناؤه الثلاثة بجواره يتقاسمون معه الوجع والبلاطات السليمة التي لا تتلوى فيها أجسادهم. في كل مرة كانت الحياة تبخل على عم أحمد بملعقة سكر يحلى بها مر فمه لكنه كان يرضى باحتساء شرابها سادة.. فالرضا في عرف القهوجي رب الأسرة كان عبادة، لكن هذه المرة وضعت له الحياة ملعقات من الملح الأجاج الاب، بعدما فقد عمله جراء أزمة كورونا، تلا ذلك تركه لمحل سكنه لعدم قدرته على سداد الإيجار. مع أزمة كورونا صاحب القهوة خفف العمالة، وتوارى في مسكن قديم في الحارة لكن واصلت الحياة إذابة الملح في كوبه فتهدل سقفه ليجبره على الخروج إلى الشارع مع أولاده وزوجته التي لم تتحمل وآثرت التمدد في قبر له سقف وباب حتى وإن كان ثراه قلق من فراق الأحباب، الذين ظلوا يتمددون الرصيف دون غطاء يحول بينهم وبين رؤية السحاب. 5 أشهر يعيشون في الشارع على صالون قديم متهالك، ينتظرون أن يصل الفرج المتعثر في أزقة ودروب القاهرة إلى حارة عبد السميع ويكون معه ولو ملعقة صغيرة من سكر يضعها في كوب هذا القهوجي شارب المر.