وكأن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي ينعي المخرج محمد رمضان ورفاقه من الفنانين الشباب، الذين توفوا في جبال سانت كاترين متجمدين بسبب إحدى العواصف الثلجية، أثناء قيامهم بتصوير فيلم تسجيلي للمشاركة في تنشيط السياحة لمصر. حيث أبدع الأبنودي قصيدته الشهيرة "الخواجة لامبو مات في أسبانيا" ليرصد من خلالها صراع الأثرياء وأصحاب النفوذ، والمهمشين والفنانين الحالمين بغد أفضل وما يصيبهم من تجمد في البرد القارس، ورغم أن قصيدة الأبنودي تدور أحداثها في أسبانيا غير أنها تنطبق إلى حد كبير على ما حدث مع رمضان ورفاقه. "الخواجة لامبو مات في أسبانيا" الضباب كان بات ليلتها ع القزاز كانت القرية اللي مات فيها الخواجة لامبو نايمة ع الجليد في الصباح اتحركت جوه المطابخ الصحون والخدامات وابتدا الدق ف محال الحديد والمكاكية ف حظاير الدواجن لبست الأطفال في إيد الأمهات في غير عناد "النهاردة العيد يا كاسبر لما سمعت ندهة الديك من بعيد ضحكت البنت اللي واقفة تشد في حبال الجرس جوه الكنيسة طالع القسيس سعيد وبإيده بينفض عبايته م الجليد كل أسبانيا بتصحى عيد وعادي والجديد الخواجة لامبو مات كانت القرية إلى دايسة عليها أسبانيا ضلام من غير عيون فلاحين فقرا بلا غيط أو كانون أسبانيين بس في شهادة الميلاد يندغوا الأحزان مع كاس النبيت إنما.. كان فيه كمان ناس أغنيا ليهم بيوت ليها سقوف طايلة السما ممتلية باللي أسبانيا فراغ منه ولامبو لامبو كان شاعر مغني يمشي والجيتار عشيقته يلمسه يملا ليل أسبانيا بفصوص الأماني والأغاني البرتقاني عمو لامبو قضى عمره في الحارات والخمارات كان يغني للعيال المقروضين كان يغني للأرامل والغلابة والسكارى السكارى اللي يعودوا من جحيم الحر في المنجم السكارى اللي المحاجر حوّلتهم زيّها أزمة وحجارة الجيتار يعشق زحام الأسطوات والأغاني بتتولد في الغلبانين والغلبانات عمو لامبو قضّى عمره في الحارات والخمارات كان يحب الشمس والناس والغيطان والجيتار وقطته أول الناس اللي تحفظ غنوته كان يغني بألف صوت يا قمر يا رغيف بعيد النهاردة الحدّ.. عيد الفقير ليه مش سعيد؟! والغناي ليه مبسوطين؟! يا قمر يا ابو عمر لسه العباد ع الحانة كابسة عاوزه تنسى عاوزه تنسى والغناي لو يسكروا يبقى لجل يفكروا يسرقوا م المسروقين؟! وجيتاره كان عجوز زيّه تمام إنما.. لُه في الكلام لامبو ما كانلوش سكن الحياة في قريته ما لهاش تمن قلب أسبانيا برونز قلب أسبانيا صفيح قلب أسبانيا عطن برد أسبانيا مراكب اترمت فيها القلوع واقفة في شطوط الزمن كل أطفال البلد كانت تحبه كلهم كانوا في يوم كورس للامبو فوق جبينه قريته كانت بترمي ضل أسبانيا الغميق وشه كان وش البلد تبتسم.. يضحكلها تزعل القرية أساه يصبغ خضار ورق الشجر وكان له قطة يعزها وامّا كان البرد مرة يغزّها لامبو يضحك لما يرفعها ف إيديه ويهزّها: "ايه يا قطة؟ يعني عيّطنا أهه انزلي اجري حلاوتك يلا بينا ع العمل" الخواجة لامبو ماشي دخل الخمارة حيّوه السكارى تارة بالضحكة وبالفزيتا تارة غنّى لامبو وبرد أسبانيا مزنهر مناخيره "يا غلابة سيروا في الأرض العريضة والسعوا النسمة بطواحين الهوا فيه في قلب الظلم حتة نجمة بيضا العمل مش حاجة ضايعة في الهوا برد أسبانيا استوى..." لامبو كان نشوان وكل ما فيه مغنّي وجيتاره بين إيديه والعباد منتورة زي الفحم لاسمر نحوه الشاويش دخل عليه: "ايه يا أسبانيا يا بطن ما فيهش عيش" هس.. بس الضلام اللي في أسبانيا ظهر برم شنابات الشاويش الشاويش صرخ في لامبو لامبو خبّى غنوتو ايّاها في عبّه بس ما رضيش ييجي جنبه والفانوس اللي في سقف الحانة متعلق رعَش الشاويش صرخ بقلبه قلبه شايل كل دوسيهات الحكومة لامبو ممنوع من أغاني الفقرا غنّي غير ده الحكومة مش حمارة لامبو بص على السكارى البرودة اللي في إيديهم جمّدت كاس النبيت لامبو دمَّع الحياة.. عايزة جسارة والخلايق عاوزة أبطالها يكون فيها جدارة عايزه أبطالها في عز البرد مشحونة حرارة الجيتارة واخدة ع اللحن النضيف الجيتارة برضه بتنام ع الرصيف برضه بتموت زيي علشان الرغيف بس ليل أسبانيا في الزنزانة له شكله المخيف والبلاط والسقعة والعود النحيف لا ما اغنّيش للفقير والسجن لا لا أغني.. لأ ما اغنّيش بس أنا راجل شريف "ايه يا أسبانيا يا سجن في كاس نبيت..." آه.. وآه لامبو من يومها وقولة آه.. غناه قريته لمّتها آه آه.. وآه والناس ترد الآهة آه الكفاح الحي أصبح آه وآه ع الكفاح لو يتقلب على شكل آه والنهاردة لامبو مات قتله ليل أسبانيا في الليل ع الرصيف قلبه كان لابس خفيف قتلته الآه قتلته في الحانة شنبات الشاويش قتلته الناس اللي غرقانة بهمومها في النبيت قتلته الدوسيهات في دواليب الحكومة قتله الطفل اللي مش لاقي الفطار طلعت الناس النهاردة للكنيسة لقوه جنب الجدار قطته جنب الجيتار قاعدة مش شايفة النهار في انتظار الليل وأسبانيا.. وشنبات الشاويش "لامبو مات" لامبو؟ يا عيني.. وتبكي الطفلتين يمسحوا دموعهم في إيد الأمهات في المناديل الجديدة "آخرة الرحلة تموت يا لامبو على طرف الرصيف وانت لو جالك فقير كنت تشوي قلبك الطيب تحطوله في رغيف؟!" قطته توطي عشان دمعتها ما تعملش ع الأسفلت صوت لامبو مات توصل الناس في الشوارع يا سلام ده أنا سايبه وهو راجع يدمعوا يرسموا فوق الصدور علامات صليب والجرس يتلوى في حبال الكنيسة كان حزين حزين.. حزين قتله الحزن يفرشوا فوقه الجرايد يركعوا الأطفال يرصوا نحو جسمه الورود والدموع غيمة على عيون الوجود "يا حبيبي يا عمو لامبو" روحي يا ماما الكنيسة وسيبيني قاعدة جنبه يا حبيبي يا عم لامبو امها تبكي وتاخذها من إيديها مات شهيد مات شهيد الليل في أسبانيا السجينة مات.. وكان عاوز يعيش غيرشي بس الظلم برَّم له شنبات الشاويش الوداع يا عمو لامبو "الوداع يا عمو لامبو" الوداع يا قطته المرمية جنبه "الوداع يا قطته المرمية جنبه" الوداع عربية الأغراب شالوه زي الهوا الوداع دق الجرس فوق الكنيسة غنت الناس غنوته الضباب عمال يضيع لجل يدي فرصة للشمس اللي حتزور.