ضمن الفعاليات الثقافية التي يقدمها معرض الكتاب، أقيمت، منذ أيام، ندوة حول الخطاب الدينى والهوية، شارك فيها د. عبد الله النجار، ود. مصطفى لبيب، كاتب هذه السطور. كان اتفاق هؤلاء المشاركين واضحا، حول أهمية الندوة، بالنظر إلى ما يزدحم به المشهد المصري في أحداث ووقائع، تشير في العمق إلى تقاطب الانتساب الديني والانتماء الوطني، وهي أحداث طرأت على وطن كان يباهي بوحدة جماعته المصرية منذ القدم. يؤكد النظر إلى تاريخية هذا التقاطب، أن مفتاح صيغته هي أرضية المواقف العملية في مواجهة التحديات، حيث يثور مع ضعف الشرعية، ويخمد في إطار المشروع الوطني، ما يعني أن العلاقة بين الانتساب الديني والانتماء الوطني، تجد تعبيرها عبر توجهين نقيضين: التوجه الأول إقصائي، يرتكز على نفي الآخر وفهم ضيق لقيم الدين، والثاني ديمقراطي، يتجاوز مفاهيم الملة، دون استبعاد القيم الدينية كمكون حضاري وثقافي. ويشار، في هذا الصدد، إلى أن الأصولية الدينية، مسيحية وإسلامية، لعبت دوراً سالبًا في إضعاف تراث التسامح والإيمان بالتنوع، حين تبنت خطابا مثّل التطرف والغلوّ وإقصاء الآخر دعوته. ذلك أن الخطاب، يرى في الهوية حقيقة مطلقة، فيما كان الاتفاق قائما لدى ممثلي حركات الإسلام السياسي، على أن الأمة الاسلامية ليست بحاجة إلى الحديث عن هويتها، ما دام الإسلام قد حدّد هذه الهوية وقدّرها، بمقتضى الإرادة الجماعية الموجودة فى الإسلام، والتي أكدتها الأخوة الدينية، ما خلق هوية تبتعد عن صراع الهويات، والطبقات والطوائف. والنقد الذي يمكن أن يوجه إلى هذا الخطاب، يكمن في نظرته إلى الجماعة الإسلامية "الأمة" من حيث النظر إلى موضعة الهوية في الماضي، وربطها بتراكماته، مما يعدّ رؤية شكلية، تختزل القيم الروحية في طقوس مظهرية. وفي محاولة للتعرف على المواقف التي يترجمها خطاب حركات الإسلام السياسي بإزاء الهوية، حدد كاتب هذه السطور أربعة مواقف، تدور حول الدولة، والديمقراطية، والمواطنة، والحداثة: فالدولة في هذا الخطاب تتراوح بين الدولة السلطانية "المتأدْينة" والدولة الدينية المقيدة ديمقراطيًا، والدولة العلمانية غير المعادية للدين، والدولة السلطانية المشوبة بالتحديث لكومبرادوري، ومثال هذه الأخيرة يتبدى في فكر جماعة الإخوان، عبر مقولة "الإسلام دين ودولة". وبالنسبة للديمقراطية، يتراوح موقف هذا الخطاب بيت القبول المشروط وبين اعتبارها مخالفة للإسلام، لكنه في المجمل يعاين الديمقراطية "كنظام انتقالي"، يسعى نحو تطبيق الشريعة وإعلان دولة الخلافة. أما عن المواطنة، فإن الخطاب يبدو عابراً للوطنية، في تكريسه لإسلام كوني، فيما يلاحظ تقليص الخطاب للحداثة إلى مجرد تقنيات تحديث. وانتهت الندوة إلى ضرورة السعي لتجاوز التقاطب بين الانتساب الديني والانتماء الوطني، عن طريق إبداع خطاب ديني يقلص من صيغه المطلقة، ورؤية تتعايش فيها الحريات الدينية والفردية، الإيمان والمواطنة، فيما لا يوجد تضاد بين أن يكون الفرد مواطنًا أو مؤمنًا متدينًا، ضمن نظام سياسي ديمقراطى تعددي حر.